لا شيء سوى عبارات المديح في جعبة بسام كوسا ليقدمه لزياد
الرحباني حتى بدا مثل مذيع مبتدئ خجول.
في الحقيقة لا
اريد أن أكرس نفسي للتعقيب على الفنانين ضمن واقع المشكلات المحيطة ببلادنا
العربية
والسعي المحموم للانتصاف من حالة الفساد الممارسة علينا لدرجة أنها افسدت
أذاوقنا
على كل الاصعدة، لكننا أحيانا نضطر للاعتراف بأن آدميتنا
تحملنا بعضا من غضب لا
يليق بمن يحاول مجتهدا أن يدخل معترك الخطاب العام ويكون موضوعيا، ولان
الموضوعية
هي الصفة الأبعد لاننا ضمن منظومة العاطفة والمصلحة والانحياز لفكر معين
نخرج من
هذه الدائرة العاجزة عن تأطيرنا أو تطويرنا.
وحتى لا نخوض غمار الكلمات في سوق العبارات السفسطائية كما اعتاد أغلب
منظرينا،
دعوني أخرج من هذه المقدمة لأعتذر اولا عن التأخير في الحديث
عن المقابلة التي
أجراها الفنان بسام كوسا مع العظيم الذي قلت مرارا أني احبه زياد الرحباني.
وطبعا لا أعمد للتخصص في دراسة حال الفنانين أو تصريحاتهم لكن هناك من
يعتبر
نفسه ضمن قائمة أصحاب الكلمات الفعالة او على الأقل يطلع علينا
بمشروع مناضل سواء
في حديث أو لقاء او حتى عمل فني.
وبما أننا نعترف بفعاليته نعمد لتعميق الحوار والنقاش البناء عنه ولاننا مع
الاسف في زمن السقوط نصنع أبطالا من ورق ونصلب مبادءنا امام
مذبحهم الذي نرسم حوله
هالة من القدسية، ونقدم امامه النظرات المتوسلة لاننا من كثرة الألم نحلم
بالمنقذين
لنكتشف أخيرا اننا جميعا نغرق في الفراغ لأن سفينة النجاة جزء من حكاية
استعذبنا
ترهيب وترغيب انفسنا من خلالها بالفوز للصالح والموت للطالح.
لماذا يطلع علينا فنان وممثل ومنتج حاليا ليملي علينا أطروحات ضيعت هيبة
وتوبة
"الإدعشري" ومسحت من خيالنا صورة الكومبارس التي صنعت في عقولنا نجما
سينمائيا
واعدا.
وحين نكون متلهفين لحوار مع فنان من طراز الخمس نجوم مثل بسام كوسا نجده في
دور
المذيع المبتدئ، يكيل المديح -وكانه جزء من فلسفة الشعوب
المسحوقة- لضيفه دون ان
يشعر معه بالندية أو على الأقل لا يشعرنا بها.
وصحيح ان زياد ضيف كبير في بيت مضياف، لكنه لم يذكرنا في لحظات وجوده بيننا
بمنصور الشاعر والمفكر، وطبعا استخدمُ منصور كمثال عن الأسرة
الرحبانية، لاني لم
اسمع يوما حديثا للمرحوم الخالد عاصي الرحباني لكن الاشخاص القادرين على
امتلاك
خيالنا ولو للحظة وزرع اجراس في عقولنا المترهلة في غفلة حين تشرق شمس
الصباح ليصبح
وجهها أرق، تشف السماء لتصبح كالبلور لان فيروز تعزف بصوتها
على اوتار الوجدان..
فهذا جزء من نصر زياد الرحباني حتى لو لم يصل بثقافته لقمم منصور العالية.
ولكن التاجر الحلبي المحنك المتلون الذي هز السوق في سيرة آل الجلالي غاب
عنا
يوم اردناه ان ينجح بما قد تفشل به إحدى المذيعات المتلعثمات
بالعربية او المرتبكات
من هامات ضيوفهم.
واكتفى بإعجابه الشخصي بالضيف ليترك له الميدان يصول ويجول في الموضوعات
على
هواه. وحتى حين لم يسمع بالأغنية السورية وطبعا أنا لا انتصف
لا للطرب ولا للمطربين
في سوريا، ولكن هذا على ما اعتقد جواب يحتاج تعقيبا مهما ولو من باب بث
الحماس.
وإذا كنا نتجاهل قامة مثل قامة صباح فخري بغض النظر عن رأيي الشخصي
بالموضوع،
فاظن ان هذا فيه كثير من التجني. وبما أني لا أسوق آرائي
الشخصية بالمطربين في
سوريا وإنما أختار الوقائع كمحددات للحوار، فالفنان المرحوم فهد بلان وصل
يوما من
الأيام إلى مراحل الشهرة الأعلى على الصعيد العربي؛ هذا ردا على ان الضيف
لم يسمع
بأغنيتنا السورية وليس تقييما لمسيرة تلك الأغنية لان لها
نقادها على كل حال.
ولا ندري إذا كان بسام حذرا في اللقاء ويكيل المديح وفقط المديح من باب
خوفه من
شتيمة عابرة للهواء يمكن ان يقذف بها زياد في لحظة عبثية ولكن
كان عليهم ان يطمئنوه
لان التلفزيون السوري بارع في الحذف والقطع ويتخذ أعلى درجات الرقابة حتى
على
برنامج الصحة للجميع.
في الواقع لن أفصفص اللقاء بحذافيره لاننا شعب مشغول بالحياة، بتفاصيل
أسباب
الحياة وليس بمتعة الحياة كما يراها أهل الصيف والكيف.
لم يعد هذا الجمع البشري الهائم على وجهه يأكل صندويشة فلافل بين الدوامين
من
أصحاب الانتماءات حتى اليسارية، لذا أعتقد أن جمهور زياد
الجميل قلة من النخبة
المرتاحة والطلاب وبعض المتمترسين وراء ولاءات تجعلهم يهجمون على حفلته في
وليمة
رفاقية.
نعم تقاتل الناس عليك.. نعم أحبوا ان يسمعوك تشتم الواقع لانهم لا يقدرون،
وربما
يمنعهم الخوف لكن كثيرا ما يمنعهم الحياء.
بسام كوسا نحن نحب زياد الرحباني لكن أكيد في سوريا بيوت كثيرة لا تعرفه..
تتفرج
على التركي لتحلم بدفء الفراغ. وأما دمشق ففيها ما شاء الله من
عباد بين متدين
ومثقف ومراهق مغروم بنانسي عجرم أو تامر حسني لذلك لا تتحدث باسم دمشق.
دمشق لا
تريد مزيدا من المتحدثين بالنيابة عنها وإذا كنت تعتلي ناصية ميكروفون او
منبر فلا
تطوينا بفحص جماعي ليطلع معنا جميعا الزايدة وضعف النظر.
واما عن سيد درويش وزياد الرحباني فيبدو لي أن سيد درويش نفسه كان سيتوقف
كثيرا
أمام ظاهرة الأخوين رحباني هذا إذا نسينا جميع المبدعين.
أرجوكم جميعا أن تغيروا ثقافتنا الإعلامية عن الآخر، فإما في السماء وإما
مع
إبليس، لأن السجال بهذه الطريقة لا يقود الأمم إلى الأمام ولو
خطوة.
ميس نايف الكريدي
ميدل إيست أنلاين في
16/08/2009
بسام كوسا محاوراً
زياد رحباني:
أجمل في مقعد الممثل المتألق لا المذيع
راشد
عيسى
لا نعرف سبباً يدفع
الممثل النجم ليعتلي كرسي المذيع، مع أننا نتابع برنامجاً ممتعاً على إحدى
القنوات
المصرية يحمل عنوان «على كرسي المذيع»، والفكرة هناك ممتعة، تقوم على هذا
التبادل
للمواقع بين الصحافي، والممثل. فكرة البرنامج هناك قائمة على
هذا التبادل، كما لو
كنا أمام تبادل للأدوار بين الأمير والفقير. أما في الحوار الخاص الذي بثه
التلفزيون السوري مع الفنان زياد رحباني، وأوكل مهمة المذيع فيه إلى الممثل
النجم
بسام كوسا، فقد أثار التساؤل أولاً عن ذلك الكم من المذيعين
الذين يقضي التلفزيون
سنوات في تدريبهم وتثقيفهم، ثم يهملهم في ساعة الضيق. وثانياً لماذا تُرك
الرجل،
كوسا، وحيداً في مواجهة ضيفه الاستثنائي، في الوقت الذي نجد في كل البرامج
المحترمة
فريقاً واسعاً من المعدّين والمساعدين. كيف تترك المهمة لمن لا
سابق تجربة له في
الإعلام وفي الصحافة ليواجه فناناً بحجم زياد، وجمهوراً بحجم جمهوره؟ ثم إن
البرنامج لم يكن مواجهة بين مبدعين ندّين، كما حدث بين أدونيس وفاتح المدرس
مثلاً،
وكما توحي الصورة التي استُهل بها البرنامج، حيث صورة زياد إلى
جانب صورة كوسا، (وإلا
كان على زياد أن يسأل كوسا عن تجربته أيضاً!).
توضحت النتيجة منذ
الإطلالة الأولى، بدا كوسا في وضع لا يحسد عليه، مرتبكاً، يعيد السؤال مرات
عدة
فيما الضيف ماض في حديثه، ومشوِّشا أحياناً على حديثه،
باستجابات وردود أفعال
ملتبسة في الغالب، وفي أحسن الأحوال بمجاراة وإثناء على الضيف قلما شهدناه
في
مقابلة تلفزيونية. بل إن كثيراً من أسئلة المذيع لم تكن سوى مدائح يحار
المرء أي
أجوبة تريد. تضمنت الأسئلة كلاماً من قبيل «الجمهور يعتبرك
أيقونة»، «زياد مِلكٌ
للجميع»، «هؤلاء ظلوا تحت عباءة أو خيمة زياد رحباني»، أما قمة القسوة في
أسئلة
كوسا فكانت حين قال: «هنالك رأي حلو كثيراً، ولكنه قاس: لو أنك متّ بعد ما
عملت
أغنية «وحدن» لكنت قد فعلت كل شيء»، أما خاتمة الحوار فلعلّها
غير مسبوقة، لقد قضى
كوسا دقائق طويلة يمجّد الضيف بطريقة جعلت الكاميرا تقفل الحلقة مع أغنية
رحبانية،
تركت المجاملات مستمرة وانسحبت. هو ما ذكر ببداية الحديث الذي انطلق بين
الرجلين من
غير ترحيب بالمشاهدين، ومن دون النظر إليهم، كما لو كانوا
(المشاهدين) متلصصين،
واستمر الأمر كذلك، حيث لم ينتبه المذيع إلى وجودنا، لا في فاصل، ولا في
ختام. بل
لم يحدث مرة أن نظر المذيع، الممثل الخبير أمام الكاميرا، في وجوه الناس.
بسام
كوسا لم يساجل ولم يحاور، لقد تُرك الضيف على هواه، وما حضّره الضيف مسبقاً
ليقوله
حول قضية الموسيقي التونسي أنور ابراهم قاله بكل خطورته من دون أي تدخل
للمذيع أو
استفسار. لا حاجة إلى القول إننا لا نريد من المذيع أن يكون ندّاً لضيفه
كما يظن
كثير من الصحافيين أو المذيعين، فمهمة المذيع أن يكون مذيعاً
وحسب، من دون الادعاء
أنه يعرف، أو أنه بحجم ضيفه. فمن يقول للذين يستسهلون إنها مهنة لها قواعد
وأصول،
بل هي علم للسؤال فيه طرائق ومداخل، وللحوار هدف ومَحاور، وإن مواجهة الضيف
والجمهور علم ومران؟
)دمشق(
السفير اللبنانية في
10/08/2009 |