سينماتك

 

تماهى فورست ويتكر مع عيدي أمين فاستحق الاوسكار...

«آخر ملوك اسكتلندا» ينتصر للفن السابع على حساب السياسة

لندن – غالية قباني

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

لا شك في أن كثراً، ارتاحوا لفوز فورست ويتكر باوسكار احسن ممثل لهذا العام عن دوره في فيلم «آخر ملوك اسكتلندا»، على رغم وجود آخرين يستحقونها أيضاً مثل الممثل المخضرم بيتر اوتول الذي رشح لها ثمان مرات ولم يفز بها. فهذا الشاب الاسود القادم الى هوليوود من اطراف تكساس التي كان فيها مجرد لاعب كرة قدم هاو، ابدع في دوره وأثبت انه ممثل قدير وان تصويره لشخصية عيدي أمين رئيس اوغندا السابق المخلوع كان قمة انجازه الفني حتى الآن. الا ان اداءه ليس هو العنصر الوحيد لنجاح الفيلم الذي قدم درساً في العلاقة مع أي طاغية. انه فيلم يستحق المشاهدة لم تطغ فيه السياسة على الفن.

يفتتح الفيلم بنيكولاس كاريغان، طالب كلية الطب الاسكتلندي، الذي تخرج لتوه ويقرر ان يذهب الى بلد افريقي ليعمل فيه فترة من الزمن قبل ان يستقر في بلاده، فيتفق مع طبيب بريطاني يعمل في اوغندا هو وزوجته ان يلتحق بهما. وبعد وصوله بقليل، يتضح انه لم يأت لأهداف انسانية ولمساعدة الشعب الذي يعاني الجوع والمرض والفقر. لقد جاء ليتخلص من رتابة الحياة بين عائلته الاسكتلندية باحثاً عن المغامرة بأنواعها، ومن بينها العلاقة مع النساء. لذا عندما تأتيه الفرصة ليكون طبيب عيدي أمين يقع في غواية مزايا السلطة، الى ان يقع في هوى احدى زوجاته هذه المرة، وهنا يكون مقتله. يتعرض للتعذيب الذي كان ينكره او يغض النظر عنه عندما كان يدافع عن طاغية لم يرحم معارضيه الى حد انه راح يرمي بهم الى افواه التماسيح، حتى وصل عدد ضحاياه خلال فترة حكمه التي امتدت على سنوات السبعينات، الى ما يقارب 300 ألف شخص.

انتهازية

يقدم الفيلم بعض الاشارات لانتهازية هذا الشاب وطبيعة دوره، من ذلك محاولته اقامة علاقة مع زوجة الطبيب البريطاني الذي وافق على ضمه الى فريق عمله، لولا انها ترفضه معتزة بزوجها وبالدور الانساني الذي يقوم به في التجمعات الفقيرة. وقد شكل وجود هذين الزوجين في الفيلم معادلاً ايجابياً للدور البريطاني الرسمي السلبي، اشارة الى المنظمات الخيرية في افريقيا. اما كارغان فاختار دوراً قذراً كطبيب لدكتاتور يعامل شعبه بوحشية ويكتفي بالحياد وتجاهل الحقيقة كي لا يخسر مكتسباته. في أحد المشاهد المعبرة على طبيعة دوره مع عيدي أمين، يطلب رجال الرئيس من كاريغان في ساعة متأخرة ان يأتي الى القصر بسرعة لأن القائد يعاني آلاماً في البطن. وبعد ان يفحصه ويكتشف ان المشكلة في جهازه الهضمي الذي لا يكف عن الاكل، يمسكه من ظهره ويضغط بعصا على اسفل بطنه لتبدأ الغازات المحبوسة في امعاء الدكتاتور بالخروج.

وفي مقابل انتهازية الطبيب هناك تدخل الحكومة البريطانية واستخباراتها في هذا البلد النامي الذي لا يهمهما فيه مدى وحشية السلطة تجاه هذا الشعب، بل تعتبران أنه «لا يفهم غير تلك اللغة». وهما بعد ان ساعدتا الدكتاتور في انقلابه العسكري ثم بدأ يتكبر عليهما واضعاً لنفسه اجندته الخاصة، ارادتا ان تتخلصا منه بأن اوحتا للطبيب كارغان بصفته مقرباً منه، ان يغتاله، مقابل مساعدته على الخروج من البلاد. وكان كاريغان بدأ يتململ من وجوده في اوغندا ومن معاملة الدكتاتور العسكري له، واكتشف انه من السهل الدخول الى مستنقع السلطة لكنه من الصعب الخروج منه. يرفض كاريغان عرض الخيانة السياسية ثم يعود ويقتنع بها عندما تقترب وحشية الدكتاتور منه شخصياً ويرى جثة حبيبته التي هي زوجة امين الشابة، وقد قطعت اوصالها، وجاء دوره ليغتالوه. غير ان الحس الامني الشديد لدى معاوني امين يكشف حقيقة علبة الدواء المقترحة للدكتاتور فتبدأ طقوس تعذيبه، وينجو من الموت بمساعدة طبيب اوغندي ضمه خفية الى الرهائن الذين افرج عنهم في عملية «عينتيبي» الشهيرة التي اختطف فيها فلسطينيون طائرة اسرائيلية. لقد عاش كاريغان ليحكي ما كان يتجاهله.

اعترض بعض الاوغنديين على الفيلم «لانه لا يطابق واقعهم تماماً في تفاصيله»، وان الفيلم «ادخل تفاصيل على حياة عيدي أمين غير صحيحة». غير انه موقف مردود، فليس من مهمة الادب والفن استنساخ الواقع كما هو حرفيا، بل استلهام روحه وزمنه. فيلم «آخر ملوك اسكتلندا» ليس عن تاريخ اوغندا تماماً وانما هو محاولة لنسج التاريخي بالمتخيل وتقديم نموذج لواقع أفريقيا المستغلة من الغرب والمحكومة بأكثر من دكتاتور.

في هذا المعنى الفيلم ليس سيرة ذاتية عن عيدي أمين بل استعراض لشخصيته التي تتشابه مع شخصيات طغاة آخرين بشروط نشوئها. فهي تبدأ على الاغلب من عسكري او شخص مدعوم من العسكر، عانى الحرمان في طفولته، يفقد توازنه عندما يتحكم بالبلاد فيرفض ان يشاركه فيها أحد، ويعيش البذخ في القصور والسيارات الفارهة على حساب شعبه. وعادة لا يكتفي بامرأة واحدة على المستوى العاطفي، تماماً مثلما يفعل مع مقتنياته الاخرى. انه شخص يبحث عن الاضواء ولفت الانتباه فيضل طريقه الى السلطة، فكل ما يفعله يلفت الانتباه اليه. وهكذا كان عيدي أمين مهرجاً في المؤتمرات الصحافية التي يحضرها صحافيون اجانب يضحكهم ويسليهم بنكاته. يقول الروائي غايلز فودن صاحب الرواية الاصلية التي اخذ عنها السيناريو: «اثناء انجازي المادة البحثية للكتاب اكتشفت ان عيدي أمين كان يهوى العزف على الاوكورديون في شبابه امام صحبه، وأنه مثل مرة في فيلم يدعى (زينغا) شخصية رجل متعطش للدماء!». أمين انتقل بالتمثيل والاداء الى مسرح الواقع وراح يلفت الانتباه بأناه المتضخمة، بمظهره المبالغ به وبالاوسمة الكثيرة التي يتوزع بريقها على بدلاته. الغريب ان هذا الرئيس الافريقي كان احياناً يرتدي التنورة الاسكتلندية وهي من الملابس التقليدية للاسكتلنديين الذين كان معجباً بشجاعتهم ولذا احب الطبيب الشاب.

تتويج الاداء

فاق أداء فورست ويتكر في هذا الفيلم كل التوقعات وهو يتماهى مع شخصية الدكتاتور سيكولوجياً وجسدياً، تعلم اللغة السواحلية وكان في خارج اوقات التصوير يترك كادر العمل ويختلط مع السكان المحليين بمن فيهم الاخ السابق لعيدي أمين. تلبسته الشخصية بصورة مخيفة حتى في فترات الاستراحة، كما يشير زملاؤه. وتقول الممثلة التي ادت دور الزوجة كاي أمين، «لقد كان احياناً يبدو مخيفاً يحدثنا بصوت ولكنة عيدي أمين». كانت تتساءل وقتها ما اذا كان ويتكر سيستطيع الخروج من الشخصية والعودة الى طبيعته الاصلية بسهولة بعد انتهاء تصوير الفيلم.

فوز هذا الممثل بالاوسكار تشجيع للممثلين السود او الاميركيين من اصول افريقية، اذ نادراً ما يحظى السود بجوائز الاوسكار المحسوبة للبيض في غالبيتها، على رغم تحسن الاوضاع في الألفية الجديدة اذ فاز بها ممثلان وممثلة بالاضافة الى اوسكار هذا العام الذي حصلت فيه ايضا جنيفر هدسن على جائزة احسن ممثلة في دور ثان عن فيلم «دريم غيرلز». وكان سيدني بواتييه اول ممثل اسود يفوز بالاوسكار عام 1963 عن دوره في فيلم «زنابق الحقول».

حصل ويتكر على جوائز اخرى عن ادائه في هذا الفيلم من بينها (غولدن غلوب)، و(البافتا) التي منحت للفيلم نفسه جائزة افضل انتاج بريطاني وافضل سيناريو مقتبس. لفت فورست ويتكر الانظار اليه فترة الثمانينات في ادوار مميزة مثل «اللعبة الضاحكة» للمخرج الايرلندي نيل، و «لون المال» لمارتن سكورسيزي، و «بلاتون» و «صباح الخير فيتنام»، اضافة الى بعض الاعمال التلفزيونية الملحمية.

بناء الفيلم محكم يشد المتفرج للمتابعة مدة ساعتين من غير ملل. السيناريو المتقن نفذه جيرمي بروك وبيتر مورغان اللذان اضافا تفاصيل اخرى الى الفيلم، الامر الذي اسعد صاحب الرواية وتمنى لو انه فكر فيها اثناء الكتابة. اما اخراجياً، فلم تهمل تفاصيل صغيرة اطلقت الحياة والحيوية في بيئة اوغندا المفترضة فترة السبعينات، اضافة الى الاهتمام بما يجري داخل المشهد. ونقلت اللقطات القريبة الكثيرة لعيدي أمين بعينيه المراوغتين وقسمات وجهه الغاضبة، عدوى خوف الطاغية الى الجمهور. وكانت الموسيقى التصويرية مواكبة لاجواء الفيلم باستيحائها ألحان وأغان من الفنون المحلية. ولم يفوت التصوير والاضاءة فرصة اظهار جمال طبيعة اوغندا ذات الالوان الخلابة، الجبال وبحيرة فيكتوريا الشهيرة والريف العذري، فدعم ذلك امل الاوغنديين في ان يضع الفيلم بلادهم على خريطة الاهتمام في العالم، مثلما فعل فيلم (خارج افريقيا) مع كينيا حيث صور في ثمانينات القرن الماضي. ان قدوم السياح الغربيين الى اوغندا او تصوير الافلام فيها سيحرك اقتصاد البلاد ويشغل الايدي العاملة، وربما في هذا بعض العزاء لشعب لم يتحمس كثيراً للفيلم الحالي لانه اراد ان يرى تاريخه مفصلاً على الشاشة الفضية.

كيفن ماكدونالد مخرج هذا الفيلم يملك رصيداً في الافلام التسجيلية المتميزة، وهذا هو عمله الاول في مجال السينما الروائية المقتبس من الرواية الصادرة عام 1998 وتحمل عنوان الفيلم نفسه وحصلت على جوائز. وتتناول روايته الثانية «ليدي سميث» حرب البوير في جنوب أفريقيا أواخر القرن التاسع عشر. اما روايته الثالثة «نرانزبار» (2002) فتجري احداثها في شرق افريقيا مع تفجير السفارة الاميركية عام 1998، وتمضي روايته الرابعة في المسار نفسه نحو افريقيا وهي بعنوان «معركة من اجل بحيرة تنجانيقا» (2004).

الحياة اللندنية في 23 مارس 2007