كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

شويكار.. نجمة الكوميديا الجميلة

( 5 )

بقلم: أحمد الجمّال

الجريدة الكويتية

في رمضان.. سير وحلقات في الصحافة اليومية الكويتية

   
 

«"سيدة العمشة" تثير الجدل بفيلمها مع المخرجين الخمسة!»

 
 
 
 
 
 
 
 

شويكار... نجمة الكوميديا الجميلة (5- 15)

«سيدة العمشة» تثير الجدل بفيلمها مع المخرجين الخمسة!

أحمد الجمَّال

غادرت شويكار قطار الكوميديا المسرحية في بداية السبعينيات. في الحلقة السابقة، بدأت «الليدي» رحلة البحث عن الذات، وصارت خلافاتها مع زوجها فؤاد المهندس لغزاً، وانتظر الجمهور عودة «الثنائي» في عمل مسرحي جديد. وخلال عام 1973 قدمت «وأيضاً هالو دوللي» مع نجوم المسرح الكويتي، وبعدها اتجهت إلى الأفلام التراجيدية، ونفض «الشحاذ» الغبار عن جوهرة سينمائية ثمينة... جانب جديد من حياتها نتعرف إليه في السطور التالية.

منذ منتصف السبعينيات، دخلت شويكار في «بروفة» اعتزال المسرح، وكرَّست حضورها المتميز في السينما، واستعادت ذاكرة أفلامها التراجيدية الأولى، وقدَّمت في عام 1975 دوراً جريئاً في فيلم «الجبان والحب»، قصة موسى صبري وبطولة وإخراج حسن يوسف، وبمشاركة كوكبة من النجوم، من بينهم هند رستم وشمس البارودي وعمر الحريري وزوزو نبيل.

وفي العام نفسه، أسند لها المخرج صلاح أبوسيف دور «عزيزة حلاوة» ابنة الحارة الشعبية في فيلم «الكداب»، قصة صالح مرسي وبطولة محمود ياسين وميرفت أمين وسمير غانم. دارت أحداثه حول الصحافي «حمدي» الذي يكتشف واقعة تحايل في أحد مصانع الأقمشة، وتحاصره قوى الشر، فيقرِّر أن يسكن في حي شعبي لا يعرفه فيه أحد، وهناك تتغير حياته تماماً.

وبعد «الكداب» حدثت نقلة نوعية في أفلام شويكار، واكتشف مخرجو التراجيديا أنهم إزاء ممثلة متعددة الأقنعة، وقادرة على إقناع الجمهور في أدوار متباينة، ولا يحمل أداؤها أصداء من نجمات أخريات، بل إن كثيرات منهن لم يستطعن منافستها في الجمع بين الكوميديا والتراجيديا، وخُلعت عليهن الألقاب، بينما «الليدي» رفضت أن يقترن باسمها أي لقب، وبقي اسم «شويكار» كافياً ليعشق الجمهور فنها، ويمنحها التكريم اللائق بموهبتها المتفردة.

بدت شويكار كالفراشة تنتقل من زهرة إلى أخرى، وكأنها تبحث عن عطرها المفضل، وتباينت مشاعرها بين عشقها للفن، وبين مشاغلها كأم وزوجة، واستعادت تألقها على الشاشة، بينما جعلها الحنين إلى المسرح ضيفة دائمة في أعمال زملائها، وقارئة جيدة للمسرح العالمي، وظل ابن عمتها الدكتور تحسين الحديدي يحضر لها شرائط أحدث العروض الأجنبية عند عودته من رحلاته العلمية في الخارج، ويذكرها بنبوءته أنها ستصبح نجمة.

ورغم إطلالتها الجديدة في ثوب التراجيديا، فإن المخرجين لم يمنحوها أدوار البطولة المطلقة، لكن حضورها الطاغي أعطاها هالة من الضوء، وباتت نجمة شباك من نوع فريد، يقطع الجمهور التذاكر لمشاهدتها، وهي تجسد أدوارها ببراعة، وتترك بصمتها الخاصة في الأداء المتميز، ويتراكم رصيدها الفني في مرحلة النضج، وتثبت أنها ممثلة شاملة، وليست أسيرة لون من الدراما.

لم تخش النجمة الجميلة أدوار الأم أو المرأة المتقدمة في العمر، فهي تحمل في أعماقها هذا الشعور الجارف نحو ابنتها، وكان دافعها الحقيقي إلى تجسيد هذا الدور، وهي دون الثلاثين من عمرها، عندما وافقت على سيناريو «الراجل ده حيجنني» 1967 للمخرج عيسي كرامة، وصبغت شعرها باللون الأبيض لتبدو أكبر من سنها، وتقنع الجمهور من خلال أدائها أنها أم لفتاة كبيرة (مديحة سالم)، وجسدت هذه الشخصية إلى جانب ممثلات تقاربهن في العمر، بينما بعض النجمات اللواتي ظهرن قبلها على الشاشة كن يؤدين أدوار تلميذات المدارس، وقد تخطين الخمسين!

يفسر ذلك عدم لجوئها إلى جراحات التجميل، وحفاظها على نضارتها وجمالها المقاوم للزمن، فقد تشبعت روحها بالصفاء، وبلغت ذروة نضجها الفني، وتراكمت خبراتها الحياتية، وعلمتها التجارب أن الجمال الحقيقي ليس في الشكل، ولكن في هذا الشعور الدائم بالرضا، واحتواء اللحظات الصعبة التي مرت في حياتها، وأن تحتفظ دائماً بتقدير واحترام الجمهور لعطائها الفني.

ومنذ دخولها عالم التمثيل، لفتت الأنظار إلى جمالها الباهر، وحاول البعض أن يتقرب إليها، ولكنها كشفت عن شخصيتها المتزنة وقطعت الطريق على الإشاعات بزواجها من فؤاد المهندس، كذلك لم ترتبط بصداقات كثيرة في الوسط الفني، واعتبرت أن زملاء المهنة أفراد أسرة واحدة، وبينهم الطيبون والأشرار، وهذا أمر طبيعي ويحدث في أوساط أية مهنة.

وفي أحد حواراتها الصحافية، قالت إن علاقتها بالمهندس، ترتكز على الثقة المتبادلة، فهو زوجها وأستاذها، وبعد سنوات من ارتباطهما، شعرت بأنها مثل زوجة غير متعلمة، بينما زوجها على درجة كبيرة من العلم والثقافة، وهي تحاول أن تفهم طبيعة عمله، وتبذل أقصى جهدها لتساعده على النجاح، ومن أجل هذا تحب التمثيل، رغم متاعبه وشقائه، وأنها لن تتوقف عن العمل حتى تُؤمِّن مستقبل ابنتها.

سنة أولى حب

يعد فيلم «سنة أولى حب» 1976 أحد أعمالها الاستثنائية، ولأول مرة في تاريخ السينما المصرية شارك خمسة مخرجين في إخراج شريط سينمائي واحد، وهم صلاح أبوسيف وكمال الشيخ ونيازي مصطفى وحلمي ورفلة وعاطف سالم، وكتب القصة الصحافي مصطفى أمين. دارت الأحداث في العهد الملكي قبل ثورة 1952، وشارك في البطولة كل من محمود ياسين ونجلاء فتحي وأمينة رزق وجميل راتب وبوسي وآخرون.

قامت شويكار بدور «سيدة العمشة» التي تدير منزلاً مشبوهاً، وقد أثار تجسيدها هذه الشخصية جدلاً حول اتجاهها إلى الأدوار الجريئة، واعتبرت أن كل مرحلة في عمر الفنان تقتضي أن يختار الأدوار المناسبة، فلم يعد مقنعاً أن تجسد شخصية الفتاة الصغيرة، وأوضحت أن القيمة الحقيقية تكمن في مضمون العمل، وتناغم عناصره من إخراج وتمثيل وتصوير وديكور، من ثم تبقى هكذا من أعمال في ذاكرة المشاهد ووجدانه.

فيفا زلاطا

عندما بدأت شويكار في التمرد على الأفلام الكوميدية التجارية، وشاركت في فيلم «الشحاذ» 1971، لاحت في الأفق بوادر الخلاف بين «الثنائي» وتساءل الجمهور حول موقف فؤاد المهندس من «نصفه الحلو» إلى هذه النوعية من الأدوار، وظل الأمر لغزاً يحيِّر المقربين منهما. والحقيقة أن تعاونهما تراجع كثيراً في بداية السبعينيات، وظهر المهندس مع ميرفت أمين في «عودة أخطر رجل في العالم» 1972، إخراج محمود فريد، وهو النسخة الثانية من «أخطر رجل في العالم» 1967 للمخرج نيازي مصطفى، ويدور حول مغامرات رجل العصابات «مستر إكس» وشبيهه المصري الذي يتعاون مع الشرطة للقبض على المجرم.

وفي العام التالي، دخلت شويكار مع المهندس إلى «مدرسة المراهقين» واختفت لمدة ثلاثة أعوام، قبل أن يتجدد لقاؤهما في «فيفا زلاطا» 1976 إخراج حسن حافظ، وبطولة كوكبة من النجوم من بينهم سمير غانم وتوفيق الدقن ونبيلة السيد وزوز شكيب، وظهر النجم حسين فهمي كضيف شرف، ولجذب الجمهور استبدل باسمه في ملصق الفيلم اسم ممثل عالمي وهمي «بيلي ذاكيد»، كذلك ظهر النجم الكبير محمود مرسي في مشهد ضيف شرف أيضاً، ودارت الأحداث في إطار فانتازي حول الصراع التقليدي بين الخير والشر.

وتتابع ذكريات 1976، بظهور شويكار في فيلم «دائرة الانتقام» للمخرج سمير سيف، لتستعيد أصداء «أمير الدهاء» 1964، فالفيلمان مقتبسان من رواية «الكونت دي مونت كريستو» للكاتب الفرنسي ألكسندر دوماس «الابن» ويتضح الاختلاف في الرؤية السينمائية للفيلمين. كذلك عندما جسَّدت شويكار في الفيلم الأول دور «ياسمينا» حبيبة حسن الهلالي (فريد شوقي)، بينما قامت في الثاني بدور «فايزة» فتاة الليل التي تساعد جابر (نور الشريف) في الانتقام ممن زجوا به في السجن.

ولم ينته ذلك العام من دون أن تعود شويكار إلى المسرح الكوميدي، وتلتقي فؤاد المهندس في مسرحية «ليه ليه» تأليف بهجت قمر، وإخراج سمير العصفوري. وكانت أول صدمة يتلقاها «الثنائي» بعد النجاح الساحق الذي حققته أعمالهما السابقة، فقد غامر المهندس بتوليفة درامية مغايرة، وأراد أن يقدم كوميديا استعراضية ذات صبغة انتقادية لسلبيات المجتمع، وتخلى عن مفهوم «الضحك للضحك» ولكن المسرحية لم تنجح جماهيرياً، وسجلت هبوطاً في إيرادات التذاكر، وانطفأت أضواء المسرح، وجلست البطلة وحيدة.

تناولت سهام النقد «ليه ليه» وتباينت الآراء حول المسؤول عن هذه التجربة، وهل هو المؤلف أم المخرج أم الثنائي «شويكار والمهندس»، واعتبرت «سيدتي الجميلة» أن الفنان تصقله التجارب حتى آخر يوم في حياته، وعليه أن يتعلم منها، ومهما كانت نجوميته يخطئ ويصيب، وتعترض العثرات طريقه، والمؤسف أن بعض النقاد لا يجيد سوى الهدم، وتشويه صورة الفنان إزاء جمهوره، وهذا لا يعد نقداً، بل انطباعات شخصية، ولولا إدراكها هذا الأمر لاعتزلت بعد أيام من احترافها التمثيل.

السقا مات

خرجت شويكار من تجربة «ليه ليه» لتعود إلى السينما، وتمارس طقوس حياتها اليومية، وتلمح بين حين وآخر إلى متاعب مهنتها، وتغير المناخ في الوسط الفني، وتراجع مستوى الأفلام والمسرحيات. وسجلت بداية السبعينيات حل مؤسسة السينما المصرية، وظهور عدد كبير من شركات الإنتاج الخاصة، ومعظمها كان يبحث عن الربح من دون الاكتراث بقيمة العمل.

عاشت النجمة الجميلة على أطلال الذكريات، وهي تتصفح ألبوم أعمالها في أفلام الأبيض والأسود وأضواء المسرح الكوميدي، وسنوات التألق ودوي التصفيق في صالة العرض، وتفيق على أمر ما تغير، وتتأمل رحلة عشرة أعوام من النجاح والشهرة والأضواء، وتنظر بعين الرضا إلى حياتها الخاصة، وسر سعادتها مع فؤاد المهندس، رغم الخلافات العابرة، ويجرفها الشعور بالأمومة إلى الاهتمام المتزايد بمستقبل ابنتها منة الله، وإصرارها على إبعادها عن طريق الفن كي لا تكرر تجربتها مع مهنة الشقاء والمتاعب.

وفي غمار هذه العاصفة بحثت النجمة الجميلة عن ضفاف آمنة، ورفضت كثيراً من السيناريوهات دون المستوى، وأعاد المخرج صلاح أبوسيف اكتشاف مواهبها التراجيدية، وأسند لها دور البطولة في فيلم «السقا مات» 1977 قصة يوسف السباعي، وإنتاج المخرج يوسف شاهين.

جسَّدت شويكار شخصية «عزيزة نوفل» إلى جانب كل من فريد شوقي وعزت العلايلي وأمينة رزق وتحية كاريوكا، ويعد هذا الشريط السينمائي أحد أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية.

ظهرت «الليدي» في إطلالة سينمائية مغايرة، وتابعت سلسلة أدوارها الجريئة في فيلم «طائر الليل الحزين» 1977، سيناريو وحيد حامد وإخراج يحيى العلمي، وأدت دور «درية» إلى جانب كل من محمود مرسي وعادل أدهم ونيللي ومحمود عبدالعزيز ومريم فخر الدين. دارت أحداثه حول الشاب عادل عزام (محمود عبدالعزيز) الذي يُتهم ظلماً بارتكاب جريمة قتل، ويحكم عليه القاضي حازم المغربي (محمود مرسي) بالإعدام، ولكنه يهرب من السجن، ويبحث عن السيدة التي تملك دليل براءته (شويكار) وعندما يعثر عليها، يكتشف مفاجأة خطيرة!

وفي العام التالي تكرَّر اللقاء بين شويكار والمخرج يحيى العلمي في فيلم «شباب يرقص فوق النار» تأليف فيصل ندا، وبطولة كل من محمود عبدالعزيز وعادل إمام ويسرا وصفاء أبوالسعود وعبدالمنعم مدبولي.

قامت النجمة بدور «هيام»، زوجة أحد الأثرياء (نظيم شعراوي) التي تتغير حياتها عندما تقابل الشاب علاء (محمود عبدالعزيز)، ويواجه الأخير اختباراً صعباً مع أشقائه الثلاثة عندما يصبحون في مفترق الطرق، وتتوالى الأحداث.

شويكار تصطدم بالرقابة بسبب «درب الهوى»

ظهرت في بداية الستينيات موجة من الأفلام تنتقد العهد الناصري، والمفارقة أن شويكار شاركت في بعضها، رغم اعترافها أنها أمضت حياتها بعيداً عن السياسة، ولم تكن بحاجة إلى إثبات وجودها الفني من خلالها، ونفيها التام ما ورد في بعض الكتابات عن تعرضها للاضطهاد في تلك الفترة، إذ اعتبرته نوعاً من المبالغات والافتراءات، لا سيما أنها كانت ممثلة كوميدية، وأعمالها لا تحمل أية إسقاطات سياسية.

ولكن موجة أفلام مراكز القوى في العهد الناصري جرفتها إلى فيلم «الكرنك» المأخوذ عن رواية للكاتب نجيب محفوظ، وإخراج علي بدرخان، وأدت دور صاحبة المقهى «قرنفلة» مع مجموعة من النجوم، من بينهم فريد شوقي وسعاد حسني ونور الشريف وكمال الشناوي وعماد حمدي وتحية كاريوكا، وصلاح ذوالفقار ومحمد صبحي ووحيد سيف وغيرهم.

ويعد «الكرنك» أول صدام رقابي مع أفلام شويكار، إذ تعطل ظهور الفيلم بعدما أصبح جاهزاً للعرض، وسجلت تلك الفترة اهتماماً بهذا العمل، وأثار جدلاً كبيراً حول مضمونه، واتهمه البعض أنه يحوي قدراً كبيراً من المغالطات التاريخية، بينما تحمس فريق آخر له، واعتبره أحد أهم الأفلام المصرية ذات الصبغة السياسية.

وكانت شويكار على موعد مع صدام رقابي آخر، عندما جسدت دور «حسنية العالمة» في فيلم «درب الهوى» 1983، للمخرج حسام الدين مصطفى، وبطولة كل من أحمد زكي ومحمود عبدالعزيز ويسرا وفاروق الفيشاوي، وتوقف عرضه في دور السينما بعد أيام قليلة، إذ أثار ضجة حول مشاهده الجريئة، وأحداثه التي دارت في فترة الأربعينيات.

الطريف أنه في العام نفسه، لحق فؤاد المهندس بشويكار، واصطدم مع الرقابة من خلال فيلم «خمسة باب» للمخرج نادر جلال وبطولة عادل إمام ونادية الجندي، وتشابهت أحداثه مع «درب الهوى» وأثارت النسختان أزمة كبيرة داخل البرلمان، ومُنعا من العرض في دور السينما.

ورغم جاذبية المنع التي تثير الفضول، فإن الفيلمين لم يحققا إيرادات عالية، عندما حرك المخرج حسام الدين مصطفى دعوى قضائية، وصدر الحكم بعرض «درب الهوى» في 26 يناير 1991، وبالتالي الإفراج عن «خمسة باب» وبات كل من شويكار والمهندس في مرمى الاصطدام بالرقابة، وراحا يفكران في استئناف تألقهما الفني في المسرح والسينما.

·     «ليه ليه» أول صدمة لنجمة الكوميديا في مسرحية بلا جمهور

·     صلاح أبوسيف يعيد اكتشاف مواهبها التراجيدية في «الكداب»

·     ميرفت أمين تخطف «أخطر رجل في العالم» من نجمة أفلامه

 

الجريدة الكويتية في

10.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004