من بين الأفلام الأخيرة التي قام
ببطولتها الفنان محمود عبد العزيز، فيلم (خلطبيطة ـ 1994)، وهو الفيلم
الذي حظي بنجاح جماهيري أكثر من المتوقع، حيث حقق دخلاً قدره 800 ألف جنيه. وقد شارك محمود عبد العزيز في بطولة الفيلم كل من أحمد توفيق وإلهام
شاهين وماجدة زكي ومحمد الصاوي وحسين الشربيني وعلاء ولي الدين. والفيلم
من تأليف وإخراج مدحت السباعي.
يحكي فيلم (خلطبيطة) عن شخصية الموظف البسيط حسان (محمود عبد العزيز)،
خريج كلية الزراعة، والذي يعمل أميناً لإحدى مكتبات هيئة الكتاب، وذلك
بتعيين من القوى العاملة. لذلك نراه يحاول أن يطبق دراسته ويمارس هوايته
من خلال تنسيق الزهور والعناية بالخضروات التي يزرعها ويرعاها في بلكون
شقته. هذا بالإضافة الى هواية صيد السمك التي يمارسها من حين الى آخر.
وهو إنسان قنوع بما لديه، وليس لديه طموحات من أي نوع، متجنباً الدخول في
أية مشاكل. حتى إن علاقاته بالآخرين محدودة جداً، وتتمثل في علاقاته
بزملاء العمل. حتى زميلته (ماجدة زكي) التي تحاول إقتحام حياته بهدف
الزواج منه، يطردها من منزله ليتجنب مشاكلها. فجأة، وبدون أية مبررات،
يتم القبض عليه بتهمة الإنتماء لمجموعة مسلحة. وهي بالطبع تهمة باطلة لا
تستند الى أية دلائل وإثباتات. حتى أن حسان نفسه لا يدري شيئاً عن هذه
التهمة، وعن أي نشاط آخر يبرر القبض عليه. وبذلك يدخل حسان في متاهات
معقدة وطويلة، من تحقيقات ومطاردات وتحريات عن شخصيته، الى هروبه وتنكره
في أكثر من شخصية. الى أن يقبض عليه وهو متنكر في زي إمرأة منقبة متجهاً الى السودان في القطار، حيث يتصادف إغتيال أحد الوزراء في نفس القطار، من
قبل مجموعة إرهابية متطرفة، ويتم القبض على حسان بتهمة إغتيال الوزير.
وبالتالي يجبر على الإعتراف والتوقيع بإرتكاب هذه الجريمة وبأنه عضو في
منظمة إرهابية. وبالرغم من أن الإرهابيين الحقيقيين يعترفون بإرتكاب
الجريمة، إلا أن السلطة تصر على أن يظل حسان هو المتورط الوحيد في هذه
الجريمة، حتى لا تتراجع عن موقفها السابق. وبالفعل يتم الحكم على حسان
بالإعدام. ولكن الأحداث تأخذ منحى آخر، الى أن تظهر براءته ويتم الإفراج
عنه، ليهيم في الصحراء باحثاً عن الأمان، محاولاً الإيتعاد عن كل شيء،
لتظل أصوات المدافع الرشاشة في إذنيه، ويظل الخوف المزروع في نفسه يطارده
أينما ذهب ومدى الدهر.
عنوان الفيلم (خلطبيطة) هو تعبير شعبي لنوع من أنواع الطعام يضم عدداً من
الخضروات التي تمثل كل واحدة منها طبخة منفصلة، مثل البطاطس والبسلة
والكوسة. لذلك كان مضمون الفيلم وأحداثه تدور عن خليط من مشاكل الإنسان
المعاصر مثل التطرف والإرهاب وزوار الفجر، وعما يحدث في العالم الثالث من
حروب بفعل الإنسان ومجاعات وأوبئة وكوارث طبيعية. وبالرغم من أن الزمن في
الفيلم محدد وهو عصر الملكية في حكم الملك فاروق، وذلك عندما يظهر لنا
صورة الملك والعلم الأخضر ذي الهلال والثلاث نجمات، إلا أننا في نفس الوقت
نشاهد البطل وهو يطالع صحيفة تظهر صوراً معاصرة، ونسمع الراديو يبث
أخباراً معاصرة عن حوادث العنف والإرهاب والحروب والكوارث. أي أن تداخل
الزمن وتداخل الأحداث المقصود، يحدث هذه الخلطبيطة السياسية التي يتبناها
الفيلم، ويجسدها في أسلوب فنتازي يميل الى الكوميديا السوداء. وبإتخاذ
الفيلم لهذا الأسلوب الفنتازي، فهو هنا يبتعد عن المنطق الدرامي، ولا
يكون مجبراً على تقديم مبررات منطقية للمتفرج لتلك المواقف والأحداث
والكثير من تصرفات شخصياته. وبالرغم من هذا الطابع الفنتازي الذي إتخذه
الفيلم، إلا أنه إزدحم بالكثير من الأحداث والمواقف التي تحتاج منا الى
التفكير العميق فيما يحدث من مفاجآت تخرج حتى على أسلوب الفيلم الدرامي
نفسه. فتضيع الشخصيات وتهمش الأحداث في خلطبيطة درامية لا تشبع ولا تغني
من جوع.
فيلم (خلطبيطة) يحتوي على الكثير من الإخفاقات، إلا أن محمود عبد العزيز
كممثل قدير قد حمل الفيلم على عاتقه، وقدم أسلوباً سلساً في الأداء
التلقائي والطبيعي، قد ساهم في رفع مستوى الفيلم الفني، وذلك بشد إنتباه
المتفرج إليه والتغافل عن سلبيات الفيلم الكثيرة. ثم أن ذلك الأسلوب الفانتازي الساخر قد جعل الفيلم خفيفاً ومقبولاً من المتفرج. |