سينماتك

 

فيلم "حياة الآخرين"

زهرة جديدة في ربيع السينما الألمانية

باريس – مكتب

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

تعد الصين الشعبية وكوريا الجنوبية والأرجنتين وإفريقيا الجنوبية والمغرب من البلدان الجنوبية التي بدأت تفرض نفسها على السينما العالمية من خلال إنتاج ذي نوعية جيدة وعبر إطار حقيقي للموهوبين بشق طريقهم بشكل فيه مخاطر أقل مما هو عليه الأمر في بلدان كثيرة أخرى من البلدان النامية.

ولو حاولنا تلمس معالم نهضة سينمائية حقيقية جديدة في سينما البلدان الأوروبية الغربية لوجدنا أن ألمانيا تعد اليوم بحق قاطرة هذه النهضة من خلال إبداعات متعددة الأطراف. وصحيح أن ثمانينات القرن الماضي شهدت إنتاج عدد من الأفلام استطاعت تبوء المراتب الأولى في حصاد المهرجانات السينمائية العالمية ومنها شريط "الطبل" الذي أخرجه فولكر شلوندورف.

نبض جديد

ولكن نهاية تسعينات القرن الماضي سجلت انحسار السينما الألمانية. ويبدو اليوم أن شريط "باي باي لينين" الألماني الذي نزل إلى الأسواق عام ألفين وثلاثة يندرج فعلاً في إطار نهضة يصنعها مخرجون موهوبون لم يكونوا معروفين من قبل. فهذا الشريط يحكي قصة أسرة تنتمي إلى ما كان يسمى "ألمانيا الشرقية". وتتغذى من حرص أفراد الأسرة على اخفاء سقوط جدار برلين في نوفمبر عام ألف وتسع مائة وتسعة وثمانين عن امرأة تنتمي إلى هذه الأسرة لسببين اثنين على الأقل أولهما أن هذه المرأة كانت منخرطة في مؤسسات النظام الشيوعي الذي أقيم في ألمانيا الشرقية بعيد الحرب العالمية الثانية وانهار بسرعة بعد انهيار جدار برلين. أما السبب الآخر الذي حمل الأسرة على اخفاء الحقيقة عن المرأة فهي أنها كانت قد خرجت من غيبوبة طويلة بعد وعكة صحية خطيرة. وكان يخشى عليها من صدمة قاتلة في حال اطلاعها على الحقيقة.

لقي هذا الشريط الذي عولجت اشكاليته بأسلوب هزلي نجاحاً كبيراً لدى الجمهور باعتبار أن عدد الذين شاهدوه في ألمانيا وحدها قارب ستة مليون مشاهد. أما في عام ألفين وأربعة فقد أحدث فيلم "السقوط" مفاجأة في ألمانيا وشاهده أربعة ملايين ونصف مليون شخص في هذا البلد. وتتغذى وقائع الفيلم من مذكرات كاتبة هتلر الخاصة. وفيها محاولة لإبراز بعض المعالم الإنسانية في شخصية صانع الحركة النازية وتلمسها عبر الجرائم التي ارتكبها بحق الإنسانية.

فيلم مميز

ويتوجه فيلم "حياة الآخرين" الذي يعرض هذه الأيام في فرنسا هذه الباقة من الأفلام الألمانية الجيدة الجديدة التي تستمد مادتها أساساً من تاريخ البلاد الحديث جداً. ويمكن القول إن مخرجه "فلوريان هنكل فون دونرسمارك" قد نجح إلى حد كبير عبر هذا الشريط في صياغة أثر سينمائي رائع يجمع بين الهزل والجد ويقرأ في نفس الوقت باعتباره فيلماً عاطفياً مميزاً وشريطاً سياسياً من الدرجة الأولى وقصة بوليسية جيدة الحبكة. بل إن مخرج الشريط وفق في التعامل مع قصة الفيلم كما لو كان مؤرخاً متخصصاً في فنون التجسس التي كان يستخدمها جهاز الأمن السياسي المعروف ب "الستازي" في ما كان يسمى "ألمانيا الشرقية".

فالشريط يسعى إلى رصد العلاقات المعقدة التي كان يقيمها هذا الجهاز مع بعض الكتاب الذين كانوا يشكلون واجهة النظام خلال فترة الحكم الشيوعي يفاخر بها ويحتاط منها في نفس الوقت فيتجسس عليها. ومما ييسر حبكة الفيلم الجديد الذي حصد جوائز كثيرة أن علاقة التجسس هذه تقحم فيها ممثلة مسرحية هي في الأصل صديقة حميمة لأحد هؤلاء الكتاب وعشيقة مكرهة لوزير الثقافة. وما يرقى بالكتابة السينمائية في فيلم "حياة الآخرين" أن الاهتمام ببعض أعوان البوليس السياسي لا يقتصر على رصد فنون التجسس فحسب بل يتجاوز ذلك إلى الدخول بشكل معمق في نفوسهم والجانب الإنساني عندهم. خلاصة القول إذن إن هذا الفيلم الذي يعد الأول بالنسبة إلى مخرجه - في صنف الأفلام الطويلة - هو أثر رائع لأسباب كثيرة منها أنه نخبوي دون أن يكون موجها للنخبة وثري إلى حد الجمع بين مختلف مواصفات أنواع الأشرطة السينمائية. ففيه - كما ذكرنا - نتلمس الأحاسيس المرهفة والحبكة البوليسية والرصد الجيد والدقيق الموثق. أضف إلى كل ذلك حوارات ركبت كأحسن ما يكون التركيب.

الرياض السعودية في 29 مارس 2007