المخرج محمد فاضل فنان كبير.. مخرج متميز في عالم الدراما
التليفزيونية.. فنان أثبت ويثبت مع كل عمل جديد له، بانه من أبرز المخرجين
في التليفزيون، وأعماله الفنية جميعها متميزة وتشهد له بذلك التميز.. أعمال
تابعها المتفرج العربي بشغف وإعحاب، أكدت على إمتلاكه لموهبة فنية خلاقة
ومتجددة، وأسلوب فني وتقني مختلف تماماً عما نشاهده من دراما تليفزيونية
على مستوى الوطن العربي. من أعماله التي ماتزال عالقة في الذاكرة: رحلة أبو
العلا البشري، عصفور النار، في المشمش، الراية البيضاء، طالع النخل، ناصر
56، بالاضافة الى فيلمه السينمائي الوحيد (الحب في زنزانة).
وفيلم (طالع النخل) إنتاج عام 1988، ويعتبر من أبرز الافلام
التليفزيونية العربية، فهو حقاً عمل متميز.. أولاً لتناوله لموضوع جديد
وجريء (كتبه عصام الشماع)، يبحث فيما يجري وراء كواليس المستشفيات..
وثانياً وجود مخرج كبير وراؤه في خبرة وموهبة الفنان محمد فاضل.
يأخذنا الفيلم، مع بطله محمد السيد أحمد (عبدالله محمود)،
في رحلة قاسية مع المرض والمعاناة.. رحلة مع مرض البلهارسيا، والدخول في
دوامة يصبح فيها المرض تجارة والإنسان مجرد سلعة خالية من المشاعر
والاحاسيس وخاضعة لتجارب الباحثين عن الدرجات العلمية.
يبدأ الفيلم بلقطات جميلة قوية ومعبرة لطالع النخل معلقاً
في أعلى النخلة يمارس مهنته وهوايته في لهفة وشوق ومرح وهو يلقي بالثمر
لحبيبته المنتظرة في الاسفل.. لحظات رومانسية جميلة بالنسبة له، لم يتصور
أبداً بأنها ستكون الأخيرة. فالمرض بدأ يسيطر على هذا الجسد الضعيف، محطماً
أحلامه البسيطة في ان يعيش ويحب، قاذفاً به من خضرة الحقول الى صفرة
المستشفيات للعلاج، وتاركاً وراءه والدته وشقيقه الصغير وأحلام السفر للعمل
بالخارج ومن ثم الزواج بمن أحبها، لما بعد رحلة العلاج.
نراه يضع نفسه وأحلامه هذه تحت تصرف الدكتورة أمل (فردوس
عبدالحميد)، متصوراً بانها ستساعده على إجتياز محنته هذه بسرعة، والعودة
الى القرية لإنقاذ حبيبته من زواج مرتقب.. إلا انه يكتشف بانه ليس إلا مجرد
فأر تجارب بالنسبة لها، للحصول علي درجة الدكتوراة. فهو هنا لا يستطيع تحمل
هذه الصدمة ولا يجد أمامه سوى ان يبيع مرضه والانخراط في ذلك العالم البشع
والقاسي، الذي يصل أحياناً الى حد العبث، وذلك لكي يوفر المال اللازم
للزواج من حبيبته. وعندما يستيقظ ضمير الدكتورة، تكون محاولتها لإنقاذه
مستحيلة، فقد إنتهى كل شيء وكان هو قد عبر الحد الفاصل ما بين الحياة
والموت. فيهيم على وجهه وسط المدينة وهو في حالة ذهول لضياع كل أحلامه.
في فيلم (طالع النخل)، نجح السيناريو في إحداث صدمة قوية
للمتفرج، وذلك بتناوله ـ ولاول مرة على الشاشة ـ لهذا العالم الغريب المليء
بالحقائق المؤلمة والمدهشة في نفس الوقت، والتي يصعب تصديقها في البداية،
نتيجة هذه القسوة والالم والمرارة التي تجسدها أحداث الفيلم. لكن المتفرج
فيما بعد يواجه هذه الحقائق ويحاول التعايش معها وتصديقها بالتدريج.
الفيلم ـ بالاضافة الى تناوله لهذا العالم ـ أراد
التركيز على قضية هامة جداً، ألا وهي حالة التخلف الصحي الشديد الذي يعيشه
الريف المصري. فبالرغم من ان البطل شاب متعلم ويحمل مؤهلاً جامعياً، إلا ان
هذا لا ينفي ان يكون متخلفاً وغير واعٍ صحياً. فالعلم شيء والوعي شيء آخر.
ثم ان الفيلم يؤكد في نهايته على الاهتمام بالجيل القادم والحرص على
العناية به وتثقيفه، وذلك للوقاية من هذا المرض القاتل والمتفشي بشكل مخيف
بين الفلاحين.
أما بالنسبة للاخراج، فقد نجح محمد فاضل في تقديم فيلم سريع
الايقاع يمتاز بالحيوية، جعلنا مشدودين الى أحداثه ومتعاطفين ـ الى حد كبير
ـ مع شخصياته. هذا إضافة الى نجاحه في تقديم كادرات جمالية قوية معبرة
وشديدة العذوبة من خلال صياغة فنية قادرة على إلتقاط المشاعر الانسانية
وتجسيدها بشكل واعي ومدروس بعناية. وقد أثبت المخرج مقدرة عالية على التحكم
في أدواته الفينية والتقنية، وبراعة فائقة في إدارة ممثليه، وعلى رأسهم
الممثل الشاب والموهوب حقاً عبدالله محمود، الذي كان حقاً مفاجأة الفيلم،
حيث أدى دور طالع النخل بتفوق شديد وتلقائية مقنعة ومقدرة على تقمص
الشخصية، وأثبت بانه فنان لديه طاقات وقدرات تمثيلية كبيرة قادرة بان تجعله
في المستقبل القريب في مصاف كبار نجوم السينما والتليفزيون في مصر والوطن
العربي. |