سينماتك

 

ناصر خمير ما زال يُبدع أفلاماً ملتبسة

بيروت – سليمان الشيخ

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

في السنوات الأخيرة من ثمانينات القرن الماضي، أخرج ناصر خمير فيلمه «الهائمون في الصحراء» ضمن سلسلة أفلام توالت في الانجاز، آخرها فيلمه الحالي «بابا عزيز، الأمير السابح في روحه». أما الفيلم الثاني من هذه السلسلة، فكان بعنوان «طوق الحمامة المفقود». وتشي عناوين الأفلام ومضامينها، بانشغال عميق وهجس مستمر لدى خمير بإبراز أبعاد وأدوار حضارية سابقة لإنسان المنطقة العربية وتبيان حصة أو دور حضارة الإسلام والمسلمين كنصوص وتجليات عملية في بعض الحِقب، في رسم صورة مشرقة، والمشاركة في تقديم انجازات حضارية انسانية تخالف جوانب من الصورة الحالية الموصومة بعلل كثيرة.

يعود ناصر خمير الى تلك التجليات في أزمان وحقب معينة ومن خلال الحبكات الدرامية ليسجل جوانب من تلك المساهمات، وهو كما ذكر في المقابلة التي نشرتها «الحياة» معه (8/12/2006) يعود الى «التجذر في مرجع زماني أبعد، ليتعدى الظروف الحالية وصولاً الى الأرضية الصحيحة»، مضيفاً: «الحرية المفقودة تجعلني أجد في أعمالي التي تبتعد من الزمن الحالي الموقوف، منبعاً للحرية».

الحقيقة مرآة كبيرة

كي نبرز بعض ما يهجس به هذا المبدع، يجدر بنا تثبيت المقولة التي وضعها في صدر فيلمه الجديد الحالي «بابا عزيز، الأمير السابح في روحه»، والتي هي عبارة للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي (1210 – 1273) جاء فيها: «الحقيقة مرآة كبيرة هبطت من السماء وانكسرت وتبعثرت في ألف قطعة، كل واحد يملك قطعة صغيرة جداً، لكنه يعتقد أنه يمتلكها كلها». ان هذه المقولة تحتل مركزاً مهماً في جوانب المشاغل التي يهتم بها المخرج ويعمل عليها، وهي توكيد لدور المشاركة – أدياناً وقوميات وشعوباً – في رفد الحضارة الإنسانية وفي أزمان مختلفة بغنى التلاوين والخصائص والانجازات والمحاولات.

انها مُنجز تراكمي مشترك – هكذا يؤكد – من جانب الجميع وللجميع عبر الزمان والمكان.

ولأن في أفلام خمير فكراً وفلسفة ورموزاً مسربلة أحياناً بالغموض، ونبشاً لأعماق غائرة تتجلبب بصور الشعر والإيماءات والإيحاءات المُلغزة، لذا فإنها تتعرض الى سوء فهم بين فترة وأخرى، كما حصل مع فيلمه «الهائمون في الصحراء» على سبيل المثال، اذ ثارت زوبعة احتجاج على فيلمه ذاك في نهاية ثمانينات القرن الماضي بسبب تضمين الفيلم بعض الرموز العِبرية.

إذ ذهب بعض النقاد الى وصم تفكيره بأنه ميال الى العبرانيين، وأن فيه جوانب مخفية – تشي بها الرموز والإيحاءات – لتمجيد العبرانيين. يهتم المخرج كثيراً بتضمين أفلامه الوحدات الشرقية من عمارة وبناء وملابس وأزياء وألوان الخ... وتعتبر الصحراء ومكوناتها من أبرز تلك الوحدات، وتم اسقاط ذلك على عصرنا، بما فيه من صراع عربي – صهيوني، تحتل القضية الفلسطينية أساسه. يومها لم ينكر ناصر خمير أن في فيلمه بعض الرموز العبرانية، كونهم وغيرهم من شعوب المنطقة في الزمان الغابر هاموا في صحارى الله الواسعة، الا أنهم كان لهم دورهم في المنجز الحضاري الإنساني، وأن علينا ألا نجردهم من ذلك الدور – صغر أم كبر – بسبب الصراع المحتدم في المرحلة الزمنية الأخيرة، وبسبب ارتكابات الحركة الصهيونية الحديثة من ظلم وآثام تجاه الفلسطينيين والعرب الآخرين. كان الفيلم يتضمن جوانب واشارات الى مراحل معينة من التاريخ، وكانت للعبرانيين فيها أدوار ومساهمات.

من هنا نبع الالتباس وسوء الفهم، كون المبدع ضمّن فيلمه رموزاً واشارات عِبرية استكثرها عليه بعض النقاد واستهجنوها.

جسر الحضارات

ومن الأفـكار المرجـعيـة في تـكويـن خمير الفـكري السينمائـي قــوله في المقـابـلة الأخـيـرة المشار اليـها: «حـاولـت أن أُعـطي فـــي السيـنما فـكرة جليـة تـشـكل جـسراً بيـن الإنـسان العـربـي الحالي، وبين حضارته التقليدية، انها محـاولة للفت الانـتـباه والحديـث عن الأصـول لا كشيء ميـت، بل كتركيـبـة حضـاريـة، محـاولة يمكن أن تعطي الإنسان المسجون داخـل حاضر مُغلق، إحساساً بالاعتزاز، وبأنه حي وقدم الكثير للإنسانيـة، وفي مقـدوره أن يتصور مستقبلاً مغايراً لواقعه من خلال البـحـث في جـذوره. انني أعمل على الماضي، بل على الحاضر ليكون هناك مستقبل».

أما جوابه عن صعوبة وصول أفلامه بخلفياتها المُثقلة بالرموز والإشارات التاريخية الى الجمهور عربياً وعالمياً، فكان: «من المهم بالنسبة إليَّ الا يحب الجميع الفيلم. اذا أحبه كل الناس، فهذا يعني انه «للجميع»، أي قابل للمرور في كل مكان! ما يهمني هو أن نعي ان العمل على حضارة منذ 15 قرناً، هو الوسيلة الوحيدة لأن نبني أنفسنا في التاريخ وفي المستقبل».

ناصر خمير ما زال يبدع، ويعرف تماماً صعوبة ما يبدعه على المشاهد العادي، وربما غير العادي – لا يهمه ذلك – إلا أن هذا الأمر يحمل التباسات دائمة تعطل فهماً حقيقياً لما يرمي اليه. فهل يجب أن تُرفق أفلامه بمُذكرات توضيحية وتفسيرية دائماً؟

الحياة اللندنية في 2 فبراير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك