قبل
ربع قرنٍ من الزمن، تساءلتً، وأنا أعرض لكتاب (الآلهة: الحيوات السرية
لمارلين
مونرو) لأنثوني سَمَرز في هذه الصحيفة، عما إذا كان قد قيل، مع هذا الكتاب
الـ 39
عنها، "ما يكفي في الأقل عن هذه القصة الحزينة". ومن الواضح أن
تساؤلاتي كانت على
خطأ كثير جداً. فكم من كتبٍ أخرى عنها قد نُشر بين ذلك الوقت والآن،
لا أدري، لكن هنا يأتينا ج. راندي تارابوريلي بما يدعوه ناشروه "سيرة
الحياة النهائية... الانفجارية، الإلهامية، المحركة على نحوٍ مدهش"، كما
جاء في عرض جوناثان ياردلي للكتاب.
و لن يدهشك أن تعلم، يقول ياردلي، أن (الحياة السرية لمارلين مونرو)
ليس كأي واحد من الكتب الآنفة الذكر. ذلك أن تارابوريلي، وهو صحافي مستقل
ــ كان من موضوعاته مادونا، وإليزابث تايلر، وديانا روس وبالطبع جاكي كندي
ــ يُدعم ادعاءه المهزوز بالأصالة على ناحيتين من حياة مونرو: النساء
الثلاث اللواتي كنَّ أموراً مركزية في طفولتها و مراهقتها المضطربتين،
والتيار القوي من حالة عدم الاستقرار الذهني الذي جرى من خلال طرف أمها في
العائلة. غير أن هذه الأمور معروفة جيداً بالنسبة لأي شخص تتبَّع حياة
مونرو وعملها الفني، وليس هناك من أمر "انفجاري" أو "إلهامي" في مناقشة
تارابوريلي لها.
ومن دون شك سيكون من المدهش بالنسية للقراء الأصغر سناً أن تستمر
مونرو في كونها موضوعاً للكتب، والمقالات، والأفلام الوثائقية، والأغاني
وما إلى ذلك على مدى أربعة عقود ونصف من الزمن بعد موتها ــ إذ أنها انتحرت
في عام 1962 ــ لكنها حتى اليوم تبقى كما كانت في العقد الأخير من حياتها،
حضوراً ثابتاً في الميثولوجيا الشعبية الأميركية. وأنا لا يمكنني هنا أن
أورد تفصيلات إحصائية، لكنني أراهن على أنك لو ذكرتَ اسم "مارلين" فإن
أربعة من كل خمسة أميركيين بالغين في الأقل سيعرفون على الفور مَن تعني.
هذا التعرّف المباشر من الاسم الأول يمنح نوعاً من الخلود، ولا تبدو
على مونرو أية إشارة إلى التلاشي. فهناك فلم واحد فقط من الـ 31 فلماً التي
ظهرت فيها يتمتع بقوة باقية ــ وهو فلم "البعض يُحبه ساخناً" ــ ومع هذا
فإن صورتها، في السينما والصور الفوتوغرافية الساكنة، تبقى إلى يومنا هذا
الصورة المصغرة الأميركية للجمال الأنثوي والاغراء الجنسي. وتبدو صورتها
العارية بملابس السباحة التي التُقطت لها في عام 1949 أليفةً على نحوٍ
حقيقي لدى الناس، ولو أنها فقدت إغراءها اليوم. أما الصور الشهيرة لوجهها
التي عملها أندي ورهول، فيمكن أن لا تكون فناً، لكنها صناعة أيقونية
بالتأكيد. ولاتزال علاقاتها الزواجية أو الجنسية مع بعض أشهر رجال عهدها
ذاك ــ جو ديماغيو، أرثر ميلر، فرانك سيناترا، جون ف. كنيدي ــ موضع قيل
وقال، وتجميل رومانسي، وتشويه. وباختصار، فإنها ثابتة على مر الزمن.
وأنا أحد الأميركيين الذين يظلون يتذكرون يوم موتها. ففي مساء 5 آب
1962، كنت أغادر بولو غراوندز بعد مشاهدة مباراة حين رأيت باعة صحف يلوّحون
عند مدخل نفق للمشاة بطبعات إضافية ذات عناوين كبيرة بالأسود. فأصابني
الذهول، كما هي حال جميع من كانوا هناك واحتشدوا ليشتروا نسخاً من الصحيفة.
فبعد كل شيء، كانت مونرو تبلغ 36 عاماً فقط ــ 13 سنة أكبر مني لا غيرــ
وكانت الصور الفوتوغرافية تشير إلى أنها في قمة جمالها آنذاك. فأن تموت،
أمرٌ لا يمكن تصديقه أو تحمله.
ويمكنني القول أن ما كُتب عنها لم يكن جيداً بشكل عام، مثلما هي الحال
مع هذا الكتاب الذي يتّسم بنثرٍ غير قابل للهضم وغير مناسب. ومحاولات مؤلفه
في التحليل النفساني إما واضحة أو غير ملائمة، واستكشافه لحياتها الشهوانية
خليط من الرغبة في الإثارة وعدم الكفاءة (فهو يخبرنا من ناحية أنها كانت
"غير مهتمة بالجنس"، وبعد مئات قليلة من الصفحات أنها كانت مخلوقاً من
الهوى)، ولا يقول لنا تحليله لأفلامها أي شيء جديد. ومَن لا يعرف شيئا عن
حياة مونرو وأسطورتها سيجد الحقائق الأساسية هنا، لكن من دون أن يستمد أية
متعة من ذكر تارابوريلي لها.
فقد ولدت نورما جين مورتينسن (وهو اسمها الحقيقي) يوم 1 حزيران 1926
في المستشفى العام بلوس أنجلس. ومع أن أمها، غلاديس بيكر، كانت قد تزوجت
سابقاً، فإن هوية أبيها كانت وتبقى مجهولة. وكانت غلاديس غير مستقرة الحال
(بتعبيرٍ مشفق) وحوَّلت الطفلة إلى رعاية امرأة تُدعى إيدا بوليندر، التي
أحبتها وأرادت أن تتبناها، لكن غلاديس ظهرت ثانيةً في الآخر واستعادت
الطفلة. ومن حسن حظ نورما جين أنه كان لأمها صديق، هو غريس أتكينسون ماكي،
الذي وفر لها العاطفة و الإرشاد، غير أن الطفلة أصبحت غيرمستقرة وبحاجة
ماسة إلى الحب، وستظل هكذا بقيةَ حياتها.
وقد أدرك الناس مبكراً ما كانت تتمتع به من جمال نادر، ورأى غريس لها
إمكانيات في السينما. وبالطبع فإن كل فتاة حسنة الشكل في لوس أنجلس كانت
لديها الفكرة نفسها، لكن نورما جين كانت لديها الأغراض المطلوبة. فبعد أن
أصبحت موديلاً لمصور واسع النشر، قامت بتوقيع عقد مع شركة
MGM بعد عيد ميلادها العشرين بقليل، و غيرت اسمها إلى مارلين مونرو،
بإصرار من الاستوديو، وبدأت تقدماً غير مؤكد بالأحرى نحو الشهرة التي
حققتها بفضل الصور العارية ونجاح دورها التمثيلي الأول أمام جوزيف كوتون في
فلم "نياغارا" عام 1953.
وكان عدد من أفلامها التالية مكاسب كبيرة لشباك التذاكر، خاصة "تلهُّف
السنوات السبع" 1955، بمشهد تنورتها المرفوعة الشهير، لكنها كانت تقوم في
الغالب بأدوار الشقراء المثيرة جنسياً التي كانت تستاء منها؛ فقد كانت ذكية
وطموحة للقيام بأعمال جادّة ولو أن مسألة كون ذلك سيكون مناسباً لها تظل
مجهولة. وقد تزوجت ثلاث مرات، من دون سعادة أبداً. وقد أدمنت تناول
المخدرات، وكانت تشرب أحياناً كثيراً جداً، وهي رفقة لم تفعل شيئاً لتحسين
شعورها المتعمق بعدم الاستقرار واللاتوازن الذهني.
و أخيراً، فإنها كانت شخصاً مهذباً، وعطوفاً، يريد أن يكون محبوباً
لكن ذوقها كان سيئاً في الرجال، الذين استغلها كثيرون منهم وأساءوا
معاملتها. فقصتها حزينة بشكلٍ يفوق الوصف، وتظل تحتفظ بقوتها حتى مع كاتب
مثل تارابوريلي.
عن/The
Washington Post
المدى العراقية في
13/10/2009 |