سينماتك

 

)كازا)

في مُسابقة مهرجان (كليرمون فيران) للأفلام القصيرة

صلاح سرميني

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

قبل أن يصل الفيلم القصير (كازا) لمخرجه المغربي (علي بن كيران) إلي الدورة الـ29 للمُسابقة الوطنية للمهرجان الدولي للأفلام القصيرة في كليرمون فيران/فرنسا، والتي سوف تنعقد فعالياتها خلال الفترة من 26 كانون الثاني (يناير) وحتي 3 شباط (فبراير) 2007، كان قد شارك في مهرجانات عديدة منها :

مهرجان ليدز السينمائي الدولي، الدورة الـ28 لمهرجان السينمات المتوسطية في مونبلييه، الدورة الرابعة للمهرجان المتوسطي للأفلام القصيرة في طنجة، الدورة الثامنة لبينالي السينما العربية في باريس، والدورة الثالثة لمهرجان دبيّ السينمائي الدوليّ.

و(كازا)، هي الاختصار اللغوي الشعبيّ لاسم مدينة الدار البيضاء (كازابلانكا)، العاصمة الاقتصادية للمغرب، والتي تبعد 80 كيلومتراً عن جنوب العاصمة الإدارية (الرباط)، ووُفق آخر إحصاء (2004) يبلغ عدد سكانها حوالي أربعة ملايين نسمة، وتُعتبر هذه المدينة القلب النابض للاقتصاد المغربي، فهي تحتوي علي معظم الصناعات، والوحدات الصناعية.

وقد استعارت السينما اسمها في عناوين الكثير من أفلامها، لعلّ أشهرها في السينما العالمية (كازابلانكا ـ مايكل كورتيز ـ 1942)، وفي السينما المغربية :

ـ حب في الدار البيضاء ـ عبد القادر الأقطع ـ 1991

ـ بيضاوة ـ عبد القادر الأقطع ـ 1998.

ـ الدار البيضاء، الدار البيضاء ـ فريدة بن اليزيد ـ 2002

ـ الدار البيضاء ليلاً ـ مصطفي الدرقاوي ـ 2003

ـ الدار البيضاء داي لايت ـ مصطفي الدرقاوي ـ 2004

ـ فوق الدار البيضاء الملائكة لا تُحلق ـ محمد عسلي ـ 2004.

وانطلاقاً من اختيار علي بن كيران (كازا) عنواناً لفيلمه القصير، فإننا سوف نتوقع مُسبقاً بأنها تيمته الرئيسية، وسوف يحكي عنها كما فعل مخرجون مغاربة سابقون، أو هي الشخصية الاعتبارية، نتعرف عليها من خلال رحلة الشاب (سعيد)، وهي نفسها التي أقدم عليه آخرون.

يتخيّر (علي بن كيران) بأن تبدأ فجراً من الأعالي نحو طريق ما، وكأنّ الكاميرا تهبط من السماء، وفي لقطة عامّة يسير (سعيد) ببطء، ترافقه رياحٌ خفيفة، يتقدم لاهثاً، تلاحقه كاميرا مضطربة، فيستريح، ومن ثم يُكمل طريقه.

سيارةٌ تتخطاه، ومن خلال مكبر صوت عتيق، يُعلن سائقها بتكرار، ورتابة عن بضاعة لا مثيل لها من (شركة أمريكا).

يحمل (سعيد) فوق ظهره حقيبةً، وقيثارة، يحاول إيقاف مركبة ما، أخيراً تُريحه شاحنةٌ من عناء الكيلومترات المُتبقية، في جوفها رجلٌ مسنٌ، وحفيدته المريضة.

مشهدٌ قصيرٌ يتضمّن دردشةً مركزة، نفهم منها ملخصاً ما عن الماضي، والحاضر، والمُستقبل.

(سعيد) يبحث عن عمل، الطفلة مريضة، لقد غادر والدها البيت منذ عامين، وسافر إلي مكان ما في الخارج.

يصل (سعيد) إلي المدينة، وفي حافلة سوف تنقله إلي مركز أحلامه، تتقاطع شخصياتٌ، وحواراتٌ مقتضبة : امرأة تبيع معجزات صينية أرجعت البصر إلي فاقده، فتاةٌ محجبة تبتسم لسعيد معجبة، مشاحنةٌ كلامية بين السائق، ومساعده، حاجز تفتيش مفاجئ، وفوضي يومية معتادة،...ودائماً كاميرا محمولة، مهتزة، تلتقط بعض التفاصيل بدون ملل.

لقد وصل (سعيد) إلي (الدار البيضاء) (سعيداً)، فرحا،ً مبتسماً، ونغمات قيثارته تتصدّر شريط الصوت، وفي الصورة إعلان ضخم تزينه عبارة (من أجل حياة أفضل).

هذه هي (كازا) إذاً.

في محطة الحافلات تتردّد نداءات : فاس، فاس،...طنجة، طنجة،... تُعلن عن مدن، وأحلام أخري.

مونتاجٌ مركزٌ يحتفظ بما هو أجدي، وأنفع : لقاءاتٌ، وداعٌ، وبعض الطيور المُحلقة في السماء، ابتسامةٌ خجولةُ ترتسم علي وجه (سعيد)، سرعان ما تختفي عندما يظهر شابٌ مُريب، يتصنع المُساعدة، ويحذره من مخاطر المدينة التي سوف تتحقق حالاً عندما يدخل بينهما شابٌّ ثالث، ويخطف بحرفية مذهلة محفظة نقوده.

ضاعت الابتسامة، الوقت ليلاً، وعيون (سعيد) هائمة تجول المكان، لم يعد يسمع غير نباح الكلاب، وصفارات سيارات الشرطة تتباهي في شوارع المدينة، وزعيق حركة المرور، وأغانٍ متفرقة تصدر عن هذا المذياع، أو ذاك، في حانوت، أو حافلة ما.

لم يعرف (سعيد) من رحلته هذه إلاّ الطريق، ولم يبقَ له من أجل الراحة، والنوم غير إحدي زواياه، يتفرج من بعيد علي مشهد مشاجرة عنيفة من فيلم هنديّ يبثه تلفزيون مقهي مجاور، وجده بعض الساهرين الآخرين ملاذاً رخيصاً لهم، مؤثرات ضربات البطل المتلاحقة علي وجوه مجموعة من الأشرار كفيلة بإيقاظ من غالبه النعاس.

في صباح اليوم التالي، وبعد أن يتطلع (سعيد) إلي وجهه في مرآة مشروخة، لم يبقَ له من ملجأ غير الطريق، والأسي، وصور يومية معتادة: كناسٌ، حافلاتٌ، إعلاناتٌ كبيرة (بيوتٌ للجميع)، قيثارةٌ، إحباطٌ، ضجيجٌ، مشاجراتٌ، أجسادٌ هائمة، عينان زائغتان، وصمت.

المحطة هي المكان الأثير لسارق سوف يعود إليها دائماً (إنها حانوته الكبير)، ليبحث عن ضحايا آخرين ، ولكنّ عيون (سعيد) الذي لم يبتعد كثيراً عن المكان، تلتقطه.

مطاردةٌ قصيرةٌ، هي أول ردّ فعلّ لـ(سعيد) في المدينة الكبيرة، وربما تلك اللحظات المشحونة بالخوف، ورغبة الانتقام، سوف تغيّر من مسيرة حياته فيها.

لقد أنفق السارق نقوده بالمُراهنة علي كلب خاسر، ويكتفي (سعيد) باسترجاع صورة أمه، وما زال يحتفظ بقدرته علي الحلم، والتعبير عنه بكلمات داخلية يوجهها لها : الحمد لله، التقيت بصاحبي عند المحطة،..... وكلّ الكلام المُناقض ليومياته الحقيقية.

يده ملطخة بدماء وجه السارق، لقد كان أعنف مما توقع المتفرج في البداية.

في الطريق، ينتهي الفيلم كما بدأ، فأصبح بالإمكان الحديث عن بدايتين، الرحلة من القرية إلي المدينة، وبداية حياة (سعيد) فيها، وهي نهاية الفيلم نفسه، أما المستقبل، وهل يسلك (سعيد) طريقاً آخر يحقق من خلاله الطموحات، والآمال التي جاء من أجلها ؟ فهو فيلمٌ آخر.

في هذا الفيلم ـ الذي يمكن أن يكون مقدمةً لفيلم روائيّ طويل ـ هجرتان، الأولي، تلك التي نراها علي الشاشة، ونتابع بعض تفاصيلها في رحلة (سعيد) من قريته إلي المدينة، والثانية، تلك التي سمعنا عنها حواراً مُقتضباً بين (سعيد)، والرجل المُسنّ الذي التقي به مع حفيدته في الشاحنة، وتتلخص بغياب الأب، وسفره إلي بلد ما في الخارج، وانقطاع أخباره عن القرية، والعائلة، وربما من خلال هذا المشهد يستبق المخرج الأحداث، ويوحي لنا بمصير (سعيد) المُرتقب.

ولكن، هل تتجسّد القسوة في الهجرة نفسها، أم في المدينة، (الدار البيضاء) بالتحديد ؟

ذاك العنف المعنويّ الذي قدمته المدينة هديةً لـ(سعيد) منذ اللحظة التي وطأت قدماه أرضها، وكان الردّ اللحظيّ استخدامه عنفاً لم نتوقعه من شابّ موسيقي، هادئ، رقيق المشاعر، سرعان ما حولته إلي كائن آخر، ربما يكون مفتاح كلّ المصاعب التي سوف تواجهه فيما بعد.

في تلك الرحلة، كانت الكاميرا محمولة، تتابع (سعيد) مهتزة، مضطربة، قلقة، متوترة، تتوجس كل الأحداث التي سوف يتعرّض لها.

وبتكثيف شديد، أصبح الفيلم هو الرحلة نفسها حتي الوصول إلي المحطة، وسرقة نقوده، وكأن السيناريو يستعجل تلك النهاية التي لم يتوقعها الشاب.

لقد كان الفيلم مقدمة مركزة عن العنف الكامن في تلك المدينة التي لخصتها أيضاً إعلانات ضخمة معلقة في شوارعها، تمنح آمالاً وردية لمن يصل إليها لأول مرة، أو بالأحري تسخر منهم علانيةً.

ألم يمنح المخرج المغربي (محمد عسلي) فيلمه الروائي الطويل الأول عنواناً شعرياً، قاسياً، ومحيّراً : (فوق الدار البيضاء، الملائكة لا تُحلق).

حقاً، في (كازا) لم تهبط الملائكة لتُعيد نقود (سعيد) المسروقة، وعذريته.

 

هوامش:

ہ كازا: سيناريو، وإخراج (علي بن كيران)، 19 دقيقة، إنتاج عام 2006 فرنسا/المغرب.

ولد (علي بن كيران) في عام 1975، وبعد حصوله علي دبلوم من مدرسة (المدرسة العليا للإخراج السمعي/ البصري ESRA) في باريس عام 1998، عمل كمساعد للإخراج، والمونتاج في العديد من الأفلام، وبدءاً من عام2001 أخرج ثلاثة أفلام تسجيلية :

ـ جنة فيتنام/2001

ـ 30 عاماً من صيد القواقع في المغرب/2002

ـ أمل البادية/ 2003

ويُعتبر (أمل) فيلمه الروائي القصير الأول، وقد عُرض في مهرجانات دولية عديدة، وحصل علي نجاح نقديّ، وجماهيريّ.

ہ سينمائي سوري يقيم في باريس

القدس العربي في 24 يناير 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك