يعرض الآن على شاشات الكويت في 'حكاية بحرينية'.. انعكاسات هزيمة وأصداء من السبعينات عرض وتحليل: عماد النويري |
صفحات خاصة
|
هزيمة 67 المخففة عسكريا وسياسيا ولفظيا ولغويا باسم 'النكسة' كانت لها انعكاساتها وأصداؤها في المسرح والسينما كما في الرواية والفن التشكيلي. وكعادة الأحداث المفصلية في تاريخ الأمم تتابعت الأعمال 'النكسوية' منذ اليوم التالي للهزيمة وحتى هذه اللحظة . ولا عجب في ذلك فحرب طروادة مازالت تصنع عنها الأفلام، والحربان العالميتان الأولى والثانية مازالتا منبعا خصبا للمعالجات المرئية في كل مكان، وكان آخرها فيلم 'رايات آبائنا ' لكلينت ايستوود، وانتحار هتلر مازال حدثا ملهما للكثير من الباحثين والسينمائيين، ولعلنا نذكر الفيلم المهم الذى قدم العام الماضي تحت عنوان 'السقوط'. هزيمة 67 جرى التعامل معها بأكثر من طريقة فبعض المحاولات الدرامية السينمائية والتلفزيونية العربية اعتبرت ان سبب الهزيمة هو وجود حاشية فاسدة بجانب رئيس صالح، والبعض الآخر ارجع الهزيمة الى وجود رئيس دكتاتور وبجانبه مؤسسات دولة صالحة ولكن غير فاعلة. اما البعض الثالث فقد ارجع هذه الهزيمة الى نظرية المؤامرة باعتبار ان مصر والبلاد العربية على مدى التاريخ هي بلاد مستهدفة ومحط أطماع دائمة بالنسبة إلى الغرب الاستعماري. ولم تقتصر التفسيرات على ارجاع أسباب النكسة الى عوامل سياسية أو عسكرية او تآمرية فقط، انما صدرت بعض التفسيرات الشعرية على لسان الشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودي حيث قال ان سبب النكسة هو ان بلدنا كانت واقفة على 'الترعة' بتغسل شعرها وجاها (يعنى جاءها) نهار مقدرش يدفع مهرها. ولعل تجسيد الوطن على شكل امرأة لم يكن غريبا على أدبيات الشعر والرواية والسينما في بلاد العرب، انما برز هذا التجسيد بعد الهزيمة وتعرفنا على 'بهية' يوسف شاهين بالقدر نفسه وبموازاة التعرف على 'ام حسن' التي تمنى لها احمد عدوية السلامة من العين والحسد. ووسط كل هذه الانعكاسات والأصداء كان يتردد ذلك القول الذهبي المقنع بأن كل هزيمة عسكرية تسبقها هزيمة مثقفين ويعني ذلك انه عندما يعجز المثقف عن تحمل مسؤوليته وعندما يترك موقعه ويتنازل عنه للمهرجين والمطبلين فإنها تكون بداية الهزيمة بالنسبة إلى العسكر. وليس موضوعنا علاقة المثقف بالسلطة وانما هي مقدمة مطلوبة للاقتراب من فيلم 'حكاية بحرينية' للمخرج بسام الذوادي. الذي قدم عام 1990 فيلم 'الحاجز' كأول فيلم روائي بحريني طويل أعقبه بفيلم 'زائر' عام 2003. أحلام وهزائم من خلال العلاقات والصراعات الموجودة بين أفراد أسرة بحرينية تعيش خلال فترة ماقبل هزيمة 67 وما بعدها تدور أحداث الحكاية ولا تقتصر العلاقات والصراعات ما بين افراد الأسرة فقط، انما تنعكس وتتداخل هذه العلاقات والصراعات على المحيط الخارجي المتمثل في المجتمع الصغير في مدينة المحرق والمجتمع الكبير المتمثل في الوطن العربي الكبير. رب الأسرة هو نموذج متداول وفي جانب كبير منه للأب العربي المتزمت والسلطوي والمقهور والمقيد بحزمة فولاذية من الأفكار والعادات والتقاليد. هو لا يتوانى في تزويج ابنته من دون اعتبار لرأيها ومشاعرها وهو جاهز في أي لحظة لممارسة ظلمه وقسوته على أي بنت من بناته وهو مستعد في أي لحظة لتكسير عظام ابنه الصغير بحجة تعليمه أصول الأخلاق والأدب وهو في النهاية يحمل في شخصيته الأسباب والمبررات التي تدفع في اتجاه الهزيمة على المستوى الشخصي وعلى مستوى الوطن. في البداية يفقد هذا الأب ابنته الكبرى عندما تشعل النار في جسدها هربا من حياة فرضت عليها مع زوج لا تحبه أرغمها أبوها على الزواج به، وفي المرة الثانية يفقد هذا الأب ابنته من زوجته الثانية لطيفة عندما تهرب لتتزوج بمن تحب. ويهرب الابن الصغير الصبي ذو الاثني عشر عاما ليقضي لحظات بريئة يصاحب فيها أسراب الحمام لعلها تساعده على التحرر والانعتاق من قيود الأب وقيود المجتمع. وتبقى لطيفة الأم كنموذج للمرأة العربية القوية التي تربت على أغنيات الوحدة وأحلام النصر. وعلى جانب آخر سنلتقي في الحكاية بالمثقف حمد حبيب فاطمة الذي عانى على المستوى الشخصي وعلى المستوى الثقافي كل الهزائم: هزيمته في الحب عندما خاب امله في الارتباط بفاطمة وهزيمته كمثقف عندما فشل في احداث أي تغيير ثم هزيمته الكبرى عندما فقد حبيبته إلى الأبد. وتوجت كل هذه الهزائم بهزيمة الوطن عام 1967، لكن تكمل منيرة الابنة الصغرى مشوار الأمل وتقرر ان تتحدى قوانين البيت العتيقة وتهرب مع من تحب تاركة وراءها كل الهزائم وكل الأحلام المكسورة. شعارات وهموم الفيلم 'السيناريو' غني بالتفاصيل وغني أيضا بالتعبير ويمكن قراءة الأحداث والشخصيات والرسائل على اكثر من مستوى ويعني ذلك أننا بصدد سيناريو وبصدد فيلم متعدد القراءات. قراءة تقول ان القصة كلها قصة عادية تدور منذ الأزل في المجتمعات العربية من المحيط الى الخليج عن الأب القاسي والابنة التي ترغب في الزواج بحبيب القلب وقصة الحب الفاشلة التي تنتهي بزواج الابنة برجل لا تحبه. وقراءة تقول ان لطيفة في الفيلم تمثل الوطن وان هزيمة المثقف حمد كانت البداية لهزيمة العسكر وان خروج منيرة في نهاية الفيلم هو رفض لجيل كامل لما حدث ورغبة حقيقية عند المرأة العربية لتجاوز سجنها. وقراءة ثالثة تقول ان هزيمة 67 كان الجميع مشاركا فيها بشكل او بآخر. وان الهزيمة لم تكن في واقع الأمر في ارض المعركة وانما كانت موجودة منذ وقت كبير في ارض البيت حيث رب الأسرة الدكتاتور الذى أضاع كل طرق الحوار مع أفراد أسرته والذى مارس عليهم كل أساليب القمع ليخلق منهم كائنات عاجزة مسلوبة الإرادة خائفة ومحبطة. وهناك قراءة رابعة تقول ان الفيلم يوجه إدانة لكل المثقفين على شاكلة حمد الذين غرقوا في همومهم الخاصة وانشغلوا بالشعارات ولم يحسموا موقعهم في معركة التغيير وكان لهم ان يمهدوا بسلبيتهم وترددهم للهزيمة. يؤكد الفيلم هنا مقولة ان هزيمة العسكر تسبقها هزيمة المثقفين. وبين القراءات لم يغفل الفيلم (السيناريو) اذن عامر بالقراءات ولم يقلل ذلك ابدا من وجود قصة بحرينية من عمق المجتمع البحريني يمكن متابعة خيوطها بشغف وحب ويمكن التعاطف مع الكثير من شخوصها ويمكن التعامل مع الكثير من رسائلها واشاراتها. إيقاع الحياة في الفيلم 'الفن' يمكن الحديث عن محطات التميز فهناك إبداعات على المستوى التمثيلي تجسدت في الأداء الراقي لمريم زيمان ومبارك خميس وجمعان الرويعي وفاطمة عبد الرحيم ويمكن التوقف عند الموسيقى التصويرية المعبرة والمؤثرة التي ألفها خصيصا للفيلم محمد الحداد. كانت هناك بعض اللقطات القريبة المجانية التي جاءت من دون ضرورة درامية واضحة والمصور لم يبذل الجهد الكافي في تحريك الكاميرا في اغلب المشاهد لكن يمكن تبرير ذلك بأن طبيعة الأحداث الساكنة في النصف الأول من الفيلم مع الوضع في الاعتبار إيقاع الحياة في مكان الأحداث وحالة السكون التي كانت تلف المكان والزمان والشخصيات مع كل هذه الأسباب يمكن التراجع عن اتهام الفيلم ببطء الإيقاع وبجمود حركة الكاميرا في اغلب المشاهد. وما يحسب للمخرج هو قدرته على التحكم في مفردات لغته السينمائية وفهمه الكبير لطبيعة الحكاية وبعده عن الاستعراض. في هذا الفيلم يمكن القول ان بسام الذوادي قد وصل الى مرحلة النضوج ومجازفته باختيار سيناريو فريد رمضان انما يأتي من باب زاوية وعي تقول ان المخرج السينمائي من المهم ان يكون على تماس بواقع مجتمعه وبتاريخ أمته ومن المهم أيضا وهو يقدم المتعة والتسلية ان يدفع المتفرج إلى التفكير والتأمل. دور مهم في 'حكاية بحرينية' اطلالة على كل الحكايات العربية التي سبقت تاريخ الهزيمة وكانت مقدمة لها وفي الحكاية بقايا شجن متجذر لعصر عبدالحليم وأم كلثوم وفي الحكاية ايضا شجاعة وجرأة في الطرح واصابع تشير بلا خوف الى الجرح. واخيرا 'حكاية بحرينية' هو انطلاقة مهمة في تاريخ السينما الروائية الخليجية التي تقدم الواقع من دون تجميل وترغب في ممارسة دور مهم في تسجيل الواقع الاجتماعي والسياسي لأبناء هذه المنطقة لكي يعرف الابناء بشكل افضل كيف ساهم الآباء في صناعة تاريخ هذه الامة. تاريخ الهزيمة وتاريخ الحزن الجميل.
'حكاية بحرينية'
مهرجانات شارك فيها الفيلم
القبس الكويتية في 3 أبريل 2007
|