يتناول فيلم (ناجي العلي) بعض من سيرة الفنان ناجي العلي الذاتية
والفنية، من لحظة تهجيره من فلسطين الى لبنان، وحتى سقوطه صريعاً
في لندن. وبالتالي فالقضية الفلسطينية هي الخلفية الجوهرية
للأحداث.
يناقش الفيلم إذن قضية مأساة شعب فلسطين، بين شراسة الاحتلال
الإسرائيلي وتفكك الصف العربي، حيث غياب الحرية والديمقراطية.
والفيلم في طرحه السياسي هذا، يعلن بصراحة وجرأة عن مسئولية العرب
في استمرار هذه المأساة. يحكي عن العرب الذين يختلفون فيما بينهم
كثيراً دون أن يتفقوا، ودون أن يتوحدوا. ويحكي عن أساس هذا التردي
الذي يعيشه العرب، التفكك والتخاذل، الحساسيات بين جميع الأطراف.
ويحكي عن الحسابات المعلنة التي تحاصر حرية الرأي ولا تتورع عن
التصفية الجسدية إذا اضطر الأمر لذلك. والنتيجة هي شعب مشرد بلا
وطن يحمل قضيته من بلد الى آخر ويصارع، إضافة الى عدوه الأوحد
إسرائيل، أعداء آخرين عرب.
وقد اختار صناع الفيلم نموذجاً إنسانياً واحداً، للتعبير عن كل هذا
الذي يحدث في واقعنا العربي.. وهذا النموذج هو الرسام الفلسطيني
ناجي العلي، الذي شهد الهجرة الكبرى من أرض فلسطين وهو في سن
العاشرة، وعاش عذابات ومرارة التهجير من قريته «الشجرة» الفلسطينية
الى مخيمات اللاجئين في الأردن، ومن ثم الى بيروت، والى الكويت،
حتى استقر به المقام في نهاية حياته في لندن. وناجي العلي إنسان
بسيط ليست لديه أطماع، يتعامل مع الحياة بنقاء وبراءة، أسلحته
القلم والورق، جريء في طرح رأيه في الجميع، ويسخر مما لا يعجبه في
رسوماته الكاريكاتورية، لذلك تأتيه الرصاصات الغادرة لتقتله، وذلك
لعدم توفر الجو الملائم وانعدام الحد الأدنى من حرية الرأي.
ولأن الموضوع المطروح بهذه الخطورة والجرأة، فقد كان على كاتب
السيناريو (بشير الديك) أن يكون دقيقاً وحذراً، وحريصاً على
الأمانة السياسية والتاريخية، وقد نجح كاتب السيناريو فعلاً في أن
يعبر بأمانة عن معاناة شعب بلا وطن، ومعاناة أمة بلا حرية. وقدم
سيناريو جيداً اتخذ الأسلوب الحكائي في السرد، ولو أنه اتصف
بالمباشرة في أحيان كثيرة، إضافة الى الفلاش باك في بعض المشاهد.
وبالرغم من أن الشخصية الرئيسية مرسومة بعناية، إلا أن هناك ضعفاً
في رسم بعض الشخصيات الأخرى.
هذا من ناحية مضمون الفيلم المطروح، أما بالنسبة للفيلم كتقنية،
فقد نجح المخرج عاطف الطيب في إبراز قدراته الفنية والتقنية،
متحدياً بفيلمه هذا كافة الادعاءات عن عجز السينما العربية عن تحمل
مسئولية فيلم ضخم التكاليف، متعدد المجاميع البشرية، مليء بالمعارك
العسكرية، متدفق بالحركة في أماكن تصوير مختلفة المستويات (شوارع
ضيقة ـ وديان متسعة ـ طرق ملغومة ـ قوافل سيارات عسكرية ـ هجوم
بالدبابات ـ منشورات بالطائرات ـ بنايات متفجرة).
إذن نحن أمام إنتاج ضخم تكلف ما يقارب المليونين ونصف المليون من
الدولارات. وهي ميزانية ضخمة وقياسية بالنسبة لفيلم عربي، تحملها
على عاتقه المخرج عاطف الطيب، وأتقن في إبداعه لفيلم عربي الصنع من
الألف الى الياء، فكرياً وفنياً وتمويلاً. وكان عاطف الطيب مثل
المايسترو، حيث اختار تحت قيادته مجموعة من الفنانين والفنيين
المصريين، يعتبر كل واحد منهم قمة في تخصصه.. فبالإضافة الى كاتب
السيناريو بشير الديك، هناك مدير التصوير محسن أحمد، الذي قدم
مستوى رائع لمساقط الضوء وزوايا التصوير وحركة الكاميرا. خصوصاً في
مشاهد المعارك الليلة، وفي مشاهد المجاميع عند خروجها من قرية
الشجرة الفلسطينية، والخروج من بيروت. ومودي الإمام مؤلف الموسيقى
التصويرية، الذي كان مفاجأة للجميع باستخدامه لتيمات معبرة هزت
المشاعر وأكدت البعد الحقيقي لمضمون الفيلم. ثم المونتير أحمد
متولي، الذي استطاع أن يحتفظ بنبض الفيلم السريع والسيطرة على
الأحداث وانفعالات الشخصيات. أما في مجال التمثيل فقد كان نور
الشريف في المقدمة في دور البطولة عندما لعب دور ناجي العلي
بتلقائية شديدة وتفهم واعي لطبيعة الشخصية، وقدم في هذا الفيلم
دوراً صعباً يعد من بين أفضل أدواره. هذا إضافة الى مجموعة كبيرة
من الممثلين والممثلات والمجاميع، اختارهم المخرج بعناية شديدة
ونجح في إدارتهم الى حد كبير. فقد كان هناك جهد واضح يحسب لصالح
المخرج عاطف الطيب، إن كان في تجسيد المعارك أو في تحريك المجاميع.
وسيطرة كاملة على أدواته التقنية كمخرج. |