تتوزع
الإنتاجات الإبداعية في الحقل السينمائي الخليجي بين أنواع متعددة منها
الفيلم الروائي بشقيه القصير والطويل ثم الفيلم التسجيلي، ثم ألإشهاري أو
الإعلاني ناهيك عن الإنتاجات التلفزيونية التي ترعاها قنوات خاصة أو وزارات
الاتصال التابعة للدولة.
يمكن
القول أن جل العاملين بالحقل السينمائي سواء من حيث الإنتاج أو الإخراج سبق
لهم أن اشتغلوا في استوديوهات تلفزيونية أكسبتهم بعض التجارب سواء أكان
لذلك علاقة بتكوينهم التقني أو بميولات شخصية أملتها عليهم ظروف العيش، أو
نوعية الشواهد المحصل عليها. وجدير بالذكر أن بعضهم أتى من شعب تقنية
كالغرافيزم والبرمجة، والمؤثرات التصويرية والإخراج.
ويلاحظ جل
العاملين في الحقل السينمائي أكانوا كتاب سيناريو أو مخرجين أو منتجين أن
المشهد السينمائي بالخليج مازالت تعتليه بعض النواقص حيث يمكن إجمالها في
ضعف البنية التحتية بجل بلدان الخليج بما تتضمنه من صناعة سينمائية بدءا
بالإنتاج والتسويق والتوزيع ومرورا بغرف المونتاج والميكساج، وكل ما له
علاقة
عموما باستوديوهات ومعامل التحميض. لكن يجب الإشارة للدور الريادي الذي
بدأت تطمح له فعاليات كبرى وشركات بكل من أبو ظبي بقطر والدوحة عموما رغبة
منها في تحقيق إقلاع إعلامي وسينمائي عالمي. ويلقي العاملون بالمجال اللوم
على الشركات والقطاع الخاص لنفوره من الاستثمار في الحقل السينمائي وتخوفه
معتبرا التعامل مع السينما نوعا من المجازفة المحفوفة بالمخاطر بالإضافة
لزجه بالمخرجين في روتين البيروقراطية والتسويف.
يعي جيدا
هؤلاء المخرجون خطورة صقل الذائقة العامة لذى مستهلكي الإنتجات السينمائية
حيث أن حصة الأسد تعود للأفلام الأمريكية التي يتفرج عليها في المنازل
والنوادي والسيارات وكيف استطاعت هذه الأفلام أن تشكل نوعا من المرجعية
الفنية والجمالية نظرا لتفوق انتشارها وحجم ميزانياتها. يأتي بعد ذلك
الأفلام المصرية بمواضيعها الفضفاضة والمتكررة ثم السينما الهندية بشقيها
التجاري والفني والتي يغلب عليها ذلك الطابع الأزلي في صراع الشر والخير
وعقوبة الجناة ،وانتصار الحب.
أما من
حيث الثيمات المعالجة فقد شكل البحر إلى جانب قيم البادية والجبل وطقوس
الصيد واللؤلؤ أهم الثيمات التي تكررت على حقب متفاوتة غير أن الشباب
الخليجي بات اليوم يتجنبها فاتحا أفقه على قضايا مجتمعية أخرى كجرائم الشرف
والتواصل الأسري، وصعوبة الزواج. ولا تخلو بعض الأفلام كالحاجز للبحريني
الذاودي من استعراض نماذج مجتمعية مقهورة كالسارق والمومس، والشباب الضائع.
وقد ذهب البعض للتطرق إلى قضايا أخرى كالقضية الفلسطينية والصراع العربي
الإسرائيلي من منظور العمق العربي لدول الخليج بالنظر لتأثرها إعلاميا
وثقافيا بما يدور في المنطقة.
يبقى أن
القيمة الجمالية لبعض المخرجين الشباب من خلال الدورة الأخيرة لمسابقة
أفلام من الإمارات مثلا تنم عن رغبة عميقة لدى السينمائيين الشباب بالبوح
عن رؤاهم الإبداعية مستخدمين في ذلك لغة الصوت والصورة.الملاحظ أن بعض هذه
التجارب تبقى متأثرة بثقافة التلفزيون ولغته الاستعراضية التي تتوق الإثارة
واللعب على المشاعر، وهو ما نشير له غيرة عليها وليس قدحا فيها. كما أن
النفس التسجيلي يحظر في العديد من هذه التجارب حيث يحس المشاهد أن لدى
هؤلاء المخرجين رغبة جامحة في عرض لحظات من حياة وطقوس الجماعة.
ويلاحظ أن
بعض هذه التجارب السينمائية تظل مسكونة بالتعبير عن قضية جوهرية شغلت الرأي
العام كالكوليرا في وقت مضى من خلال فيلم أخوي لعلي جمال أو الشرف كفيلم
عشاء لحسين الرفاعي أو العنف كفيلم مهمة في المدينة لمحمد هلال (1)، وتتميز
أفلام أخرى لمخرجين مبتدئين بنوع من التقريرية والمباشرة من حيث الرسالة
الموجهة للفيلم. وأحيانا يضيع الموضوع بين تفاصيل دقيقة تخلو فيها الحبكة
من الصنعة المطلوبة. ويبقى أن لأصحاب هاته التجارب الشبابية الحق في الخطأ
لاعتبارات لوجيستيكية كغياب الدعم وغياب الممثل المحترف وغياب سبل التثقيف
والتكوين. ويسجل أن بعض الأفلام مسكونة بلغة المسرح تمثيلا وإخراجا. وهو ما
قد يحسب لصالح هاته الطاقات المبدعة وضدها في نفس الوقت.
أما
الأفلام التسجيلية فلديها ذلك الوعي المستقبلي على اعتبار أن المنطقة تشهد
تحولات سريعة بطلها الزحف الإسمنتي للمجمعات الكبرى والمشاريع التجارية
التي باتت تخنق المواطن العادي وتمحو تلك العلاقة الوطيدة بالمجال والموروث
العمراني والطبيعي للإنسان الخليجي. ويلمس المرء إحساس هؤلاء المخرجين بحجم
المسؤولية الملقاة على عاتقهم من حيث التوثيق للذاكرة الشعبية بكل تجلياتها
التراثية والموسيقية والشعبية كما لمسنا ذلك من خلال فيلم المريد لمخرجته
نجوم الغانم وفيلم حنة لمخرجه صالح كرامة وهي أفلام تضع المشاهد عموما
والجهات الوصية أمام خطورة التفريط في الذاكرة الجماعية.
وبعيدا
عما هو مادي وتكنولوجي، يحس مخرجو الأفلام السينمائية بالخليج بثقل الموروث
الثقافي والاجتماعي لاعتباره الإبداع السينمائي نوعا من الخروج عن ثقافة
الأمة وارتماء في ثقافة الغرب وقيمه المنحلة. بل وقد يذهب البعض إلى حدود
الاستهتار بالفن السينمائي من خلفيات سياسية أو دينية محضة. وتشكل هذه
العوائق المعنوية التي تنطلق من نظرة ضيقة للسينما، حواجز اجتماعية ومحاذير
دينية قد تحكم على الحركة السينمائية بالفشل أو بالشلل المؤقت. ويرى
المدافعون بالمقابل عن قيم السينما أنه بمقدورها أن تساهم في الحراك
الثقافي والاجتماعي، كما يمكن أن تكون نوعا من التثقيف السياسي والفكري حول
أهم القضايا المتعلقة بالمجتمعات الخليجية على وجه الخصوص.
إن هذا
النقص يكون أعمق عندما يتعلق الأمر بمدى تجدر ثقافة سينمائية يسهر عليها
المتخصصون في الإبداع السينمائي من نقاد وصحفيين وإعلاميين بالإضافة لذوي
النفوذ وأصحاب القرارات الثقافية والإدارية. ويعزو البعض كالمخرج البحريني
بسام الذوادي تأخير الحركة السينمائية إلى النفط على اعتبار أن دول الخليج
تعيش في الرخاء وليست لها أية مشاكل كما أنه يقول: "أن الهيئات الأوروبية
ظلت دائما ترفض دعم الإنتاجيات الخليجية لغنى الدول المنتمية لهاته
المنطقة" (2). ناهيك عن حالة الخوف من السينما كوسيط جماهيري قد يكون له
دور فعال في الكشف عن العديد من الطبوهات التي لا يخلو منها أي مجتمع
كالتقحيط والاغتصاب، والإدمان والسرقة وغيرها.
ويلاحظ
المتتبع لبعض التظاهرات السينمائية بالخليج توق المخرجين وخصوصا الشباب
لركوب المغامرة في هذا الصنف التعبيري بالرغم من كل العوائق التي قد
تعترضهم كالحصول على رخص التصوير والدعم المالي والتعامل مع ممثلين وممثلات
متطوعين في مجملهم، بالإضافة لمعوقات أخرى لها علاقة بما هو فني كالتمثيل
والكتابة السينمائية وما
هو
تقني كالتصوير والإنارة والمونتاج إلى غير ذلك.
ومن الحق
القول أن السنوات الأخيرة شهدت نوعا من الحركية السينمائية سواء من حيث
تنظيم المهرجانات أو من حيث حصص الدعم المتفاوت في حجمه وطبيعته والمقدم
للمخرجين الشباب الذين يشتكون أصلا من غياب سياسة سينمائية مستديمة وواضحة
المعالم وعلى الخصوص احتضان الدولة لمشاريعهم كما هو حال بعض بلدان المغرب
العربي. ويطالب العديد من المشتغلين بحقل السينما بتوفير الشروط الملائمة
لإنتاج أعمال خليجية بدعم حكومي وبفرق تقنية محلية تعطى فيها الفرص
والأولوية للمصورين والتقنيين الخليجيين عوض استيراد الكفاءات الأجنبية.
ولا
يستثنى من كل هذا أهمية المهرجانات السينمائية الوطنية والدولية التي تبقى
بكل المعايير فرص حقيقية أمام عشاق الفن السابع للتلاقح بالتجارب الآتية من
بلدان مختلفة ومن ثقافات متباينة سواء من حيث تبادل وجهات النظر أو من خلال
حلقات النقاش والحوار لتغذية الذائقة الفنية والذاكرة البصرية للكتاب
والنقاد والمخرجين الخليجيين. وذلك بالتركيز عما هو ثقافي وفكري دون إغفال
ما هو احتفالي وسياحي. كما يحس الشباب المخرجون بأهمية لفت الانتباه
لأعمالهم وعرضها على جمهور بخلفيات ومرجعيات جمالية وفنية متباينة لتعميق
النقاش وكسب الدعم مع التنبيه لرؤاهم وأحلامهم.
هوامش:
-
حوارات مع صناع الأفلام في الخليج ـ عماد عبد المحسن ـ مطبوعات مهرجان
الشرق الأوسط السينمائي الدولي/ أبو ظبي 2008
-
كاتالوغ مسابقة أفلام من الإمارات الدورة الثامنة 2008
*
باحث في مجال الصورة والسينما -
المغرب - كاتب وناقد سينمائي ـ عضو لجنة نقاد مسابقة أفلام من
الإمارات دورة 2008 بمهرجان أو ظبي ـ
Azedin6@hotmail.com
سينماتك في 17
يناير 2009
|