بعد سنوات طوال عاد "جيفارا غزة" إلى حضن مدينته ليقتحم غياهب الذاكرة
في فيلم ينسج حكاية التشرد والوجع، ويُعيد أنفاس المقاومة في حقبة
السبعينيات, وبداية التحولات التي شهدتها القضية الفلسطينية.
"محمود الأسود" "حيفاوي" المولد و"غزي" النفس و"جيفارا"
المقاومة, عاش حياة اللجوء قبل أن ينطق أولى كلماته، وتنفس بؤس الهجرة قبل
أن يتجاوز العامين, فرسم أولى خطواته بمخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة.
وبعد نكسة "حزيران" عام 1967 وخذلان الأشقاء وضياع الوطن، احترف "جيفارا"
حرب الشوارع، وطارد الاحتلال في المخيمات والأزقة, فحمل على كتفيه هم
القضية وبكفيه زناد البندقية, فكانت طلائع المقاومة الشعبية بداية
الانطلاقة.
منعطف مضيء
ولم يكن يدري "محمد الأسود" أنه سيعود بعد 35 عاما من الغياب بطلا
لفيلم يسرد تفاصيل مقاومة المحتل وانطلاق الثورة المسلحة بعد هزيمة 67,
فيحكي أسرار مطاردة الاحتلال له وأماكن تخفيه وبداية تأسيسه للجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين.
وبتاريخ 29-10-2009 كانت غزة على موعد مع العرض الأول للفيلم الوثائقي
"جيفارا غزة"، بحضور قيادات وكوادر وأعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
بينهم عضو المكتب السياسي للجبهة "رباح مهنا".
واستعرض الفيلم منعطفا مضيئا من تاريخ الشعب الفلسطيني ومقاومته
للاحتلال الإسرائيلي التي تمثلت في سيرة حياة عضو المكتب السياسي وأحد
مؤسسي الجبهة الشعبية الشهيد "محمد الأسود" الملقب بـ"جيفارا غزة"، وحقبة
السبعينيات وما شهدتها من تحول في القضية الفلسطينية، وباكورة انطلاقة
العمل الفدائي ضد الاحتلال في قطاع غزة.
ويدور الفيلم في ثلاثة محاور رئيسة تتبلور في نشأته، ومطاردته،
واستشهاده عام 1973، وينعطف على تفاصيل أخرى حول الهوية الفلسطينية وتحولات
القضية, وهو من إعداد المخرج الفلسطيني "خليل المزين" وبتمويل من وزارة
الثقافة الفلسطينية، ورعاية ودعم حركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
واعتبر عضو اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية "حسين الجمل" أن إنتاج
هذا الفيلم تجربة ثورية رائدة لسيرة أحد القادة الثوريين العظماء في قطاع
غزة، والجبهة هي التي أجبرت قادة الكيان الإسرائيلي على الاعتراف بمدى
خطورتها على تاريخه ومستقبله.
"دواس البحر"
وأكد الجمل خلال كلمته في افتتاحية العرض أن إخراج فيلم سينمائي لهذا
المناضل لإنعاش الذاكرة البطولية في أذهان من عاشوا هذه التجربة, وأيضا
ليكون نموذجا ثوريا للأجيال التي لم تشهد هذه المرحلة التاريخية لكي تحتذي
به.
وفي كلمة "ليونس الجرو" -أحد المقربين من "جيفارا" والقيادي في الجبهة
الشعبية- أشار إلى ضرورة استخلاص العبر من التجربة النضالية لهذا القائد،
ومراجعة أخطاء العمل النضالي في تلك الفترة.
وأضاف: "تعرفت عليه وقابلته أول مرة في السجون الإسرائيلية، ووجدت فيه
الصلابة والقوة ورجلا حديديا لا يخاف التهديد والوعيد", ومضى يقول: "بعد
خروجه من السجن نشطت العمليات المسلحة للمقاومة, وأصبح هناك عشرات
المطاردين، وامتلأت الساحة بالعديد من الحركات المقاومة".
ومن جانبه لفت القيادي في الجبهة "خليل عزيزة" إلى أن "جيفارا" حمل
اسما حركيا هو "دواس البحر"، وبدأ تشكيل جهاز طلائع المقاومة الشعبية منذ
احتلال غزة, والذي كان هدفها الأول تجميع السلاح الذي تركه الجيش المصري
وجيش التحرير الفلسطيني بعد هزيمة عام 1967.
وبين عزيزة أنه "في موعد انطلاق الجبهة الشعبية خطط ونفذ جيفارا
لعملية عسكرية قوية وناجحة جدا؛ وهي نصب كمين لسيارة إسرائيلية في مخيم
الشاطئ حيث تم إلقاء عدة قنابل متفجرة عليها وإصابة من فيها".
عوائق وعقبات
وتمكن مخرج الفيلم "خليل المزين" من التغلب على مشكلة عدم وجود مادة
موثقة لهذه الحقبة بالاستعانة بعدد كبير من المشاهد واللقطات التي قام
بإخراجها لعدد من العمليات والأحداث التي شهدتها المرحلة.
المخرج الفلسطيني "خليل المزين" تمكن من تتبع الشهادات الشفوية
والتاريخية التي عاشت تلك القصة بتفاصيلها، خاصة أن فترة السبعينيات فترة
هامة جدا، وبداية لتحولات تاريخية فيما يخص القضية الفلسطينية، هذه
التحولات أدت بطبيعة الحال إلى تغيرات اجتماعية وفكرية كبيرة في المخيمات
الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقال المزين في تصريح صحفي: "إن الذي ساعدني على وصف فترة السبعينيات
أنها ذات الحقبة التي عايشتها وبتفاصيل اللجوء والتشرد المؤلم.. فكان
المخيم بسيطا دون ماء أو كهرباء ولا حتى حمامات، بل كان عبارة عن خيام
بالية".
وأشار المزين إلى أن العقبة التي واجهته هي افتقار تلك المرحلة
الزمنية للتوثيق البصري من صور ومشاهد, مضيفا: "لقد عانيت من فقر شديد في
تلك التوثيقات لدرجة أني لم أجد سوى ثلاث صور نادرة لمحمد الأسود وكل صورة
كانت مختلفة عن الأخرى، نظرا لتقمصه شخصيات متعددة باختباءاته المختلفة،
وهربه من عملاء جهاز المخابرات الإسرائيلية".
وأوضح المخرج أن تلك المعضلات اضطرته إلى الاستعانة بممثلين لتصوير
اقتحامات الاحتلال الإسرائيلي لبيوت المخيم في السبعينيات, كما أن اختلاف
الزي للأسرى في السجون في ذلك الوقت شكل عائقا جديدا قد يؤثر على البعد
الواقعي للفيلم.
صحفية فلسطينية مهتمة بالشأن الثقافي
إسلام أنلاين في
02/11/2009 |