يعرض الآن على شاشات الكويت
عرض وتحليل: عماد النويري |
صفحات خاصة
|
مع مرور الوقت وعند منتصف الفيلم بدأ الشك يتسرب الى عقلي ونفسي بأن هناك ثمة علاقة واضحة بين ما يحدث في العراق وبين الفيلم. واكتشفت تباعا ان هناك بعض الكلمات التي يتفوة بها الملك الإسبرطي وسط جنوده البواسل إنما هى نسخة طبق الأصل من تلك الكلمات التي تعود الرئيس الأميركي بوش على إطلاقها سواء في مؤتمراته الصحفية القصيرة او الطويلة او حتى في خطاب الاتحاد السنوي. تلك الكلمات الكبيرة التي تدور حول الحرية والعدالة وضرورة حماية الوطن من المخاطر التي تستهدف الحضارة التي صنعها الانسان الغربي، ومع نهاية الفيلم بدأ الشك يساورني مرة ثانية في ان الفيلم يصور معركة ثيرموبلاي التي وقعت عام 480 قبل الميلاد بين الاسبرطيين والفرس، وانما في واقع الامر فان الفيلم يصور جانبا من الحرب في العراق وربما جانبا من الحرب المتوقع وقوعها في ايران. في كل الأحوال كان علي ان اترك شكوكي جانبا حتى أستطيع الاقتراب من الفيلم الذي يتربع على قمة إيرادات شباك التذاكر الآن بشكل موضوعي ومحايد بعيدا عن التخمينات الشخصية والتأويلات الحربية والاسقاطات السياسية. بطولة دامية اختار الملك الاسبرطى ليونداس 300 من خيرة رجاله لمواجهة زحف الجيوش الفارسية للانتقام من إسبرطة حكومة وشعبا بعد ان رفض ليونيداس دعوة الفرس لكي تصبح اسبرطة خاضعة لهم. المشكلة ان ملك اسبرطة يأخذ جنوده الثلاثمائة لمحاربة الفرس من دون دعم حقيقي من البرلمان ومن رجال الدولة مما يضطر زوجته الملكة جورجو ان تطلب عقد جلسة استثنائية لمخاطبة رجال الدولة من اجل إرسال الدعم لزوجها الذي يحارب جحافل جيوش الفرس التي لا تعد ولا تحصى. تفشل محاولة الملكة بينما يكون الملك الاسبرطي قد خاض معارك بطولية دامية، وفي النهاية يسقط مضرجا بدمائه بعد ان يكون قد ابلى بلاء حسنا وحوله رجاله الشجعان. يعود أحد جنود ليونداس من المعركة ليخبر الإسبرطيين عما حدث، وتستنهض الهمم، وحشد الجيش الإسبرطي للدخول في معركة أخيرة لابد منها للدفاع عن الشرف الإسبرطي، وشرف الإمبراطورية اليونانية بشكل عام. وقائع تاريخية الفيلم 'السيناريو' اعتمد على معالجة لإحدى روايات الكاتب فرانك ميللر المصورة والتي تحكي قصة جيش من 300 محارب اسبرطي حاربوا حتى الموت لتأجيل الغزو الضخم للجيش الفارسي، مما مكن اليونانيين من إعادة تنظيم هجوم مضاد. وفرانك ميللر معروف في الاوساط السينمائية منذ السبعينات وله أعمال كثيرة جرت معالجتها سينمائيا مثل 'الرجل الوطواط' و'رونن' و'الرجل الآلي' و'مدينة الخطيئة'. ثم أخيرا '300'. الوقائع التاريخية للمعركة تشير إلى أن الجيش الفارسي مني بخسائر كبيرة في صفوفه، إلى أن دفع بالمحاربين اليونانيين إلى واد ضيق وحاصرهم بجنوده من الجبال، وأطلق عليهم ما أسماه المؤرخون ب 'أمطار السهام'، حتى قتل آخر جندي إغريقي خلال تلك المعركة. كما تقول الوقائع التاريخية أيضا أن الملك خشايارشا تمكن من احتلال اليونان سنة 480 قبل الميلاد، وأحرق قصور أثينا المعروفة باسم 'أكروبوليس'، مما دفع الإسكندر المقدوني، إلى احتلال إيران، عام 330 قبل الميلاد، حيث قام هو الآخر بحرق قصر 'جمشيد' في مدينة 'شيراز' الإيرانية. في القصة والسيناريو لا تبحث اذن عن وقائع تاريخية فالفيلم لا يتعامل مع التاريخ ووقائعه انما يستلهم حادثة ما وينسج حولها حكاية تهدف، كما جاء في بيان للشركة المنتجة 'قدمنا هذا العمل بوصفه فيلما خياليا، وهدفنا الوحيد منه إسعاد الجماهير. ومن اجل اسعاد الجماهير (كما يدعي بيان الشركة) فان كاتب السيناريو اختلق الكثير من الحكايات الفرعية واقحم في الفيلم الكثير من المخلوقات الأسطورية الغريبة وكل ذلك مشروع لإثراء الشكل الملحمي الذى اختاره كاتب السيناريو اطارا لمعالجة الأحداث، وهذا الشكل يتيح الاستعانة بالخرافة والأسطورة، كما يقدم شخصيات تملك بطولات خارقة. محطات تميز وفي الفيلم 'الفن' يمكن التوقف عند العديد من محطات التميز ويمكن الإشارة الى نجاح المخرج زاك سيندر في ادارة الممثلين وتشكيل المجموعات المحاربة ويمكن الاشارة الى اختيار التوليف المونتاجي المناسب للحفاظ على تدفق الأحداث وهناك إشارة الى الموسيقى التصويرية المعبرة التي خففت في أحيان كثيرة من قسوة المشاهد ووحشيتها. ويمكن الاشارة أيضا الى نجاح المخرج في توظيف المؤثرات الخاصة البصرية والصوتية لتكثيف الاثر التعبيري للقطات والمشاهد المختلفة، ويعني كل ذلك اننا بصدد مخرج متمكن من مفردات أدواته السينمائية الى حد كبير. وتبقى إشارة الى الأداء التمثيلي للممثلة لينا هيدي في دور الملكة جورجو وجيرارد بتلر في دور الملك ليونداس. بيان توضيحي وفي الفيلم 'السياسة' وعلى رغم احترامنا الشديد لبيان الشركة التوضيحي بأنها تقدم فيلما خياليا الهدف الأول منه هو إسعاد الجماهير فان كل الأفلام تسعى الى اسعاد الجماهير بشكل اوباخر وان اختلفت النوايا، والنوايا في '300' يبدو انها مختلفة الى حد كبير والموضوع اكبر من اسعاد الجماهير. وهنا يجب التوقف عند ردود الفعل الغاضبة بين العديد من أبناء الجالية الإيرانية في كل من أميركا وكندا ضد الفيلم باعتبار انه يشوه التاريخ الفارسي وقد وصف المستشار الثقافي للرئيس الإيراني، جواد شاماقداري، الفيلم بأنه 'يعد تعديا سافرا على التاريخ الإيراني'، وواضح ان: 'المثقفين الأميركيين يظنون أنهم سيحصلون على الصفاء النفسي، بعد انتقامهم من إيران بتشويه حضارتها'. كما وصفت صحيفة 'أياندي نو' الإيرانية، الفيلم بأنه 'إعلان حرب هوليوودية على إيران'، وقالت: 'إن الفيلم يظهر للعالم كيف ترى أميركا إيران مصدر الشر في التاريخ كله، وليس اليوم فقط'. وأضافت الصحيفة قولها: 'لا أحد يمكنه إنكار أن الملك وروش خشايارشا، مؤسس الإمبراطورية الفارسية، هو أول من سطر مبادئ حقوق الإنسان، بعدما حرر مئات الآلاف من اليهود عام 539 قبل الميلاد، من العبودية في مدينة بابل'. إلا أن شركة 'وارنر' المنتجة للفيلم، نفت مرة اخرى أن يكون الفيلم له أبعاد سياسية تتعلق بمعاداة إيران، بسبب إصرارها على المضي قدما في برنامجها النووي. في الفيلم 'السياسة' هناك جدل قائم اذن بين الشركة المنتجة وبعض الجهات الإيرانية الغاضبة من صور الفرس القديمة كما جاءت في الفيلم. ولا يعنينا كل ذلك في شيء انما يعنينا القول ان الفيلم وكعادة الكثير من افلام هوليوود المغرضة يصور الإسبرطي كرجل حضاري وشجاع وكريم وشريف، بينما الآخر الذى يأتي غازيا هو رجل يفتقد اللياقة والأدب، وهو في أعماقه رجل همجي وبربري 'لاحظ هنا ان وصف الأعداء بالبرابرة قد تكرر اكثر من مرة في الفيلم'. وفي الفيلم 'السياسة' يمكن التوقف عند العديد من الإشارات المختبئة في أعماق الصور والتي تؤكد النظرة الدونية إلى الآخر الذي يرغب لأنه همجي وبربري في هدم حضارة الأوروبي المتحضر. وفي الفيلم 'السياسة' كنت على وشك الإحساس بأن الفيلم قد صنع في البنتاغون بإيعاز من الرئيس الأميركي كنوع من الدفاع عن سياساته في العراق وربما التمهيد لسياسات جديدة من المتوقع رسم خيوطها وخطوطها قريبا في إيران. يمكنك ان تشاهد الفيلم وان تقضي وقتا ممتعا في متابعة المعارك والصور. لكن عليك الانتباه قليلا والتأمل كثيرا في الكلمات والمعاني والنوايا الخبيثة. القبس الكويتية في 27 مارس 2007
|