كثيرا ما صادفنا حسناوات أجمل بكثير ممن يتوجن ملكات جمال في احتفالات صاخبة وهدايا وعطايا وحملات اعلانية اعلامية، وننساءل لماذا لا يتقدمن للمسابقات التي تجري ويرتضين واقعهن المهني والاجتماعي والسلوكي العام. مثل هذا الواقع لاحظناه في المجال الفني ايضا فإذا وجوه جميلة لا تهتم صاحباتها بالوقوف امام الكاميرا بل يكون خيارهن ان يعملن خلفها من دون أي شكوى، أو هنّ يطمحن معه لبلوغ متعة ونرجسية الظهور المعروفة عند كل آدمي فكيف اذا ما تعلق الأمر بالجنس اللطيف. واللافت ان هذا الجانب يشمل الجنسين خصوصا وان صورة الممثل عند المشاهدين مرتبطة الى الآن بالوسامة، فيما تخطت كل استوديوهات السينما والتلفزيون في العالم هذه القاعدة النمطية، وباتوا يقدمون للعالم من يشبههم الى حد ان الممثل النجم الذي نتابع افلامه على الشاشات لا نلتفت اليه في حياتنا العامة لأنه لا يتميز عنا في شيء وبالتالي لا يحرك فينا حمية التحدث اليه، وابلاغه بمدى اعجابنا به. فماذا يقول هؤلاء عن الشكل الحسن والعمل خلف الكاميرا خصوصا في الاخراج؟ المخرجة ميرنا خياط ابو الياس التي سبق لها أن خاضت مجال تقديم البرامج وظهرت في فوازير على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال “ال بي سي” وفي فيلم “الفجر” الذي اخرجه زوجها طوني ابو الياس عن الايام العشرة الاخيرة من الاستعمار الفرنسي، وقبل نيل لبنان استقلاله، قالت: طبعا افضل الاخراج ولا يعنيني كثيرا ما يقال لي دائما من أنني اضيع فرصا كثيرة في مجال التمثيل وعلي استغلال ما اتمتع به. وأضافت: “من لا يعرف متعة الاخراج يرى بعض الحقيقة. الواقع انني اجد نفسي في رسم وتنفيذ وادارة كل الأمور وصولا الى عمل فني أراه امام عيني. ولا مرة شعرت بأنني اغار أو احسد فنانا أو فنانة، ليس لأنني جربت التمثيل بل لأنني عندما اتولى القيادة في الاخراج اجد نفسي اكثر”. هذا الكلام قالت مثله الممثلة النجمة جودي فوستر حيث لا نقاش في قدراتها وتفوقها كممثلة. اضافة الى جمالها الخاص الذي كاد يتسبب في قتل الرئيس الامريكي السابق رونالد ريجان عندما اراد مهووس بحبها لفت انتباه العالم وانتباهها باطلاق النار على ريجان.
واذا كانت “فوستر” صارحت بهذا الموقف فمن غير المجدي البحث عن الجاذب الذي تجده الجميلات في الاخراج بينما تتاح لهن فرص لا عد لها للتمثيل والتباهي بما يمتلكنه من جمال. هذا المناخ قرأته من وجهة نظرها المخرجة الحسناء مي المصري التي لم تعر اهتماما لموضوع الجمال: عندما نجري “كاستنغ” يكون همنا العثور على من يستطيع تجسيد دور معين بطريقة مثالية. لا يكون الجمال هو الاساس، وبالتالي فليست كل جميلة مشروع ممثلة هذا نمط تقليدي غبي في معيار الفن فليس مطلوبا مثلا ان تقدم صنما جميلا امام الكاميرا. وعندما سألناها لماذا لم تقف هي للقيام بدور الممثلة مع ما تتمتع به من جمال اجابت:
وعن رأيها في مقولة ان الناقد اديب فاشل، المخرج ممثل فاشل، قالت:
في هذا السياق نستطيع ان نتذكر كيف ان التمثيل جذب البعض من خلف الكاميرا، ومنهن الممثلة الراحلة هند ابي اللمع ريمي التي كانت ملاحظة للسيناريو، بينما لم تستمر ايناس الدغيدي ممثلة الا لوقت قصير قبل ان تعطي وقتا كاملا للعمل كمساعدة مخرج لعدد من المخرجين الكبار، فيما لم تفلح اكثر من محاولة لاقناع المخرجة ساندرا نشأت بأن تجرب حظها في التمثيل رغم اثبات نجاحها كمخرجة سينمائية خصوصا في فيلمها “حرامية كي جي تو” وبالتالي تفرغت ايناس وساندرا للعمل وراء الكاميرا. واذا كانت نادين لبكي وفقت في اكثر من كليب مثل “اخاصمك آه” “نانسي عجرم”، فإن خبان منصور عرفت حضورا في مسلسل “ماريانا” الذي انجزته مؤخرا، بما يعني ان الاهتمام يشمل الكليبات كما الاعمال الدرامية. مثل هذا الواقع اللافت نجده بشكل اوضح عالميا فالجميلة صوفي مارسو لها فيلمان كمخرجة وتحضر لثالث في وقت قريب، وعلى الخط نفسه اوضحت ان هناك خصوصية لا احد يقدرها في عمل المخرج ولا يعرفها الا حين يمارسها: “كنت اعرف ان زوجي السابق “كيزولاوسكي البولندي” لا يعود هو نفسه حين يباشر اخراج فيلم. لكنني لم ادرك مدى السعادة التي يحس بها الا حين قمت بالمهمة نفسها”. وتضيف “صوفي” رداً على سؤال لمجلة “بروميير” الفرنسية عن مدى استفادتها من خبراتها كممثلة في عمل أو جهدها الاخراجي:
وسيمون أتت السينما بالفنان حسين فهمي من خلف الكاميرا وظل امامها رافضا أو غير قادر على العودة الى مكانه الاساسي بعدما جرفته العروض المتلاحقة كممثل واخذته سكرة النجومية رغم تكراره القول ان هناك ثلاثة سيناريوهات قيد الدرس لتصويرها، فيما احدها بات على وشك التنفيذ ارضاء لرغبة اخراجية لطالما الحت عليه لكنه لم يجد الوقت الكافي لممارستها. لكن الاخراج دفع بعلامات فارقة في السينما العالمية للانتقال من امام الى خلف هذه الماكينة السرية يتصدرهم روبرت روفورد الذي يقسم دائما انه لو كان بدأ بالاخراج لما كان وقف امام الكاميرا في حياته كلها، “لأن المناخ الذي يتأمن مع هذا العمل يستحيل تجاهل سحره في جعل الفنان مأخوذا بكليته صوب عالم مختلف ليس سهلا التخلي عنه”. وعندما قيل مرة للمخرج علي بدرخان ما الذي جعلك تتخلى عن ميزة الوسامة عندك وتختبئ خلف هذه الآلة.. رد باقتضاب: “ما اعرفش اشتغل على حتة واحدة.. أنا أرى الأمور في مشاهد متتالية.. كما ان علاقتي بالمرآة غير ودية”. كذلك يعتبر المخرج الشاب سمير حبشي (“الاعصار”، و”مشوار”) ان المسألة نسبية في عملية الاختيار ويقول: “الواحد منا حين يدرس الاخراج فإنه يتعلم ايضا مبادئ واصول التمثيل، وليس خافيا والحال هذه مدى الترابط في داخل الدارسين بين المهتمين لاحقا، وتكون هناك صعوبة في تحديد المسار بعد ذلك، وما يحصل ان التجربة الميدانية هي التي تحسم هذا الأمر، وأنا لا اتردد في الميل الى الاشراف على عمل كامل بدل القيام بمهمة وحيدة فيه”. الفنان بديع ابو شقرا “بطل فيلم أحبيني” لا ينكر ان وسامته كانت سببا في اسناد بطولات عدة اليه لأدوار على الشاشتين والخشبة، لكنه ليس مفتونا بنفسه الى درجة الاصابة بالنرجسية القاتلة، ويقول: “التمثيل هو جزء، أو جانب من اهتماماتي. احب كثيرا بالمقابل ان اكتب شعرا وان ارسم لوحة وان اغني.. وعندي ميل مطلق الى الاخراج احس وكأن هذه المهمة هي المطلوبة لطبيعتي، فصياغة الشعر وتحديد اطار وفحوى اللوحة جزء من التوليفة العامة للمشهد السينمائي أو التلفزيوني. لذا فأنا الح على خوض التجربة”. وعن التمثيل يقول: “علينا ان نعيش، يصعب على الفنان التخلي عن بعض المقومات الحياتية. يعني سألبي كافة العروض التي تجيئني من منطلق انني محتاج لباب رزق، اما الذي اريده فيتعدى ذلك الى الامساك بزمام عمل بكامله أي ان اخرج عملا”. زيناردي حبيس حضر في أعمال عديدة ممثلا ووقف خلف الكاميرا مخرجا للشاشتين لكنه لا يجد اختلافا جذريا في المهمتين: “الواقع اني لا احبذ المفاضلة في هذا الشأن لأنني استمتع عندما اجسد دورا ثم اكون بكليتي مركزا على العمل بكامله وقت الاخراج لكن بفرح.. يعني اذا ما قلت هذا أفضل أو ذاك افضل فلن اكون متصالحا مع نفسي لأنني اصلا متواطئ لصالح الحضور في كليهما”. كما تنسحب على النهج نفسه، وجوه من العالم فهذا باتريس بشير والمخرج المسرحي والسينمائي والممثل المتميز جدا في العديد من النماذج خصوصا وقوفه بادارة يوسف شاهين في “الوداع يا بونابرت” ورئيس لجنة تحكيم مهرجان “كان” السينمائي الدولي لهذا العام، يشير الى ان السير على نهج واحد في الفن يوصل الى البلادة: “لا اتصور نفسي اعمل في مجال واحد. فالفن رحب المساحة وأنا معني بالتمثيل، والكتابة، والاخراج، والنقد، والمطالعة. كل هذا اهتم به واجد ان هذه القنوات تصب كلها في خانة اجمل ما في الحياة “الفن”. الكاميرا وحتى نستوفي هذا الموضوع من معظم جوانبه تحدثنا الى مدير التصوير والمخرج فؤاد سليمان المعني الثالث بالكاميرا وما اذا كان ميالا الى الوقوف امامها ايضا، فرد ضاحكا وهو ينهي تصوير احدث اعماله “قلب اسود” كمخرج: “لا يوجد أي ميل والا ما انتقلت من ادارة التصوير الى الاخراج يعني فضلت البقاء خلف الكاميرا. وهذا يعطيني امانا كاملا ان أرى الأمور من موقع المراقب وصاحب القرار الذي يتحمل المسؤولية كاملة عن العمل”. اضاف:
الواضح هنا ان الأمر برمته محكوم بدرجة ميل الفنان الى نواحٍ اكثر من غيرها، فعندما يحب احدنا أمراً يصبح اعرف بأدق تفاصيله وتكون المتعة مطلقة له شخصيا وينعكس ذلك على نتاجه كله ايجابا، سواء كان المعني امرأة جميلة تقف امام الكاميرا أو خلفها، أو رجلا وسيما وجد نفسه يصور، يمثل أو يخرج. جريدة الخليج في 11 فبراير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
يفضلون العمل خلف الكاميرا رغم الوسامة والجمال المخرجون نجوم هاربون من الأضواء محمد حجازي |
|