سينماتك

 

سينما تعلن الحرب علي الإفيه:

أفلام قصيرة ليست للضحك!

القاهرة ـ القدس العربي ـ من كمال القاضي:

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

الأزمة التي تعاني منها السينما الروائية الطويلة خرجت عن طورها الأساسي وانقلبت الي صداع محموم علي البقاء بعد اشتداد عود الفيلم الروائي القصير وطلوع فجره، الذي بدأ نذيره بتجارب محدودة جاءت متفرقة في العام الماضي، ولكنها أحرزت عدة أهداف في مرمي السينما التجارية فأفقدتها توازنها وأهليتها، إذ استطاعت التجارب الروائية القصيرة في زمن قياسي أن تخترق حاجز العزلة وتعبر إلي جمهور النخبة علي جسر الجوائز الآتية من المهرجانات العالمية وتنجح في فرض نفسها كمصنف فني مختلف في مفرداته ورسالته عما يرد الينا طوال العام من تجار الأكشن والكوميديا،
الذين أغرقوا السوق بالغث الرخيص من الأفلام، فأضاعوا هيبة الإبداع وسطحوا وعي الجمهور وأسدوا ذائقته، وأتصور أن تلك المصيبة كان لها وجه ايجابي تمثل في رد الفعل الذي دفع المبدعين الشبان من خريجي المعاهد السينمائية الي التحايل علي أزمة الانتاج باستحداث نمط يغاير في طبيعته ومضمونه وتكتيكه الشكل المتعارف عليه في السينما القصيرة، فالقريحة الإبداعية الشبابية تمخضت عن استغلال ذكي للتكنولوجيا الحديثة في تقنيات الموبايل وعملت علي تسجيل اللقطات الحيوية داخل ذاكرة الكاميرا الديجتال الصغيرة ووضعها علي شريط V-HS في زمن لا يتعدي خمس دقائق ليمثل في النهاية رؤية فنية ذات خصوصية تضارع في أهميتها الأفلام المنتجة من قبل مؤسسات رسمية، بل وتتفوق عليها في كثير من الأحيان، ولأن الساحة باتت مهيأة تماما لاستقبال هذه النوعية من الأفلام ذهبت الجمعيات الأهلية الثقافية الي تنظيم مهرجانات لتشجيع هذا النشاط بما يضمن البقاء للأفلام المتميزة ويقوي شوكة صغار المبدعين، خاصة في ظل الدعم المرصود لهم علي شكل جوائز مالية تناسب ما أنفقوه علي تجاربهم، فعلي سبيل المثال هناك مجهودات تحسب لساقية الصاوي في هذا المضمار تستوجب الإشارة إليها، فقد أقامت الساقية الدورة الرابعة من مهرجانها السنوي للأفلام القصيرة في الفترة من 10 ـ 12 شباط (فبراير) الحالي وعرضت خلال يومين فقط مجموعة هائلة من الأفلام بلغت نحو 54 فيلما تجانست فيما بينها من الناحية الشكلية وتباينت من الناحية الموضوعية في تنوع فني وفكري يشير إلي متغير جذري في سيكولوجية صناع هذه الأفلام التي تعتني بالأساس برصد اللمحات والصور الواقعية من وجهة نظر خاصة قد تقترب أو تبتعد عن ثقافة المجتمع، الذي لا يزال يخضع في سلوكياته العامة الي ضوابط وقواعد يري الجيل الجديد أنها لم تعد تناسب إيقاع العصر، بكل ما تتضمنه كلمة إيقاع من معانٍ سواء علي المستوي الاجتماعي أو الإنساني، وعلي هذا فإن القياس يتم في الأفلام المطروحة علي قناعات ذاتية جدا، ومن دلائل ذلك، الحالة المعني بها فيلم نهار وليل الفائز بالجائزة الذهبية للمخرج والسيناريست إسلام العزازي والذي يرصد الفوارق الزمنية في لعبة الهيمنة وسباق المكسب والخسارة علي خلفية ما تحمله الصور الواقعية من إرهاصات تختزل كلها في هذا المعني، علي الرغم من التجريد الشديد للمضامين وربط المفهوم البسيط لحياة البطل الفردية بما يشابهها علي المستوي العام، وربما تتضح الرمزية أكثر من فيلم أشجان مصر للمخرج محمد حبيش، لا سيما أن القضية المحورية بنيت علي تفاصيل الحوار الذي يجري بين رجل وزوجته في إطار تبادل وجهات النظر السياسية المعارضة بما يفضي بالزوج في النهاية الي المعتقل كرد فعل متجاوز من جانب الجهات الأمنية التي رأت في الخطاب الثقافي مسحة سياسية تستوجب العقاب رغم أن ما ورد في المحادثة الثنائية بين الزوجين لا يزيد علي كونه نقاشا عاديا لم يتطرق إلي أي من النقاط الحساسة، وهنا يصل الفيلم برسالته المستهدفة إلي غايته تاركا القراءة النهائية لوعي المتلقي مع فرض بعض الايحاءات الخاصة لمداعبة العقل الذي يبحث عن مزيد من التأويل.

يقودنا الحديث عن التكثيف والاختزال الي فيلم آخر بعنوان شد حيلك للمخرج روبير طلعت فالسيناريو مأخوذ عن قصة للدكتور علاء الأسواني بعنوان أحزان الحاج أحمد تدور أحداثها في إطار ساخر حول المفارقة بين جلال الموت في لحظات الفراق وبين حسية البطل الحاج أحمد الذي يعجز عن مقاومة رغبة الأكل في أشد الظروف حرجا، لحظة وفاة والده،فنراه يتناول وجبة السحور فيما يسجي والده المتوفي علي سريره في الحجرة المجاورة، يلتقط المخرج الخيط الرفيع مستخدما اسلوب الساركازم دون إعلان رأيه صراحة في البطل لتصبح الإدانة ضمنية والهوة شاسعة بين الشعورين المتناقضين، ومن ثم يتحتم علي المشاهد الدخول كطرف ليختار بنفسه الوصف اللائق برجل يتجاهل وفاة والده ويركز اهتمامه في وجبة السحور الشهية خشية أن يداهمه الوقت قبل الاستمتاع بها!

هكذا تتصيد السينما الروائية القصيرة ما يدهش العين ويثير الذهن وتضعه تحت رقابة العدسة، فيظهر من خلال الرصد الدقيق تفاصيل بالغة الغرابة قد لا يكون لها نفس الوقع إذا ما صادفناه في حياتنا اليومية، وهذا هو الفرق بين أن تري الشيء عابرا وأن تقترب منه بالكاميرا فيبدو لك مجسماً عاريا تماما من أي تجميل، وربما يكمن سر السينما الجديدة القصيرة في قدرتها علي ضبط الواقع متلبسا بما هو عليه، فالمبدع غالبا ما يكون مشغولا بالبحث عن غير المألوف في الشارع والمنزل والمكتب والمواصلات العامة، وكذا تتوحد رغبته مع متناقضات الواقع فيجد نفسه مشدودا ناحية المنطقة التي يجد فيها ضالته، حيث تكون الكاميرا دليله إلي عالم الغرائب والمفارقات.

تتعدد اللحظات والأفلام والشجون فتتخلق الأفكار والتجارب وتظل العجلة في دورانها المعتاد وينتبه العقل لمزيد من الرصد والتحاور ويتجاسر القلب علي إختراق المحظور وكسر التابو فنلمح في الأفق أفلاما أخري أكثر جرأة مثل القاهرة 38 إخراج نيفين شلبي، الملمس لإيمان أحمد التاجي، شرف البنات لأسامة عشم، علي السكين يا بطيخ لفادي نسيم، مبروك لماجد عبدالعزيز، وكلها تنويعات علي ما سبق ذكره من أفكار وحكايات تتصل بالوعي الخاص والثقافة الإنسانية وتصب في ذهنية الجمهور النوعي الذي يلتمس طريقه للتعبير الفني ويرغب في أن يصبح شريكا متضامنا في تغيير وجه السينما الكلاسيكية وإعادة صياغتها علي نحو يلائم طفرة الحداثة وحالة اللهاث التي لا تسمح بالجلوس أمام فيلم طويل حتي وإن كان كوميديا بسرعة 60 إفيه في الدقيقة بمقياس اللمبي، ريختر السينما المصرية!!

القدس العربي في 24 فبراير 2007