فيلم (المطارد) انتاج عام 1985،
مأخوذ عن ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ. وهو فيلم يشترك مع مجموعة من الافلام في نفس الموضوع. والافلام هي: الجوع، سعد التيم، شهد الملكة،
التوت والنبوت، الحرافيش، عصر الحب.. وجميعها مأخوذ عن »الحرافيش«.
وباستثناء فيلم (الجوع)، وهو اهمها، اعتمدت هذه الافلام اساساً على العنف
المجسد بشكل بارز، باعتبا ان ملحمة الحرافيش قد وفرت لهذه الافلام كمية من
العنف لم تتوفر في اعمال روائية اخرى. ففي الحرافيش ترتفع هراوات العتوات
لتفرض القهر والذل والاتاوات على سكان الحارة ليأتي فيما بعد من يحاول
الوقوف ضد هذا الظلم والطغيان، فيلجأ ـ بالطبع ـ الى العنف، حيث يفشل مرة
وينجح مرة اخرى حتى يصل الى السلطة، الا انه سرعان ما يتفشى الفساد في
السلطة الجديدة، وذلك باعتمادها على القمع وتخويف الناس لاستمرار تحكمها
في الحارة، فينتشر القهر والذل من جديد، وتفرض الاتاوات ويستمر التسلط
حتى يأتي من يحاول المقاومة والتصدي مرة اخرى لهذا الفساد، وبالتالي
فالعنف مستمر ومتواصل الى مالانهاية.
بالنسبة للمخرج سمير سيف صاحب فيلم (المطارد) فهو من بين انشط مخرجي جيل
السبعينات، فمنذ تخرجه من المعهد العالي للسينما بالقاهرة عام 1969، قدم
ما يزيد على العشرين فيلماً. وبالرغم من انه قدم الفيلم الكوميدي
والاجتماعي والنفسي، والغنائي والميلودامي، الا ان اكثر افلامه نجاحاً هي
التي تنتمي الى سينما العنف والمطاردات، متأثراً كثيراً بافلام هوليوود
الامريكية. وفيلم (المطارد) يتخذ من العنف والمطاردات اساساً للحداث،
فقد اعتمد سيناريو الفيلم، الذي كتبه احمد صالح بالاشتراك مع المخرج، على
الحكاية الرابعة في ملحمة الحرافيش. ونحن هنا لن نتطرق للسرد الدرامي بكل
تفاصيله ومتاهاته، وانما سنحاول مناقشة بعض الافكار الدرامية والفنية التي
قدمها لنا الفيلم. ففي (المطارد) هناك عبارة وردت على لسان احدى الشخصيات
تتحدث عن فكرة العدالة، اضافها السيناريو على القصة الاصلية، تقول:
(ان
العدالة والنزاهة مجرد اكاذيب نسجتها خيالات المقهورين، وان المستبد لايمكن ان يكون عادلاً). وهي فكرة ترتبط بفكرة اخرى وردت في آخر حكايات
»الحرافيش«، تقول: (ان العدل لايمكن ان يتحقق الا بمشاركة الجميع في
السلطة والسطو على السواء). ولكن هذه الفكرة لم تجد لها المعادل السينمائي
المناسب في تنفيذ هذا الفيلم، وبالتالي بدت باهتة وهامشية. فالحرافيش
الذين شاهدناهم يدربون انفسهم على استخدام الهراوات ـ في مشاهد سريعة
وخاطفة ـ يشاركون في المعركة الاخيرة بطريقة بليدة ومتراخية وسرعان ما
يختفون تماماً، مما ادى الى خفوت الفكرة التي كانت تحتاج الى تعميق وتجسيد
يليق بها. كما ان الفيلم بعد ان اهمل فكرة المقاومة الجماعية، قد اتخذ من الارادة الفردية اسلوباً لمحاولة الخروج من دائرة الطغيان، لذلك فالاحداث
الدرامية نراها تسير على خط واحد مفرد، مختزلة كل الخطوط الاخرى حتى صارت
مجرد زوائد تتصل بذلك الخط الواحد، الذي يكون بمثابة رصد لحركة ومغامرات
البطل (سماحة الناجي) رمز القوة والعدل الذي يطارده الجميع ويريدون قتله.
وربما حاول السيناريو في بعض من رموزه الكثيرة اضفاء اسقاطات سياسية
واخلاقية معاصرة، الا ان هذه الرموز كانت تحتاج ايضاً الى عمق في التناول
ومساحة مناسبة في الحدث الدرامي حتى تبرز وتؤثر.
اما بالنسبة للاخراج، فقد ساهم كثيراً في انقاذ الكثير من سلبيات
السيناريو، فاختيار اماكن التصوير والديكور قد اعطى مصداقية للاحداث.
فمثلاً بيت الناجي القديم الواسع الارجاء قد اعطى الاحساس بان هذا المكان
يحتاج الى من يملؤه.. واللقطات البعيدة التي اظهرت ابعاد الدار العتيقة قد
عمقت هذا الاحساس بالفراغ. كما لجأ المخرج لاختيار الاضاءة المعتمة كعنصر
درامي يضاف الى حلكة الظروف الصعبة التي يعيشها اهل الحارة. ولم يستخدم الاضاءة الساطعة الا في حالات نادرة للايحاء ببعض جوانب الامل والتفاؤل.
وهناك مشهد في بداية الفيلم يصور اختبار القوة بين الفسخاني والفللي لتحديد
زعامة الحارة.. في هذا المشهد يتم تصوير لحظة الاستعداد للمعركة بحيث
يبدوان كعملاقين يناطحان السحاب. ثم حينما يتحدد الفائز ويبدأ الاهالي
بالانصراف تأخذ الكاميرا لقطة عامة توحي بان المكان ليس الا خشبة مسرحية،
وان ما دار فوقها ما هو الا لعبة سوف تنتهي عاجلاً او عاجلاً. |