عندما تتحدث مع الفنان نور الشريف تشعر على الفور بصدق كلامه وإحساسه
بهموم وطنه
الذي تعبر عنه مواقفه السياسية والاجتماعية. وعلى رغم استيائه من الهجمة
التي تعرض
لها أخيراً، فإنه يقول ان حب الناس له ومساندة زملائه جعلاه يدرك أن مشواره
الفني
«الممتد
لأكثر من أربعين عاماً لم يضع هباء». وهو يؤكد أن اعتزاله لن يكون إلا بناء
على طلب جمهوره.
عن إمكان مسامحته الذين أساؤوا إليه بعد كل الضغوط النفسية التي تعرض
لها في
الفترة الأخيــــرة، قال الشريف لـ «الحياة»: «الصحافي إيهاب العجمـــي طلب
مني
مسامحته، فقلت له سأفعل ذلك لو تبين حسن نيتك. اما رئيس تحرير الجريدة التي
نشرت
الخبر الكاذب، والذي يقول إنه يمتلك شريطاً يدينني، فبيني
وبينه القضاء، لأن تشويه
سمعة إنسان ليس بالأمر السهل. وأنا طالبته بتعويض عشرة ملايين جنيه،
وسأتابع القضية
بكل اهتمام، ولن أتنازل عن معاقبة كل من يستغل مطالبتنا بحرية الصحافة
ليمارس
أموراً غير أخلاقية».
وأوضح الشريف أن هذا الموقف الأخير الذي تعرض له كان الأصعب عليه في
حياته، بل
انه يعتبره «أقذر شيء يمكن أن يتعرض له إنسان»، يليه في الصعوبة الهجوم
الذي لاحقه
بعد تقديمه فيلم «ناجي العلي».
ورداً على سؤال حول توقيت الهجوم عليه، أجاب الشريف قائلاً: «بعدما
أخبرني
الفنانان صلاح السعدني وأشرف زكي بالخبر المنشور، كان هذا السؤال اول ما
خطر في
ذهني، وبصراحة شعرت بأنني تائه وفقدت القدرة على التفكير من هول الصدمة حتى
اللحظة
التي تقدمت فيها ببلاغ الى النائب العام».
وأكد الشريف أن «كثراً مثل وكالة الأنباء الفرنسية ذكروا في تقارير
خاصة بالقضية
أن ما قدمته في مسلسل «ماتخافوش» كان السبب الرئيس في حملة تشويه سمعتي.
ولا أستبعد
ذلك، لكنني في الوقت ذاته لا أملك دليلاً يؤكد هذا الكلام، مع انني واثق
بأن الأيام
ستكون كفيلة بكشف الحقائق، ولحسن الحظ أن كل التحذيرات التي أطلقتها عبر
مسلسل
«ماتخافوش»
تتحقق حالياً على أرض الواقع، وها هو المسجد الأقصى يواجه تحديات خطيرة
لا بد من مواجهتها».
وعن تقويمه العملين اللذين قدمهما في شهر رمضان، قال: «أعتقد أن مسلسل
«الرحايا»
ظلم «ماتخافوش» الذي يطرح قضايا في غاية الخطورة. وبالنسبة إلى بروزي في
الدراما
الصعيدية، فهذا شيء مهم لأن هذه الدراما تستحوذ على اهتمام
الجماهير. وقد راهنت منذ
البداية على عبدالرحيم كمال وحسني صالح كما راهنت في مسلسل «الدالي» على
المؤلف
وليد يوسف الذي تابعت له هذا الموسم أجزاء متفرقة من مسلسل «ابن الأرندلي».
وأرى أن
المسلسل اتى جيداً، خصوصاً أن موهبة الفنان يحيى الفخراني تفرض
نفسها دائماً. وأرى
أن وليد يوسف إحدى المواهب التي ستخدم الدراما المصرية».
ورفض الشريف المقارنة بين أدائه في مسلسل «الرحايا» وما قدمه الفنان
السوري جمال
سليمان في «أفراح إبليس»، وأشار إلى أنه ضد مثل هذه المقارنات «لأن كل فنان
يمتلك
أدواته الخاصة، كما أن لا بد من أن نتذكر أن الفنان جمال سليمان سوري
الجنسية، ومن
الظلم أن نحكم على أدواره الصعيدية في شكل علمي، لأنها جديدة
عليه. إنه فنان يتمتع
بأخلاق عالية وحضور طاغ».
وأكد الشريف أنه لم يعد يستسيغ كثيراً عرض مسلسلاته في شهر رمضان،
وأوضح أن
الدراما المصرية لا يمكن أن تنهار لأنها صمام أمان الفن العربي، «ولو
تابعنا مقدار
اهتمام الفضائيات العربية بعرضها سنجد أنها في المرتبة الأولى دائماً».
وأضاف:
«أعتقد
أن أي فضائية تتآمر على المسلسلات المصرية ستكتب شهادة وفاتها بيدها».
وعن تقديمه مسلسلين في وقت واحد، قال: «هذه حالة نادرة سببها إعجابي
الشديد
بالعملين، لكن ذلك لن يتكرر في الفترة المقبلة، لأنني تعبت جداً خلال
تصويرهما».
واختتم نور الشريف كلامه قائلاً: «آخذ قرار الاعتزال عندما يطلب مني
جمهوري
التوقف، اي حين أكف عن إقناعه بما أقدمه من أعمال فنية. وقتها لا يمكن أن
أستمر
لأنني أعيش من أجل الناس الذين منحوني الشهرة والنجومية، فالفن هو الهواء
الذي
أتنفسه، ومن أجله أضحّي بأشياء كثيرة أحبها».
الحياة اللندنية في
06/11/2009
كلّمني... شكرا ً!
أمينة خيري
دقائق تفصل بين منى وحبيبها أحمد. هي تنتظره على رصيف محطة القطار في
الموعد
المحدد ليهربا ويتزوجا بعيداً من أعين العصابة التي تتربص بهما. أحمد تأخر
في
الطريق. سيارة الأجرة التي استقلّها تعطلت، الباص الذي استقله صدم حماراً
فتوقف
ليتعارك سائقه مع صاحب الحمار. الدراجة التي اضطر لسرقتها من
صاحبها حتى يلحق
بالمحبوبة تهشمت بعد اصطدامه بعمود إنارة. الساعة تتسارع دقاتها، ومنى
يزداد
توترها. تتذكر ما قاله لها أحد أفراد العصابة: «أحمد سيتخلى عنك. لن يتزوجك!».
تساورها شكوك في أن أحمد لن يأتي بالفعل، وأنه باعها أمام مغريات الجواهر
والأموال
التي عرضتها عليه العصابة. في الوقت ذاته ما زال أحمد يجرب حظه العاثر في
كل وسائل
المواصلات، بما فيها الحمار الذي يركض وسط السيارات في مشهد هزلي...
جلس الصغير يتابع الفيلم القديم وهو يضرب كفاً بكف. وكلما زاد الموقف
تراجيدية،
تعالت ضحكاته. منى تبكي لغياب الحبيب فينعتها بـ «العبيطة». أحمد تنساب
دموعه فيصفه
بـ «الغبي». الجد والجدة الجالسان مع الصغير يتعجبان لأمره. فالموقف
بالنسبة اليهما
مفرط في تأثيره. في كل مرة يشاهدان فيها الفيلم يتوتران
وينتظران معجزة تأخر القطار
حتى يلحق المحبوب بمحبوبته. وفي قمة التراجيديا لحظة وصول أحمد الى محطة
القطار،
وهي اللحظة ذاتها التي يغادر فيها القطار المحطة حاملاً المحبوبة بقلب ينزف
أسى
وحزناً يصيح الصغير «إيه الكلام الفاضي ده؟!». يفقد الجدان
صبرهما ويؤنبانه. يرد
الصغير مدافعاً عن نفسه: «آسف! لكن أحداث الفيلم مثيرة للغيظ. لماذا لم
تهاتف منى
حبيبها من طريق الخليوي لتسأله عن سبب تأخره؟ ولو لم يكن معه رصيد، لماذا
لا يرسل
لها رسالة قصيرة مجانية «كلمني شكراً»؟ وحتى لو لم يكن معه
خليوي أصلاً، لماذا لم
يلجأ إلى أي سنترال في الشارع ليهاتفها؟
السيناريو البديل الذي وضعه الصغير لأحداث الفيلم الذي عرض في دور
السينما قبل
ما يزيد على نصف قرن يفتح الباب أمام التكهن بفحوى
آلاف الأفلام والمسرحيات
والمسلسلات التي أثرت الحياة الفنية العربية قبل عصر تقنية
المعلومات. مكالمة قصيرة
عبر الخليوي كانت كفيلة بإنقاذ الطفل المريض الذي تم شراء دواء له من
الصيدلية اتضح
أنه سام، بدلاً من اللجوء إلى الإذاعة وميكروفونات تجوب الشوارع على غير
هدى تنادي «الدواء فيه سم قاتل». والأمثلة أكثر من أن
تعد أو تحصى. قصص حب تبخرت في الهواء
لأن المحبوب لم يتمكن من توصيل رسالته إلى المحبوبة، عمليات
جراحية لم تنجز لأن
الطبيب لم يتوصل إلى مكان المريض، أب فشل في العثور على ابنه لعدم وجود
وسيلة
اتصال.
الطريف أنه في ظل الاقتحام الكامل لمنظومة الهواتف المحمولة، والبريد
الإلكتروني، والاتصالات اللاسلكية لا يسع المشاهد العربي، الذي كثيراً ما
يلجأ إلى
القنوات الفضائية المتخصصة في بث أفلام ومسلسلات ومسرحيات من
ايام زمان هرباً من
العصر الحديث، أن يطرح سؤال: «ماذا لو؟» تم تأليف هذه الأعمال وتمثيلها في
عصر «كلمني شكراً؟»
الحياة اللندنية في
06/11/2009 |