ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
هي فوضى

إنتاج عام 2007

يوسف شاهين

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 29 أكتوبر 2008

 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

خالد صالح، منة شلبي، هالة صدقى، يوسف الشريف، هالة فاخر، عمرو عبدالجليل، أحمد فؤاد سليم، درة، صفوة، أحمد سامى عبدالله، سيف عبدالرحمن، عبدالله مشرف، رولا محمود، حنان يوسف

قصة وسيناريو وحوار: ناصر عبدالرحمن _ إخراج: يوسف شاهين، خالد يوسف ـ مدير التصوير: رمسيس مرزوق ـ مونتاج: غادة عز الدين ـ ملابس: منية فتح الباب ـ ماكياج: شريف هلال ـ منفذ خدع: سيد هاشم ـ موسيقى: ياسر عبدالرحمن ـ ديكور: حامد حمدان ـ صوت: مصطفى على ـ انتاج: جابى خورى (ماجد يوسف ـ منتج فني)، رشيد بوشارب (منتج)، ماريان خورى (منتج)، جون برياه (منتج) أفلام مصر العالمية

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

هي فوضى

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

عادة ما أشاهد أفلام الراحل الكبير يوسف شاهين أكثر من مرة.. وذلك للبحث عن أسئلة وأفكار يطرحها للمناقشة من خلال أفلامه الجريئة.. هذا إضافة إلى الإخفاق في الوصول إلى ما أراد شاهين قوله من أول مشاهدة.. حيث الكثير من الأفكار والمفاهيم المتشابكة.. لذلك أحرص دائما على عدم إبداء أي وجهة نظر في فيلم من أفلامه بعد المشاهدة الأولى..!!

هذا الأمر.. اختلف مع فيلمه الأخير (هي فوضى).. حيث كانت مشاهدتي له أثناء تواجدي في الكويت.. وهناك (بالطبع) كان مقص الرقيب حامياً في حذف مشاهد كثيرة.. بسبب تلك الرقابة غير المسئولة وغير الواعية لمفهوم الفن..!!

ورغم ذلك.. فلم أسعى لمشاهدة الفيلم عند عرضه مؤخراً في صالات البحرين.. لم أجد الحماس الكافي لتكرار المشاهدة.. وذلك لشعوري بأن الفيلم لا يستحق أكثر من مشاهدة.. حيث وصلني كل ما أراد الفيلم قوله.. وصلني وبشكل مباشر وغير مراوغ.. على عكس أسلوب شاهين الذي تعود عليه المتفرج، منذ أول أفلامه.

وهذا ما يدعو للقول بأن عدم مشاركة الراحل شاهين في كتابة السيناريو.. حيث قام بكتابة القصة والسيناريو والحوار بالكامل الكاتب ناصر عبدالرحمن.. ثم سماح شاهين ـ ولأول مرة في تاريخه ـ بمشاركة تلميذه المخرج خالد يوسف له في وضع الرؤية والإخراج للفيلم.. هذان السببان ربما كانا وراء تغيير كبير في الأسلوب الفني السينمائي الذي ظهر به فيلم (هي فوضى).

الفيلم بشكله النهائي يتبنى رؤية مباشرة وصريحة وموجهة للجماهير العريضة.. بينما تتميز سينما شاهين بأنها تتوجه للمتفرج المفكر، أو لنقل المتفرج غير العادي.. وليس المتفرج التقليدي الذي لا يتعب نفسه في التفكير العميق فيما يقوله الفيلم.. فشاهين يجيد تقديم فن يتجاوز الواقع بتقديمه رؤية متمردة وصادمة، يحركه في ذلك إبداع الفنان وليس وعي المثقف فحسب، مما يجعل أفلامه ممتعة وخالدة مع كل مشاهدة جديدة لإعادة دراستها وإعادة اكتشافها.. إلا أن الفيلم الجديد (هي فوضى)، لا يندرج تحت هذا التوصيف المتميز، حيث يطرح قضيته بشكل مباشر وصريح وغير معتاد، وينحاز لهذا الجمهوري العريض، أكثر من انحيازه للسينما الفنية التي كان يسعى لها شاهين في مجمل أفلامه..!!

الاثنان، يوسف شاهين وخالد يوسف.. يشتركان في صفات كثيرة.. أهمها ذلك البعد السجالي الصادم في طريقة الطرح والأسلوب من خلال أفلامهما.. كما أنهما يشتركان بالخوض في عمق الواقع المصري والعربي على المستوى الإنساني، والبحث في الحالة المجتمعية للفرد الخاضع للابتزاز والتسلط من قبل السلطة والمجتمع، ومواجهة ذلك التسلط والتغلب على الكثير من الخيبات التي تعترض طريقه..!!

فيلم (هي فوضى) يتحدث عن الجماهير وتحكم السلطة الديكتاتورية في مصر.. ممثلة ببعض النماذج السيئة.. هذه الديكتاتورية التي تولد الثورة في النهاية.. هذا ما يقوله فيلم (هي فوضى)..!!

يتحدث فيلم (هي فوضى) عن شخصيتين رئيسيتين.. الأولى حاتم (خالد صالح)، أمين الشركة الذي سمح لنفسه أن يستخدم صلاحيات أكبر من منصبه، نتيجة تسيب رؤسائه وفسادهم، وليصبح بالتالي موظفاً مرتشياً وأداة تسلط وتعذيب لكل من يخالف أو يعترض على سياسة الحكومة، ويعلن صراحة بأنه هو الحكومة.. إضافة إلى الأمراض النفسية التي تحملها الشخصية، مثل السادية والهوس الجنسي.

الشخصية الثانية هي شريف (يوسف الشريف)، وكيل النيابة الشاب، الذي يمثل الحارس على القانون وتقاليد المجتمع، إلا أنه في تصرفاته يبدو متذبذباً، ومتعجرفاً وذلك من خلال علاقته بحبيبته سيلفيا حيث يتغاضى عن تصرفات غريبة في سلوكها غير مقبولة من المجتمع، أو في علاقته بوالدته وتلك الرواسب التي يحملها تجاهها.. هذا إضافة إلى سوء استخدامه لمكانته كوكيل نيابة في بعض المواقف.

الاثنان (حاتم وشريف) يدخلان صراعاً حول البنت البريئة الشابة نور (منة شلبي)، وهي ابنة بهية (هالة فاخر) المرأة المصرية القوية والقادرة على إعادة التوازن للمجتمع ومواجهة أي أخطار تحيق به.. هكذا هي بهية في أفلام يوسف شاهين.. المهم أن نور تعمل مدرسة لغة إنجليزية، وتربطها علاقة قوية بناظرة المدرسة التي تعمل بها (هالة صدقي)، المرأة ذات الشخصية القوية والتي تحمل مبادئ أخلاقية وسياسية لا تحيد عنها، مما يؤثر سلباً على حياتها الأسرية.. المهم أن نور تفصح لوالدة وكيل النيابة بأنها مغرمة بابنها وتريد الارتباط به.. ونساعدها الأم على ذلك.. وفي نفس الوقت نرى بأن أمين الشرطة حاتم يعشقها حد الهوس.. إلا أنها لا تبادله نفس الشعور.

يصل الصراع إلى ذروته بعد اغتصاب نور من قبل أمين الشرطة في مشهد درامي مباشر لا ينتمي لأسلوب يوسف شاهين بتاتاً.. ونرى كيف أن هذا الحدث قد خلط الأوراق بين الدافع الوطني والدافع الشخصي في مواجهة الشر القادم من أمين الشرطة حاتم..!!

وبالرغم من التفاوت الكبير في الإيجابية لكل شخصية باتجاه المجتمع.. إلا أن كليهما يستفيد من السلطة التي منحت لهما من قبل الدولة أو المجتمع، في أموره الشخصية، وهي إدانة من قبل الفيلم وإشارة إلى أن الفساد يمكن أن يتمكن من جميع أفراد السلطة صغيرهم وكبيرهم.. علاوة على ذلك فإن الصراع الدائر بين الشخصيتين يبدو غير متكافيء تماماً..!!

الفيلم كفكرة وموضوع لا غبار عليه.. جريء وصادم ويقدم إدانة واضحة لسلطة الدولة وسلطة المجتمع، ويكشف التجاوزات الخارجة عن القانون ومسببات العنف والإرهاب.. إلا أن كل ذلك جاء بشكل مباشر، ولم يتمكن السيناريو من صياغة الفكرة ويقدمها من خلال أسلوب فني لماح.. فالفيلم اعتمد على الثنائية التقليدية (الخير والشر)، وجسد الصراع الدائر بينهما.. بل وتناول هذه الثنائية بشكل ميلودرامي فج.. اعتمد على الإثارة والأكشن.. اللذان يتميز بهما أسلوب المخرج خالد يوسف.. ولم يسعى لتقديم أسلوب يعتمد الهدوء والإيحاء بالرمز والتأمل العميق في الشخصيات والأحداث، الذي يتميز بهما شاهين في غالبية أفلامه..!!

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004