سينماتك

 

الأكاديمية الأمريكية تعترف أخيرا بموهبة سكورسيزي

نرجس الغاوى

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

حصل المخرج الأمريكي، الصقلى الأصل، مارتين سكورسيزى أخيرا على التتويج الذى كان يستحقه وظل ينتظره منذ سنين. والى حد بعيد كانت حفلة الأوسكار ليلة الأحد 25 فبراير-شباط الماضى ليلته. فالكثير ممن فازوا بجوائز الأوسكار على امتداد العشرين عاما الماضية على الأقل، كانوا يعرفون ان سكورسيزى واحد من أفضل مستحقيها. ولكن الأعوام ظلت تمر دون جدوى، وانطوى بعضها على الكثير مما يثير الاستغراب عندما فاز مخرجون ناشئون عن أعمال ليست أفضل بالضرورة من الأعمال التى قدمها سكورسيزي، "على الأقل من وجهة نظر محبى أعماله". ولكن أكاديمية الفنون والعلوم السينيمائية الأمريكية اعترفت بمهارة سكورسيزى أخيرا، مانحة إياه جائزة أفضل مخرج عن فيلمه الأخير "ذى ديبارتد" "الراحل" الذى فاز أيضا بثلاث جوائز أخرى، وهي: جائزة "أفضل فيلم"، وجائزة "أفضل سيناريو مقتبس" وجائزة "أفضل مونتاج". وأخذ بذلك سكورسيزى وفيلمه صدارة الأوسكار فى هذا العام.

تأثر سكورسيزى كثيرا بهذه الجائزة التى طال انتظارها قائلا: "لقد تمنى لى الكثير من الناس هذا الفوز طوال هذه السنوات. أسير فى الشارع والناس يقولون لى يجب أن تفوز". ولكنه أضاف أيضا إنه لا يخرج الأفلام من أجل الجوائز. وعلى كل حال، فقد كان هذا المخرج البارع والبالغ من العمر 64 سنة، حصل على مدى السنوات على اعتراف الملايين من الناس، وربما كان هذا الاعتراف هو جائزته الأكثر أهمية.

وحكاية سكورسيزى مع جائزة الأوسكار مليئة بالخيبة والأوهام، فهى فى كل مرة تضل طريقها إليه لينالها آخرون. ولقد رُشح المخرج خمس مرات: "راجينج بول" "1980-الثور الهائج"، وذهبت الجائزة لفيلم "أناس عاديون" لروبيرت ريدفورد؛ ـ "ذى لاست تنتايشن أوف كريست" "1988 - الإغواء الأخير للمسيح"، وذهبت لفيلم "رجل المطر" لبارى ليفنسون؛ ـ "ذى غود فيلاس" "1990 - الرفاق الطيبون"، وذهبت لفيلم "الرقص مع الذئاب" لكيفن كوستنر؛ - "جانج أوف نيويورك" "عصابات نيويورك 2002"، وذهبت لرومان بولونسكى وفيلمه "البيانو" عن محرقة اليهود؛ - "ذى أفيايتور" "الطيار 2004"، ذهبت إلى فيلم كلينت إيستوود "طفل المليون دولار".

مع ذلك، ثمة جوائز أوسكار ينبغى أن تحسب لصالح سكورسيزى وهى التى فاز بها أبطال أفلامه وبعض العاملين معه. فالممثلة إيلين بريستين حصلت على جائزة أفضل ممثلة فى فيلم "لم تعد آليس تعيش هنا بعد الآن" عام 1975. وحصل روبرت دى نيرو على جائزة أفضل ممثل فى فيلم "الثور الهائج". أما ليوناردو دى كابريو فقد حصل على جائزة أفضل ممثل فى فيلم "الطيار"، بينما فازت ثيلما سكونميكر بجائزة أفضل مونتاج ثلاث مرات للأفلام "راجينج بول" و"ذى أفيايتور" و"ذى ديبارتد".

وقالت ثيلما سكونميكر: "لقد حصلتُ على جائزة أوسكار عام 1980 عن أفضل مونتاج فى فيلمه "راجينج بول" "الثور الهائج" وكان ذلك عن تقطيع لقطات مشهد الملاكمة، لكنك لو أردت الحقيقة فلن تصدق أن تقطيع اللقطات تلك كان قد رسمها مارتين بدقة على الورق قبيل التصوير، حجم كل لقطة، طولها وتسلسلها...إلخ. بكلمة أخرى، كان تقطيع المشهد هو نتاج لمخيلة المخرج نفسه، إنها فكرته وليست فكرتي. أما دورى فهو فقط أن أحسّن تلك اللقطات بالارتباط مع الإيقاع الموسيقى والبصري. الحقيقة أن مارتى هو الذى ابتكر ذلك ولست أنا، ومع ذلك، فأنا من كسب الجائزة فى النهاية وليس هو!

يمتلك مارتن أولاً، رؤية بصرية عامة للفيلم الذى يعمله، ومن بعد تأتى التفاصيل، أى الإيقاع، نوع وحركات الكاميرا التى ينشدها، اختيار طاقم التمثيل. إلخ. وبسبب كونه فنى مونتاج فى الأصل، فإن مونتاج أفلامه متضمن داخل لقطات الفيلم نفسها.

لم يكن سكورسيزى مخرجاً سينمائياً فحسب إنما كان كاتب سيناريو ومنتجاً، معلقاً سينمائياً ومونتيراً، وبين الحين والآخر ممثلاً، أما فى صباه فقد كان يحلم أن يصبح راهباً! وتمتد مهنة سكورسيزي، كمخرج سينمائى إلى نحو أربعة عقود أو أكثر، صنع فيها أيقونات كلاسيكية ـ معاصرة أمثال "تاكسى درايفر" "سائق التاكسي"، و "ذى غود فيلاس" "الرفاق الطيبون"، و"ذى لاست تنتايشن أوف كريست" "الإغواء الأخير للمسيح"، إلى جانب "راجينج بول".

ومن بين القضايا التى عالجها سكورسيزى فى أفلامه، هى الجوانب المعتمة من حياة المهاجرين الصقليين الذين قدموا إلى أمريكا فى العقد الثانى من القرن الماضي. وهى شخصيات غارقة فى إحساس دائم بالإثم الكاثوليكي. أناس حالمون بالسلطة، مهووسون بالمال والعنف، رجال مثيرون للمتاعب، يعذبون أنفسهم بنفس القدر الذى يعذبون فيه من حولهم. ويتعامل سكورسيزى باستمرار مع أشخاص كهؤلاء، يعانون دائماً من أزمات حادة بسبب طموحاتهم المشروعة أو غير المشروعة لتحقيق ما يحلمون به.

وما يشكل أيضا مهارة هذا المخرج هو أذنه الموسيقية الحادة. فهو يعشق الموسيقى، من البوب، إلى الروك، فالأوبرا، والموسيقى الكلاسيكية.

ويبحث دائماً عن اللحظة التى يمكن فيها للموسيقى والمشهد السينمائي، أن يغيّرا معاً من البنية الطبيعية للفكرة "حسب قول ثيلما سكونميكر".

ومن المشاهد الشهيرة التى تبرز هذه الفكرة، هو مشهد احتراق السيارة التى تنفجر فى فيلم "كازينو"، اختار لها موسيقى تمزج من فضاءات فيل سبيكتور وفيردي. أما موسيقى فيلم "الشوارع القذرة"، فهى مستوحاة من تلك التى كان يسمعها دائماً تتعالى من نوافذ البيوت المجاورة فى الحى الذى كان يعيش فيه.

وقالت ثيلما سكونميكر التى قامت بمونتاج جل أفلامه تقريباً: "الشيء المميز عند مارتين أنه يحمل فى خزانة ذاكرته قطعاً موسيقية كان سمعها منذ ثلاثة أو أربعة عقود مضت، وهو يتذكرها بدقة وحساسية الموسيقى تماماً، ويعرف كيف يوظفها فى الفيلم، بل لا أبالغ إن قلت أنه كان يعرف أين يضعها بالتحديد فى كل مفصل من مفاصل الفيلم.

إنه يمتلك ذاكرة قوية جداً، ذاكرة فوتوغرافية إذا جاز لى القول، فهو يتذكر القطعة ومتى سمعها".

أما أسلوبه البصرى فيمكن متابعته من خلال الحركة المتواصلة لكاميرته، وهى حركة متوترة وعصبية، تعكس حياة المدينة. تلك العناصر واضحة بشكل تفصيلى فى "سائق التاكسي" الذى حاز على جائزة كان الذهبية فى سنة 1976، وهو يصور شخصا عائدا من حرب فيتنام، مصاب بمرض الهذيان. فى هذا الفيلم يدين سكورسيزى الحرب أولاً، ثم يسلط الضوء، بشكل متقد ومقلق على الجانب القذر والمتعب لحياة المدينة. مرة أخرى يجرى التشديد هنا على الشخصية التى جسدها روبرت دى نيرو، والتى تعكس رؤية المخرج لكآبة وعصبية المجتمع المديني.

وعلى الرغم من الواقعية الصارخة لأفلامه أحياناً، إلا أنها تتحدث بالمجازات والرموز وتتفجر بالإيحاءات الحسية المجردة. كل شيء يمتلك مغزى فى أفلامه، حتى الطريقة التى تدخل فيها الشخصية إلى إطار اللقطة. وهذا يرجع بلا شك إلى علاقة سكورسيزى الوطيدة بأفلامه، فهو يكره الأفلام التجارية ويقول: "الشيء الأول الذى تحتاجه لعمل فيلم، هو أن تسأل نفسك : هل لديّ شيء ذو أهمية أريد قوله!؟

يعتقد المخرج أن مهمة مخرج الفيلم هى أن يحكى قصة يريد أن يرويها لنا، وهذا يعنى أن عليه معرفة الموضوع الذى يتحدث عنه. وينبغى عليه، فى الأقل، أن يعرف نوعية المشاعر والأحاسيس التى يسعى لتوصيلها إلى المتفرج. هذا لا يعنى أنه لا يستطيع أن يستكشف ويسبر غور الأشياء، بل بإمكانه أن يقوم بذلك، لكن، فقط ضمن السياق الذى تظهر فيه القصة.

ففى فيلم "سن البراءة" مثلا، يقول المخرج أنه تناول فيه المشاعر التى كان يعرفها ويدركها عن قرب، إلا أنه وضعها فى محيط آخر، أى فى فضاء الفكرة، والعالم الذى كان يسعى إلى سبر أغواره، وهكذا قام بتحليل تلك المشاعر بطريقة أنثروبولوجية كى يرى كيف يمكن لإكسسوارات ذلك المجتمع على سبيل المثال أن تؤثر على تلك المشاعر "الإكسسوارات التى استخدمت فى ذلك الفيلم كانت عبارة عن زهور مُعـدة وآنية خزفية صينية، إلى جانب لغة الجسد الشكلية، تلك التى تعكس سلوك حاملها"، التى هى حسب ظنه مشاعر كونية فى سياق التجربة الإنسانية، ويعنى بها الشوق والأمانى أو جميع الرغبات غير المحققة. وهكذا يتناول كل ذلك ويضعه فى قدر ضغط ذلك المجتمع المعين.

وقال سكورسيزى فى مهرجان مراكش السينمائى الأخير، انه يستعد للتحضير لتصوير فيلم "صمت" الذى يحكى قصة مهاجرين برتغاليين رحلوا إلى اليابان فى القرن السابع لنشر المسيحية هناك، وهى فكرة كانت قد راودته منذ ما يقرب العقد من الزمن، إلا أن "عصابات نيويورك" أرجأتها. كما صرح أنه يحاول العزوف عن إخراج الأفلام الروائية، لرغبته فى العودة ثانية لإخراج الأفلام الوثائقية بسبب تقدمه فى السنّ.

فوز سكورسيزى على جائزة "أفضل مخرج" ليست، على أى حال، بحجم فوزه بقلوب كل الذين عشقوا أفلامه. وهو يعتبر ذلك أكبر نجاح فى حياته.

وهناك الكثير ممن لم يحصلوا على جوائز لكنهم بقوا خالدين بأعمالهم فى قلوب الناس ومنهم شارلى شابلن، وهاورد هوكس، وأورسن ويلز، والفريد هيتشكوك وسدنى لوميت، ومن قبلهم غريفيث صاحب الملحمة العظيمة "مولد أمة". هؤلاء هم الذين خلقوا أسطورة هوليوود، ولكنهم غادروا من دون أن تعثر الأوسكار على طريقهم!

العرب أنلاين في 6 مارس 2007