سينماتك

 

مهرجان ترومسو السينمائي:

أضواء شمالية.. بعيداً عن عقدة كان!

نجوان درويش

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

تبدو مدينة "ترومسو" النرويجية بشوارعها الصغيرة وبيوتها الخشبية المغمورة بالثلج- لعين من يصلها ليلاً- كأنها طالعة من صور عيد الميلاد وبطاقات الكريسمس. الجزيرة الصغيرة التي لا تبعد أكثر من 350 كيلو متراً عن القطب الشمالي، تبدو مكاناً دافئاً رغم دوام الثلوج واختفاء الشمس في مثل هذا الوقت من السنة. الشمس أشرقت لأقل من ساعتين طوال أيام وليالي الدورة السابعة عشرة لـ"مهرجان ترومسو السينمائي الدولي" أكبر مهرجانات السينما في النرويج، الذي يقام في شهر كانون الثاني من كل سنة، في موسم "الأضواء الشمالية" التي تمر مثل طائرات ورقية خاطفه في الليل القطبي، فيشعر من يقيّض له رؤيتها أنه "أمير صغير" يود لو بتعلّق بأذيالها وهي تختفي سريعاً مثلما ظهرت.

يبدو مهرجان ترومسو مثالياً في توظيف البيئة المحلية والخصوصية الحضرية للمكان، لإنتاج شخصية للمهرجان السينمائي، والتخلص من ظاهرة مهرجان كان السينمائي- (المهرجان/ العقدة) الذي تعاني منه مهرجانات السينما، التي صار من المألوف أن تتوقع منها الميديا والجمهور أيضاً شيئاً "كانياً"؛ كأن "كان" هو "النموذج" وكأن الاقتراب من ظاهرته هو اقتراب من كمال مهرجان السينما.

كان هناك شبه اتفاق بين من شاركوا في إحدى اللقاءات التي تناولت مفهوم "مهرجان السينما" و"ما هو المهرجان السينمائي الذي تطمح إليه" (مجموعة من منظمي مهرجانات السينما والنقاد والصحفيين من النرويج وروسيا وتشيكيا وبريطانيا واسكتلندا والصين وإسبانيا وفلسطين وبلجيكا وكندا وأمريكا)؛ أن هناك أزمة في نوعية "النقد" السينمائي الذي تضخه الميديا اليوم. ويتلخص جانب كبير من المشكلة، كما ذهب أحد النقاد، بهوس الميديا بالنجوم وأن "الكفاح ينبغي أن ينصب على تحرير الميديا من هوس النجوم وإقناعها أن هناك ما يستحق التغطية خارج النجوم وحضورهم". وفي حين يرى البعض أن المستقبل سيكون لمهرجانات السينما الصغيرة؛ ما زالت هذه الأخيرة تواجه مشكلة على مستوى التغطية الصحفية والنقد.

برنامج العروض المكثف لم يتح لأكثر الضيوف نشاطاً مشاهدة أكثر من عشرين فيلماً- إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفعاليات الأخرى كالندوات وورش العمل، والبرامج التي تم إعدادها لضيوف المهرجان.

لعل أبرز ما ميّز مهرجان ترومسو لهذه السنة، من حيث العروض، هو برنامج "أفلام من الشمال"(الأجزاء الشمالية لكل من السويد والنرويج وروسيا وكندا وفنلندا) الذي تضمن سبع مجموعات من الأفلام: قصيرة؛ تسجيلية؛ بورتريهات؛ أفلام متعلقة بـ ترومسو؛ أفلام للكاتب النرويجي كجيل فجورتوفت Kjell Fjortoft) ) ؛ أفلام لمخرجين شبّان من طلاب المعاهد السينمائية؛ وأخيراً حزمة أفلام "دموية وعنيفة". تنافست "أفلام من الشمال" على "سعفة ترومسو" التي تقاسمها فيلمان الأول ينتمي لخانة الأفلام القصيرة والثاني تسجيلي.

بالإضافة إلى الفيلم القصير الشمالي فقد دعا المهرجان أحد منظمي مهرجان "كليرمو فيران" (Clermont-Ferrand ) الدولي للفيلم القصير، لتقديم مختارات لأفضل الأفلام القصيرة التي قدمها "كليرمو فيران" في السنوات الثلاث الماضية. وقد جاءت معظمها من أفلام الرسوم المتحركة "الانيميشن" وامتاز بعضها بارتفاع منسوب التجريب.

ومن الملامح الخاصة بالمهرجان أيضاً تقديم أفلام من "الجيران الشرقيين الذي جمعتهم روابط بترومسو" مثل فنلندا وروسيا ودول البلطيق. امتازت مجموعة من هذه الأفلام بنزعة ذاتية؛ ففيلم "فارغ" (40 دقيقة- أستونيا 2006) وهو الأول لمخرجه، يحكي قصة شخص وزوجته وعشيقها في علاقة مكشوفة يتنافس فيها العشيق والزوج على خلفية فراغ هائل تشيعه الطبيعة الأستونية وشاطئ البحر وتقلبات الزوجة الجميلة.. نزهات مشتركة في الطبيعة بسيارة "سوفيتية" مع الزوج والعشيق والزوجة التي تشكل حالة الصراع الدائمة، الحالة التي تتسم رغم كل شيء بمقدار كبير من العبث. ورغم كون الفيلم حديثاً من حيث زمن التصوير إلا أن الأزياء والسيارة كلها تحيل للزمن السوفييتي. الذي نلحظ حضوره غير المعلن في الزمن "الفارغ" الحالي. والفيلم مرح رغم القتامة الافتراضية لموضوع من هذا النوع ومتماسك من حيث بنائه الفني.

ومن عينة مشابهه من حيث موضوعة الفراغ جاء الفيلم الليتواني "أنت هو أنا" 2006 ليحكي قصة مهندس معماري يصل إلى تقاطع مسدود في حياته، يقرر على أثره ترك حياة المدنية وأن يبني بيتاً في الغابة. عبر استعارة اللجوء إلى الغابة يعالج الفيلم مقولات الطبيعة والثقافة، والعزلة والتواصل، لكن بقدر لا بأس به من الملل الذي سببه الطول النسبي للفيلم(ساعة ونصف).

عرضت دورة 2007 من المهرجان قرابة 160 فيلماً، من بينها 65 فيلماً روائياً (من إنتاج السنتين الأخيرتين 2005 و 2006). وفي حين تنافس ثلاثة عشر فيلماً على جائزة "أورورا"(الشفق القطبي) فقد فاز بها الفيلم الأرجنتيني "وقائع حالة هرب"(2006) القائم على شهادات ضحايا من زمن النظام العسكري الذي حكم الأرجنتين بين 1977 حتى 1983 (إحدى الناقدات اعتبرته بورنوغرافيا سياسية!) وهو ثالث فيلمين أرجنتينيين كانا من ضمن الأفلام المتسابقة: "ولادة وخبز" (2006) وهو الفيلم الرابع لبابلو ترابيرو المخرج البارز في السينما الأرجنتينية الجديدة وقد اعتبر تراجعاً منه، وبالطبع لم نعدم آراء ذهبت في الاتجاه الآخر واعتبرته أنضج أفلامه. وإن كان "ولادة وخبز" الذي صور الجزء الأول منه في بيونس ايرس والقسم الثاني في باتاغونيا امتاز بأداء ممتاز من قبل الممثلين، إلا أن خللاً ملحوظاً في السيناريو أضعف الفيلم. الفيلم الأرجنتيني الثالث كان Glue) ) "غراء" 2005 لـ أليكسيس دوسانتوس الذي تجري أحداثه في باتاغونيا والذي يروي حكاية ثلاثة مراهقين(ولدين وفتاة) واكتشافهم لأجسادهم في محيط ضغط وتفكك أسري وبوادر إدمان ونزوع نحو المغامرة والتمرد.

بشكل عام تمكنت اختيارات البرنامج من تقديم تشكيلية من قضايا العالم ومشاكله ابتداء من دول الاتحاد السوفيتي السابق مروراً بأمريكا اللاتينية(الأرجنتين) وبعض الإنتاج الاسكندينافي والأوروبي والأمريكي وبعض الأفلام من آسيا(كوريا والفلبين والصين) وبعض الأفلام من فلسطين والمغرب وإيران، وبإطلالة للسينما الكردية من خلال فيلمين أساسيين: الأول هو فيلم الافتتاح "أرض الشتاء"(إنتاج نرويجي 2007) للمخرج الشاب هشام زمان(عراقي كردي نرويجي) والذي لفت الانتباه وأثار اهتماما في الوسط السينمائي النرويجي. والفيلم الآخر"نصف قمر" آخر أفلام بهمان غوبادي المخرج الإيراني الكردي الذي احتلّت أفلامه الروائية الأربعة مكانا مرموقاً على خريطة السينما في العالم. أما فيلم الختام فكان استعادة لإحدى روائع الإيراني عباس كيروستامي من إنتاج عام 1990.

WinterLand

في "وينتر لاند"(أرض الشتاء) يقدم هشام زمان في سياق فكاهي مرح قصة "ريناس": مهاجر كردي بسيط من شمال العراق ينتقل للعيش في شمال النرويج، على اتصال مع عائلته في شمال العراق -عن طريق كابينة التلفون بجانب بيته. عائلته تحضّر له زيجة من فتاة من قريته عن طريق تبادل الصور. يرسلون له صورة لفتاة يقع في جمالها فتتم الخطبة والزواج في بلدته ويرسلون له عروسه في الطائرة. لكن الصدمة تحصل عندما تصل "أميرته" إلى المطار، وهي أضخم حجماً وأكبر سناً وتكاد لا تمت للصورة الجميلة بصلة.

يحاول ريناس التأقلم مع الفخ الذي وقع فيه وكذلك عروسه التي ضللتها صورته وحكايات أمها عن ثرائه في حين يعيش في بيت فقير -بالمقاييس النرويجية- ولا يزيد عن كونه عاملاً بسيطاً. لكن الأمور وصلت إلى نقطة مسدودة حين اعترفت له عشية عرسهم الثاني في النرويج أنها قد فقدت بكارتها، فلا يقترب منها ويقول له أنها ستبقى معه لسنة حتى لا يفتضح أمرها ومن ثم يعيدها إلى أهلها. ويقرران العيش معاً منفصلين حتى تمر السنة. أثناء ذلك تكشف "الزوجة" عن ذكاء حين تذهب لتعلّم اللغة النرويجية وتظهر إنسانية عالية وصدق في تعاملها معه، ليكتشفا في النهاية أنهما يحبّان بعضهما البعض- بعد أن يحطما معاً كابينة التلفون(استعارة للخلاص من تابوهات الأهل).

ينجح الفيلم في تقديم الجانب الإنساني العميق لتجربة المهاجرين واللاجئين من خلال ما يبدو هزلياً. وإن كان الفيلم يبدو نوعاً من الدراما الاجتماعية الفكاهية وليس سياسياً بمفهوم منطقتنا لما هو سياسي؛ فمخرج الفيلم يرى أن فيلمه "سياسي حين يشاهد في المحيط النرويجي".

انتظار رشيد مشهراوي

من فلسطين شارك "انتظار"(2005) الفيلم الأخير لرشيد مشهراوي الذي عرض المهرجان أيضاً فيلميه الآخرين" أخي عرفات" و "تذكرة للقدس" في عروض موازية. مشهراوي الذي كان أيضاً من ضيوف المهرجان هو والنجمة الفلسطينية عرين عمري (الممثلة المسرحية التي سرقتها العدسة في العقد الأخير) صاحبة الأدوار الرئيسية في أفلام مشهراوي الأخيرة ومنها "انتظار".

في "انتظار" يذهب مشهراوي إلى موضوعة الانتظار التي تبدو مثل لازمة وجودية لحياة الإنسان الفلسطيني؛ من انتظار "العودة" إلى انتظار "المرور" إلى انتظار كل شيء تقريباً. يحكي مشهراوي قصة مخرج سينمائي نزق(محمود مسعد) يُكلّف بمهمة أخيرة قبل أن ينفذ قرار هجرته اليائسة من غزة. والمهمة هي اختيار ممثلين لفرقة "المسرح الوطني الفلسطيني الذي يجري بناؤه في غزة بتمويل أوروبي" وترافقه في الرحلة مذيعة تلفزيونية فقدت عملها بقصف التلفزيون الفلسطيني وتدميره (عرين عمري) ومعهما مصور شاب(يوسف بارود). يسافر الفريق إلى الأردن وسوريا ولبنان لإجراء اختبارات لممثلين محتملين من فلسطينيي الشتات. أثناء ذلك يَعرض الفيلم لما وصلته الحياة الفلسطينية في زمن الحصار وتهاوي الأحلام والأوهام معاً.

أسلوب مشهراوي "بلدي" بعض الشيء أو حتى "مصري" وفيه قدر كبير من العفوية والمرح وطبقة من السذاجة الخادعة. يقدّم مشهراوي الواقع الفلسطيني في فيلمه دون فلترة ويكشف عن مساحة فجة من التجربة الفلسطينية. الكلام عنصر أساسي في الفيلم، الكلام لا الحوار؛ إذ يبدو الكلام تسميعاً و"فش خلق" كما لو أنه استعارة للواقع الفلسطيني حيث الكلام يحتل مساحة الفعل ولا أحد يصغي لأحد. الفيلم، بشكل ما، شهادة وتسجيل لمقدمات التردي الذي نشهده اليوم.

القصة العراقية في 18 فبراير 2007