تتعدد الأسباب وتراجع السينما المصرية واحد القاهرة - سعيد ياسين |
صفحات خاصة
|
العنوان الرئيسي عند الحديث في السينما هو التراجع وهذا الرأي المتشائم عن السينما المصرية يردده كبار صناع السينما من المخرجين والمؤلفين· وهناك من يرى انه رأي طبيعي من اناس خرجو من المشهد السينمائي تماما واحيلوا الى التقاعد ويجلسون على المقهى ليصبوا جام غضبهم، ودليل ذلك أن رأي الشباب بالسينما المصرية وردي للغاية ويرونها أفضل بكثير من الماضي وأن الساخطين نضب معين إبداعهم ولم يتأقلموا مع قواعد اللعبة الجديدة· وهناك من يرفض تعبير ''زمن الفن الجميل'' الذي يتحدث عنه الكبار كثيرا ويرى أن الماضي ايضا كانت فيه سينما سيئة وأفلام هابطة، بل إن هناك من يرفض التصنيفات المدرسية للسينما مثل الواقعية او الرومانسية، ويقول إن الافلام التي أنتجت منذ اربعين عاما ويقال إنها رومانسية مليئة بالقبلات والمشاهد الساخنة والعري وهو أمر يبعدها تماما عن الرومانسية· والخلاصة أن الآراء متناقضة ومتضاربة وخاضعة للأمزجة وتخلو في معظم الاحيان من الرؤية العلمية المنطقية· ويقول المخرج مجدي أحمد علي إن السينما المصرية تمر حاليا بحالة صعبة وهذا تعبير عن حالة تراجع للمجتمع وتركيبته· والسينما أحد مظاهر الأزمة وليست أحد أسبابها وعندما يتغير المجتمع ستتغير السينما، وهناك مجتمعات تكون منهارة احيانا لكنها تقدم سينما جيدة، ولا اقصد تدخل الدولة في الانتاج ولكن عليها مساعدة القائمين على هذه الصناعة بالدعم أو الإعفاء من الضرائب· وطالب مجدي أحمد علي جميع السينمائيين بالنضال لتغيير الوضع السينمائي السائد، لأن السينما صناعة وتجارة خاصة وأن الكل دخل دائرة كبيرة تحولت لدوائر احتكارية جعلت من السهل أن يقدم سينمائي فيلما ويضعه ليشاهده في منزله مع أصدقائه فقط لأن مهنة الموزع دائرة احتكارية لا يقوى أحد على اقتحامها الا من يملك المال· وقال إن المخرجين الجدد وإن كانوا جددا في التوقيت الا أنهم لا يمثلون أفكارا جديدة، فقد جلبهم المنتجون لتنفيذ رغباتهم على اعتبار أن أجورهم أرخص ولديهم قدرة على السمع والطاعة والتكريس للسينما التافهة· غياب التقاليد ويقول المؤلف فايز غالي إن صناعة السينما في الماضي كانت لها تقاليد واضحة استمرت لسنوات طويلة ولكنها فقدت هذه التقاليد الآن ولم تعد قادرة على أن تكون صناعة منظمة بعد أن كانت هي الصناعة الثانية في مصر بعد القطن، وذلك بسبب وجود رؤوس اموال وطنية كانت تؤمن بالسينما وترى أنها واجهة حضارية لمصر تتقدم بها الصفوف· وأكد أن المنتجين الآن يتعاملون مع السينما كما لو كانوا يتعاملون مع محال أحذية أو جزارة يملكونها وكل ما يهدفون اليه هو البيع والمكسب· وقال إن سينما الأمس واكبتها حركة نقدية قوية دفعت بها للأمام كما حدث منذ مطلع الخمسينات والستينات من القرن الماضي· وتدهورت هذه الحركة بعد ذلك، الأمر الذي انعكس على صناعة السينما· وهناك نقاد لديهم القدرة على جعل الغث سمينا وهؤلاء يتسببون في هدم صناعة السينما مثلهم مثل المنتجين· وتساءل عن دور كبار رجال الأعمال الذين أسسوا كيانات اقتصادية كبيرة حصلوا بمقتضاها على إعفاءات من الضرائب من أجل تمويل أفلام سينمائية وكل ما قاموا به هو بناء عدد كبير من دور العرض السينمائي للفيلم الاميركي وليس المصري· وقال إن الأفكار تجهض الآن في رؤوس المؤلفين بسبب ما يحدث في الساحة السينمائية، وأنه كاد يصاب بأزمة حادة حين أخبره أحد كبار الموزعين في مصر بأنه سعيد لقضائه على جيل كامل من السينمائيين لأنه يتحكم في أقدار السينما المصرية الآن· خنق الصناعة وقال المخرج خالد يوسف إن هناك العديد من التشريعات التي صدرت منذ السبعينات من القرن الماضي تسببت كلها في خنق صناعة السينما، وهذا تم تنفيذه بوعي على اعتبار أن السينما في النهاية يقوم بها الأفراد وأصحاب الفكر الحر الذين لا يخضعون لمنظومة تعبر عن النظام، أو بعدم وعي للجهل التام بأن السينما يمكن أن تكون مفيدة، والدليل قوانين الاستثمار التي تعطي إعفاءات لمن يبلغ رأس مال شركته 200 مليون جنيه، وكأنهم يدعمون الأغنياء ويفقرون الفقراء· كل هذا أدى لأن يجلس منتج عاشق للسينما مثل رأفت الميهي في بيته، ويظهر منتجون ليس لهم هدف الا الكسب المادي· وأضاف أن الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع المصري أثر جزئيا في حال السينما وبدأت تظهر نوعيات مختلفة منها الأكشن والاجتماعي والرومانسي وخفت حدة أفلام الكوميديا ولو لم تتدخل الدولة فإن عودة الأمجاد للسينما المصرية ستتم ببطء شديد· وقال المؤلف تامر حبيب - الذي قدم فيلمي ''سهر الليالي'' و''حب البنات'' - إنه وزملاءه امتداد لسينما الأمس وأنه أحب السينما من خلال الأفلام القديمة لدرجة جعلته يغير مهنته بعد أن كان محاسبا ويتجه لدراسة السينما، وأثناء دراسته في المعهد العالي للسينما حقق سمعة طيبة جعلت عمله الأول يرى النور بسرعة· ونفى مقولة الجمهور ''عاوز كده''· ودلل بتجارب كثيرة له أو لآخرين نجحت مع الجمهور وهذا ما جعل المنتج صاحب رأس المال يكرر تجربة الإنتاج معهم في أعمال تالية وأنه مع عدد من زملائه قدموا سينما مختلفة وبناء عليه أصبحوا موجودين· ويقول المخرج محمد خان إن السينما الخاصة به وبزملائه خيري بشارة وعاطف الطيب وداود عبدالسيد لم تكن عالية الصوت، خاصة أنها نُفذت في قلب السينما السائدة وقتها وهي السينما التجارية ونجومها، وأنهم تعرضوا لظروف صعبة لتقديم ما يريدون خلال فترة كان للمخرج فيها كلمته في اختيار الموضوع والممثل وإدارة الفيلم· وأبدى خالد تعاطفه مع شباب السينمائيين الجدد في ظل الشكل الاحتكاري السائد للسينما حاليا، وعدم قدرتهم على تحقيق طموحاتهم وافكارهم كما فعل هو ورفاقه الذين كانت لديهم نسبة كبيرة من الصدق في اختيار المواضيع والشخصيات، حيث كان يمكن أن يكون البطل رجلا في الشارع أو سائقا، وكل هذا ساعد في تغيير شكل البطل في السينما المصرية· وقال إن شخصية بطل الفيلم كانت تجذبه قبل أي شيء، وأنه وزملاءه فعلوا هذا بدون تخطيط وسلك كل واحد منهم طريقه بنفسه دون تعصب، وأن اكتشافه للقيم الاجتماعية لم يأت من كُتب ولكن من خلال رؤيته للبيوت والشوارع ومراحل حياته المختلفة· عشق الحرية أما المخرج خيري بشارة فقال إن جيله خرج من الجدل السياسي وتحديدا بين اليمين واليسار وأنه كان منحازا لليسار بالمعنى العاطفي اكثر من الفعلي··· فلم يكن أحد من هذا الجيل منتميا لحزب أو فاعلا في الحركة السياسية وكانوا يعشقون حرية التعبير وأن نظرتهم للسينما كانت ضد نظام النجوم وأي تزييف أو تشويه للواقع· ويقول إن جيله جعل الحياة على الشاشة تحدث من خلال عالم يتصرف بشكل طبيعي وبحركة متميزة تختلف عن سينما يوسف شاهين وغيره، الى جانب اهتمام أبناء جيله بالتكوين والقيم البصرية للفيلم، فأصبحت هناك جماليات خاصة نابعة من الصورة وما يحدث في الافلام الجيدة الآن من تقدم في الثقافة البصرية مرجعه تأثير جيل الثمانينات من القرن الماضي·
واكد أنه
ضد الحنين للماضي أو الزمن الجميل على اعتبار أن هذا عبث يوقف التاريخ ويحب
أن يكون مع حاضر وواقع حتى لو كان رديئا دون الحنين لماض حتى لو كان جميلا·
وقال السيناريست يحيى عزمي إن المخرجين محمد خان وخيري بشارة وداود عبدالسيد وعاطف الطيب جاءوا من السينما التسجيلية وشكلوا تيارا في السينما المصرية في مواجهة تيار السينما التجارية وظروف ما بعد نكسة 1967 أثرت في تفكير هؤلاء المخرجين وشكلت رؤيتهم الابداعية ولا توجد نظرية تسمى الواقعية الجديدة لأن كل ما يحدث حركات سينمائية تتولد في ظرف تاريخي معين· اما المخرج أسامة فوزي فقال إنه لا يشعر بأنه ينتمي لجيل كما حدث مع جيل خان وبشارة وداود وعاطف الطيب وأن الواقعية في رأيه تأخذ أشكالا كثيرة لأنه يحدث تطور مستمر في الفن تخطى كل شيء الى الحداثة وما بعدها وأصبحت هناك حرية في التحرك في مدارس واساليب مختلفة· واضاف أن سينما جيل الثمانينات من القرن الماضي كانت المتنفس والغذاء له ولزملائه روحيا وفنيا خاصة أنها انتشرت وسط سينما المقاولات وكان هذا عملا بطوليا واستطاعوا أن يجدوا للسينما الجادة مكانا وسط سيطرة السينما التجارية· وقال إن صفة التجارية تنطبق على كل الافلام الآن حيث أنها نفذت بهدف الربح السريع السهل لتسلية الناس· وتوجد عصابة في صورة كيانات ضخمة استولت على صناعة السينما في مصر واحتكرتها وفرضأاصحابها أذواقهم ولا يفكرون في المستقبل الفني وتحقيق الافلام التي ينتجونها لملايين الجنيهات جعلهم أكثر شراسة، واصبح من يريدون تقديم سينما جادة مطرودين وأفلامهم تحارب بكل الطرق· الإتحاد الإماراتية في 13 أبريل 2007
|