سينماتك

 

ولما كان يوم العاشر من شباط...

"هالة شو" أوعى تغمض عينيك عن الازدواجية المجتمعية

القاهرة ـ حمدي رزق

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

سوف يؤرخ لبرامج "التوك شو" ـ الحوارية ـ بما قبل 10 شباط 2007 وما بعد 10 شباط 2007! لم يكن يوم مجد فضائي جديد لبرامج "التوك شو"، ولا شهد هذا اليوم حلقة جبارة، بل شهد فضيحة فضائية مدوية، تحولت ـ من فورها ـ إلى قضية رأي عام، ودعاوى قضائية تنظرها المحاكم، ثم تحولت إلى ملف يبحثه الإعلاميون؛ ملف بعنوان "جمهور التوك شو"، بل جمهور البرامج المتلفزة عموماً، ثم اتسع الملف، ليشمل وجهة نظر المجتمعات في مصر والعالم العربي في جملة ما تقدّمه البرامج الحوارية من المضامين.

في 10 شباط، جرى بث حلقة من البرنامج التلفزيوني "90 دقيقة" على قناة "المحور" الفضائية الخاصة المصرية التمويل والإدارة، اعترفت فيه ثلاث فتيات باستئجار الإعلامية المصرية هالة سرحان لهن، ليدعين على أنفسهن أنهن "فتيات ليل"، لتذيع ذلك ضمن حلقات برنامجها "هالة شو" على فضائية "روتانا"، وهي الحلقات التي أثارت ضجة واسعة النطاق في المجتمع المصري.

وخلال 24 ساعة فقط من حلقة "90 دقيقة" المشهودة، تحولت اعترافات الفتيات إلى دعاوى قضائية تقدم بها إلى النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، محامٍ شهير هو نبية الوحش، صاحب القضايا المشهورة وصاحب الميل الأخواني الواضح، وهو تقدم بها نيابة عن الفتيات الثلاث.. وحين ردت هالة سرحان ـ الموجودة من بداية الأزمة بدبي ـ بأن هؤلاء الفتيات لسن مستأجرات ولسن من جمهور المصفّقين الذين يظهرون في حلقات برنامجها كما ذكرن في صحف دعاواهن، واتهمتهن بالدعارة، وأضاف "الوحش" قضية جديدة ضد هالة سرحان، هي دعوى سب وقذف.

زاد من صعوبة موقف الإعلامية المشهورة وموقف فريق الإعداد العامل معها في برنامجها "هالة شو"، أنها لم تعتذر عما بدر منها بل مضت تكيل الاتهامات لكل الأطراف، ومضى فريق العاملين في "روتانا" يتصلون بالأسماء الكبيرة من نجوم ونجمات الفن والأدب والصحافة، ليتخذوا موقفاً معلناً مؤيداً لهالة سرحان في أزمتها، لكن أحداً لم يستجب، وصار ثمة إصرار على ترك العدالة لتأخذ مجراها. وترك الشفافية تعمل عملها لتكشف الحقيقة من دون تدخلات أو مزايدات.

وتفاصيل قضية هالة سرحان ـ على خلفية برنامجها "هالة شو" عن فتيات الليل ـ متاحة على قارعة الطريق يومياً، لكن الأمر الذي لا يتحدث عنه أحد من المنشغلين بهذه القضية، هو نمط التعاطي الإعلامي معها، وهو تعاطٍ مع قضية إعلامية بالأساس ومع مبادئ وقيم في الإعلام لا مع أشخاص، والحق أن انقساماً بيّناً حصل بين مؤيدين لهالة ومعارضين لها، على صفحات المجلات والصحف وعلى الشاشات الفضائية وفي مواقع الأنترنت أيضاً، ولا يعرف أحد إن كان هذا الانقسام سيسفر عما يرضي هالة سرحان أم عمّا يزيد أزمتها سوءاً، لكنه، على وجه اليقين، سيُرسي قيماً جديدة في برامج "التوك شو" المصرية والعربية، بل كل البرامج التي تستقدم جمهوراً في خلفيتها!

انقسام نخبوي

كشفت هذه الأزمة إذن عن انقسام نخبوي حول شخص هالة سرحان وحول ما تمثله إعلامياً كقيمة، رفعها مؤيدوها لمرتبة القديسات، وذهب بعضهم إلى كونها المذيعة الوحيدة المثقفة الواعية المشتبكة المسيسة الجذابة، وذهب خصومها على أنها صنم للوهم والتضليل والإثارة، وبوق أجوف لا يطلق إلاّ الثرثرة الفارغة.. تضر أكثر مما تنفع.

وتناثر على خلفية هذا الانقسام كلام يصيب المرء بالحيرة الحقيقية، لا سيما إن كان من داخل الوسط الإعلامي، يعرف دقائق أموره، والأخطر أن هذا الانقسام كشف وجود حزب خفي اسمه "مؤيدو هالة سرحان" وربما "دراويش هالة سرحان".

ولعل أبسط الأمثلة على هذه الحيرة، هذا الموقف الذي اتخذته صحف "الدستور" و"صوت الأمة" و"الفجر" وجميعها صحف مستقلة لا تتبع الدولة ولا الأحزاب، والصحيفتان الأوليان تتبعان مؤسسة صحافية، عرف عنها في السنتين الأخيرتين، ترحيب واضح بجماعة "الأخوان المسلمين"، بل إن "الدستور" صارت المنبر الأساسي لتصريحات المرشد محمد مهدى عاكف وتذهب إلى حد استكتابه مقالات تتصدر صفحاتها أحياناً..

الطريف ـ بل المحيّر ـ أن "الأخوان" جعلوا من هالة سرحان أحد أعدائهم الاستراتيجيين، فكيف تتصدى "الدستور" للدفاع عن د. سرحان؟ بل لماذا تختار هي الدستور لتخصها بحوار مطول عن الأزمة، أطاحت فيه بسمعة الفتيات الثلاثة حتى النهاية؟!

ذهبت "الدستور" إلى رمي البرنامج الذي اعترفت فيه الفتيات (90 دقيقة) بتشويه سمعة مصر، حيث عرض حلقة عن زنا المحارم بما يعنى أنه يرمي هالة سرحان بتشويه سمعة مصر فيما يمارس هذه المهمة على نفس الوتيرة.. واستماتت "صوت الأمة" في تبني الموقف ذاته، و"الفجر" ذهبت في الاتجاه نفسه.

في المقابل انطلقت الصحف والمجلات القومية تباشر حملتها ضد هالة سرحان، بعض هذه الصحف كان بالغ القسوة كـ"الجمهورية" و"المساء" وبعضها متحفظ مثل "الأهرام" و"الأخبار"، لكن الموقف العام للصحف القومية ومعظم الصحف الحزبية ضد هالة سرحان بما لا يدع مجالاً لشكوك. هنا، تزداد الحيرة.

لماذا يقف "المستقلون" ممن تربطهم صلات ود بـ"الأخوان" ومن لا تربطهم بالأخوان صلة، موقفاً مؤيداً بعنف لهالة سرحان ولماذا تقف الدولة ـ ممثلة في مطبوعاتها الصحافية ـ وتقف المعارضة عبر صحفها ضد هالة سرحان؟ وهل السيدة هالة سرحان جزء من المعارضة العنيفة الصاخبة التي تمثلها هذه الصحف المستقلة؟ والوجه الآخر للسؤال: هل تكرهها الدولة؟!

الواضح أن لهالة حزباً من المؤيدين في الوسط الصحافي، بعضهم ارتبط بها بصلات عمل على عهد عملها الصحافي، وبعضهم ربطته هذه الصلات بهالة في عهد عملها في "دريم" ومن قبلها "ART" ومن بعدهما في "روتانا".

ومن الواضح أيضاً أن الدولة امتعضت كثيراً من حلقات فتيات الليل، التي امتعض منها كذلك قطاع واسع من المتفرجين المصريين، ممن تثير حفيظتهم التقليدية مثل تلك القضايا المتصلة بسمعة فتيات مصريات! هاتان هما الإرادتان المتصارعتان والفكرتان المنقسمتان حول هالة سرحان الآن!

انقسام صحافي

حتى في الأداء الصحافي في خلال متابعة قضية هالة سرحان، حصل انقسام، صحافيون انشغلوا بالتغطية المهنية، متابعة التحقيقات، ملاحقة وتسقط الأخبار، بذل المحاولات للاتصال بجوال هالة سرحان، والبعض الآخر انبرى لتسجيل الرأي حول القضية..

ويرى معظم الصحافيين أن هالة، حال ثبوت اتهامات الفتيات لها بتضليلهن، تكون ارتكبت خطأ إعلامياً فاضحاً، يطيح كل ثوابت العمل الإعلامي الشريف والقواعد المهنية المتعارف عليها بحثاً عن نصر صحافي متعذّر، كانت هالة سرحان في غنى حقيقي عنه، لأن لها العشرات من الانتصارات على الشاشات. ومن هنا فإن التعاطف معها مرفوض بأي صورة عند هذا الفريق من الصحافيين.

وثمة فريق صحافي آخر، يرى أن برنامج هالة سرحان عن بنات الليل مستفزّ حقاً، ولكن ما تتعرض له هالة الآن غير مقبول لأنها "إعلامية قديرة"، وهو موقف اتخذه الكاتب الصحافي سيد علي بالأهرام وتبناه على صفحات الصحف والمجلات وعلى شاشات عدة أيضاً.

أما الفريق الثالث، فيرى أن هالة مظلومة، وأن الفتيات خضعن لتوجيه أحد الأطراف المضادة لهالة، سواء كان هذا الطرف عاملاً بالحقل الإعلامي أم من خارجه، لكنه صاحب مصلحة في تصفيتها، وأن هالة حتى لو كانت أعطت أجراً للفتيات الثلاث ليتحدثن عبر البرنامج، فإن هذا لا يعدو كونه تقليداً معمولاً به في البرامج الفضائية لكل الضيوف (.. وهذا الرأي لا يذهب إليه عدد من الصحافيين فقط، بل ذهبت إليه سرحان ذاتها في حوارها الذي خصت به صحيفة الدستور).

وإذا كان ثمة انقسام صحافي حاد حول هالة سرحان في أزمتها الأخيرة، يتجسد في معارضين ومؤيدين، وفي مكتفين بالمتابعة المهنية المحايدة ومتدخلين بإبداء الرأي الصحافي الصريح، فإن الموقف الصحافي العام من أزمة "فتيات الليل" ـ أو "هالة غيت" كما يتندر بعض الصحافيين ـ يتجه في أغلب قوته نحو إدانة الإعلامية الشهيرة، ليس في حلقات فتيات الليل فقط، بل في مجمل أدائها البرامجي.

مثقفون وفنانون

يمتد الانقسام حول د. هالة سرحان في الأزمة الراهنة، ليكون ملموساً أيضاً في أوساط المثقفين والفنانين. أما المثقفون فإنهم ـ في أغلبهم ـ كانوا ولا زالوا يرون في هالة سرحان جرأة واستفزازاً يخرق "التابوهات" ويحطم كلاسيكيات الإعلام الرسمي، ويبوح بالمسكوت عنه.. وهالة حين تستضيف المثقف أو المثقفة، فإنها تتقن استفزازه ليقول ما لا يقوله إلا في مجالسه الخاصة، وهذا الاتجاه ذاته حول الانقسام بين المثقفين، يراه بعضهم بل أغلبهم حالة من "البروباغندا" التي لا تخدم قضية الثقافة ولا تقوم بتنوير المجتمع ولا تثويره، ويراه بعضهم ـ وبخاصة من الكاتبات ـ انعتاقاً من قيود إعلام الدولة، وفرصة عصية على التكرار للوصول إلى الناس، بأفكار تصدم وعيهم فيحصل "الحراك" المأمول؛ والاتجاهان ـ المحسوب والصادم ـ موجودان طوال الوقت في الثقافة المصرية، منذ عقود متصلة غير أنهما يتجليان بوضوح عند نقطة هالة سرحان. من هنا لم ينفعل المثقفون بأزمة هالة سرحان انفعالاً كبيراً، ولا صدرت عنهم ردود فعل مضادة حقيقية، بخاصة أنهم يشعرون بأن الدولة لم تدّبر ما حدث من الفتيات الثلاث، وهذا، بصراحة، أهم ما يرد على خاطر المثقف في مصر أولاً، بخاصة أولئك الذين لا يزالون يعملون عقولهم بنظرية المؤامرة.

أما الفنانون فلهم موقف مختلف في تفاصيله متفق في محصلته النهائية مع هالة سرحان.. هالة على سبيل المثال يُحكى أنها اتصلت هاتفياً بالنجم الكبير عادل إمام من دبي، وإن صح ذلك فإننا لا نعرف فحوى الاتصال، لكنه يقيناً لن يبتعد عن "الأزمة"، هالة بثت قبل شهرين حلقات متصلة سجلتها مع عادل إمام الذي خصها بذلك (لقاء مبلغ مختلف على رقمه) لكن عادل إمام، وهو الأكثر تأثيراً بين أسماء الفنانين المصريين، لم يتحرك إلى الآن.

والفنانون والفنانات ممن ظهروا في حلقات هالة سرحان، كانوا يرحبون بالظهور في برامجها ترحيباً كبيراً، لأنها تحظى بنسب مشاهدة لا يحظى بها الآخرون، لكنهم ـ في غالبهم ـ يتحدثون في مجالسهم عن ضغائن دفينة بداخلهم ضد هالة، وأدائها معهم في هذه الحلقات، فهي تستخرج منهم ما يعودون للندم عليه، وبعد إذاعة كل حلقة تتلقى النجمة ـ الضيفة لوماً من محبيها أو أصدقائها الصحافيين على أنها رقصت في حلقة هالة سرحان .. أيضاً ثمة نجمات يذكرن كيف أن هالة ناصبتهن العداء لكونهن لم يظهرن في حلقاتها، أو رفضن تنفيذ تعليماتها الحرفية خلال التسجيل. ربما كانت هذه الضغائن وراء تخلي الفنانين عن هالة سرحان ـ حتى الآن ـ في أزمتها، إذ يلحظ صمت صديقتاها الأقرب إليها (يسرا وإيناس الدغيدي)!

من يكره هالة؟

يقيناً، ليس بين هالة سرحان والسلطة في مصر أي إشكاليات، على الأقل ظاهرياً.. فهي لا تثير زوابع بحلقاتها سواء الفنية أو الاجتماعية، وحين عملت بالصحافة لم تكن في صفوف المعارضة، أي أن هالة سرحان لا تزعج السلطة على الإطلاق منذ عرف اسمها كصحافية ثم كإعلامية.

أيضاً الصحافيون، لا يوجد من بينهم من يملك ثأراً شخصياً ضد هالة سرحان، بل إن قطاعاً منهم عمل معها حين كانت رئيسة لتحرير مجلة سيداتي سادتي في التسعينيات، وبعد ذلك في الإعداد لبرامجها..

بالتالي فإن السلطة والصحافيين والمثقفين والفنانين، لا يملكون ثأراً يعلقونه في رقبة الإعلامية الشهيرة، الأمر الذي جعل موقفها في الأزمة صعباً، لأنه غير محاط بأي شبهة للتآمر أو التشهير. حتى الفصيل الوحيد الذي يكره هالة ويناصبها عداء تقليدياً ـ وهو الفصيل الإسلامي ـ ليس من يقف وراء الأزمة الأخيرة! الطرف الوحيد الذي يبقى خارج هذه الحسابات جميعاً هو "الجمهور"، أي معظم المصريين والمشاهدين العرب ممن يتابعون برامج هالة سرحان.. والجمهور بالطبع لا يملك أن يدبر مكائد لنجوم الإعلام.. فكيف يرى المشاهد العادي هالة سرحان؟

يردنا هذا السؤال إلى طبيعة المصريين، أنهم الأكثر إقبالاً على مشاهدة برامج هالة سرحان، ولكن هذا الإقبال ـ الذي يقارب الهوس أحياناً ـ لا يعني بالضرورة موافقتهم على ما تقدمه لهم هالة من سلعة إعلامية. المصريون يشاهدون بشغف كليبات عارية تسمّى غناء، ثم يشتمونها ويلعنون صانعها. إنه تركيبة سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ، تلك الشخصية التي تمثل ذروة الازدواجية. وكم من حلقة لهالة سرحان أثارت سخط عموم المتفرجين بعد أن شاهدوها جميعاً، وكم من قضية رأى فيها هذا الجمهور استفزازاً كبيراً له أخلاقياً أو اجتماعياً، وإن كان شاهدها بالملايين بل حرص على مشاهدة إعادتها..

المسألة ليست مسألة "كراهية" بمعنى الكلمة الحرفي. الجمهور يجد في هالة إعلامية مجتهدة وجذابة ومغايرة وناجحة ولها قدراتها الاستثنائية، لكن هذا الجمهور يختلف معها ويغضب منها في كثير من الأحيان، لأنه جمهور منفتح ومتحرر وفق شروط، وتحت سقف.. لا يمكن خرقه، وعلى طريقة المصريين الخالدة في التسامح، فإن هذا الجمهور الغاضب من هالة ليس متعاطفاً معها في أزمتها الحالية، ويتمنى، في الوقت ذاته، أن تعود هالة سرحان إلى الشاشة، وتلك هي خلاصة الازدواجية التي يرى بها جمهور هالة سرحان أزمة إعلاميته الشهيرة المستفزة.. المفضلة.

المستقبل اللبنانية في 4 مارس 2007