ثمة أصوات فردية خرجت علينا من خلال
الشاشة الصغيرة بالعديد من الفضائيات تهاجم ثورة يوليو وقائدها جمال
عبدالناصر،
تحولت من ظاهرة سياسية وإعلامية مرتبطة بالمناسبات القومية والأعياد
الوطنية إلى
تيار كامل يعبر عن نفسه في المسلسلات والأعمال الدرامية وحتى
البرامج
الهزلية!
عدد من المسلسلات حملت نبرتها كثيرا من الهجوم على فترة الستينيات
وإنجازاتها بشكل إتسم بالفجاجة وما يمكن أن يسمى بنكران
الجميل، وتعد هذه الخطوة
تطورا لسياسة بدأت على استحياء منذ فترة طويلة في محاولة لاستخدام الإعلام
كسلاح ضد
القوى السياسية المنتمية للتيار الناصري والتي تشكك بدورها في انجازات
المرحلة
الحالية وتثبت بالأدلة القاطعة أن المرحلة يغلب عليها الشعارات
والدعائية أكثر ما
يغلب عليها الإنجاز الحقيقي، أمام هذه الحرب الكلامية المتبادلة لجأ حملة
المباخر
الى إعتلاء المنابر الإعلامية للهجوم بضراوة على عبدالناصر وثورته ورجاله،
وعليه تم
تشجيع كل المصنفات الفنية التي تنتهج نفس النهج فعلى سبيل المثال تذكر
المسؤولون
أخيرا قضية السد العالي وتأثيراته السلبية المزعومة على النوبة وسكانها
الذين شردهم
رئيس الجمهورية العربية المتحدة بقراره التاريخي ببناء السد،
ومن ثم بدأ التليفزيون
المصري في عرض فيلم النيل والحياة الذي يناقش هذه القضية من منظور سلبي
متجاهلا ما
صنعه نظام يوليو لسكان النوبة كتعويض لما خسروه من قرى وأنشطة تجارية وغير
ذلك،
فالفيلم يعرض ويعاد يوميا لتأكيد الوقيعة والفتنة بين أهل
النوبة ووطنهم الأصلي
مصر، كذلك تكرر أيضا عرض فيلم اللعب على جبال النوبة المأخوذ عن رواية بنفس
الإسم
للروائي النوبي إدريس علي وهو انتاج قطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون،
إذا يلعب
السيناريو على القضية ذاتها بقصدية واضحة لإعادة النفخ في
النار مرة ثانية وثالثة
ورابعة، إذ تتناول الأحداث قصة البطلة حنان مطاوع الفتاة المدنية التي
يتبرأ منها
والدها النوبي ويرسل بها الى جدتها في النوبة فتسومها سوء العذاب، إلى أن
تحاول
الهروب والعودة إلى القاهرة فيتم ضبطها من قبل أهل القرية
وينكل بها كعنصر غريب
متمرد خارج على العادات والتقاليد الصارمة، هذا الفيلم مثلا مجرد عينة من
أعمال
متشابهة من بينها فيلم بعنوان 'شامية' بطولة حنان ترك ومحمود مسعود يطرح
ذات الهموم
النوبية ويحمل السد العالي مسؤولية فصل النوبة عن مصر العليا،
وغير هذا الفيلم وذاك
توجد عشرات الأعمال الدرامية المنتسبة لنفس التيار العدائي الذي يسفه كل ما
حققته
الثورة وما أنجزه الرئيس عبدالناصر طوال فترة حكمه فكما عرض التليفزيون في
العام
الماضي مسلسل الملك فاروق الداعم لفكرة عودة الملكية والمبشر
بالليبرالية الجديدة
فإنه يعيد ويزيد في عرض مسلسل حرب الجواسيس بطولة منة شلبي التي تقوم بدور
صحفية
يتم تجنيدها من قبل المخابرات المصرية بعد اعترافها بالتعرض لمحاولة تجنيد
مماثلة
من جانب المخابرات الإسرائيلية، وبرغم أن المسلسل تدور أحداثه في فترة
الستينيات
وهي الفترة المشهود لها بالتفوق المخابراتي ويقظة أجهزة الأمن القومية إلا
أن الأمر
لم يخلو من بعض السخرية والتهكم على الشعارات المرتبطة
بالمرحلة والخاصة بدور
الإعلام في التعبئة المعنوية والتحفيز على القتال ومقاومة إسرائيل، العدو
التقليدي
لكل العرب، المسلسل يعتبر أن مثل هذه الشعارات انتهى عصرها وولى أوانها،
فالقصة
التي كتبها الراحل صالح مرسي واستقى وقائعها من ملف المخابرات
المصرية طوعها
السيناريست بشير الديك لخدمة الرؤية العصرية لكي يكون الخطاب الدرامي متسقا
مع
الخطاب الإعلامي المهزوم، إذ لا مجال للبطولات والمنتديات فالوقت وقت
الانبطاح
والتطبيع الاقتصادي والثقافي والتجاري وغيرها من أمارات الخزي والعار.
لقد
أنبأتنا الحلقات الأولى من المسلسل بالمضمون كله المختزل والمتضمن في
الثلاثين حلقة
فتكشفت ملامح اللعبة الدرامية المكررة ايضا في مسلسل 'ماتخافوش'
بطولة نور الشريف
مقدم البرنامج المهم بإحدى القنوات الفضائية السياسية الذي يطرح القضية
الفلسطينية
على طاولة الحوار الهادئ من وجهة نظر الحكومة والإعلام المصري فيشير بسخرية
إلى
ضرورة القبول بوجود الطرف الآخر وإسرائيل على الإراضي المحتلة
فيما يشبه الوطن
الائتلافي وهي ذاتها فكرة الاستيطان المرفوضة شكلا ومضمونا والتي عكسها
الطرح
الإعلامي للقضية الفلسطينية على هذا النحو وأدى إلى إندهاش الجمهور من قبول
نور
الشريف لهذا الدور غير فطين الى أن ما يجسده الفنان يحمل نقدا شديدا لمن
يطرحون هذا
الطرح ويقومون بدور حمامة السلام بين الأطراف المتنازعة، وليس
بالضرورة هنا أن يكون
البطل أو الممثل يحمل وجهة النظر نفسها ولكن ربما يكون على النقيض منها وهو
ما
ينطبق على نور الشريف لو قارنا بين آرائه السياسية التي يعلنها وبين دوره
في
المسلسل لأنه ليس شرطا أن من يقوم بدور تاجر مخدرات في فيلم ما
أن يكون هو ذاته
تاجر مخدرات، وإنما العكس هو الصحيح بالطبع.
في مسلسل آخر وبرؤية ملتوية تصب نفس
الفكرة في نفس الإطار، فما يسمى بالبوابة الثانية هو عمل درامي ضخم قام
بإخراجه علي
عبدالخالق وتتزعم فيه البطولة نبيلة عبيد، حيث تدور الأحداث حول القضية
الفلسطينية
أيضا ويتم الإتكاء في عملية الترويج للسلام المشبوه على
الخلافات بين منظمة 'فتح'
ومنظمة حماس في محاولة ماكرة لتأكيد حاجة الطرفين إلى قبول التفاوض مع
إسرائيل
بشروط إنشاء دولة مشتركة ووطن تحميه الأمم المتحدة، هذا بالطبع ليس هو
الرسالة
المباشرة للمسلسل ولكنه المعنى الدلالي للألغاز والألغام
الدرامية المرصودة داخل
الحدث لتفخيخ كل ما يمت للوطنية بصلة أو يشير إليها من قريب أو بعيد،
فالعمليات
الاستشهادية عمل غير مرغوب فيه في عرف صناع الدراما وترزية المسلسلات
الانهزامية
فأي خطوة نحو البطولة مرفوضة رفضاً تاما ولعلنا نتذكر ما واجهه
مسلسل 'ناصر' للكاتب
يسري الجندي والمخرج باسل الخطيب، فقد رفض التليفزيون المصري عرضه محدثا
بذلك فضيحة
مسلسلات التطبيع وبيع القضية على قارعة الفضائيات في وضح النهار!
القدس العربي في
10/11/2009
مخرجه نجدت أنزور اعتبره تجربة
إيجابية
"أهل
الوفا" بداية الإنصاف السينمائي
للمقاومة
دمشق علاء محمد
سنوات طويلة مرت ولم تكتظّ صالة سينما سوريّة، وربما عربية، بالآلاف من
الناس لحضور فيلم يتحدث عن المقاومة بمفهومها الواقعي، ويخصّ في مجمل
محاوره بطولات أبناء جنوب لبنان في مواجهة العدو الصهيوني . هذا ما حدث مع
فيلم “أهل الوفا” للكاتب فتح الله العمر والمخرج نجدت اسماعيل أنزور، والذي
عرض في صالة الكندي بدمشق ضمن تظاهرة “المقاومة” التي تضمنها مهرجان دمشق
السينمائي وتوزعت بين أفلام تخص القضية الفلسطينية وأخرى تتحدث عن أهل
الجنوب اللبناني .
الفيلم يجسد إحدى العمليات الشجاعة التي قام بها فدائيو حزب الله عام 1994
في الفترة التي سبقت بكثير انتصارات ما بعد ،2000 حيث كانت الشكوك تحوم
آنذاك حول قدرة المقاومة على الصمود أمام آلة الحرب الصهيونية .
في العملية والتي يتحدث عنها الفيلم، يثأر المقاومون من “إسرائيل” بعد غارة
صهيونية على أحد مراكزهم أودت بحياة 27 شهيداً، فكان قرار قيادة حزب الله
بضرورة الرد، وعلى ذلك انطلق المقاومون ليشنّوا عملية نوعية بالقرب من قلعة
الشقيف في الجنوب اللبناني راح فيها الكثير من الصهاينة أرواحاً وعتاداً .
اختُصر العمل السينمائي الرائع إلى حوالي 50 مشهدا فقط، وأكد كاتبه أن سبب
ذلك يعود إلى أن الفترة التي جرت فيها أحداث الفيلم لم تكن شهدت الانتصارات
التي يتحدث عنها الشرق والغرب اليوم، وبالتالي فإن الإكثار في الكلام عن
تلك المرحلة قد يزيد من نسبة الحديث عن المقاومة بأنها جاءت كمغامرة . في
ذات الوقت، نوّه إلى أن الفيلم هو البداية لثلاثين فيلما تنجز لاحقاً،
وتتحدث عن مختلف مراحل النضال في الجنوب اللبناني بما فيها مرحلة عام 2000
(تحرير الجنوب) و2004 (تحرير الأسرى) و2006 (الانتصار العسكري على
“إسرائيل”) و2008 (تحرير سمير القنطار) . . إلخ .
وكما بدا من العرض، فإن الفيلم ينتمي إلى الواقعية الصرفة في عرض الأحداث
من دون إعمال الخيال، وفي هذا الصدد يقول أنزور: القصص الواقعية تعطي
مصداقية بالبداية للمقاومين اللبنانيين أنفسهم ولعائلاتهم، أما تنفيذ ذلك
درامياً فإنه يفرض إضافة بعض الأمور الهامة، لكن من دون التعرض لصلب
الحكاية الواقعية، ولاسيما في ظل الأكاذيب الكثيرة التي نراها على الشاشة،
وهذا يلفت الأنظار إليها أكثر .
وقال أنزور متحدثا عن الفكرة كاملة: الإيجابي فيما حدث ليس الفيلم وإنما
تفكير المقاومة الذي ينبغي أن تنفتح أذهان الناس عليه عبر هذا النوع من
الإعلام لأن هذا ما سيشكل المكسب الحقيقي لي كمخرج لأعمال تحكي عن فكر
المقاومة، ولاسيما أنه منذ عشر سنوات لم يعد هناك مسلسل خاص بالجيش السوري
أو بالجولان وكأن هذه القضايا لم تعد تعنينا نهائياً . وأضاف: التلفزيون
العربي السوري مطالب بتوثيق هذه اللحظات المهمة من تاريخنا كحرب تشرين
مثلاً، فإن نسينا مثل هذه الأمور على ماذا سيفاوض أبناؤنا في المستقبل،
لافتاً إلى أن الجزء الثاني من مسلسل “رجال الحسم” سيتناول حرب تشرين
التحريرية .
وعن سبب المشاركة بالفيلم في المهرجان، قال أنزور: في البداية لم نفكر بأن
نعرض الفيلم في المهرجانات، بل فقط لأن ننبه الناس إلى وجود قضية يجب
متابعتها .
الممثل الشاب محمد علاء الدين الذي أدى دور عميل للعدو الصهيوني والذي يعمل
على تعذيب أبناء بلده خدمةً للصهاينة في سبيل حفنة من المال، تحدث عن
الفيلم ودوره بالقول: في البداية، دب الشك والخوف في قلبي لأني سأقف أمام
هرم إخراجي كبير مثل نجدت أنزور، لكن بعد أن تعرفت على أخلاقياته المهنية،
وطالما اعتبرت قضية الجنوب اللبناني والقضية الفلسطينية قضيتيّ اللتين عليّ
خدمتهما في مجال عملي الفني، فقد تبخرت كل المخاوف وأديت دوراً صعباً وغير
محبب للجمهور العربي المؤمن بالقضية، إذ كنت العميل من خلاله تمكنت من
إيصال بعض الأفكار للناس حول ما يدفع الخونة للخيانة .
النجم سليم صبري، قال: الفيلم ينتمي إلى سينما المقاومة، بشقيها الفلسطيني
واللبناني في وجه العدو الواحد، والفيلم إن أردنا تحليله فهو واقعي بامتياز
يتحدث عن عملية فدائية قام بها أبناء شعبنا في الجنوب اللبناني ضد القوة
الصهيونية المسلحة والتي كانت قتلت 27 شهيدا قبل أيام، وهذا يدل على أن
السينما العربية، والسورية تحديداً بدأت تتلمّس الطريق للتعريف بالمقاومة
إذ هي جاءت بمرحلة ما قبل الانتصارات، وتلك هي المرحلة التي يمكن أن تكون
التعريف الحقيقي للمقاومة .
الخليج الإماراتية في
10/11/2009 |