القصة
ـــــــــــــ
[1] الحبكة
ـــــــــــــــــــــــ
يحكي الفيلم عن معاناة ممثل أمريكي -ريك دالتون
Rick Dalton- بسبب التغييرات
التي حدثت في صناعة السينما بهوليوود في الستينيات وتأثيراتها
السلبية على مسيرته الفنية التي تنعكس سلبا على صديقه وشريكه
كليف بوث
Cliff Booth.
ويصادف به أن يكون منزله مجاورا لمنزل المخرج المتألق رومان
بولانسكي
Roman Polanski
وزوجته الممثلة الصاعدة بقوة شارون تيت
Sharon Tate.
ويسرد الفيلم خطان متوازيان لريك وشارون وصولا إلى نقطة
التلاقي,والمتمثلة في حدث هجوم عائلة مانسون
Manson Family.
الخط الأول للحبكة يسرد قصة ريك دالتون وهو ممثل على قدر من
الشهرة يعاني من آثار فترة التحول في هوليوود التي أنهت عصر
أفلام رعاة البقر -المساحة التي اشتهر فيها- وبدأت عصر جديد.
يرافقه صديقه كليف بوث ومؤدي المشاهد الخطرة بديلا عنه,وعلى
ذلك ينعكس مصير ريك الفني على مصير كليف المهني سلبا أو
إيجابا.
الخط الثاني يجذب المتلقي لمشاهدة تفاصيل حياة الممثلة شارون
تيت قبيل ليلة مقتلها.
كاتب السيناريو هو ذاته مخرج الفيلم كوينتين تارانتينو
Quentin Tarantino
الذي أستغرق في كتابة السيناريو خمسة سنوات,وهي فترة طالت ليس
لبراعة السيناريو بل لتردد تارانتينو في الإرتكاز على نقطة
معينة يروي منها قصته,وذلك واضح من سياق السرد المستخدم في
الفيلم الذي أتى متذبذبا إلا أنه لم يخفت وهج هذا العنصر الذي
يميز تارانتينو مع الحوارات الساخرة. الأخيرة جاءت بشكل ممتع
وأكثر من جيد في الفيلم إلا أن السرد يمكن وصفه بـ نصف خطي وهو
الأمر الذي أختلف عن إسلوب تارانتينو اللاخطي في السرد.
[2] الإيقاع
ـــــــــــــــــــ
[1] الإثارة
ـــــــــــــــــــ
في الكثير من النقديات تم التأكيد على أن الإيقاع بالفصل الأول
من الفيلم كان مملا للغاية. بل وذهب البعض في تحليلهم أن
ترانتينو تعمد توصيل هذا الملل للمشاهد لإيصال معنى معين. وإن
كنت سأزيد على ذلك فأقول أن ترانتينو تعمد أن يكون الفصل الأول
مملا للبعض لإيصال معنى,وممتعا للبعض لإيصال غاية أخرى. حيث
بدأت المتعة بالنسبة للكثيرين مع الفصل الثاني من الفيلم,رغم
أنها موجودة مع بداية الفيلم إلى نهايته,هي فقط تحولت إلى
النوع المعروف في الفصل الثاني. هذا التحول نوضحه بتوضيح أنواع
الإثارة التي تنتج عنها متعة المتلقي. وتنقسم الإثارة الجمالية
إلى نوعين؛الإثارة التشويقة والإثارة الإبهارية. تلك الأخيرة
هي التي بدأت مع الفيلم وأستمرت حتى نهايته وصحبها التشويق
بدئا من الفصل الثاني.
الإثارة التشويقية هي التي تثير لدى المتلقي مشاعر الترقب
والمفاجأة,أما عن الإثارة الإبهارية فهي التي تثير مشاعر العجب
والدهشة والإنبهار. الفرق بين الأولى والثانية هي التشويق
والإبهار. الأولى تمثل القيم الجمالية الشعبية,والثانية هي
الأقرب إلى القيم الجمالية المتعالية.
أولا التشويق
ــــــــــــــــــــــ
تم بناء التشويق في الفيلم على عدد من العناصر,العنصر الأول
فيها هو الشخصيات. أول تلك الشخصيات هي شارون تيت,حيث يكفي فقط
حضورها في العمل لخلق صورة أولية مؤكدة للمشاهد عما هو مقبل
عليه,حتى لو تمثل هذا الحضور في وضع إسمها فقط على بوستر
الفيلم مرتبطا بمارجوت روبي,أو في القصة الدعائية للفيلم,بدون
أي ظهور فعلي لها,وهو ما لم يحدث بأي حال من الأحوال. بل نالت
ثلث المساحة السينمائية في ظهورها على الشاشة -وإن أتى طفيفا
بعيدا أقرب إلى السطحية بالنسبة للبعض- وظهرت في مقتطفات جميلة
من حياتها الإجتماعية والفنية. وهي مقتطفات وضعها الكاتب
ونفذها المخرج وأدتها الممثلة بهدف توظيفها للإستفزاز العاطفي
والتحفيز التشويقي المبني على معرفة مسبقة لدى المشاهد للمصير
الأسود الذي ينتظهر هذه الشابة الملائكية,وعلى ذلك يثير المخرج
تعاطفنا مع الضحية التي تملك خلفية واقعية,خاصة مع كل ما جرى
لها في خاتمة حياتها.
يعيب هذه النقطة فقط أمران,الأول أن الكاتب / المخرج اعتمد على
المعرفة المسبقة للمشاهد الأمريكي بحادثة مقتل شارون تيت,وأسرف
في المحلية لدرجة أنه تجاهل تماما المشاهد العالمي,الشرقي أو
العربي أو ربما الأوروبي حتى الذي قد لا يكون لديه علم بجريمة
قتل الممثلة الشابة,وهي حادثة شهيرة جدا ومعروفة على مستوى
كبير في أمريكا. بالرغم من أنه كان عليه الإستفادة من نصيحة
ملك التشويق ألفريد هيتشكوك التي تنص على "لو أجتمع رجلان على
طاولة وانفجرت بهم القنبلة,لن يكون بنصف الإثارة الناتجة عن لو
جعلنا المشاهد يرى مؤقت القنبلة وهو يعد تنازليا قبيل انفجارها
بغض النظر هل ستنفجر فعلا أم لا". والمغزى أنه كان بمقدوره أن
يظهر نية عصابة عائلة مانسون بقتل شارون تيت من البداية ويجعل
المشاهد متحفزا حتى نهاية الفيلم الصادمة,خاصة مع وضعه للساعة
على الشاشة التي ساهمت في رفع التوتر وشد الأعصاب لدى المتلقي.
الأمر الثاني هو أن المخرج عرض حياة شارون من الخارج
فقط,وبالرغم من كونه فعل ذلك لغرض معين,وبالرغم من نجاحه في
جذب تعاطف المشاهدين إلى الممثلة والمعتمد أصلا على المعرفة
المسبقة,إلا أنه كان بإمكانه زيادة جرعة الإثارة والتشويق بجعل
المشاهد قريبا أكثر من الضحية الموشكة على مصيرها.
ثاني تلك الشخصيات هو كليث بوث,وقد أشار المخرج في أكثر من
موضع كم هو خطير هذا الرجل,ونسرد هذه الإشارات في المظاهر
الآتية:
1-حركاته ولكنته وثقته البادية بنفسه.
2-دعاه ريك مازحا بـ أودي مورفي وهو ممثل سينمائي وبطل عسكري
أمريكي.
3-طريقة قيادته المتهورة وبالغة الخطورة لسيارته أثناء عدوه
بها ليلا في الطرقات ذاهبا إلى بيته.
4-بيته عبارة عن كوخ أو عربة في منطقة مهجورة في العراء خلف
سينما سيارت قديمة وخالية إلا من بضع عربات وشاحنات.
5-وجود مسدس على الطاولة في بيته بصورة توحي باعتيادية حمله
للسلاح.
6-تربيته لكلب قوي مدرب جيدا لإطاعة الأوامر,والكلب من نوعية
بيتبول؛الفصيلة الأقوى والأشرس في العالم بين الكلاب. وقد تجلى
أثر التدريب على الكلب في امتناعه عن الإقبال على الطعام إلا
بعد إشارة من صاحبه,رغم شدة الجوع البادية على ملامح الكلب
ونظراته وحركة ذيله ولعابه الساقط.
7-طريقة قفزه أثناء صعوده لسطح البيت في ثلاث قفزات من أجل
إصلاح وضبط لاقط الإشارة / الهوائي الخاص بالتلفزيون,ومشيته
المتزنة على سطح البيت المائل.
8-كونه مؤدي للمشاهد الخطيرة بديلا عن الممثل,ويتجلى إتقانه
لوظيفته في محادثتين.
الأولى في اللقاء مع ريك وكليف حين تم الإشارة إلى خطر كسر
القدم الذي قد يعطل تصوير الممثل لفيلمه,إلا أن الدوبلير مخصص
طبقا لوظيفته أن يتحمل ذلك.
والثانية في العبارة التي قالها صديقه ريك عنه وهو يقدمه
للمنتج أو المخرج (لا أذكر إسمه):
(يمكنك فعل أي شيء به,يمكنك رميه من على مبنى,أو إشعال النار
فيه,أو اصدمه بسيارة,كن مبدعا .. افعل ما تريد إنه سعيد
بالفرصة).
9-خلفية غامضة عن جريمة قتله لزوجته والتي لم يتم تأكيدها أو
نفيها في الفيلم,بل وتم التلاعب عليها في أكثر من زاوية.
10-إشارة ريك لكونه بطل حرب.
11-تصاعد التوتر واشتعال الأجواء بينه وبين عصابة مانسون في
وكرهم في ظل غياب مانسون,وإقدام كليف على التهديد الظاهر أمامه
غير عابئ بالخطر الذي يحدق به. بل ودارت معركة من طرف واحد
بينه وبين رجل من العصابة أهدر فيها كليف دماء الرجل وكرامته
أمام نساء العصابة.
12-المعركة التي حدثت بينه وبين بروس لي,وبغض النظر عن المعاني
الأخرى الكامنة في المعركة فإن المخرج وظفها جيدا من أجل إظهار
مدى قوة وشراسة كليف بوث. إن مجاراته لبروس لي في القتال
ونديته معه وربما هزيمته له لهي أكبر دليل على قدر ما يملك من
القوة والمهارات القتالية. فمن أفضل من بروس لي (أقوى رجل في
العالم) لإستخدامه كمقياس ودلالة على ذلك,وقد تعادل الخصمان في
لعبتهما القتالية.
13-حتى اللحظات الأخيرة قبيل بدء المعركة كان واثقا متماسكا
وساخرا أمام العصابة المحيطة به بمسدس وسكاكين,حتى أنه شعر
بمقدمهم قبيل اقتحامهم المنزل.
الشخصية الثالثة هي تشارلز مانسون والتهديد الصادر منه ومن
أتباعه.
المكون التشويقي الثاني يكمن في الإخراج وهو ما سنتطرق إليه
تفصيلا في موضعه.
يتمثل المكون التشويقي الثالث في التلاعب بتوقعات المشاهد,
وذلك يحدث في أكثر من موضع:
1-التريلر يعرض مشهد حماسي لليوناردو لا يحدث إلا في فيلم
بداخل الفيلم.
2-يعرض الفيلم تتابع لموقف سمج حدث بين كليف وزوجته المقتولة
ويتوقع المشاهد أن هذا هو مشهد قتلها,ولكن لا يحدث شيء.
3-مرة أخرى يستدرج المخرج المشاهد لتوقع حدوث مصيبة ما في
المزرعة المحتلة من قبل أتباع مانسون وكليف المحاصر بينهم,ولكن
لا يحدث أمر جلل.
4-مشهد اقتحام مجموعة من أتباع مانسون لبيت ريك بدلا من بيت
شارون,وهو المشهد الذي شكل النهاية الصادمة.
بقى أن نذكر أن التشويق يخفت في العمل بسبب نقطتان,الأولى هي
الخلفية التاريخية الغائبة عن الكثير من المشاهدين. والثانية
هي خلو العمل تقريبا من أي تحولات مهمة على خط الأحداث,عدا
النهاية بالطبع. إلا أنه عوض ذلك بعدة مشاهد تشويقية حتى وإن
أتت كاذبة ولا تفيد الأحداث.
ثانيا الإبهار
ــــــــــــــــــــــ
والمتمثل بشكل أساسي في ثلاثة أمور:
أولا عرض صناعة السينما بالتركيز على الجانب التمثيلي ثم
الإنتاجي منها,لتولد لدى المشاهد مشاعر الإعجاب والانبهار لدى
كشف بعض أسرار الصنعة.
ثانيا عرض فترة الستينات وما صاحبها من متغيرات جديدة على
عصرها وقديمة في عصرنا مولدة شعور الانبهار ممزوج بـ شعور
الحنين إلى الماضي (النوستالجيا) في قلب المشاهد,وقد ختم هذا
العرض الجميل بمشهد اللافتات التي تضيء في نهاية الفيلم.
ثالثا وضع الكثير من الإشارات والإحالات إلى عدد كبير من
الأفلام,وهو أمر ممتع للغاية بالنسبة لمن شاهدوا الكثير من
الأفلام ولديهم شغف حقيقي بالسينما,هؤلاء يتذوقون متعة أن ترمي
أو تشير إلى فيلم شاهدته وتحبه فيكاد المشاهد يصرخ فرحا
وإنتشاءا مثل الذي يشاهد فيلم وتذكره ويريد أن يشاهده مع صحبة
أو يجد صحبة تتبادل الحديث عنه. خاصة لو كان هذا المشاهد على
دراية وربما شاهد جميع الأعمال المشار إليها في فيلم ترانتينو
التاسع.
ويعيب الابهار أن المخرج أسرف قليلا -بل وغالى بالنسبة للبعض-
في عرض جماليات العصر الذهبي للسينما الناتج عن ارتباطه
العاطفي بها,على حساب إهمال عناصر أخرى في الفيلم أدت إلى بطء
الإيقاع إلى حد المملل بالنسبة للكثيرين.
[2] الدراما
ــــــــــــــــــــــ
وتمثلت أهم العناصر الدرامية في الجذب / الإبتزاز العاطفي الذي
يستخرجه المخرج قصرا من المشاهد إعتمادا على عاملين مرتبطين
بشارون,الأول هو المعرفة المسبقة لدى المشاهد للمصير الأسود
الذي ينتظر البطلة الجميلة. والثاني هو عرض المخرج لعدد من
اللحظات الجميلة التي فتنت المشاهد وزادته هما وأسفا على مصير
الفتاة.
[3] الكوميديا
ــــــــــــــــــــــ
استندت الكوميديا بشكل أساسي على عناصر الحوار وأداء
الشخصيات,وهي من نوع الكوميديا السوداء التي أحتوت الفيلم
بتصنيفها,والكوميديا السوداء هو نوع تشويقي يجمع بين البوليسية
والكوميديا. ويحتوي هذا الفيلم على عناصر الإثارة والتشويق
والجريمة والغموض والكوميديا التي جعلته ينتمي إلى هذا
التصنيف.
[3] الخطاب
ــــــــــــــــــــــ
يجب التنويه أن المشاهد يحتاج إلى مرجعية تاريخية بمتغيرات
وأهم أحداث تلك الفترة في أمريكا لكي يفهم أغلب نقاط الخطاب في
الفيلم,خاصة حادثة مقتل شارون تيت وظهور جماعة الهيبيز. وأيضا
مرجعية سينمائية قوية من مشاهدات عديدة أو حتى قراءات عن
الأفلام.
[1] توثيق التاريخ
ــــــــــــــــــــــــــــ
ريك وكليف هم ثنائي خيالي وضعهم تارانتينو وسط أحداث حقيقية
وشخصيات حقيقية للتعبير عن حدثين مرتبطين وهامين في تاريخ
السينما. الأول هو التحول الحادث في هوليوود بفترة
الستينات,والثاني هو هجوم عائلة مانسون. وتمثلت الشخصيات
الحقيقية في شارون تيت ورومان بولانسكي وستيف ماكوين وتشارلز
مانسون وبروس لي. وقد بنى تارانتينو حكايتى الفيلم على هذين
الحدثين. بطل الحكاية الأولى هو الممثل الخيالي ريك
دالتون,وبطلة الحكاية الثانية هي الممثلة الحقيقية شارون تيت.
أولا فترة الستينات
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الزمن داخل الفيلم هو عام 1969,أي في نهاية الستينات ومداخل
السبعينات وهي فترة صاحبتها العديد من التغييرات على الصعيدين
الثقافي والفني. تلك الأخيرة طال فيها التغيير مختلف الفنون,في
الموسيقى ظهرت موسيقى الروك والبوب ومهرجان وودستوك
Woodstock وميلاد شخصيات تعد
رموز موسيقية وثقافية في القرن العشرين مثل إلفيس بريسلي
Elvis Presley ومايكل جاكسون
Michael Jackson وفريق البيتلز
The Beatles. وفي الموضة ظهرت صيحات الشارلستون
Charleston والميني جيب
Minijupe وأنماط أخرى أنيقة وغريبة. وفي
السينما صعود التلفزيون إلى مكانة تنافس السينما,وبدأ ينتهي
عصر أفلام رعاة البقر,وظهور علامات مهمة في صناعة السينما
والمتمثلة في المخرج رومان بولانسكي وآخرون.
أما على الصعيد الثقافي فطالت المتغيرات الجوانب السياسية
(نيكسون - فيتنام),والإجتماعية (تشارلز مانسون),والعلمية (نيل
آرمسترونغ
Neil Armstrong),والثقافية
(الثورة الطلابية في أوروبا). إلا أن تلك الأخيرة يمكن حذفها
لأن الفيلم لم يتطرق إلا للتغييرات الأمريكية في المقام الأول.
ثانيا عائلة مانسون
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هي عصابة إجرامية طائفية أسسها المجرم الشهير والموسيقي تشارلز
مانسون
Charles Manson
في أواخر الستينات حيث قامت طائفته بعدد من جرائم القتل أشهرهم
جريمة قتل الممثلة الأمريكية شارون تيت في سنة 1969. وجريمة
مقتل شارون تيت معروفة جدا في الذاكرة الأمريكية وهي تماثل
جريمة مقتل سعاد حسني المعروفة جدا في الذاكرة المصرية.
ولأن أغلب العصابة من النساء كانوا يعيشيون في مزرعة سبان
Spahn Ranch
مقابل خدمات جنسية لصاحب المزرعة جورج سبان
George Spahn.
[2] صياغة التاريخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
من النقاط المهمة في حديثنا عن الخطاب هي نهاية الفيلم,حيث قدم
تارانتينو في فيلمه التاسع خاتمة تعد من أقوى نهايات الأفلام
في تاريخ السينما. كما يمكن تصنيفها كذلك ضمن النهايات
الصادمة. تميزت النهاية الصادمة بالفيلم بأربعة سمات.
1-نهاية غير متوقعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
حيث عكس الكاتب المصير الحتمي المنتظر للملاك المذبوح شارون
تيت على يد الشياطين الجزّارة التابعة لتشارلز مانسون.
2-نهاية غير مفهومة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
من أنواع النهايات الصادمة,أن تكون غير متوقعة لدرجة تكاد توقع
المشاهد من على كرسيه,أو أن تقدم خاتمة تعيد صياغة جميع
الأحداث السابقة من منظور آخر,والثالثة أن تكون غير مفهومة,ولا
يدري المشاهد ما يحدث. وتتشارك الأنواع الثلاثة باللاتوقعية أو
الصدمة.
3-مفهوم جديد
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد قام تارانتينو بخلق مفهوم جديد للنهايات الصادمة والمتمثل
في تحريف التاريخ وإشعال النار في الذاكرة البشرية / المدونة
التاريخية ليعلي الحدث السينمائي على الحدث التاريخي. "إنه لا
يقيم وزنا لما حدث بالفعل على أرض الواقع عندما يصفعك برؤيته
المتخيلة التي تعلي من شأن السينما فوق الواقع،ضاربا بتوقعاتك
المسبقة عرض الحائط"(1). حيث يفاجَئ المشاهد بأن المخرج خدعه
ورمى بالحقيقة التي كان ينتظرها ليعطيه تخيلا نجح في نسجه بـ
خيوط / أحداث خيالية مخلوطة بوقائع حقيقية. ويتجلى ذلك في
أفلامه الثلاثة ذات مرة في هوليوود وأوغاد مجهولون وجانغو
الحر.
4-الجمع بين نقيضين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشار الناقد محمود مهدي في مراجعته للفيلم(2) إلى عدد من
المتناقضات التي أستطاع تارانتينو أن يجمعها في النهاية
العظيمة لفيلمه الخالد,ومنها نذكر:
1-أن المخرج أوضح بصورة رمزية أن الخلاص كان أمام المجرمين
ولكن أعينهم أعماها الحقد والكراهية فلا تراه. وكان ذلك في
مشهد إحتراق الفتاة القاتلة في حمام السباحة لما كانت النار
تلتهم نصف جسدها العلوي حتى ماتت بينما كان بإمكانها أن تغوص
في المياه المحيطة بها من كل جهة لتنقذ نفسها.
2-أن النهاية أتت مريحة وأليمة في ذات الوقت. مريحة في كونها
إعادة سرد لتلك الليلة السوداء مع إنزال العقاب الدموي على
المجرمين وقتلهم بطرق وحشية لا تقل عن ما فعلوه بضحيتهم شارون
تيت ورفاقها. وأليمة في كونها ذكرتنا بتلك المأساة وما كان
يمكن أن يحدث لو أن هؤلاء المجرمين قد تورطوا مع شخص مثل كليف
بوث أو بروس لي.
كما تحمل النهاية عدد كبير من الرمزيات أكثر مما نذكر في
المقال,مثل أن صوت شارون تيت يأتي كأنه من عالم آخر ليكون
التصوير البصري (منظور عين الإله) والسمعي (صوتها من خلف حاجز)
محيطا للمشاهد بالصورة الملائكية لشارون تيت كأنها آتية من
عالم آخر,ربما عالم الموت,أو السماء. وفي إشارة أخرى ذكية نجد
إرتباطا بينها وبين ريك دالتون بسبب عدة ظروف مما يجعلها طوق
نجاة ينقذ الممثل الساقط من الفشل بعد أن أنقذها من الموت.
وغير ذلك الكثير من الدلالات والإشارات الذكية.
[3] سينما عن السينما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سينما عن السينما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الفيلم يعد واحد من الأفلام التي تحدثت عن السينما بصورة
واضحة ومباشرة مستعرضا التفاصيل الإنتاجية ومركزا على التفاصيل
الأدائية ومتباهيا بقدراته التصويرية وموثقا لفترة ذهبية من
تاريخ السينما حُفظت في ذاكرة طفولة صانع هذا العمل.
[2] الفيلم داخل الفيلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمتمثل هنا في تفاصيل صغيرة تخلق قصة أخرى داخل قصة
الفيلم,وعرض هذه القصة يكون أيضا من خلال فيلم داخل الفيلم.
وقد أستخدم تارانتينو هذه التقنية السردية سابقا في فيلم اقتل
بيل
Kill Bill,ويعيد
إستخدامها هنا بتفاصيل أكبر,مثل
-مشاهدة شارون لفيلمها
The Wrecking Crew 1968 مع الجمهور في قاعة العرض. شخصية
ممثلة (مارجوت روبي) تؤدي دور ممثلة (شارون تيت) تشاهد نفسها
في شخصية ثالثة (فريا كارلسون).
-مشاهدة ريك لأعماله متحسرا على النجومية التي مضت,والمجد الذي
لن يأتي.
-إعادة سرد لما قد يكون عليه فيلم الهروب الكبير من بطولة
ليوناردو دي كابريو / ريك دالتون بدلا من ستيف ماكوين.
-عرض المقابلات التلفزيونية لـ ريك دالتون.
-الإسراف في عرض أجزاء من المسلسل الذي يجسد فيه ريك دالتون
دور الشرير.
-عرض مقاطع من الأفلام الإيطالية التي شارك فيها ريك دالتون.
-خداع المشاهد في العرض التشويقي (تريلر
Trailer) -والذي يعد فيلما دعائيا عن الفيلم
السينمائي- بأن جذبه إلى مشهد يوحي بالحركة والقتال (الأكشن
Action) برغم أنه من فيلم داخل فيلم
تارانتينو,ولا يعد حقيقيا في القصة,فهو لم يحدث مع أبطال
العمل.
-خداع المشاهد مرة أخرى بمشهد النهاية الذي يعد فيلما وثائقيا
تصوريا لما كان يتمنى تارانتينو أن يكون,أي أن الفيلم لا يوثق
إلا تخيلات تارانتينو,ومع ذلك فهو يسجل الجريمة بتحويلها إلى
علامة من علامات السينما في مشهد النهاية الخالد.
[3] صناعة السينما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تظهر صنعة السينما في عدة مظاهر بهذا العمل:
1-تم صناعة هذا الفيلم من توليفة جمعت أنماط سينمائية عشقها
تارانتينو.
2-كما ذكرنا بالأعلى ركز الفيلم على النواحي الإنتاجية
والأدائية والتصويرية والتوثيقية.
3-إستخدام تقنيات مرتبطة بالسرد السينمائي الذي يميز السينما
عن الفنون الأخرى.
[4] مرسم الأفلام ومصنع الأحلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعرض الفيلم مفهوم التمثيل/ الأداء على جانبيه المهني والفني,
حيث أصبح الفن صنعة, والموهبة ابتلعتها المهنة, والاحتراف صار
عادة. الفيلم عن شخصيات تعمل في هوليوود, وتريد أن تتحقق, بقدر
ما تريد أن ترتزق.(3)
بتعبير آخر مزج المخرج في رؤيته للعمل السينمائي بين الفيلم
والحلم.
[5] كان يا ما كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا الجزء من الخطاب السينمائي في الفيلم تكون من بداية
الفيلم المتمثلة هنا في عنوانه, وهو (ذات مرة في هوليوود
Once Upon a Time in
Hollywood) والمقتبس عن سرجيو
ليوني ومقدم إليه تقديرا واعترافا من مخرج عظيم (تارانتينو)
بعظمة مخرج آخر (ليوني). الأخير صاحب فيلمي ذات مرة في الغرب,
وذات مرة في أمريكا. ولا يخفى على أحد التشابه بين العناوين
الثلاثة. وقد أستبدل تارانتينو أمريكا والغرب في فيلمى ليوني
بـ هوليوود في فيلمه التاسع.
يحمل العنوان دلالة أخرى غير الإحتفاء بالمخرج سرجيو
ليوني,فسياسيا كاليفورنيا هي ولاية أمريكية وجغرافيا هي تقع في
الغرب الأمريكي. وبذلك يحمل العنوان إشارة إلى هوليوود كمصدر
للعنف لما عُرف عن العنف السائد في الغرب الأمريكي القديم الذي
ربط تارنتينو الفيلم به في ثلاثة مظاهر. الأول وهو العنوان كما
أوضحنا. والثاني هو موضوع الفيلم الذي تناول فيه فترة إندثار
سينما الغرب الأمريكي ورعاة البقر التي كان بطل الفيلم
ليوناردو ديكابريو بطلا فيها بشخصية ريك دالتون. والثالث هي
الجريمة البشعة التي أنهت عصر هوليوود الذهبي على أيدي تشارلز
مانسون وعصابته.
الدلالة الثالثة للعنوان هو الإشارة إلى كون قصة الفيلم عبارة
عن حكاية خيالية والذي يأتي كتلميح للنهاية العظيمة الغير
متوقعة في الفيلم. النهاية الخيالية والمتجلية في العنوان الذي
تستخدم كلماته كتعبير شائع في الغرب لقص القصص الخيالية حيث
تعادل عبارة (ذات مرة في ...) في الغرب عبارة (كان يا ما كان
في ...) لدينا في الشرق.
[6] عاصمة السينما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحاول المخرج إبراز الوجه الآخر لهولويوود,والمنقسم لشقين
الأول هو الواقعية
لكي يربط بين السينما والواقع تعمد تارانتينو أن يطيل في بعض
أجزاء الفيلم التي لا تتعدى كونها مشاهد لممثلين يشاهدون
أنفسهم على الشاشة,مستخدما تقنية المعايشة (عرض مشاهد بوقتها
الفعلي أمام المشاهد) ليفرط واقع الحكاية على المشاهد باعتباره
واقع حقيقي بالرغم من تلميحه إلى كونه واقع خيالي في عنوان
الفيلم وتأكيده على ذلك في نهايته.
الثاني هو الترك حيث قدم لنا المخرج تارانتينو والممثل
ديكابريو معاناة نجم متوسط الأهمية أنطفأ نجمه ونسي أمره وتم
نبذه من أحضان هوليوود بدون أي اعتبارات لأعماله السابقة في
مدينة السينما.
[7] المرجعيات السينمائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة ببعض الأعمال السينمائية التي تم الإشارة إليها في
الفيلم
1-ذات مرة في أمريكا
Once Upon a Time in America
2-ذات مرة في الغرب
Once Upon a Time in the West
3-طفل روزماري
4-فريق التحطيم
The Wrecking Crew 1968
5-أوغاد مجهولون
6-داي هارد
Die Hard
1988
7-خطر على الجبل
Menace on the Mountain 1970
8-الهروب الكبير
9-بروس لي ضد النينجا
Ninja vs Bruce Lee 1987
10-تيس
Tess 1979
والقائمة تكثر عن ذلك,لكن هذا ما جمعته ذاكرتي حاليا.
ويجب أن نذكر أيضا أن ترانتينو اختار 10 أفلام تحتوي على نفس
الأجواء من فيلمه وصدرت في فترة الستينات,وهي:
1-بوب وكارول وتيد وأليس
Bob & Carol & Ted & Alice 1969
2-زهرة الصبار
Cactus Flower 1969
3-الراكب السهل
Easy Rider
1969
4-موديل شوب
Model Shop
1969
5-معركة بحر المرجان
Battle of the Coral Sea 1959
6-الحصول على الاستقامة
Getting Straight 1970
7- فريق التحطيم
The Wrecking Crew 1968
8-رأس المطرقة
Hammerhead 1968
9-فيلم
Gunmans Walk
1958
10-فيلم أريزونا رايدرز
Arizona Raiders 1965
[8] سينما تارانتينو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة بالمحاور التي تميز أسلوب تارانتينو السينمائي:
1-الإنتقام العادل
2-جمالية العنف
3-المرجعيات السينمائية
4-الحوارات الحاذقة
5-السرد الغير خطي
6-التناول الساخر
7-النهايات الصادمة
8-مشاهد الرقص
8-السرد السينمائي
وكل هذه المحاور لها تواجد في هذا الفيلم بدرجات
متفاوته,وسنتناولهم بشئ من التفصيل في قسم الإخراج.
[9] السرد السينمائي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
سنتناول هذه الفقرة في قسم الإخراج.
|