جديد حداد

 
 
 
 
 

حسن حداد:

السينما، منذ بدايتها، لم تأخذ على عاتقها مهمة القيام بتوعية الجماهير

حاورته: أمينة بركات/ جريدة الصحراء المغربية

 
 
 
 
 
 
 
   
 
 
   
 
 
 
 
 
 

يصنف البحريني حسن حداد من بين النخبة المثقفة البارزة على الساحة العربية، وتتبعه للحركة السينمائية العربية عن قرب وحضوره العديد من المهرجانات واللقاءات السينمائية وهو ما جعل منه ناقدا سينمائيا يحسب له حساب، اهتماماته بالكتابة في المجال السينمائي بدأ بأول مقال له في أخبار الخليج سنة 1983، عضو نشيط و فاعل في نادي البحرين للسينما منذ انخراطه فيه عام 1985.

قاده اهتمامه الشديد بالفن السابع أيضا إلى إعداد برامج عن السينما لإذاعة البحرين بالإضافة إلى إشرافه على قسم السينما الأسبوعي في مجلة له موقع الكتروني خاص بالسينما.

من إصداراته كتاب عن "ثنائيةالقهرـ التمرد في أفلام عاطف الطيب" وكتاب تحت الطبع يحمل عنوان "محمد خان سينما الشخصيات والتفاصيل" حتى نقترب من هذا المبدع في جنس النقد السينمائي للتعرف عن آرائه ومواقفه من بعض الهموم السينمائية العربية أجرينا معه هذا الحوار:

·     ككاتب متخصص في النقد السينمائي ما هو رأيك في الإرهاصات التي تعيشها الساحة السينمائية بمنطقة الخليج، هل هي بداية لسينما محلية حقيقية؟

- من الطبيعي أن ينتاب أي متابع للسينما في منطقة الخليج شعور الفرح والاحتفاء بما ينتج من أفلام.. باعتبار أن كل هذا النتاج يشكل بداية لتكوين تراث تراكمي للصورة المتحركة في المنطقة، ولابد له أن يؤسس لسينما خليجية في المستقبل. فإذا تحدثنا عن الفيلم الروائي الطويل في دول الخليج العربي.. فلن تغيب عن ذاكرتنا أفلام قليلة، قدمها فنانون مخلصون للفن السينمائي، وبجهود شخصية جداً.. مثل الكويتي خالد الصديق، والبحريني بسام الذوادي.. وغيرهم قليل.

أما بالنسبة للفيلم الروائي القصير والتسجيلي، فهناك كم ضخم من الأفلام، يبشر بوجود فنانين متعطشين لهذا الفن الجميل.. وبالذات في دولة الإمارات المتحدة ، الذين لم شملهم القائمون على مسابقة "أفلام من الإمارات"، حيث أن هناك تجارب خاصة جداً، يمكنها أن تكون نواة أو حجرا صغيرا لفعل سينمائي مستقبلي.. إلا أننا لا نستطيع أن نجزم حتى الآن، بوجود سينما في الخليج العربي، باعتبار أن جميع هذه التجارب الفيلمية، بغض النظر عن مستواها الفني والتقني، هي بمثابة محاولات شخصية في أغلبها نفذت بكاميرات فيديو.. بالمعنى الأصح للسينما، وجود عجلة إنتاج سينمائي ثابتة ذات كيان خاص، يمكن أن تشكل استمرارية إنتاجية.. وهذا ينطبق على مجمل الأفلام في الدول العربية باستثناء مصر بالطبع.. حيث التراث السينمائي الضخم، والمعامل والاستوديوهات وشركات الإنتاج.. وغيرها.

في دول الخليج العربي، كما في جميع الدول العربية، توجد طاقات إبداعية جميلة وكثيرة.. تحتاج للدعم والتشجيع، حتى يصل إبداعها إلى النور.. لدينا سينمائيون كثر، ولكن أين من يأخذ بأيديهم ويحقق ما يصبون إليه.. فالسينما ليست فكر وفن فحسب، ولكنها بالدرجة الأولى صناعة وتجارة.. تحتاج إلى رأس مال وإمكانيات إنتاجية حتى تصل إلى المتلقي.. السينما، منذ بدايتها، لم تأخذ على عاتقها مهمة القيام بتوعية الجماهير ورفع مستواها الفكري والثقافي.. بقدر ما هي بالنسبة للغالبية من المنتجين تجارة تدر عليهم الكثير من الأرباح، ولم يأخذ هدف التوعية، حيزاً من أجندة المنتجين. 

·     لا شك في أن موقع حسن حداد كمتتبع للحركة السينمائية في البحرين تعطيه شرعية الجزم في وجود سينما بحرينية أم ومجرد وجود أفلام فردية هي نتاج اجتهاد أفراد مهووسين بالعمل السينمائي بدون سند من جهة معينة؟

- نرى بأن المؤسسات الرسمية والأهلية بدول الخليج العربي، لا تثق في قدرات هذا الفنان الطموح، من أن يصنع جمهورا سينمائيا يمكن التعويل عليه.. أو لنقل بأن هذه المؤسسات ليس لديها هذه الروح المغامرة لتوفير ميزانية أفلام مستقبلها مجهول!!

لذا يمكنني الجزم، بأن السينما كصناعة في دول الخليج لن تكون لها قائمة إلا من خلال دعم القطاع العام.. أي الأجهزة والمؤسسات الرسمية الحكومية، باعتبار أن الهم الفني والتثقيفي يتزامنان مع توجهات هذه الدول لتربية جيل مثقف ومهتم بالأدب والفن بشكل عام، والإحساس من جانب هذه الحكومات بالمسئولية تجاه المواطن، بغض النظر عن الربح المادي.. هذا ما يتراءى لنا من خلال تصريحات المسئولين في هذه الدول.

أما التعويل على القطاع الخاص في قيام سينما محلية ـ رغم أنه الأفضل ـ فهذا أمر لا يمكن الرهان عليه مرحليا، باعتبار أن رأس المال الخاص، سينتظر طويلاً إلى أن يطمئن بأن هناك جمهور سينمائي.. أو بالأحرى مستهلك جيد لهذه الصناعة المنتظرة!!

ولكن.. لنكن أكثر تفاؤلا بالمستقبل السينمائي في هذه المنطقة الحساسة من العالم.. منطقة المال والثروات الطبيعية الكبيرة.. ولابد أن يكون للثروات الثقافية والحضارية الكامنة في إنسان هذه المنطقة، دوراً في إبراز إنسان متحضر وواع لمستوى التفكير والثقافة على المستوى المؤسسي والفردي. 

·     من موقعك كناقد سينمائي  ما هي نظرتك للسينما العربية ، هل تمتلك أذوات و قوة من شأنها أن تعكس الواقع العربي الحقيقي الذي لا يخلو من مشاكل تعيق نموه بشكل طبيعي؟

- كما أسلفت.. من أن السينما صناعة وتجارة قبل أي شيء.. فلابد أن يكون هناك المنتج الذي يمكنه أن يغامر بماله في فن مطلوب جداً من الجماهير العريضة.. مشكلة المنتج العربي هي الجمهور/ المتلقي.. باعتبار أن أي فيلم عربي (غير مصري)، يحتاج إلى جمهور يغطي تكلفة هذا الإنتاج.. وهذا لن يأتي من فيلم أو عشرة.. إنه تراكم كمي لابد له أن يعطي ثماره في المستقبل.

ففي الدول العربية، البحريني يريد ترجمة عربية فورية لأي فيلم مغربي أو جزائري.. والفيلم البحريني يحتاج إلى ترجمة عربية فورية للمتفرج المغربي.. وهذا لن يكون له حل إلا من خلال نشر وتوزيع الفيلم العربي بشكل يزيل هذا العائق اللغوي.. وحتى وجود الحل، فإن أي فيلم عربي لن يعرض في أغلب البلاد العربية الأخرى.. وبالتالي لن يغطي تكلفة إنتاجه. وهذا بالطبع ناتج عن سوء توزيع للفيلم العربي.. هذا التوزيع الذي حرمنا من عدد كبير من أفضل الأفلام العربية.. والتي حصلت على جوائز وتقدير عالمي.

ولنتخيل مثلاً.. بأن فيلماً مثل "الهائمون" للتونسي ناصر خمير، مضى على إنتاجه أكثر من عشرين عاماً.. لم يعرض قط في البحرين.. إلى أن جلبه المقيمون على الأسبوع الثقافي التونسي عام 2004. هذا بالرغم من أهمية فيلم كهذا.. حصل على تقدير عالمي وجوائز كثيرة.. ومازال يعرض في المحافل السينمائية العالمية.. ونخشى أن ننتظر عشرين عاماً أخرى لنرى فيلميه "طوق الحمامة المفقود"، وعشرون أخرى لمشاهدة فيلمه الجديد "بابا عزيز".. هل هذا معقول.. فقير هذا المتفرج العربي حقاً..!!

بالنسبة لمضمون السينما العربية، فنرى بأن الغالبية منها، تتجه للجانب الترفيهي الاستهلاكي.. إلا أن هناك طاقات سينمائية خلاقة.. نجحت بالوصول إلى المحافل الدولية، بل والحصول على التقدير المناسب الذي تستحقه بالفعل.

نلاحظ بأن السنوات العشر الأخيرة قد أعطتنا مجموعة من المخرجين السينمائيين من سوريا ولبنان وفلسطين.. فالأفلام اللبنانية والفلسطينية بالذات، قد فاجأتنا حقاً بقدرات ورؤية خلاقة لسينما تعبر عن واقعها بشكل ملحوظ. هذا بعكس الجزائرية، تلك السينما التي اكتسحت الوسط السينمائي العربي خلال عقدي السبعينات والثمانينات.. أين هي الآن. الآن نرى بأن الفلسطينيين قد فاقوا التصورات ووصلوا إلى معاقل هوليوود، بفيلمي (يد إلهية) لإيليا سليمان، و(الجنة الآن) لهاني أبو أسعد.. هذان الفيلمان حصلاً على تقدير مشرف.

نرى بأن الطاقات السينمائية العربية لا ينقصها شيء للتعبير عن واقعها سوى الإنتاج السخي والمستقل.. الذي لا ينال من رؤية الفنان وفكرته.. طاقات لو أتيح لها ما يتاح للآخرين لوصلت إلى أكثر ما وصلت إليه بكثير. 

·         ما هو رأيك في حمى المهرجانات التي اجتاحت معظم البلدان العربية وهل تمثل إضافة لمجال السينما فيها؟

- بالطبع نعم.. فالمهرجانات ضرورة حتمية للنهوض بأي نشاط سينمائي.. هي المحك الرئيسي للتعاون واكتساب الخبرة والتعارف بين السينمائيين.. هذا إضافة إلى مشاهدة الكثير من الأفلام والتعرف على التيارات والتجارب السينمائية العالمية الجديدة.. لابد أن يكون هناك مهرجانات ومحافل سينمائية تثري الساحة الفنية بشكل عام. 

·     في اعتقادك هل تستطيع السينما العربية بما لها وما عليها  أن توظف كسلاح ضد كل ما من شأنه أن يسيء لصورة العربي  والمسلم؟

- السينما سلاح مهم وخطير أيضاً، وتوظيفها بالشكل الصحيح يعطي فرصة لمواجهة أي إساءة للعرب والمسلمين.. ولكن، على السينما العربية أولاً، تناول ومعالجة قضايا حياتية ملحة وأمراض متفشية تعاني منها المجتمعات العربية. بعدها يمكن أن تنجح كسلاح ضد كل ما يسيء لصورة العربي والمسلم..!! 

·     من خلال قراءتك للعديد من ألأفلام التي عرضت أخيرا في مجموعة من المهرجانات  هل لامست أن هناك تمازج بين الشكل والمضمون وهل هذه المعادلة استطاعت أن تسفر عن منتوج ذو هوية معلنة؟

- إن المتابع للأفلام القليلة التي قدمت فكراً ومضموناً نخبوياً.. أقصد التي ليس لها جمهور كبير، وذلك بابتعادها عن التسلية والترفيه، وهو المطلوب من متفرج الوقت الحاضر. هذه الأفلام نجحت إلى حد كبير في إعطاء رؤية متوازنة ما بين الشكل والمضمون.. وكمثال أفلام المصري محمد خان، والتونسي ناصر خمير، والسوري عبداللطيف عبدالحميد، والفلسطيني هاني أبو أسعد.. وغيرهم قليل. 

·     في ظل كل التحركات التي تعرفها منطقة الخليج من انتاجات سينمائية ومهرجانات  سينمائية  واستوديوهات هل يوازيها اهتمام المستثمرين وأصحاب القرار لمنحها الدعم الذي تستحق أم المسألة مازالت تحتاج للكثير من الوقت لإقناع هؤلاء بأن الفن و الثقافة  ليست من الدرجة الثانية؟

- الأمر يحتاج فقط إلى رؤوس أموال شجاعة لتنفيذ ذلك. 

·     يبدو أن الدراما  التلفزيونية التي حققت حضورا متميزا في البرامج التلفزية عبر الفضائيات لها تأثير على أعمال الجيل الجديد من المبدعين العرب ،  إلى أي مدى تتفق معي في هذا الرأي؟

- في السنوات العشر الأخيرة، كان حضور الدراما التلفزيونية كبيراً، وبالذات في شهر رمضان.. وهذا الحضور له بالطبع إيجابياته وسلبياته.. من أبرز إيجابياته، هو أنه يمد السينما العربية بطاقات جديدة على صعيد التمثيل والعناصر الفنية الأخرى. أما السلبيات، فتكمن أساساً في تعويد المتفرج العربي على نمط سهل وتقليدي من هذا الكم الدرامي البعيد عن الواقع والذي يقدم بشكل استهلاكي لملء ساعات الإرسال فقط. هذا بالطبع يؤثر على مستوى التلقي لدى المتفرج العربي. وهذا القول ليس تعميماً على كل ما يقدم، بل على الغالبية العظمى منه.

أما بالنسبة للتأثير على إبداع الجيل الجديد.. فهذا قول مشكوك فيه.. صحيح بأن المبدع في أي مجال لابد أن يتأثر بمجتمعه، وبكل ما يحيط به. إلا أن الفضائيات ربما لا تشكل ذلك التأثير الكبير على المبدع السينمائي.. فالفنان السينمائي الأصيل، حسب اعتقادي، لابد أن يكون محصناً من أي عدوى أو تأثيرات مثل هذه، وذلك لتمكنه من الفكرة الفنية والمضمون المطروح في عمله الفني. هنا أنا أتحدث عن السينمائي الأصيل.. أما الفنان الاستهلاكي، فهو من يسمح لسحر الفضائيات بالسيطرة على عمله وإضفاء صفة الاستسهال الفني عليه. وهو أمر متفشي ـ للأسف ـ في غالبية الأعمال التي تكتسح السوق السينمائي في الوقت الحاضر.

جريدة الصحراء المغربية في

20.04.2004

 

 

كذلك

نشر الحوار في موقع "جماعة السينما الفلسطينية.. بتاريخ 31 مايو 2006 ـ اضغط للتصفح

وفي موقع "جهة الشعر".. بتاريخ 4 يونيو 2006 ـ اضغط للتصفح

وفي موقع "القصة العراقية".. بتاريخ 14 يونيو 2006 ـ اضغط للتصفح

وفي موقع "جماعة البعد الرابع".. بتاريخ 27 مايو 2006 ـ اضغط للتصفح

 

نشر الحوار أيضاً في جريدة الوطن البحرينية.. بتاريخ 14 يونيو 2006 ـ مع خطأ مطبعي تم الإعتذار عنه والتويه بالصيغة التالية:

نعتذر من الزميلة أمينة بركات عن سقوط اسمها سهواً في صفحة الأسبوع الماضي ولقائها مع الكاتب السينمائي حسن حداد

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004