سينماتك

 

سينمائيات

(البحث عن السعادة)..

ملحمة إنسانية بطلها (ويل سميث)..

رجا ساير المطيري

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

عندما سئل الممثل الشاب (ليوناردو دي كابريو)، قبل سنتين، عن سبب إصراره على أداء دور البطولة في فيلم (الطيار)، أجاب بأن هذا يعود إلى رغبته في تحقيق الخلود عبر تجسيده لأدوارٍ عميقة، تضمن له احتلال موقع راسخ وأكيد في ذاكرة الجمهور، بحيث يبقى اسمه حاضراً حتى بعد ألف سنة، مثلما نذكر الآن أرسطو وأفلاطون رغم مرور ثلاثة آلاف سنة على موتهما!. هذه الإجابة الواعية يمكن استعارتها من (دي كابريو) لنجعلها تتحدث عن حال الممثل الأسمر (ويل سميث) الذي ظل لسنوات طويلة أسيراً لأفلام الأكشن والكوميديا والمتعة، يقدمها تباعاً، من دون أن يعثر على دوره الخاص والاستثنائي الذي به ومن خلاله يمارس قدراته الحقيقية كممثل. فكأنما (ويل سميث) أراد أن يتمثل هذه الإجابة بصدق، وأن يبحث هو الآخر عمّا يضمن له الخلود، عندما أصرّ على إنتاج ولعب دور البطولة في الفيلم الإنساني الجميل (البحث عن السعادة- The Pursuit of Happyness).

في حياة كل ممثل هناك لحظة فاصلة، تنقله من طور إلى طور آخر أعلى، تتجسد في دور عميق يفجر طاقاته الحقيقية، ويجعله جديراً بمكانته كممثل مبدع. وقد يأتي هذا الدور في بداية حياة الممثل وقد لا يجيء إلا متأخراً، بسهولة أو بصعوبة، لكنه لا يأتي هكذا مصادفة، بل عن سابق تصوّر وتصميم، ينبع من وعي الممثل وذكائه ورغبته في تحقيق الذات وبلوغ المرام. ولقد كافح (ويل سميث) في سبيل الحصول على دورٍ كهذا، فرأيناه عام 2001يبتعد عن أفلام الحركة، ويشارك في فيلم (علي - ALI) بدور الملاكم الأسطوري (محمد علي كلاي)، لينال بسببه ترشيحه الأول في الأوسكار كأفضل ممثل عن دورٍ رئيسي. لكن النتيجة، برغم الأوسكار، لم تكن مرضية، لا للجمهور ولا ل(ويل سميث) نفسه، ما دعاه إلى البحث عن دورٍ آخر.. أعمق وأبلغ أثراً وقيمة.

(ويل سميث)، الذي بدأ حياته المهنية من خلال التلفزيون عام 1990وشارك في العديد من الأفلام الناجحة ك(يوم الاستقلال) و(أولاد سيئون - Bad Boys) و(أنا، روبوت - I، Robot)، تمكّن في منتصف العام 2006من العثور على دوره الأثير، في ثنايا كتابٍ جديدٍ، نُشر في شهر مايو من تلك السنة، عنوانه (البحث عن السعادة)، أو بصورة أدق (السعي خلف السعادة)، للكاتب والمليونير الأسمر (كريس غاردنر) الذي رسم فيه رحلة كفاحه الملهمة التي انتصر فيها على الفقر وارتقى ليصبح أحد الأثرياء في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي هذا الكتاب، وفي قلب هذه القصة الحقيقية، وجد (ويل سميث) ضالته، فقام منذ ذلك الحين بالتحضير لتحويل الكتاب إلى فيلم يقوم هو بدور البطولة فيه إلى جانب طفله الصغير (جادن سميث). ولأنه مؤمن بالفيلم، وبالدور، فقد أصرّ على الاستعانة بالمخرج الإيطالي الناجح (غابرييل موتشينو) ليقوم بمهمة الإخراج، وذلك بعد أن أُعجب (ويل سميث) باثنين من أفضل أعماله وهما الفيلمان الإيطاليان (تذكرني-Remember Me) و(قبلة واحدة أخيرة-One Last Kiss).

حكاية فيلم (البحث عن السعادة) -كما الكتاب- تصوّر نضالَ رجلٍ عصامي في مسعاه نحو النجاح، يؤدي دوره (ويل سميث). يبدأ الفيلم برسم صورة عامة لشخصية البطل، حيث نراه في الصباح الباكر، يحمل جهازاً طبياً في يده، ويمشي في الشارع مع ابنه الصغير في طريقهما إلى روضة الأطفال الخاصة التي تديرها معلمة صينية. الأب يعمل حراً في مجال التسويق ويتنقّل كل يوم بين العيادات الطبية من أجل أن يبيع آلات التصوير الإشعاعية الحديثة التي اشتراها في السابق بأعداد كبيرة. كان يتطلع إلى تحقيق مكسب مادي من وراء هذا المشروع، لكن خططه باءت بالفشل، ولم تسر حسب ما يشتهي، ليتعرض إلى نكسة مادية خانقة، انعكست سلباً على حياته الزوجية والعاطفية، الأمر الذي جعله يفكر في البحث عن وظيفة ثابتة، بدخل مضمون، تحقق له الاستقرار، وتعيد ترتيب حياته من جديد. وبعد محاولات عديدة وإخفاقات كثيرة يجد هذا الأب فرصة الدخول إلى عالم البورصة كسمسار، فتبدو هذه الوظيفة بمثابة المنقذ والمخلص من أزماته المتلاحقة، إلا أن هناك شرطاً وحيداً للحصول عليها، وهي أن يخوض فترة تجربة طويلة، بلا مقابل، يدخل بعدها في اختبار مع أكثر من ألف شخص، كلهم يطمعون في الحصول على هذه الوظيفة الوحيدة المتاحة، وربما هم يحتاجونها أكثر منه، والأكيد أنهم أكثر تأهيلاً منه، إذ يدخل السباق بلا شهادات ولا خبرات في هذا المجال، ما يجعل من مهمته صعبة.. بل مستحيلة..

وهكذا يبحر المُشاهد مع حكاية نضال وكفاح مرير، لأبٍ يشعر بالخيبة أمام طفله الصغير، لأبٍ يسعى خلف النجاح، ولكن الدنيا تغالبه، فتكسره، وترغمه على الخضوع لأقدارها المؤلمة. هي تجربة حياة تألق في رسمها المخرج الإيطالي (موتشينو)، وترجمها باقتدار (ويل سميث)، بأدائه المؤثر لشخصية (كريس غاردنر). وقد ضجت هذه الرحلة الإنسانية، النضالية، بالكثير من اللحظات المؤلمة والرائعة في الآن نفسه، والتي لا يملك المُشاهد أمامها إلا أن يطلق العنان لدموعه تأثراً وتعاطفاً وإعجاباً. وهذه ميزة يتمتع بها الفيلم، أنه يمتلك القدرة على التحكم في مشاعر المشاهد، بصورة مدهشة، فمرة يجبره على البكاء كمداً وحزناً، ومرة ثانية يجعله يبكي نشوة وطرباً. لكن ما يميز الفيلم فعلاً هي روحه الطاهرة النقية، الأنيقة، التي لا يخدش حياءها لقطة أو إيحاء كريه، بل منذ البداية يعلن عن طهره في ذلك المشهد الرائع الذي يلحّ فيه (ويل سميث - كريس) على رجل النظافة الصيني بأن يمسح العبارة البذيئة المنقوشة على الجدار.

فيلم (البحث عن السعادة) يضع نفسه في قائمة الأفلام المُلهمة، جنباً إلى جنب مع التحفة الكلاسيكية (إنها حياة رائعة) ومع (سمكة كبيرة) وَ(عربات النار) و(في أمريكا) وغيرها من الأعمال التي أظهرت عنايتها واهتمامها بالإنسان المحبط الكسير، باغية انتشاله من غياهب الإحباط، وبعثه إلى الحياة بروح جديدة. إن النفس الإنسانية تحتاج بين حين وآخر إلى الإطلاع على التجارب الناجحة، بغية الحصول على الإلهام، لتتجاوز به خيبتها وفشلها، والفيلم بروحه الإنسانية الغامرة يحقق هذا الهدف بجدارة، عبر الحكاية والأداء والموسيقى التي صاغها الإيطالي (أندري غويرا)، وهي موسيقى رقيقة تبعث في النفس شعوراً بالبهجة والانطلاق، وتغرس فيها إلهاماً متفجراً يدفع نحو الإنجاز، رغم كل المعوقات، ورغم الآلام والأحزان.

الرياض السعودية في 6 فبراير 2007