كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

شويكار.. نجمة الكوميديا الجميلة

( 1 )

بقلم: أحمد الجمّال

الجريدة الكويتية

في رمضان.. سير وحلقات في الصحافة اليومية الكويتية

   
 

«ابنة الأتراك حائرة بين التمثيل والزواج ونبوءة ابن عمتها»

 
 
 
 
 
 
 
 

شويكار... نجمة الكوميديا الجميلة (1- 15)

ابنة الأتراك حائرة بين التمثيل والزواج ونبوءة ابن عمتها

أحمد الجمَّال

حلَّقت شويكار إبراهيم صقال نحو الأضواء والشهرة، وجذبها سحر الفن إلى السينما والمسرح، فتألقت الفراشة الجميلة بين نجمات جيلها. وخلال نصف قرن سطعت موهبتها المتفردة، ونافست نجوم الكوميديا في إضحاك الجمهور، إذ جسَّدت كثيراً من الشخصيات التراجيدية، وتمرَّدت على الأدوار النمطية، وحفلت حياتها بالإثارة والتشويق وتمتعت بإطلالة جوهرة ثمينة تخطف الأنظار والقلوب.

اقترنت نجومية الفنانة شويكار بموهبة استثنائية، وظاهرة فريدة لممثلة جمعت بين أطياف الدراما، وغيَّرت المفهوم السائد عن نجمات الكوميديا. وتناغم جمالها مع خفة الظل، وتلقائية الأداء، ولفتت أنظار المخرجين إلى قدرتها على الإضحاك، وأثبتت بعد انفصالها الفني عن زوجها الفنان فؤاد المهندس، أنها قادرة على العزف المنفرد، وأضافت إلى رصيدها كثيراً من الأدوار المهمة على الشاشة وخشبة المسرح.

لا يزال جمهور شويكار يتذكر قائمة طويلة من أدوارها في المسرح من بينها: «أنا وهو وهي» 1963، و«حالة حب» 1967، و«حواء الساعة 12» 1968، و«سيدتي الجميلة» 1969، و«الزيارة انتهت» 1983. وفي السينما: «أمير الدهاء» 1964، و«أخطر رجل في العالم» 1967، و«الشحاذ» 1973، و«طائر الليل الحزين» 1977. وفي الدراما التلفزيونية: «بين القصرين» 1987، و«هوانم غاردن سيتي» 1997، و«امرأة من زمن الحب» 1998، و«بنت من شبرا» 2004.

مولد نجمة

وُلدت شويكار إبراهيم صقال في مدينة الإسكندرية يوم 4 نوفمبر 1938، لأب تركي وأم شركسية، وتفتحت عيناها داخل أسرة أرستقراطية، فقد كان والدها من ذوي الأملاك الزراعية في قرية «أبو الأخضر» بمحافظة الشرقية (شمال شرق القاهرة)، وحرص على تعليم أبنائه السبعة وهو اختار لهم أسماءً تبدأ جميعها بحرف الشين، فشويكار كان لها ست إخوة هم: شريفة، وشكري، وشمس، وشاهيناز، وشاهيستا، وشريف. وأقامت الأسرة طوال أشهر الدراسة في الإسكندرية، بينما كانوا يمضون فترة الإجازة في أحضان الريف.

التحقت شويكار بمدرسة «نوتردام دي لاديلي فرانت» وأجادت التحدث بالفرنسية والإنكليزية والتركية، وتعلَّمت فنون التطريز، وامتدت أصابعها إلى أرفف مكتبة والدها لتقرأ الروايات والقصص المترجمة، وجذبتها مؤلفات عباس العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وأظهرت تفوقاً في دراستها، وتأهلت لدخول الجامعة، وراودتها الأحلام أن تصبح نجمة سينمائية مشهورة.

آنذاك، كانت ترتاد مع أسرتها دور السينما والمسرح في الإسكندرية، وتعلقت عيناها بسحر الشاشة، وأظهرت الطفلة موهبتها في تقليد الفنانين، وصارت هوايتها المفضلة بين أقرانها، وشاركت في الحفلات المدرسية، لكن والدها أطاح أحلامها، وهي في السادسة عشرة من عمرها، عندما وافق على زواجها من المحاسب حسن نافع الجواهرجي.

بدت الفتاة الصغيرة في مفترق طرق، ولا تدري ماذا تفعل، وأحلامها تنهار أمامها، وهي تلوذ بالصمت، وتعتريها مشاعر متضاربة، بين الفرح لكونها سترتدي ثوب الزفاف، وبين طموحها في استكمال دراستها في الجامعة، واستشعرت شقيقاتها حيرتها، وحاولن التخفيف عنها، بأن حلم أي فتاة أن تصبح عروساً، وتنجب أطفالاً، وتتحمل مسؤوليتها كأم وزوجة.

ابن عمتها الدكتور تحسين الحديدي، كان له رأي آخر، وقال لأبيها: «هل ستزوج شويكار وهي صغيرة؟»، فقال: «نعم لا بد من أن أطمئن على بناتي»، فقال ابن عمها: «ابنتك ستكون ممثلة مشهورة». وتعجب إبراهيم صقال من قول ابن شقيقته، ولكن بعد سنوات تحققت نبوءة الفتى الصغير، الذي صار طبيباً معروفاً، بينما أصبحت شويكار نجمة مشهورة، وكلما التقى بها في مناسبة عائلية، ذكرها بما قاله لوالدها، وكان يرسل لها أحدث الشرائط السينمائية التي يجلبها معه من رحلاته إلى أوروبا.

لم تعترض شويكار على زواجها في سن مبكرة، فقد كان والدها المثل الأعلى في حياتها، وكان يحكي لها وإخوتها حكايته بين قرية «أبو الأخضر» وعاصمة الضباب، وكيف قطع دراسته للاقتصاد في لندن، وعاد لإدارة شؤون العائلة بعد وفاة والده، وتولى مسؤولية أملاكهم الزراعية، وأكمل مسيرة أبيه، وتزوج في الأربعين من عمره، وحرص على تعليم أبنائه، وتنشئتهم على قيم الوفاء والعطاء والتضحية وإنكار الذات.

وكانت شويكار متعلقة بأمها، وتعلمت منها معنى الأمومة وتقديس الحياة الزوجية. وفي يوم زفافها بكت الأم من الفرح، وبعد سنوات طويلة تكرَّر ذلك الموقف مع شويكار، عندما تزوجت ابنتها منة الله، وظلت تأسرها الأعمال الدرامية التي تتناول حكاية أم وأبنائها، وتتعايش معها. ولم تتردد في قبول دور الأم في فيلم «الراجل ده حيجنني» 1967، للمخرج عيسى كرامة، وشاركها البطولة فؤاد المهندس، واقتضى دورها أن تضع ماكياجاً لتبدو أكبر من عمرها الحقيقي، وليقتنع الجمهور بأنها أمٌ لفتاة كبيرة (الفنانة مديحة سالم).

حبي الوحيد

تزوجت شويكار في سن السادسة عشرة، وتحملت الفتاة الصغيرة أعباء الحياة الزوجية، وكانت تهاتف والدتها يومياً، وتستشيرها في أمور متعلقة بالطهي وشؤون المنزل. أنجبت ابنتها منة الله، وبعد عامين تلقت صدمة وفاة زوجها وهي في سن الثامنة عشرة، لتعود مُجدداً إلى منزل الأسرة، واعتصر الحزن قلبها لأشهر طويلة، ولم يخفف عنها سوى شعورها الجارف بالأمومة، ورعاية ابنتها، فرفضت أن تخوض تجربة الزواج مُجدداً، بل قرَّرت أن تكمل تعليمها، والتحقت بكلية الآداب في جامعة القاهرة، وحصلت على دبلوم في الأدب الفرنسي.

عندما أنهت شويكار دراستها في القاهرة، عادت إلى الإسكندرية، وكانت تتردد على نادي «سبورتنغ» ملتقى العائلات الثرية، وهناك شاهدها المنتج جمال الليثي، وعرض عليها التمثيل في السينما، واستيقظت أحلامها مُجدداً، وتحوَّلت إلى حقيقة، عندما شاركت في فيلم «حبي الوحيد» 1960 للمخرج كمال الشيخ، وقامت بدور صغير أمام عمر الشريف ونادية لطفي وكمال الشناوي وعبدالمنعم إبراهيم.

وفي عام 1961، أدت دور فتاة أرستقراطية في فيلم «غرام الأسياد» قصة يوسف السباعي وإخراج رمسيس نجيب، ثم منحها المخرج هنري بركات دوراً رئيساً في فيلم «أمير الدهاء» 1964، المأخوذ عن قصة «الكونت دي مونت كريستو» للكاتب الفرنسي ألكسندر دوماس «الابن»، وجسَّدت شخصية «ياسمينا» خطيبة حسن الهلالي (فريد شوقي)، الذي تعرَّض للسجن ظلماً، وخرج لينتقم مِمَنْ غدروا به، وسلبوه حريته وفرقوا بينه وبين حبيبته.

وعن ذات القصة، تكرَّر ظهور شويكار في فيلم «دائرة الانتقام» 1976 سيناريو إبراهيم الموجي وإخراج سمير سيف، وقامت بدور «فايزة» التي تساعد جابر (نور الشريف) على الانتقام مِمَنْ زجوا به إلى السجن، وتتوالى الأحداث في إطار تشويقي، وتنتهي على نحو مأساوي بمصرع حبيبها.

مسرح التلفزيون

لفتت شويكار الأنظار في أولى أدوارها على الشاشة، وأصبحت ممثلة معروفة، لكنها ظلت بعيدة عن البطولة المطلقة. وفي العام 1963 أنشئ مسرح التلفزيون، وضم عدة فرق تراوحت أعمالها بين الكوميديا والتراجيديا، وتقديم بعض الأعمال من المسرح العالمي، وتولى إدارته المخرج السيد بدير والفنان محمود السباع. شجعها الأخيران على التمثيل في المسرح، ولكنها تخوفت من التجربة، وفكرت كيف ستواجه الجمهور وجهاً لوجه، واعتبرت أن العمل السينمائي أسهل بكثير، خصوصاً أن المشهد يمكن إعادة تصويره أكثر من مرة.

وذات يوم اتصل بها السيد بدير، وأخبرها أن مسرح التلفزيون يجهز لمسرحية «أنا وهو وهي» بطولة فؤاد المهندس، وإخراج عبدالمنعم مدبولي، وأنهما يبحثان عن بطلة من الوجوه الجديدة، فوافقت بشرط أن تخوض الاختبار من دون وساطة، مثل عشرات الفتيات اللواتي تقدمن للظفر بالدور.

أول لقاء بالمهندس

ذهبت شويكار في الموعد المحدد، وقابلت لأول مرة فؤاد المهندس، وطلب إليها المخرج عبدالمنعم مدبولي أن تقرأ دورها.

كان كل من المهندس ومدبولي اتفقا على إشارة معينة، يقول بعدها الأخير: «رائع جداً سنتصل بك بعد أيام»، ومعناها أن الممثلة لا تصلح للدور، وبعد أن قرأت شويكار جزءاً من الدور، أومأ المهندس برأسه، وأبدى مدبولي إعجابه بأدائها، وأثناء البروفات كانا يشجعانها كثيراً، وعرضت المسرحية في دار الأوبرا، وحققت نجاحاً كبيراً.

تدور أحداث المسرحية في إطار كوميدي، حول محامٍ شاب (فؤاد المهندس) يلتقي فتاة (شويكار) أثناء رحلة صيد في مدينة الفيوم (جنوب القاهرة)، ويتسبب هذا اللقاء في سوء تفاهم بين المحامي وأحد موكليه «النمساوي بك» (سلامة إلياس)، الذي يبحث عن زوجته المختفية، وتجمعه مواقف طريفة مع عادل إمام (دسوقي سكرتير المحامي) والضيف أحمد (خادم المنزل). ولفت الوجهان الجديدان الأنظار إلى موهبتهما الكوميدية إلى جانب بطل المسرحية فؤاد المهندس، وكانت نقطة انطلاقهما إلى النجومية.

حب في الكواليس

بدورها أيضاً خطفت شويكار الأضواء بأدائها في «أنا وهو وهي» وكانت المسرحية بمنزلة شهادة ميلاد لنجمة مسرحية. وخلال أيام العرض، دارت في الكواليس دراما موازية بين المهندس وشويكار، وأظهر النجم الكوميدي اهتمامه بزميلته، ولاحظ أنها تكرِّس وقتها لمراجعة دورها، ولا ترتكن إلى وجود «مُلقن» وأنها أول من يحضر إلى المسرح قبل فتح الستار. وتحوَّل إعجابه إلى حب جارف، وذات يوم قرَّر أن يبوح لها بمشاعره وهما على خشبة المسرح، وفي أحد المشاهد، خرج عن النص من دون أن يلحظ الجمهور، وهمس في أذنها: «تتزوجيني يا شوشو؟»، وارتسمت ابتسامة على شفتيها، وتوَّرد وجهها خجلاً، وأومأت بالموافقة.

فيلم عالمي

كان 1963 أحد الأعوام الفارقة في حياة شويكار، فقد شهد زواجها من فؤاد المهندس، وتألقها كنجمة مسرحية، ومشاركتها في الفيلم العالمي «كايرو» Cairo للمخرج البريطاني وولف ويلا، بطولة كل من ريتشارد جونسون وجورج ساندرز وإيزك بولمان ومجموعة من النجوم المصريين، من بينهم فاتن حمامة وأحمد مظهر وكمال الشناوي ويوسف شعبان وصلاح منصور.

ودارت أحداث الفيلم في إطار تشويقي، حول عصابة دولية تخطط لسرقة إحدى القطع الأثرية من المتحف المصري. أدت شويكار دور «مريم» فتاة الملهى، بينما قامت فاتن حمامة بدور «أمينة» الفتاة الفقيرة التي ترتبط بقصة حب مع شاب ضائع، ينجرف للمشاركة مع العصابة في سرقة الآثار، بينما الشرطة تراقب تحركاته، ويتعاون معها في القبض على المجرمين، ويحصل على مكافأة، ويتزوج من حبيبته.

وظهرت براعة شويكار وفاتن حمامة في التمثيل باللغة الإنكليزية، وجسدا دوريهما باحترافية، بينما لجأ المخرج إلى «دبلجة» صوت بعض النجوم، ويتضح هذا للمُشاهد وهو يتابع حركة الشفاه، ويبحث عن أصواتهم الحقيقية، لكنه يتعرف بسهولة إلى صوت النجمتين، ومدى تمكنهما من النطق بالإنكليزية، وتأهلهما إلى التحليق نحو السينما العالمية.

مواجهة درامية بين الجميلة والمهندس ويوسف إدريس

بعد تألق شويكار في مسرحية «أنا وهو وهي» وزواجها من المهندس، تابعت الصحافة الفنية آنذاك أخبار أشهر ثنائي في الفن والحياة، ورصدت تفاصيل لقاء استثنائي جمعهما بالكاتب الكبير يوسف إدريس، وتدفق بينهم الحوار حول المسرح الكوميدي، وهجوم النقاد على كوميديا «المهندس» واتهامه بالإسفاف. وتطرَّق الحديث إلى مدى التوافق بين زوجين يعملان في الفن، ومدى تأثير ذلك في حياتهما الزوجية.

خلال تلك الجلسة، بادرت شويكار بسؤال يوسف إدريس عن مسرحيته «الفرافير» التي حققت نجاحاً كبيراً، بعد أن أخرجها كرم مطاوع وشارك في بطولتها توفيق الدقن (السيد) وعبدالسلام محمد (الفرفور)، وماذا لو أعادت تمثيلها مع فؤاد المهندس، فمنْ سيكون السيد ومَنْ الفرفور؟

وتسبب السؤال في حرج لإدريس، وقال إن طبيعة مجتمعاتنا تقر بأن الرجل هو «السيد» والمرأة هي «الفرفور»، لكن الواقع أنها تتحمل المسؤولية بقدر مساوٍ للرجل، وأحياناً تفوقه بمراحل، ووفق التاريخ فإنها أساس الحياة فهي الأم والزوجة والفتاة والسيدة العاملة، ما يجعلها في مكانة متميزة داخل أسرتها ومجتمعها.

بدوره سأله المهندس عن تقييمه لتجربته الفنية مع شويكار، فقال إدريس: «الحقيقة أنني معجب بشخصيتكما الفنية، وأظن يا فؤاد أنني عرضتُ عليك تمثيل دور الفرفور في مسرحيتي، لأنك من المواهب الكوميدية التي نحرص عليها، وبالنسبة إلى شويكار قدمت دور الفتاة المدللة في مسرحية «أنا وهو وهي» ببراعة، وهو نموذج لشخصيات موجودة في مجتمعنا، ولكن المعالجة الدرامية كانت تفتقر إلى العمق».

وامتدت الجلسة بين الثلاثة، ودارت فناجين الشاي والقهوة، وتوجه إدريس بسؤال إلى شويكار حول مدى الفصل بين حياتهما الفنية والخاصة، وقبل أن تجيب أسرع المهندس بقوله إنه يرتبط بشويكار برباط أكبر من كونهما «ثنائياً فنياً» وأنها تحيطه بالرعاية على المسرح، وتدفعه إلى المزيد من إضحاك الجمهور، وإذا حدث أن أخطأ في حقها أو حق زميل، فهي أول من ينبهه إلى ذلك، وفوراً يبادر بالاعتذار. وامتد الحوار ليؤكد يوسف إدريس أن هذا الرباط القوي بين شويكار والمهندس في الفن والحياة، وحجم صراحتهما المتبادلة هو سر نجاحهما، وأن التمثيل الكوميدي أصعب بكثير من التراجيدي، ولا يمكن وصف مسرحهما بالإسفاف، وأن العمق الذي يطلبه النقَّاد، يمكن تنفيذه في الأعمال التراجيدية، وليس في الكوميديا.

البقية في الحلقة المقبلة .....

·     في طفولتها تعلَّقت عيناها بسحر الشاشة وبرعت في تقليد الفنانين

·     «حبي الوحيد» أول لقاء يجمع فتاة نادي «سبورتنغ» وعمر الشريف

 

الجريدة الكويتية في

06.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004