سينماتك

 

مغامرات عبدالحليم حافظ في مدرسة البنات!

تلميذات مدرسة طنطا قالوا لي: صوتك حلو يا أفندي

تكتبها:ايريس نظمي

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

وابتدا المشوار في القاهرة بعد ان تخرج حليم من معهد الموسيقي العربية ومعهد المسرح الموسيقي ليلتحق بوزارة التربية والتعليم ويعمل مدرسا للموسيقي في مدرسة بنات في طنطا.. ولم تصدق ناظرة المدرسة ان هذا مدرس الموسيقي الجديد.. فقد كانت هناك بنات تكبرنه في السن..

وتعرض عبدالحليم للسخرية والضحك.. لكن البنات سرعان ما احببته وهو يغني نشيدا ليرددنه ورائه لجمال صوته.. ثم عمل بعد ذلك في مدرسة أولاد في مدرسة بمباقادن الابتدائية في القاهرة.. ورغم انهم صغار لكن كلهم لهم شوارب.. وتعرض أيضا للسخرية.

وابتدا الفنان الذي بداخله يتمرد علي مدرس الموسيقي.. فترك التدريس دون اي اعتذار ليمكث في البيت دون عمل وهو لايمتلك شيئا.. بل خسر ال17 جنيها المرتب الذي كان يحصل عليه كل شهر.. ومع ذلك فقد كان سعيدا بتصرفه الجريء.. فقد ازاح عن كاهله عبء ثقيل.

وفي هذه الحلقة نتابع مشوار حليم المليء بالاشواك الذي بدأه في القاهرة.. تري هل ينتصر الفنان علي المدرس؟ هذا ما يرويه لي بصوته قبل الرحيل.

دخلت الفصل فدوت عاصفة من الضحك.. استقبال غير عادي من التلميذات لمدرسهم الجديد.. لايختلف كثيرا عن استقبال الناظرة الذي حدث منذ قليل (أنا آسفة يا استاذ شبانة.. انت مدرس صغير جدا وعندي بنات يكبرنك في العمر.. فكيف تستطيع ان تسيطر عليهن).

شعرت بالاهانة.. انها أول مرة اقف فيها وسط هذا العدد من الفتيات.. لو كن شبابا لانتهي الأمر.. وكنت سأعرف كيف أوقفهم عند حدهم..

لكن ماذا أفعل مع هذا الجنس الناعم؟
­
لا أستطيع أن أكون قاسيا مع هؤلاء الفتيات الجميلات.. ان بعضهن أطول قامة مني.

ووقفت صامتا وأنا أنظر اليهن وهن يضحكن.. ويبدو ان نظراتي عبرت بسرعة عن عدم ارتياحي لهذا الاستقبال الضاحك الذي لم انتظره وأتوقعه ابدا.

بعد لحظات قصيرة كان الهدوء التام يعم الفصل كله.. من حسن حظي ان الله تعالي قد منحني هذه الميزة التي نسميها عادة (القبول).. وأحيانا نقول عنها (الحضور). ولا علاقة لها ابدا بالوسامة والجمال.. فقد يكون الانسان وسيما لكن الناس لايتقبلونه بسهولة لان القبول أو الحضور ينقصه. وأنا لست الشاب الوسيم (الحليوة) الذي يمكن ان نسميه (دون جوان). بالعكس انا انسان عادي ربما كان ذلك هو أحد أسباب نجاحي لأن الله منحني هذا (القبول) الذي جعل تلميذاتي يعاملنني باحترام شديد وكأنهن يردن ان يزلن الآثار السيئة للقاء الأول.

كنت استيقظ مبكرا في غرفتي بحي المنيل لكي الحق بالقطار المتجه الي طنطا في الصباح الباكر حتي لا اتأخر دقيقة واحدة عن الحصة الأولي وطابور الصباح.. وبدأت أشعر بأن الناظرة قد اقتنعت بي أخيرا بعد أن لاحظت حرص التلميذات علي حضور حصة الموسيقي.. ويبدو أنها أرادت ان تكافئني علي ذلك.. فقررت ان تستبدل الحصة الأولي بالحصة الثانية حتي تخفف عني أعباء متاعب السفر في الصباح المبكر.. وأصبحت الحصة الثانية مريحة بالنسبة لي.

ليس ذنبي أني أصغر الخريجين عمرا فقد تخرجت وعمري 16 عاما.. وليست مسئوليتي اني ولدت هكذا نحيل الجسد قصير القامة لأجد نفسي مطالبا بتقديم شهادة التخرج الرسمية لكل من لايصدق اني المدرس الجديد لمادة الموسيقي.

لكن اهتمام حضرة الناظرة بأن تخصص لي الحصة الثانية بدلا من الأولي تقديرا منها لمتاعب السفر في الصباح المبكر جعلني أشعر بنوع من الارتياح العميق.. فهذا التصرف معناه انها بدأت تقتنع بي كمدرس مخلص لعمله.. ولم تهتم كثيرا بمظهري الخارجي.. وعمري الصغير جدا بالنسبة لبقية المدرسين.. وجسدي النحيل القصير الذي ظنت انه سيكون سببا في عدم اقتناع التلميذات بي.. ونسيت اهانة وصدمة أول يوم.. يوم ان وضعت ناظرة المدرسة نظارتها فوق عينيها وراحت تتأملني بعدم اقتناع وتقول لي (أنا اسفه يا استاذ شبانة انت مدرس صغير جدا وأنا عندي بنات أكبر منك في السن فكيف تستطيع ان تسيطر عليهن).

كان يجب ان انسي كل ذلك لأن ناظرة المدرسة أصبحت في غاية اللطف معي.. واعتبرت ذلك نوعا من الاعتذار.

صوتك حلو يافندي!

وفي احدي حصص الموسيقي كان لابد أن أغني لكي تردد معي التلميذات النشيد الجديد وما كدت انتهي من اداء المقطع الأخير من النشيد حتي فوجئت بعاصفة من التصفيق داخل الفصل.

سبحان مغير الأحوال.. عندما دخلت هذا الفصل لأول مرة استقبلتني التلميذات بعاصفة من الضحك الساخر.. كل ضحكة كانت أشبه بصفعة علي وجهي.. انه الضحك المهين الذي جعلني أغرق في عرقي وخجلي وارتباكي.. والآن تتحول السخرية المريرة الي اعجاب شديد.. نفس التلميذات اللاتي سخرن مني في أول مرة يصفقن لي بحماس وأسمع أصواتهن تتردد داخل الفصل (والله يافندي صوتك حلو).. أليس ذلك أبلغ اعتراف بمدرس الموسيقي الذي سخرن منه في أول حصة؟

وضاعف من شعوري بالراحة أني بدأت أكمل حصص الجدول في مدرسة اخري.. مدرسة المعلمات.. واصبحت اتنقل بين تلميذات مدرسة طنطا الابتدائية.. وتلميذات مدرسة المعلمات في طنطا أيضا.. عبء جديد لكنه لم يرهقني أو يزعجني في البداية لأني اعتبرت ذلك نوعا من رد الاعتبار.

لقد استطعت ان أحول السخرية المريرة الي احترام شديد.. وان أقدم لتلميذاتي درسا مهما­ يجب الا نحكم علي الانسان بالمظهر الخارجي.. فصاحب الجسد القوي الطويل العريض قد يحمل في أعماقه نفسا ضعيفة أو قلبا مليئا بالشرور وايذاء الأخرين، وصاحب الجسد الهزيل الضئيل قد يحمل في أعماقه ارادة حديدية لاتعرف المستحيل.. وقلبا ينبض بحب كل الناس ونفسا تفيض رقة وحنانا واملا.

درس أهم من كل دروس حصص الموسيقي.. ارجو ان تكون تلميذات مدرسة طنطا قد فهمنه جيدا واستمرت الرحلة اليومية من حي المنيل الي ميدان باب الحديد وينطلق القطار الي طنطا.. وفي المساء أعود وأنا في غاية الشوق اليها.. حبيبتي التي تنتظرني بفارغ الصبر لأحكي لها كل شيء بأمانة شديدة.. ماذا فعلت اليوم.. وماذا قلت لتلميذاتي.. وماذا قالت لي ناظرة المدرسة.. فأنا لم أتعود ان اخفي عنها سرا من أسراري. انها لاتطلب مني ان أقدم لها كشف حساب يومي عن تصرفاتي وتحركاتي طول اليوم.. لكن أنا الذي كنت أتطوع وأحكي لها كل شيء.. انها أقرب الناس الي قلبي.. بجانبها أنسي متاعبي.. كلماتها شفاء لجروحي.. ضحكتها شمس حياتي الدافئة.

الفجر بعد الظلام الطويل

أروع شيء أن يجد الانسان شريكا في رحلة الحياة الشاقة الطويلة.. انسا في ليالي الوحدة المؤلمة.. صديقا وفيا كلما غدر وندر الأصدقاء.. صريحا صادقا كلما ساد الكذب وانتشر.. عفيف النفس وسط كل الطامعين. يعطي من روحه وقلبه دون ان يطلب شيئا.. لايشعر المرء أمامه بالخجل.. ولايحاول ان يكون أمامه قديسا بلا أخطاء.

انها بالنسبة لي كل شيء.. الأمس واليوم والغد واذا اضطررت للابتعاد عنها اظل احلم باليوم الذي سآراها فيه من جديد.

انها الأم.. الأخت.. والصديقة.. والحبيبة (عليهٌ) أقرب الناس الي قلبي. كانت قد جاءت لتعيش معنا في حي المنيل في العام الأخير من دراستي بمعهد الموسيقي.. وأصبح للبيت مديرة تشرف علي كل شيء فيه.

لكننا كنا نخشي عليها من الارهاق والتعب.. نريدها فقط ان تكون الي جانبنا.. فمجرد وجودها هو السعادة نفسه.

وقرر أخي اسماعيل الاستعانة بمن يساعدها في الأعمال المنزلية خاصة بالنسبة لغسل وتنظيف الملابس.. لكنها كانت تصر علي مشاركة السيدة المكلفة.. تريد ان تكون ملابس اخويها في غاية النظافة.. لم تكن ملابس كثيرة العدد في ذلك الوقت..

صحيح انني بدأت اتقاضي مرتبا قدره 17 جنيها لكني كنت لا اميل الي الاكثار من شراء الملابس.. بل كنت أفضل الحصول علي الشيء الجميل فقط.

كان يحدث مثلا ان اخصص مبلغ خمسة جنيهات لشراء بنطلون وقميص وحذاء.. لكن وقت الشراء أغير خطتي واشتري قميصا واحدا او بنطلونا واحدا بدلا من القائمة الطويلة التي كنت قد اعددتها.

(الشيء الجميل) كان يستهويني.. وهذا ما نسميه الذوق.. انه احساس داخلي بالجمال.. بالبحث عن ماهو جميل.. لم اتأثر بأحد في طريقة اهتمامي بملابسي ومظهري الخارجي. واحد فقط هو الذي كان يهتم بمظهري الخارجي وهو الشيخ كمال ادهم واحد من اعز اصدقائي.. سافر للخارج كثيرا.. وهو يتمتع بذوق عال. لم يتغير ابدا مهما تقلد المناصب المختلفة.. لم يتغير عندما تخلو جيوبه من هذا المال. انه من القلائل الذين كنت أطلب منهم المال كلما احتجته بلا أدني حرج.. استطيع ان اضع يدي في جيبه لأخذ ما اشاء دون تردد.. هذا العزيز الشيخ كمال أدهم هو الذي اضاف اللمسات الأخيرة علي ذوقي.. وهو الذي يطالبني باستمرار بان اهتم بملابسي وبمظهري الخارجي خصوصا بعد ان اصبحت مدرسا للموسيقي.. وهو في ذلك صاحب فضل لا أستطيع ابدا ان انكره.

أخبار النجوم في 14 أبريل 2007