عجيب هذا الفن السينمائى الساحر، فهو قادر دوما على ارتياد عوالم جديدة فى
الفن والحياة. لقد ظلت السينما لفترة طويلة مكبَّلة بأغلال النظريات
السينمائية، تقول لها إحدى النظريات أن السينما "يجب أن تكون" كذا،
فتعارضها نظرية أخري: بل "يحب أن تكون" كيت، لكن صناع الأفلام لم يرضخوا
أبدا لتعاليم هذه النظرية أو تلك، وبدلا من عبارة "السينما يجب أن تكون"
أصبح الشعار والهدف هو أن "السينما تستطيع أن تكون هذا أو ذاك أو كليهما
معا"، تستطيع أن تكون شديدة الواقعية والخيال فى آن، وأن تمنح المتفرج صورة
مطابقة للواقع الطبيعى الخارجى بنفس قدرتها على أن ترسم ملامح الواقع
النفسى الداخلى، أو قل أنها قادرة على أن تستخرج من العالم المنطقى فى
ظاهره كل ما يمكن أن يتناقض مع المنطق، وأن تجعل من السريالية صورة للواقع
أكثر صدقا فى إمساكها بجوهر الوجود.
هذا ما أكده لى الفيلم الأسترالى "مارى وماكس"، الذى لن يجد بدوره مكانا
للعرض الجماهيرى فى أسواقنا العربية، لأنه فيلم "تحريك" ليس موجها بحال إلى
الأطفال كما نتصور عن أفلام التحريك، بل ربما يحتاج إلى قدر كبير من نضج
المتفرج، لأنه يتعامل مع العديد من القضايا شديدة الجدية حول "الوضع
الإنساني" فى هذا العالم، بمسحة لا تخلو من الفلسفة الوجودية والسخرية
المريرة معا. وفى الحقيقة أن "مارى وماكس" ليس استثناء نادرا فى هذا
المجال، فقد دخلت أفلام التحريك فى الآونة الأخيرة إلى عالم بعيد عما
اعتدناه فيها، مثلما هو الحال مع فيلم المخرج الأمريكى ريتشارد لينكليتر
"حياة اليقظة"، وفيلم المخرجة الإيرانية مارجان ساترابى "بيرسيبوليس"،
وغيرهما من الأفلام التى لم تعرض عندنا للأسف الشديد، ففى هذه الأفلام تأكد
أن فن التحريك "يستطيع أن يكون" أداة للتأمل النفسى والفلسفى، وهو ما يبدو
ـ للأسف الشديد مرة أخرى ـ عصيا على تصديقنا، لأن مفهومنا عن التحريك ما
يزال محصورا فى "ميكى ماوس" وأقرانه من الحيوانات والكائنات الخيالية!
من جانب آخر فإن فيلم "مارى وماكس" لا يلجأ أبدا إلى أية تقنيات
كومبيوترية، فى زمن أصبح فيه الكومبيوتر متسلطا حتى على الأفلام
"الواقعية"، من خلال ما يستطيعه من تحقيق مؤثرات بصرية شديدة الإبهار تارة،
أو أنه قد يوفر ميزانية هائلة بالاستغناء عن بناء ديكورات ضخمة، يملك
الكومبيوتر أن يخلقها ويضيفها ببعض لمسات على أزراره. على العكس يعود فيلم
"مارى وماكس" إلى تحريك عرائس الصلصال باستخدام تقنية تسمى "إيقاف الحركة"
أو التصوير "كادرا وراء الآخر"، وهى تقنية تحتاج إلى عشرات أو مئات من
الفنانين لتشكيل العرائس وتحريكها حركات شديدة الرهافة، يتم تصوير كل حركة
منها فى "كادر" منفصل، وبتتابع الكادرات فى آلة العرض، أربعة وعشرين كادرا
كل ثانية، يتحقق فى عين المتفرج الإيهام بحركة العرائس والدمى، وأقصى ما
يستطيع فريق العمل إنجازه بهذه التقنية لن يزيد على تصوير ثلاث ثوان من
الفيلم فى اليوم الواحد.
تعود هذه التقنية فى فن التحريك إلى عصر السينما الصامتة، لكنها بلغت
ذروتها خلال ستينات القرن الماضى مع المدرستين التشيكوسلوفاكية
واليوغوسلافية، غير أنها تعاود الظهور الآن بين الحين والآخر، مثلما هو
الحال مع فيلم التحريك البريطانى الرقيق والعميق "هروب الدجاج". قد يتساءل
المرء: ولماذا هذا الجهد إذا كان من الممكن تحقيق التحريك باستخدام
الكومبيوتر؟ والإجابة تكمن فى حقيقة أرجو أن تتأكد فى وعى صناع أفلامنا:
"إن وراء كل اختيار تقنى قرارا جماليا وسياسيا". وإذا طبقت هذه الحقيقة على
تقنية تحريك الصلصال، فهو أن لهذه المادة ثقلا يجعلها دائما ثابتة على
الأرض، وفى تشكيلها تجد الملامح الإنسانية أكثر وضوحا على العرائس والدمى
حتى لو كانت تصور كائنات غير بشرية، وبكلمات أخرى فإن استخدامها يساعد
الفيلم على أن يكون أكثر "واقعية" بالمعنى الأرحب للكلمة، وهى الواقعية
التى بلغت درجات قصوى مع فيلم "مارى وماكس"، الذى لا ينسى أن يذكرك مع
عناوينه الأولى، وتلك ملاحظة مهمة، أنه يعتمد على "قصة حقيقية".
إنها قصة فتاة أسترالية تدعى مارى، تعانى الوحدة والشعور بالاغتراب، وفى
بحثها عن التواصل الإنسانى تقع عيناها بالصدفة على عنوان رجل أمريكى كهل
يدعى ماكس، فتقرر أن تراسله، وتحكى له فى خطاباتها وبعفوية بالغة عن قلقها
ومخاوفها، التى تُذكِّر ماكس بقلقه ومخاوفه فى طفولته، وبالحال التى أصبح
عليها بدوره الآن فى وحدته، فيرد عليها. وهكذا يظل الحوار على الورق زمنا
طويلا عبر القارات، ليحقق لهما تواصلا بين نقيضين وإن كانا فى الوقت ذاته
متشابهين، وعندما تمر السنوات تحاول مارى أن تتغلب على مشكلاتها الذاتية مع
العالم، فتقرر أن تتخصص كطبيبة نفسية فى الحالة المَرَضية التى يعانى منها
ماكس، الذى يفاجأ بأنها قد ألّفت عنه كتابا فيغضب ويصمم على مقاطعتها، لذلك
فإنها تفكر فى النهاية فى أن تسافر إليه عبر هذه المسافة الطويلة لكى تعتذر
له، لكنها عندما تصل يكون قد لفظ أنفاسه الأخيرة!
هناك ملاحظتان مهمتان أعرف أنهما لم تفوتا عليك، الأولى هى أن هذه الفكرة
كان من الممكن تماما تحقيقها بممثلين حقيقيين دون الحاجة إلى فن التحريك،
أما الملاحظة الثانية فهى أنها فكرة قاتمة تماما حتى أنه قد لا يمكن تصور
تنفيذها بتقنية تحريك الصلصال، لكن هاتين الملاحظتين تلخصان "مضمون"
الفيلم: إن الشخصيات الصلصالية تضفى بعدا شبه تجريدى على الشخصيتين
الرئيسيتين مارى وماكس، بحيث تجعلهما تلخيصا ـ دون اختزال ـ لأزمة إنسانية
أكثر عمقا وشمولية، أزمة الطفولة والكهولة فى عالم يصعب أحيانا قبوله أو
حتى التعامل معه، بل إن القتامة تتحقق باستخدام عناصر الصلصال باختيار لون
معين لها (وهذا يختلف تماما عن أن ترى ممثلا حقيقيا)، وأرجو أن تلاحظ أن
مارى وعالمها فى أستراليا يغلب عليهما اللون البنى، بينما ماكس القاطن فى
نيويورك يعيش عالما رماديا، وكأن المفروض عليهما أن يعيشا فى عالم ذى بعد
واحد، وذى لون واحد، عالم يصنع منهما أرقاما ولا يريد لأى منهما أن يحقق
ذاته الحقيقية.
فلتتأمل أولا عالم ماري: بيوت الضواحى الأسترالية المتشابهة، والحياة
الرتيبة المملة، وشعور بالوحدة يجثم على روح الطفلة، فزملاء الدراسة
يعايرونها بوحمة بنية اللون على جبهتها، وأبوها يعمل فى مصنع للشاى، كل
وظيفته تعليق الخيوط فى الأكياس (هل تذكر شابلن فى "العصر الحديث"؟)، وهو
فى المساء يعيش مع طيور ميتة يجدها على الطريق فيحنطها فى أكداس تحيط به،
أما الأم فهى غارقة فى الإفراط فى التدخين والخمر، كما أنها مصابة بمرض
السرقة من المحلات، والمطلوب بعد ذلك كله من مارى أن تقبل هذه الحياة على
أنها "حقائق"، ونحن فى الفيلم نراها تقاوم، بالمواظبة على مراسلة الكهل
الأمريكى ماكس، وبغرامها بجارها الصبى داميان يونانى الجذور، لكن الأيام
المقبلة سوف تضيق الخناق عليها، حتى أنك تجدها فى إحدى لحظات الفيلم وقد
تحولت إلى شخصية شديدة الشبه بالأم، مما يجعل المتفرج يشفق عليها من هذا
المصير.أما عالم ماكس، هذا العالم النيويوركى الرمادى، فلا يتيح للرجل إلا
أن يقبع فى غرفة صغيرة فى تلك البنايات العالية التى تكاد أن تحجب السماء،
وقد تخلَّى عن صديق طفولته الخيالى الذى يصنعه الأطفال ليحدثوه فى وحدتهم،
هذا الصديق الذى نراه يجلس الآن بدوره وحيدا فى ركن الغرفة! إن ماكس يجتر
ذكرياته الأليمة عن فشله فى عمله وعلاقاته، بل ذكرى أكثر ألما عن طفولته
حين كان يعانى من الاضطهاد فى بولندا بسبب ديانته اليهودية، وبرغم اندماجه
فى بلوغه فى المجتمع الأمريكى فإنه يكتشف أن اضطهادا من نوع آخر يطارده،
هذه المرة بسبب انتمائه للطبقة الفقيرة، المكتوب عليها أبدأ أن تكون وقودا
للآلة الرأسمالية الجهنمية، إنه مستهلَك فى عمله أثناء النهار، مستهلِك فى
غرفته خلال الليل، يأكل الحلوى والمعلبات دون وعى حتى أنه يصبح بدينا يكاد
أن يعجز عن الحركة.
هل تلك حقا هى "حقائق" الحياة الأزلية الأبدية، التى لا مفر أمامنا من أن
نقبلها؟ هذه هى الرسالة الأصيلة فى الفيلم الذى يبدو للوهلة الأولى وجوديا
قاتما، لكنه يدعوك إلى التمرد على هذه الحقائق المزعومة المغلوطة. تأمل على
سبيل المثال السؤال التقليدى البريء الذى توجهه الطفلة مارى لوالديها: "كيف
يأتى الأطفال إلى العالم؟"، فتكون الإجابة أنهم يأتون بسبب حادث، لكن جدها
"يصحح" لها المعلومة: إن الوالدين يجدان الأطفال فى قاع كوب "البيرة"! تسأل
مارى صديقها الكهل فى إحدى رسائلها عن كيفية قدوم الأطفال الأمريكيين إلى
العالم، فيجيبها أن والديه بدورهما قد خدعاه بإجابات شديدة السذاجة عندما
كان طفلا. هذا هو العالم وحقائقه التى ينقلونها من جيل إلى جيل، يصنعون من
البشر أرقاما ليسوا فى النهاية إلا جزءا من قطيع ينتظر الموت أو الذبح، فى
عالم يقوم فيه الأطباء النفسيون بإقناع الناس بالإذعان والرضوخ لهذا الواقع
الخالى من المنطق والمعنى والأخلاق. فى أحد المشاهد يكتب ماكس فى رسالته
لمارى عن أن لديه العديد من الأسئلة التى لا يحاول أحد الإجابة عنا، وهى من
شدة بساطتها تبدو بدهية تماما: "لماذا فى أماكن غنية من العالم يلقون
بالطعام فى البحر بينما يموت الأطفال من الجوع فى أماكن أخري؟ لماذا يزيلون
أشجار الغابات بينما هم فى حاجة للأوكسجين؟ لماذا يكتبون مواعيد وصول
الحافلات على المحطات وهى لا تصل فى موعدها أبدا؟!".
يتخذ فيلم "مارى وماكس"، الذى كتبه وأخرجه وصمم عرائسه آدم إليوت، أسلوبا
أقرب إلى الأسلوب الأدبى، فهو لا يحتوى إلا على عبارات حوار نادرة، بينما
يعتمد على تعليق الراوى (صوت بارى همفري)، وعلى صوتى مارى وماكس فى
رسائلهما (يؤدى صوت مارى فى طفولتها بيتانى ويتمور، وفى شبابها تونى كوليت،
بينما نسمع صوت الممثل الأمريكى فيليب سيمور هوفمان فى دور ماكس فتشعر أن
للدمية لحما ودما وروحا). لكن أسلوب الفيلم ليس فى الحقيقة أسلوبا أدبيا
خالصا، فقد استخدمه ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ وودى ألين فى أفلامه
الكوميدية الوجودية القاتمة، التى يتشابه عالمها كثيرا مع عالم "مارى
وماكس"، كما أن هذا الأسلوب لا يهدف إلى تصوير أية "أحداث" بالمعنى الحرفى
للكلمة، لكن هدفه الأهم هو تأمل الشخصيات، من خلال التعليق أو مونولوجات
الرسائل المتبادلة، التى تنضح كلماتها ببراءة وصراحة السخرية المريرة، أو
بالتناقض أحيانا بين الكلمة والصورة، فالأرقام قد تعنى الفوز بتذكرة
لليانصيب، لكنها قد تعنى أيضا تاريخى الميلاد والموت على شاهد القبر! يقول
لك فيلم "مارى وماكس" برغم قتامته الظاهرة أنه يجب علينا أن نرفض الامتثال
للواقع المشوَّه المشوِّه، فهو ليس الواقع الممكن الوحيد، وأن نرفض أن نكرر
المأساة الإنسانية التى ليست من صنع القدَر بل من صنع البشر، الذين يريدون
تحويلنا إلى كائنات مستهلَكة مستهلِكة، والبداية كما يقول الفيلم: "فلتتعلم
أولا أن تحب ذاتك... لابد أن نتقبل ذواتنا حتى لو كانت مختلفة عن القطيع،
بكل ما فيها من ندوب... لا تجعل الآخرين يبتلعونك فى قطيعهم". وبذلك فإن
فيلم "مارى وماكس" يمثل صرخة للحرية فى زمن الرضوخ!
العربي المصرية في
24/11/2009
«ظواهر
غير طبيعية» درس أمريكى للمنتجين
العرب
منى الغازي
لا جدال أن هوليوود عاصمة السينما فى العالم وأى متعارض مع ذلك سيكون من
أرباب (خالف تعرف) ونظرية (الحنجورية الفارغة) ومن هنا كانت التبعية
السينمائية لهوليوود لا تعنى الضعف ولا الفشل وإنما تعنى رد الحقوق إلى
أصحابها، فالسينما تتكون من ثلاثة أضلاع كما يعرف الجميع بشكلها النظرى
(صناعة وتجارة وفن) وإن كانت الخطوات الطبيعية لصناعة الفيلم هى المعكوس
حيث تبدأ من عند الفنان الذى يمتلك ما يقدمه للجماهير ويعثر التاجر فيه على
ما يلزمه ويثير داخله رغبة الاستثمار المالى فى المجال الفنى ويدفعه إلى
توفير الصناعة المناسبة لخروج العمل فى أفضل شكل له يضمن النجاح للعملية
الاستثمارية الفنية.
ولكن فى هوليوود بما أننا فى بلد المنشأ للنظرية الأساسية والتطبيق المعاكس
فإن كل شيء مباح مما قد يتعارض مع النظرية والتطبيق من باب أن لكل قاعدة
شواذا لتأكيدها الحالة الشاذة هنا تتكرر كل بضعة أعوام لتؤكد النظرية ليس
والحكاية تبدأ من عام 2006 حين تعرض الشاب أورين بيلى لمجموعة من الحكايات
عن الأشباح والقوى الخارقة ذكرته بحوادث أخرى من الماضى وبمتابعة الحوادث
المشابهة على شبكة الإنترنت تبلورت فى عقل أورين صورة بصرية لمشروع شريط
فيلمى تقوم فكرته على تساؤل بسيط وهو: ماذا يحدث لو توفرت كاميرا لتصوير
تلك الظواهر غير الطبيعية ومن هنا كانت البداية وتوغلت الفكرة فى رأس أورين
وبدأ يحاول إقناع أصدقائه وبالفعل حصل على تفاعل ومساندة من مجموعة من
الأصدقاء هم تونى تيلور وجاسون بلوم وستيفين شنيدر وأمير زبيدا وتم تجميع
الميزانية من مصروفهم الخاص ووافقوه على خوض التجربة وتم وضع خطة عمل
وسيناريو تخطيطى كتبه وارين ووقع الاختيار على منزل بيلى لتصوير الأحداث
داخله وتم ترتيب الأحداث على هذا الأساس فى السيناريو التخطيطى وتم الإعلان
عن إجراء اختبارات لاختيار أبطال الفيلم ومن عدد قليل من المرشحين يختار
وارين أبطال فيلمه كاتى فيثرستون وميكا سلوت ومارك فريدريش واشلى برامر
ونظرا لأن الجميع غير محترفين وفى تجاربهم الأولى يقرر وارين أن يظهر كل
منهم باسمه الحقيقى لتفادى الأخطاء ويتم تحديد موعد لبدء تصوير الفيلم وتم
استئجار كاميرا وبدأ التصوير قبل انتهاء النسخة النهائية من السيناريو مما
دفع الممثلين إلى ارتجال الحوار أثناء التصوير واستعان بصديقته كريستال
كارتريت لعمل الماكياج وتم انتهاء من تصوير الفيلم خلال أسبوع واحد قامت
خلاله مجموعة العمل بالإقامة الدائمة داخل منزل وارين والعمل ليلا ونهارا
حتى انتهى الفيلم، ليبدأ وارين العمل على مونتاج الفيلم وحده وفى العمليات
النهائية يستعين بوحدة مونتاج احترافية ومهندس صوت ومصمم للمؤثرات الصوتية
من احد استوديوهات أفلام الهواة التى توفر له أجهزة بأجور منخفضة وينتهى
وارين من فيلمه عام 2007 بتكلفة قدرها 15 ألف دولار (80 ألف جنيه تقريبا)
ويحاول عرض الفيلم فى الجامعات بتذاكر مخفضة ولكن دون جدوى ويساعده بعض
الأصدقاء فى إيصال الفيلم إلى مسئولى دريم ووركس الذين يتولون بدورهم عرض
الفيلم على الشريك المؤسس والمستشار الخاص للشركة المخرج ستيفن سبيلبرج
الذى يبدى إعجابه بالفيلم وينصح بإعادة تنفيذه بشكل احترافى وسيناريو محبوك
وبنفس مجموعة العمل وبالفعل يتولى آدم جولدمان المنتج الفنى الإشراف على
تنفيذ الفيلم الجديد ولكن العرض الخاص للفيلم يأتى بفشل ذريع مما يدفع
بجولدمان إلى اقتراح عرض الفيلم الأصلى فى دور العرض بدلا من الجديد
وبالفعل ينزل إلى دور العرض فيلم الرعب منخفض التكاليف (ظواهر غير طبيعية)
ليحقق انتشارا ونجاحا متتالى بدءا من الإقبال الجماهيرى غير العادى انتهاء
بالحفاوة النقدية ولتتضاعف عدد دور العرض من يوم لآخر فينتقل من 150 دار
عرض فى اليوم الأول إلى 800 دار عرض فى اليوم الثالث وليحقق فى يومه الأول
7 ملايين دولار تنطلق إلى 20 مليونا فى اليوم الثالث مما يدفع بآمال الشركة
نحو طموحات كبرى فى تحقيق إنجاز فى عالم الأرقام القياسية فى الإيرادات
خاصة مع تربع الفيلم على شباك الإيرادات فى أمريكا لأربعة أسابيع متتالية.
تدور أحداث الفيلم حول (كاتى وميكا) اللذين انتقلا إلى منزل جديد فى سان
دييجو فى ولاية كاليفورنيا. كاتى تهتم بالأمور الغيبية وتصدقها وتعتقد أن
الأرواح الشريرة تتبعها منذ الطفولة، ولكن "ميكا" صديقها يفكر بطريقة عكسية
فهو يرى أن فكرة وجود أشباح هى فكرة سخيفة لا تستحق سوى السخرية ولإثبات
وجهة نظره يقوم بإدارة كاميرا لالتقاط ما يحدث بالمنزل ليلا ونهارا وبعد
عدة ليال من الأحداث الغريبة يبدأ ميكا فى الشك بأن هناك نوعا من الأشباح
فى منزلهم الجديد ويلجأ الاثنان إلى أحد المتعاملين مع الأشباح والأرواح
ولكنه لا يستطيع تقديم مساعدة لهم فيحضر ميكا لوحة ويجا فى محاولة لإجراء
محادثات مع الأرواح، الأمر الذى يغضب كاتى والأشباح ويصعد الأمور فى طريق
المواجهة الدامية.
مما سبق يتضح لنا أننا أمام فيلم لا يعتمد على أى تقنيات متطورة أو معقدة
كما أنه يخلو من أعمال الجرافيك التى تعتبر أحد أهم أساسيات أفلام الرعب فى
الفترة الحالية مما يضعنا وجها لوجه أمام السؤال: ما الذى يميز ذلك العمل
البسيط على المستويين الفنى والجماهيري؟ وتأتى الإجابة موضحة ببساطة بأن
نجاح هذا العمل إنما ينبع من حالة الصدق المفزعة فى الفيلم، فأنت أمام حالة
شبه واقعية تسحبك بشكل تدريجى للدخول مع أصحابها قد ساعد على ذلك الأداء
المترهل للممثلين والاعتماد على الإضاءة البسيطة والحوار المرتجل مما يدفعك
للإحساس بالجو التوثيقى وهو ما يدفع بالمتلقى العادى إلى منطقة الفزع الذى
قد يمتد لأيام تالية للمشاهدة، أما النواحى الفنية فإن الفيلم يحمل تجربة
إخراجية رغم بساطتها إلا أنها مميزة وهى تنحصر فى زرع الكاميرا كشخصية تعيش
الأحداث متفق على وجودها ثم تناول الفيلم كاملا من وجهة نظر تلك الشخصية
وهو أمر معقد إخراجيا يفرض على المخرج لى أذرع الأمور لتتناسب مع ما فرضه
إلا أن تلك الفكرة كانت احد أهم أسباب نجاح الفيلم.
فى النهاية فإن تلك الحدوتة ليست للتسلية ولا للعلم بالشيء ولكنها موجهة
إلى صناع السينما المنخفضة التكلفة فى مصر والذين يدمجونها مع الانخفاض فى
الفكر والقيمة الفنية متخيلين أن الانخفاض إنما يجب أن يكون على جميع
المستويات، إنما هو إلا انخفاض فى عقولهم ولكنهم لا يعلمون.
العربي المصرية في
24/11/2009 |