لعلّ ما يميّز «آمال» مهرجان السينما لمدينة سانتياغو الإسبانية هو
تركيزه على إقامة جسور ثقافية بين أوروبا والعالم العربي من جهة، وبين
اسبانيا وثقافات العالم من جهة أخرى. ويتبدى هذا التركيز في كل جوانب
المهرجان والنشاطات الموازية للعروض السينمائية. تنظمه منذ سبع سنوات
«مؤسسة الأرجواني» بالتعاون مع السلطات المحلية لمنطقة غالاثيا.
ويقول غالب جابر مارتينيز مدير المهرجان: «ليس همّنا عرض أفلام جديدة
تخوض المسابقة للمرة الأولى. المهم أن تخدم الأفلام المعروضة هدفنا
الثقافي. في هذه الدورة مثلاً ركزنا على الفيلم الفلسطيني، وعرضنا أشرطة
كلاسيكية من تاريخ السينما المصرية واحتفينا بالنتاج المثير للسينما
اللبنانية». ويأتي ايلاء الفيلم الفلسطيني اهتماماً أكبر من غيره في ظلّ
استشراء الهجمة الإسرائيلية على غزة وضرب الحائط بخريطة الطريق أميركياً
وإسرائيلياً على حدّ سواء. ويضيف غالب: «طالبنا سينمائيون فلسطينيون بمزيد
من الوقت لتأمين إيصال أفلامهم أو إنهاء العمل عليها. بعضهم تمكن من تهريب
شريطه عبر الأنفاق الخطرة وبعضهم لم يفلح للأسف. مع ذلك رأينا كيف تحولت
الشاشة الى نافذة واسعة أطل منها جمهورنا على مختلف جوانب الواقع الفلسطيني
منذ النكبة حتى اليوم».
يقطن سانتياغو الإسبانية في فصل الشتاء ثلاثون ألف طالب ينتمون الى
أكثر من عشر
كلّيات يعود معظمها الى مئة عام من التعليم الجامعي، ويشكّل هؤلاء الرافد
الحيوي
الأول للمدينة يليه تدفق السيّاح لزيارة معالمها التاريخية خصوصاً
كاتدرائية القديس
يعقوب. ليس غريباً اذاً أن يتكوّن حضور مهرجان «آمال» من
الشباب في غالبيته،
وبالتالي أن تشهد النقاشات التي تلت العروض سخونة عالية.
عرض المهرجان ستة أفلام روائية طويلة بعضها معروف لدى الجمهور العربي
مثل «عيد
ميلاد ليلى» لرشيد مشهراوي و «المرّ والرمان» لنجوى نجار و «ملح هذا البحر»
لآن
ماري جاسر. وجاء عدد الأفلام الوثائقية الطويلة ضعف سابقه، منها أيضاً ما
شاهده
روّاد المهرجانات العربية والغربية مثل «سمعان بالضيعة» لسيمون
الهبر وقد أطلق عليه
منظمو المهرجان عنوان «قرية رجل واحد» ولقي استحساناً ملحوظاً لدى الجمهور.
اما
الأفلام القصيرة فبلغ عددها 18 شريطاً بينها الوثائقي والروائي، المعروف
والجديد،
جرى عرض بعضها في صالة الفندق التابع لمؤسسة الأرجواني وتنوعت
مواضيعها بتنوع
مصادرها، فأتت المخرجة بثينة كنعان خوري بفيلمها «سلمى تحكي» والمخرج فراس
طيبة بـ «ليش صابرين»، والمخرجة ساهرة درباس بفيلمها
الجريء «غريب في بيتي» وهو مصوّر في
القدس بتمويل شخصي.
رافق العروض التي بدأت في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم برنامج
تربوي –
تثقيفي للطلاّب الابتدائيين استمرّ أسبوعاً وطاول ست مدارس أرسلت كل منها
عشرات
التلامذة دون الثالثة عشرة للمشاركة في مشاهدة ثلاثة أفلام قصيرة، بإشراف
ناشطة
مدرّبة على تحريك الناشئة وتحريضها على إعمال الفكر والمخيلة
وصولاً الى ادراكات
جديدة.
شاهد الأولاد «حدوتة صغيرة» من اخراج إيزيدور مصلّح وهو يروي قصة حمار
معاند
يريد العودة الى حيفا، الى بيته هناك بأي ثمن. تصميمه ورفضه التحرك من
مكانه دفعا
بالصبي سامي (9 سنوات) الى المغامرة معه، عبر الحواجز الإسرائيلية حتى وصلا
الى
حيفا وما ان قرع سامي الباب الذي أشار اليه الحمار، حتى دخل
الأخير دارة فخمة وسط
دهشة القاطنين فيها وقال لسامي: «شكراً، الآن وصلت الى بيتي فعد أنت الى
بيتك».
ناقش الأولاد هذا الفيلم بمرح رافقه
تدريبهم على التلفظ بكلمات عربية، وخلصوا الى
القول بأن بعض العناد ضروري لبلوغ الهدف المنشود. وتنطبق هذه
الخلاصة على فيلم «مازن
والنملة» لبرهان علوية، فمازن الذي رأى قفير نمل ينقل مؤونته بكدّ وجدّ الى
وكره استعداداً لمواجهة الشتاء، افتتن بتصميم نملة على حمل حبة ضخمة نسبياً
وإيصالها الى الوكر على رغم صعوبات الطريق. وبعدما راقبها
مطولاً وأدرك انها قد
تفشل في مهمتها الصعبة قرر مساعدتها مما سبّب في تأخره عن الوصول الى
المدرسة.
وبّخه الناظر والمعلّمة لكن المدير رأى في
عمله الطيّب تعويضاً عن تأخره فعمد الى
أسلوب «خير هذا بشرّ ذاك» وأعفى عنه.
الفيلم الثالث للناشئة جاء أكثر مباشرة في معالجته مسألة الحجاب. من
اخراج
الإسباني خافي سالاس، ويصوّر «الحجاب» ازدواجية النظرة الى ما نرتديه:
فاطمة جاءت
الى المدرسة محجبة لكن المدرّسة أقنعتها بنزع الحجاب لئلا تشعر بـ «الغربة»
عن
أترابها. وبعد اصرار وتهويل أذعنت فاطمة ودخلت الحصة لترى في
رفاقها أشكالاً
وألواناً من القبعات والأوشام والخرز». وبقي صمتها معبّراً بقوة وفصاحة عن
حقيقة
التمييز الرائج والمروّج له من طريق الشحن الإعلامي ضد الحجاب.
فاز «خطيب لياسمينة» بجائزة أفضل فيلم روائي طويل لمخرجته إيريني
كوردونا. وهو
فيلم نسائي مرح يعالج مسألة الزواج المدبّر مقابل الحريّة المكتسبة. وتقاسم
الجائزة
الأولى لأفضل شريط وثائقي طويل «سمعان بالضيعة» و «حاجز روك». سيمون الهبر
غمز لدى
استلامه الجائزة من قناة الرقابة التي حذفت خمس دقائق من شريطه المعروض
حالياً في
بيروت، فقال: «اهدي القيمة المعنوية لهذه الجائزة الى الرقابات
العاملة في العالم
العربي» مما أثار تصفيق الجمهور، علماً أن مسألة حذف الدقائق الخمس كانت
موضع جدل
ونقد واستغراب خلال مناقشة الفيلم. أما خابيير كوركويرا الذي شارك فيرمين
موغوروثا
في إخراج «حاجز روك» فتحدث عن دور الأغنية خصوصاً والموسيقى عموماً في
حلحلة التأزم
البشري القائم على ضفتي الصراع العربي – الإسرائيلي. رشيد شهراوي فاز
بجائزة
الإخراج عن «عيد ميلاد ليلى» والفيلم من بطولة محمد بكري بات
معروفاً لدى الجمهور
محلياً وعالمياً بعد نجاحه في شباك التذاكر ولدى لجان تحكيم المهرجانات.
جائزة أفضل ممثلة قطفتها الشاعرة الفلسطينية المقيمة في الولايات
المتحدة سهير
حمّاد عن دورها في «ملح هذا البحر» وحصل كارلوس شاهين على جائزة أفضل شريط
روائي
قصير عن فيلمه «الطريق الى الشمال» فأصبح اللبناني الثاني على لائحة
الفائزين علماً
بأن لبنان لم يشارك إلا بشريطين في المهرجان. وتميّز «الطريق
الى الشمال» بشاعرية
هادئة ودقة في التنفيذ وعمق في المعالجة، وهو يروي قصة مهاجر عاد الى وطنه
وبه رغبة
غامضة في نقل رفات والده من أحد مدافن بيروت الى مسقط رأس العائلة في
الشمال. ويذكر
ان الفيلم حاز أيضاً جائزة مهرجان دبي للدورة الفائتة.
«غريب في بيتي» للفلسطينية ساهرة درباس حاز جائزة أفضل فيلم توثيقي
قصير وهو
يروي، خطوة خطوة، توجّه عائلتين الى منزليهما في القدس ومواجهة
الإسرائيليين
المقيمين هناك. وتقول ساهرة انها صوّرت الزيارة من دون سابق تحضير أو إخطار
لأحد،
والواضح هنا ان القيمة التسجيلية للشريط تتجاوز أحياناً بطئه
الفنّي مما لم يخف على
لجنة التحكيم.
أخيراً حاز فيلم «المرّ والرمان» للمخرجة نجوى نجار على جائزة تلفزيون
غاليثيا،
وهي الجائزة الأكبر من الناحية المادية إذ تبلغ قيمتها 12 ألف يورو بينما
تبلغ
جائزة أفضل فيلم روائي خمسة آلاف يورو.
الحياة اللندنية في
06/11/2009 |