شعار الموقع (Our Logo)

 

 

تتقاطع تجربة الكاتب البحريني عيسي الحمر، بين الكتابة المسرحية والدرامية في أعمال تلفزيونية وإذاعية شكلت منعطفا هاما في تطور الأعمال الدرامية البحرينية، وحققت من خلالها حضور عربي عبر فوزها بالعديد من الجوائز، بل أن أعمال عيسي الحمر أصبحت ورقة رابحة لهيئة الإذاعة والتلفزيون لإنجازاتها الإبداعية في مهرجان القاهرة الدولي للإذاعة والتلفزيون، وكذلك مهرجان تونس للإذاعة والتلفزيون، ومهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون والذي تنظمه البحرين سنوياً. ورغم اهتمامه بالكتابة الدرامية، إلا أن تجربته الإبداعية لم تتخل عن إرهاصاتها الأولي حين أنطلق مع بدايات تأسيس أسرة الأدباء والكتاب ككاتب قصة قصيرة فازت في مسابقات الأسرة، ومازال يكتبها وله رواية مخطوطة ومجموعة قصصية لم تطبع حتى الآن. حول تجربة عيسي الحمر في الكتابة الدرامية، التي يشكل أحد أعمدتها الهامة جاء هذا اللقاء ليطوف بهموم الكتابة للإذاعة والتلفزيون. 

  • هل يمكن لنا إن نقول باطمئنان الآن، إن لدينا دراما بحرينية، وهل استطاعت هذه الدراما أن تقدم قراءة فنية دقيقة للمجتمع البحريني؟ وإلي أي مدي نجحت في ذلك؟

ليس هناك يقين. عناصر الدراما موجودة علي الساحة المحلية وأثبتت حضورا متميزا. ولكن المشكلة إن الدراما لا تلقي الاعتراف من الجهات المسئولة عن الفن والثقافة. لازال البعض يعتبر الدراما التليفزيونية أداة ترفيه لا ترقي إلي مصاف الفنون الأخرى لذلك فحضورها حضورا هامشيا لا يؤثر علي خارطة الفعاليات والأنشطة التي تدار من قبل الجهات المسئولة ويكفي استعراض البرامج والفعاليات التي تقام سنويا لنكتشف الغياب التام للدراما من ذهن راسمي خطي الثقافة والفنون في المملكة. فلن تجد ندوة أو فعالية واحدة لها علاقة بالدراما التليفزيونية. ولأن إنتاج الدراما مرتبط بهيئة الإذاعة والتليفزيون ـ وهي الجهة الوحيدة التي تقوم علي تمويل وإنتاج الأعمال الدرامية ـ وبالتالي فقد أصبح الإنتاج مرتهناً للقرارات البيروقراطية التي يحكمها المزاج في اغلب الأحيان. فيقولون لك مثلا: هذا العام نريد عملا كوميديا فيجند المسئولون أنفسهم لتلبية هذه الرغبة ويكون ذلك علي حساب نوعية العمل والأمثلة كثيرة. أو يقولون هذا العام نريد عملا تراثيا ـ حسب المفاهيم الخاطئة المتداولة في الوسط الفني ـ فتدور عجلة الإنتاج لإنجاز عمل تراثي. لذلك تأتي الأعمال تلبية لقرارات البيروقراطية وليست نابعة من السيرورة الفنية أو رصد الواقع الاجتماعي للمجتمع وحركة تطوره وما يصاحب هذا التطور من إشكاليات ورؤي.
هذه هي حال الدراما. رغم ذلك فلا يمكننا إلا الإشادة بجهود هيئة الإذاعة والتليفزيون في هذا المجال خصوصا وان إنتاج الدراما عملية مكلفة ماديا وأحيانا لا تعود بمرود يعوض الاستثمار المادي إلا ان له مردود أدبي وفني كبير جعل البحرين تتبؤ مكانة مرموقة في المهرجانات العربية واصبح العديد من الفنانين البحرينيين أسماء معروفة ومطلوبة وذلك بفضل الاعمال الجيدة التي استطاعت ان تحقق وجودها ليس علي الساحة المحلية فقط ولكن علي الساحة الخليجية والعربية. رغم أنها لا تقدم ـ في معظم الأحوال ـ قراءة دقيقة للمجتمع البحريني. ولكن ما حققته الدراما طوال السنوات العشر الماضية إنجاز لا يمكن أتكاره سواء علي مستوي صياغة النص او المستوي الفني لتنفيذ هذه الاعمال. ولكن يبقي عدد هذه الاعمال دون الطموح. ويبقي قاصرا عن استيعاب قدرات الطاقات الابداعية والعناصر الفنية المحلية ومكلفة ماديا. وتبقي الدراما التليفزيونية رهينة الرغبة الصادقة ومدي الجدية في تطوير هذا الفن وتكريسه كعنصر من عناصر الابداع الفني والثقافة.

انتاج الدراما التليفزيونية لدينا لازال انتاجا موسميا مرتبطاً بشهر رمضان، اما بقية ايام السنة فيغيب ذكر الدراما التليفزيونية تماما. لذلك فأن الاعمال الدرامية في معظمها تبقي تطفو علي السطح ولا تغوص في عمق العلاقات والدوافع الحقيقة التي تحكم سيرورة المجتمع وتأثر في تكوين العلاقات الاجتماعية بل انها تنسخ بعضها البعض وتطرح قضايا مفتعلة لانها عاجزة عن تحليل وتفكيك الدوافع وقاصرة عن الرؤية والتنبؤ وقراءة الاتي.

  • تشكل تجربتك مع تجربة الكاتب راشد الجودر قطبي التأليف الدرامي الذي نجح في تقديم الواقع البحريني المعاصر واقعا وقضايا؟ كيف تنظر للعملية التأليف الدرامي في تجربتك؟

 كانت بدايتي مع الدراما التليفزيونية متقدمة علي عملية الإنتاج في تليفزيون البحرين. كتبت مسلسلا تمت سرقته بالكامل من قبل صاحب مؤسسة إنتاج ونسبه لنفسه وتم تنفيذه في دولة خليجية وحصل العمل علي جائزة تفوق في أحد المهرجانات العربية. بعدها كتبت إحدي أول تمثيليتين شارك بهما تليفزيون البحرين في مهرجان الخليج للتليفزيون في دولة الكويت وهي سهرة (فجر يوم آخر). وكانت تحكي معاناة صبي يعمل في غسيل السيارات بعد ان أصيب والده في حادث. الموضوع كان جديدا علي الدراما الخليجية ورغم الاثر الطيب الذي تركه العمل إلا ان المحكمين لم يستطيعوا تقبل فكرة ان يكون هناك اطفال في دولة نفطية تدفعهم الحاجة لغسيل السيارات بل واعتبروا ذلك مبالغة فنية غير موفقة. كان ذلك في عام .1983 ولكن في الاعوام التالية زاد الصبية الذين يغسلون السيارات وزاد الشباب الذين يبحثون عن العمل ويقومون بالكثير من الاعمال الاخري في سبيل كسب قوت يومهم. في رمضان عام (2001) تم بث مسلسل (أخوة الشر) وكنت كتبت العمل وتم انجازه قبل احداث 11 سبتمبر وكان يتحدث عن التطرف الديني ويتنبأ بالصدام بين أيديولوجيتين نمطيتيين لا يمكن ان يلتقيا. وجاء عرض المسلسل بعد اقل من شهرين علي وقوع احداث سبتمبر فثأرت ثائرات بعض رجال الدين واعتبروا المسلسل هجوما علي الدين والعقيدة طالبوا بوقف بث المسلسل فورا. كانت هجمة شرسة لم تشهد لها الساحة الفنية مثيلا وصلت الي الدعوة لمحاكمة مؤلف العمل ومخرجه والبعض دعا لإصدار فتوي شرعية بحقهم. وكادت الضجة المفتعلة ان تؤدي لوقف عرض العمل في التليفزيون إلا أنها جاءت في توقيت غير مناسب، فقد كانت البلاد تشهد عهد جديد من الانفراج السياسي والانفتاح وحرية التعبير وسيمثل وقف بثّ المسلسل مؤشر سلبي في غير صالحها. الان تبحث بعض المحطات المعروفة عرض العمل لانه يدعو للتسامح ونبذ فكر التطرف. في (ليل البنادر) حاولت نقل معاناة البحارة وما لاقوه من عنت وصلف ممولي سفن الغوص والمسيطرين علي وسائل الإنتاج من خلال العديد من الحكايات التي رواها والدي. كذلك حاولت نقل الكثير من الصور العالقة في ذهني من ايام الطفولة. في (آخر الرجال) حاولت تصوير شخصيات المدينة العصرية بعد التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة وحالة المناضل المنعزل الذي لم يعد قادرا حتي علي مواجهة زوجته بعد انهيار أحلامه وانشغال أصحابه بلقمة العيش في زمن غابت فيه الحرية وشاعت ثقافة الخوف. في (ظل الغريب) ـ وهو مسلسل لم ينفذ بعد ـ تجتاز الحكاية حدود الزمن وتقترب من أرخبيل أسطوري وأجواء ملحمية حتي يتحقق التماهي بين الواقع والأسطورة. ويلعب المكان دورا بارزا في تحقيق التواصل بين جيلين وزمنيين من أبناء النبوءة. اما (ملاذ الطير) فيقدم حكاية معاصرة أخري تدخل في صلب التغييرات والإصلاحات السياسية التي تشهدها المملكة في عهد جلالة الملك، ونتابع من خلال المسلسل إحدي شخصيات الفساد المالي والإداري بعد ان سقطت عنها ورقة التوت ودفع بها خارج اللعبة.

شخصية هي عبارة عن حصان سباق. او ورقة لعب فقدت قيمتها ولا بد من الخلاص منها عسي أن تستمر اللعبة. (ملاذ الطير) يقول صراحة ان الكبار باقون وان التطهير الإصلاحي والتخلص من بؤر الفساد لم يطل سوي الواجهات وهي أدوات التنفيذ التي يمكن أن تستبدل في وقت قصير لتكّر السبحة من جديد. في مسلسل (دروب لا تنسي) وهو المسلسل التليفزيوني الذي اعمل علي كتابته حاليا أعود لفترة السبعينيات واحاول ان أتعرض من خلال الحكاية والشخصيات الي جزء من النسيج الاجتماعي بهمومه ومعاناته وإحباطاته التي فرضها واقع تلك الفترة وهي فترة غنية بالتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المهمة التي أثرت بشكل عميق في الواقع وفي العلاقات وانعكس ذلك التأثير حتي الوقت المعاصر.

لا ادري كيف يمكن تفصيل النظر لعملية التأليف الدرامي، ولكن ان تصبح معايشة العمل الدرامي بشخوصه وتفاصيله وأحداثه هو يومك المعاش. وان تكون شخصيات نصك هي من تعرف من الناس. هي من تتحدث إليه فيفهمك. هي من لا تخجل ولا ترتبك من البوح إليه بأسرارك. هي من لا تشعر بغربتك وأنت في حضرته. هي من تلجأ إليه حالما يضيق العالم من حولك وتضجر من التفاهات التي تفرض نفسها عليك. هي من تواسيك بلمسة حنونة عندما تفتقد الحب. أن ينقطع اتصالك بالعالم ويصبح النص هو عالمك. ان تنعزل وتتفكك أواصرك مع الآخرين حتي مع أفراد أسرتك وتصبح شخوص النص هي من تعرف. هي من تتحدث اليه. هي من تحنّ اليه وتتلهف علي ملاقاته, هي من يسرّ إليك بمعاناته.

أشعر أن التصاقي بالدراما يزداد يوما بعد آخر. لقد أصبحت تجربة كتابة الدراما جزء من حياتي. هي معايشة يومية لتفاصيل وجزئيات العمل الفني افتقد بسببها الحياة الاجتماعية. أصبحت أعيش عوالم شخصيات العمل الفني اكثر مما أعيش الحياة المعتادة. وكما تعرف فأن الاشتغال بالكتابة يتطلب العزلة الانكفاء وهذا يتسبب في تقطّع الكثير من العلاقات التي أصبحت في حقيقتها متهافتة. انقطعت بسببها وجزء من حياتي لا ابالغ إذا قلت ان الدراما اصبحت همي اليومي.مع الوقت اصبحت كتابة الدراما جزء من نشاطي اليومي.

  • تعتبر تجربتك في الدراما الإذاعية استمرارية لم تتوقف، هل مازلت تؤمن بحضور الدراما الإذاعية، ومن خلال تجربتك كيف تنظر لها، ما هي معوقاتها، وما هي سبل تأصيل الدراما الإذاعية، وأسباب انحسار كتابها؟

 أنا من عشاق الإذاعة أصلا وكنت أتمني تقديم أعمال إذاعية لذلك فان ما قدمته للإذاعة لا يقتصر علي الدراما الإذاعية فقط بل أنني قدمت عشرات البرامج المنوعة إضافة لسلسة من الأعمال الدرامية حتي أنني اتهمت يوما بأنني احتكر كتابة الدراما للإذاعة. عندما كنت طفلا كان الاستماع إلي الإذاعة هو إحدي هواياتي المحببة وحتي اليوم فأنني اسمع الإذاعة طوال اليوم حتي أثناء العمل ـ خصوصا الموسيقي ـ أكثر مما أشاهد التليفزيون. بدأت تتبع الدراما الإذاعية والبرامج من إذاعة القاهرة وصوت العرب وإذاعة الكويت خصوصا في رمضان. وكانت أعمالا قوية ومؤثرة. لا يمكنني نسيان شفيقة ومتولي مثلا، ولا الزير سالم، ولا ألف ليلة وليلة، ولا العديد من أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ التي تمت معالجتها إذاعيا، وأعمالا كثيرة لا تحضرني أسماءها ألان. أحببت كتابة النص الإذاعي. وكنت مخلصا له فكتبت ما يزيد علي العشرين مسلسلا إذاعيا حاز العديد منها علي جوائز في المهرجانات العربية. رغم ذلك فان كتابة النص الإذاعي مرهقة وتحتاج الي جهد كبير وللأسف فهي لا تجد التقدير المطلوب. الدراما الإذاعية مطلوبة في رمضان. ومطلوبة للمشاركة في المهرجانات فقط. هي ليست مرصودة علي خارطة البرامج والمشتغلون بالدراما بعيدون عن خطط إنتاج الدراما. أما العائق الأكبر في تأصيل الدراما فهي المكافآت فهناك من يفرض المكافآت وهناك من يقرر أجر المؤلف وأجر الممثل. والغريب أنه لا فرق بين ممثل عمل عشرين سنه وممثل مبتدئ الكل سواء. كتابة الدراما الإذاعية سوف تنحسر بدليل عدم تحمس الكتاب للدخول في هذا المجال بسبب قلة العائد المادي الذي لا يتناسب مع الجهد المبذول.

 حريدة الأيام في  12 أكتوبر 2003

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: لقاء صحفي

فيلليني الميت وبرلوسكوني الحي
صوفيا لورين

 

 

رؤى تفتح ملف الدراما في البحرين (1)

عيسى الحمر

الإنتاج الدرامي المحلي يحكمه المزاج

رؤى ـ فريد رمضان