قد يكون الفنّ السّينمائيّ ضرباً من ضروب التّسلية بالنّسبة لمعظم
المشاهدين، وقد يكون نوعاً من الابهار الاعلاميّ لتفكيك أسس المجتمعات
وقيمها...! لكنّ الواقع يحتّم علينا التّعاطي مع هذا الفنّ بوصفه واحداً من
أكثر الفنون تأثيراً منذ أواسط القرن العشرين، وتنامياً في التّأثير ضمن
العقد الأوّل من هذا القرن. ولعلّ هذا ما دفعني إلى متابعة جملةٍ من
الأعمال المندرجة طيّه، انطلاقاً من زوايا متنوّعة يتوسّلها القيّمون على
هذا الفنّ لإنجاز عملٍ يمكن وسمه بالمؤثّر... ولا يخفى على أحدٍ ما لهذا
النّوع من الأعمال من اشتمالٍ على مضامين فكريّةٍ وسياسيّةٍ واجتماعيّةٍ
وفلسفيّة...
ومن الانتاجات الهامة ما لفتني إلى حدٍّ بعيدٍ نظراً لكونه يتناول شخصيّةً
مشهورةً جدّاً تاريخيّاً وأخلاقيّاً، وحتّى سينمائيّاً، وهي شخصيّة "روبن
هود"، وهو فيلمٌ من إخراج البريطاني "ريدلي سكوت" وجسّد بطله الممثّل
الاستراليّ "راسل كرو".
ولا بدّ من الإشارة بداءةً إلى أنّ للمخرج المذكور عدداً من الأفلام
المهمّة في تاريخ السّينما الحديث قد تركت أثراً في الجمهور، أذكر منها
"المصارع" و"مملكة السّماء" و"جسم الأكاذيب". والجدير ذكره أنّه يمتاز
بأسلوبٍ خاصٍّ في التّعاطي مع الصّورة وأبعادها الدّلاليّة التي توحي
بالعمق وسعة الأفق، إضافةً إلى قوّة التّأثير.
·
العنوان: (الحضور التّاريخيّ والقيمة الانسانيّة)
من الواضح أنّ العنوان يحيلنا إلى شخصيّةٍ معروفةٍ لدى الجمهور سينمائيّاً
وتاريخيّاً، فقد حاز "روبن هود" على الاهتمام نتيجة رمزيّته التّاريخيّة
التي تلقي الضّوء على الجانب الانسانيّ الذي يرفع من شأن القيم لتكون هي
المسيِّرة لحياة البشر. إذ أنّ المعروف عنه اهتمامه بمعاناة النّاس
وهواجسهم الاقتصاديّة- المعيشيّة، وسعيه إلى رفع الظّلم عنهم، لذلك حوّل من
المفاهيم الشّائعة في المجتمع إلى اتجاهاتٍ جديدة، فصارت السّرقة بالنّسبة
إليه يمكن أن تكون فعلاً خيّراً إذا استهدفت تصحيح خللٍ اجتماعيٍّ ومحاربة
الفساد المتحكّم في السّلطتين المدنيّة والدّينيّة.
لكنّ السّؤال هنا هو: لماذا اختير "روبن هود" في هذه المرحلة بالذّات؟ بعد
أن تمّت معالجة شخصيّته مرّاتٍ عديدةً عبر الشّاشات، وما هو الجديد أو
المختلف الذي يمكن قوله حولها؟ لا سيّما أنّ فعله على الصّعيد الأخلاقيّ-
الاجتماعيّ صار مضرباً للأمثال عالميّاً، وليس فقط في حدود موطنه-الأمّ
انكلترا.
·
سياق العمل- البطولة الشّريفة في زمن الفساد:
قصّة الفيلم تبدأ من عودة الملك "ريتشارد" مع جيشه من الشّرق عقب انتهاء
حملته الصّليبيّة، مفلساً ومهزوماً، وفي طريقه إلى انكلترا يقوم بسلب
المناطق التي يمرّ بها حيث كان آخرها مدينة فرنسيّة يحاصر قلعتها، وضمن
جنوده نجد "روبن" الذي كان واحداً من أمهر الرّماة لديه. وأثناء المعركة
التي يحتجز فيها الملك جنديه بسبب ما اعتبره وقاحة، يصاب إصابةً مميتةً
تدفع "روبن" إلى الهرب مع بعض الرجال... وبينما كان أعوان "ريتشارد"
يحاولون إيصال التاج إلى انكلترا بقيادة فارسٍ يدعى "روبرت لوكسلي"، يقعون
في كمين دبّره عميل للملك الفرنسيّ "فيليب" واسمه "غودفري". وعند معرفته
بموت "ريتشارد" يعمل على أخذ التّاج، فيصدف مرور "روبن" الهارب، فيأخذ
التّاج وينتحل صفة "لوكسلي" ويأخذ سيفه.
وبعد معرفتها بموت ابنها الأكبر، تقوم الملكة بتنصيب ولدها الأصغر "جون"
ملكاً، فيتخلّى عن سياسة أخيه ومساعديه، ويرسل "غودفري" إلى الشّمال لجمع
الضّرائب بالقوّة، في حين أنّ "روبن" يتوجّه إلى "نوتنغهام" لتسليم السيف
إلى عائلة "لوكسلي" التي افتقرت. فيجعله الأب ينتحل صفة ابنه فعلاً، ويعيد
الانتعاش إلى المنطقة بعد سرقة الحبوب التي صادرتها الكنيسة من الأهالي.
ثمّ تحدث بلبلة بعد شيوع أخبارٍ عن انضمام جنود فرنسيين إلى "غودفري"،
فيجتمع قادة الشّمال مع الملك بعد أن هددوا بمحاربته، ويقرّرون التّخلّص من
ذاك العميل. أمّا بالنّسبة لـ"روبن"، فيتولّى القيادة بعد أن عرف أهمّية
أبيه في كتابة عهدٍ وعد الملك بتوقيعه. وتوجّه بعدها إلى "نوتنغهام" حيث
كان جنود "غودفري" يهجمونها فينتصر عليهم، ثمّ يكمل إلى السّاحل لملاقاة
الأسطول الفرنسيّ، حيث يهزمه كذلك. وفي الختام ينقض الملك "جون" تعهّده
ويعتبر "روبن" خارجاً على القانون، وبهذا تبدأ الأسطورة المعروفة عنه.
·
الأطر الزّمانيّة والمكانيّة- فضاء الخروج على القانون:
تدور أحداث الفيلم في بلدين اثنين هما: فرنسا حيث نتعرّف على الشّخصيّة
الحقيقيّة لـ"ريتشارد" وعلى أفعاله اللا أخلاقيّة، وبريطانيا التي تحتضن
تنامياً للأحداث وتطوّراً في شخصيّة "روبن". فالجزء الأوّل يرتكز إلى مشاهد
مرتبطة بالقلعة التي يحاصرها الملك الانجليزيّ، والتي يظهر على أسوارها
تمرّد ذلك الجندي عندما راح الملك يجول بين صفوف جيشه، إذ يسأله عن رأيه في
الحروب الصّليبيّة فيجيب الجنديّ بخطابٍ ناقدٍ مشيراً إلى مجزرة غزّة التي
افتعلوها ليقضوا على أهل المدينة بوحشيّة، فيخبرنا عن امرأةٍ تُقتل في هذه
المجزرة دون أن يرى "روبن" في عينيها الخوف، بل رأى الشّفقة على أفراد هذا
الجيش الذي تجرّد من أخلاقيّاته حتّى صار مناقضاً للقيم الدّينيّة، إلى حدّ
وصفهم بأنهم بلا إله
“godless”.
كما أنّ هذا المكان هو الذي شهد إصابة الملك ريتشارد إصابةً قاتلة أثناء
حصاره للقلعة.
وفي الإطار المكاني نفسه، ولكن في حيّزٍ آخر منه نجد الكمين الذي تعرّض له
أعوان الملك، داخل الغابة، وهو الذي استكمل عمليّة تحوّل الأحداث في سياق
القصّة؛ فمن خلاله استطاع "روبن" الحصول على فرصةٍ ذهبيّةٍ لتغيير حياته
نحو الشّهرة باستلام التاج وانتحال صفة السير "لوكسلي".
أماّ الجزء الآخر من الفيلم فتركّز في انجلترا، حيث نُصِّب "جون" ملكاً
مكان أخيه، واستطاع "روبن" أن يكرّس نفسه كواحدٍ من القادة وأن يكتشف ماضي
والده. إضافةًّ إلى أنّ هذا الحيّز شهد وصول الأحداث إلى الذّروة، بعد أن
قام "غودفري" بالحملة على الشمال لأخذ الضّرائب وألّب قادة تلك المناطق ضد
الحكم البريطاني ليسهّل المهمّة أمام الأسطول الفرنسيّ لاحتلال انجلترا.
بينما كان الحلّ الذي بدأ يتصاعد مع الاتفاق الذي جرى بين قادّة الشمال
وبين الملك، فتمكّن من خلاله "روبن" هزيمة جنود "غودفري" الفرنسيّين، ثمّ
صدّ الأسطول الفرنسيّ.
ولو أخذ السّياق الزمني المرافق لهذه الأطر المكانيّة، نراه عبارةً مرحلةٍ
اتُصِفت بالخروج على القانون كما يعبر الفيلم في بدايته وخاتمته، وذلك في
ما بعد الحروب الصّليبيّة وما نتج عنها من أوضاعٍ اقتصاديّةٍ متردّيةٍ وفقر
شديد، لاسيّما في المملكة المتّحدة. وهو ما يشكّل إسقاطاً واضحاً على
الأزمة الاقتصاديّة الحديثة، إذ يعني ذلك الاسقاط أنّ واحدةً من أسباب هذه
الأزمة هي الحملات العسكريّة المتعدّدة، من حيث التّسميات والأشكال، إلى
الشّرق.
أما تحديد هذا السّياق أكثر، فيشير إلى انتقال زمنيٍّ خطّي من المكان
الأوّل في فرنسا، حتّى المكان الثاني في بريطانيا، وفيه إشارة واضحة إلى
عمليّة تكريس الصّراعات مع العمق الحيويّ لهذه الجزيرة مع أوروبا، أو
الخروج منها بتكريس قدرات البلاد الذّاتيّة على مواجهة الأزمات وعدم
الانجراف في نزاعات بعيدةٍ عنها. أمّا الاسترجاعات إلى المرحلة التي كان
فيها البريطانيّون في فلسطين، أو في الشّرق، فهي عمليّة نقدٍ ساطعة إلى
السّياسات الخارجيّة للدّولة تجاه المنطقة بما فيها من وحشيّةٍ في
التّعاطي. يضاف إليه استباق الأحداث في نهاية الفيلم وما يعنيه من استقراءٍ
للواقع وتهديد بما ستؤول إليه الأمور إن بقي التّعاطي مع المرحلة بهذا
الشّكل.
·
الشّخصيّات ورمزيّتها- أرباب السّلطة ورجال الأمّة:
في هذا المجال، نرى أنّ المخرج ركّز على إقامة مقارنةٍ بين نوعين من
الشّخصيّات: الأولى مثّلت الاتجاه التّسلّطيّ الذي جسّدته شخصيّتي
"ريتشارد" وأخيه "جون". فقد شكّل الملك وجهاً سلبيّاً في هذا العمل بوصفه
المنهزم والمفلس الذي لم يقدّر عواقب الأمور بشكلٍ سليمٍ، ما أدّى إلى
وصوله لهذه الحال، فضلاً عن كونه أكمل مسيرته بالغزوات على المناطق التي
يمرّ بها، ورفضه لأيّ نقدٍ يوجَّه إليه، وهو ما أودى بـ"روبن" إلى الحجز
عندما سأله "ريتشارد" عن رأيه في الحرب الصّليبيّة. لكنّ بعض الإيجابيّات
تُبرزها الشّخصيّات الأخرى عنه، لا سيّما من ناحية أنّه رجل دولةٍ حقيقيّ،
يعرف كيف يحافظ على سيادة بلاده ويتولّى الحكم بما يراعي حال الشّعب
ومتطلّباتها.
من جهةٍ أخرى، نجد شخصيّة "جون" المتسلّط والسّاعي إلى الحكم بسذاجته
وادّعائه الكفاءة، إضافةً إلى سهولة التّأثير من قبل المقرّبين منه، عدا عن
كونه رجلاً لاهياً أكثر ما يهتمّ بالملذّات الجسديّة، وهو لذلك يبدو
متسرّعاً في اتّخاذ أيّ قرار ما يُؤدّي إلى خطورةٍ واضحة. ولا ننسى أنّه هو
الذي مهّد لتطوّر الأحداث وبلوغها الذّروة من خلال تأثير "غودفري" فيه.
في المقابل، نجد شخصيّة "روبن" التي تظهر بوصفها نقيضاً لتلك. فهو جندي
رامٍ في جيش ريتشارد "الصّليبيّ"، يعيش حياةً بسيطةً، مع أنّه يملك روح
التّضحية في سبيل هدفٍ انسانيٍّ كما حدث عندما أنقذ أحد الجند على أسوار
القلعة الفرنسيّة، أو قوميّ كما حينما اندفع لحماية بلاده. لكنّه يتمتّع
برؤيةٍ خاصّةٍ إلى الأمور، إذ أنّه لم يتوانَ عن انتقاد "ريتشارد" وجهاً
لوجه على خلفيّة المجازر التي ارتكبها جيشه في عكّا، من خلال تصويره للمرأة
التي قُتلت هناك مشفقةً على الرّحمة التي رحلت من قلوبهم، ولم يجد إلاّ أن
يعرّي الحملة الصّليبيّة من دوافعها القداسيّة، ليصف أصحابها بأنّهم بلا
إله. وهذا النّقد هو الذي جعل الملك يعاقبه، إلى أن هرب عندما قُتل هذا
الأخير.
ومن الملاحَظ قدرة هذه الشّخصيّة على التّطوّر لا سيّما بعد أن قام بإفشال
الكمين الذي نفّذه "غودفري"، وانتحال صفّة "لوكسلي" الذي أهّله لأن يكون
فارساً وقائداً عسكريّاً قوميّاً. وأسعفه الحظّ في ذلك بأن يقوم والد
"لوكسلي" نفسه بتبنّيه وتقوم زوجة ذاك الفارس الرّاحل بالوقوع في حبّه،
وقيام أحد أعوان الملك الرّاحل بدعمه ليكون شخصيّةً مؤثّرةً.
غير أنّ ما جعل هذه الشّخصيّة تمتلك القوّة والأهليّة لما ألقي عليها، هو
الإرث المعنويّ والثّقافيّ الذي عرفه في سياق الفيلم عن والده، إذ اكتشف
أنّ والده الحقيقيّ ذو رؤيةٍ نافذة مكّنته من وضع تعهّد بين قادة الشّمال
وبين الملك تؤمّن حقوقهم وولاءهم باستمرار، وهو صاحب حكمةٍ تأثّر بها
"روبن" في مسيرته تقول: "ثابر.. ثمّ ثابر من جديد... حتّى تصبح الحملان
أسوداً". ولعلّ هذا ما جعله يقف أمام القادة المتمرّدين على الحكم وأمام
الملك ليقنعهم بتوحيد جهودهم لمواجهة الخطر الفرنسيّ. ومن خلال ذلك يستطيع
أن يقود المعركة النّهائيّة ضدّ العدو الدّاخليّ والخارجيّ، إضافةً إلى ما
يملكه من إرادة.
·
تناقض الصّراعات- في سبيل السّلطة أم في سبيل القيم؟
نلاحظ عند التّدقيق في السّياق الأساسيّ للفيلم أنّ الصّراع الذي يتحكّم
بمفاصله هو السّلطة/القيم... فالنّزاع الأوّل الذي يتمظهر تمثّله عمليّة
الطّموح الذي يسيطر على "جون" ليحلّ مكان أخيه، في الوقت الذي يسعى فيه
"ريتشارد" إلى تثبيت سلطته واسترجاع ثروته التي خسرها في حملته إلى الشّرق،
وهذا ما جعله يهاجم القلعة الفرنسيّة في إطار ما عُرف من العداء التّاريخيّ
بين البلدين. عدا عن الصّراع الذي قام به "جون" ضدّ قادة الشّمال، وهو الذي
هدّد المملكة البريطانيّة بالانقسام؛ في حين أنّ "غودفري" افتعل صراعاً
خاصّاً به بمساندة الفرنسيّين بغية الوصول إلى السّلطة من خلال ذلك
الانقسام.
أمّا في ما يتعلّق بـ"روبن"، فقد عاش صراعاتٍ متنوّعةً محورها ترسيخ القيم
والمثل الانسانيّة العليا... فمنذ انطلاقة الفيلم نجد أنّه يسعى إلى جعل
القيم هي السّائدة في الحياة التي تحيط به، وما يؤكّد ذلك هو الحوار الذي
تمّ بينه وبين "ريتشارد" حول ممارسات الجيش "الصّليبيّ" في فلسطين.
إضافةً إلى ذلك، واجه صراعاً آخر في السّياق نفسه، وهو المتمثّل في محاربة
الظّلم والجوع اللّذين لحقا بسكّان "نوتنغهام" وتحويل حياة تلك المنطقة إلى
الازدهار من خلال تفعيل الدّورة الزّراعيّة وحتّى بسرقة المحاصيل المصادَرة
منهم من قبل الكنيسة وإعادتها إلى أصحابها.
كذلك نرى أنّ "روبن" دخل في صراعٍ مع الذّات محاولاً اكتشاف أصله، والذي
أدّى به إلى معرفة كون أبيه رجلاً عظيماً مع أنّه من خلفيّةٍ اجتماعيّةٍ
متواضعة، لا سيّما أنّ والده هو الذي أطلق المقولة التي شكّلت عنواناً
لحياته، فبعد أن كان نكرةً في المجتمع صار رمزاً احتماعيّاً وقوميّاً.
يوصلنا هذا الأمر إلى الصّراع الأخير الذي كان تأكيداً لما خاضه سابقاً،
فهو صراع قوميّ جعل منه قائداً وطنيّاً ضدّ العدوان الفرنسيّ... فهنا
استطاع أن يطغى على جميع القادة الكبار وحتّى على الملك "جون"... وهو ما
أودى بدوره إلى الدّخول في الصّراع المعروف ضدّ السّلطة، إذ أنّ ارتفاع
نجمه على حساب الملك هو الذي مهّد أمام اعتباره خارجاً على القانون في
مسعًى لإضعافه وتثببيت سلطةٍ ضعيفةٍ أساساً، توطئةً للحكاية المنتشرة عنه.
ولا ننسى النّقد الذي يوجّهه المخرج "سكوت" إلى الحال الاقتصاديّة التي
يمرّ بها المجتمع نتيجة الدّخول في الحروب الخارجيّة، ما جعل الأقاليم
المختلفة التي تموّل تلك الحروب تغرق في العجز والعوز بسبب مصادرة الكنيسة
والدّولة للمتنجات الزّراعيّة.
·
الخاتمة.
يمكننا من خلال ما تقدّم، أن نلاحظ أهمّيّة العمل السينمائيّ الماثل بين
أيدينا، لا سيّما لناحية طرح الاشكاليّات التي تهمّ المخرج ويرى بوساطتها
رؤيةً مغايرةً للتّاريخ ولرموزه وإسقاطاتها. ويتّضح بذلك أنّ تناول القصّة
غير المعلومة من حياة "روبن هود" لم يكن يستهدف التّعريف بجوانب من شخصيّته
فحسب، بل كان يسعى من خلاله إلى إسقاط سياقه على الحاضر. إذ أنّنا نستشفّ
من النّقد الذي وجّهته تلك الشّخصيّة إلى الحملة الصّليبيّة، نقداً عميقاً
للمرحلة التي نمرّ فيها اليوم على المستويين السّياسيّ والاستراتيجيّ. فلا
يخفى على أحدٍ أنّ البعض أطلق على الحرب الدّوليّة التي تُشَنّ ضدّ
مجتمعاتنا صفة "الصّليبيّة" أو "المقدَّسة"، وانطلاقاً من ذلك يصبح النّقد
للحرب الصّليبيّة التّاريخيّة نقداً لهذه الحرب التي شاركت فيها البلاد
التي ينتمي إليها، ما يعني أنّه يصف القيّمين على بلاده في هذا العصر
بأنّهم بلا إله "Godless". كما أنّه يحمّلهم مسؤوليّة الوقوع في العجز
الاقتصاديّ العالميّ الحاضر بسبب تجيير أموال الشّعب نحو تمويل تلك الحرب،
وهو بذلك ينذر بالخروج على القانون أو بقيام حالٍ تمرّديّةٍ مشابهةٍ لما
نشهده في هذا العمل نقلاً عن ذلك العصر . وبذلك يصبح السّعي إلى سيادة
القيم على المجتمع وعلى الحكم هو إقرار بأنّ الحكم الحاضر بعيد كلّ البعد
عن القيم والمثل، وبالتّالي فإنّ الصّراعات التي تدخل فيها الدّول صراعات
لا أخلاقيّة، والحروب التي تشنّها كذلك غير أخلاقيّة... لكنّه في المقابل
يعطي الجانب الأخلاقيّ لدافعٍ وحيد إلى الحرب وهو الدّفاع عن الوطن، لأنّه
دافعٌ أخلاقيٌّ بامتياز، إلى جانب الصّراع الذي خاضه "روبن" في سبيل
الطّبقات المقهورة من المجتمع. ومن هذا الباب نستطيع أن نرى تسمية هذه
الشّخصيّة لـ"فلسطين" بالاسم ما يعني اعترافه الصّريح بموقعها التّاريخيّ
والحضاريّ وتجريدها عن "الهويّة الاسرائيليّة" التي يحاول اليهود والدّول
الغربيّة إلصاقها بها. واستناداً إلى ذلك، نلحظ أنّ الفيلم يقدّم رؤيةً
نقديّةً حضاريّةً إلى الواقع المعاصر بغية التّأثير في المجتمع لتغيير حاله
الحاضرة.
*كاتب أردني
سينماتك في 1
مايو 2013
|