جديد حداد

 
 
 
 
 

أفلام أمريكية.. شهرة عالمية..!!

بقلم: حسن حداد

مجلة البحرين الثقافية ـ عدد أكتوبر 2008

 
 
 
 
 
 
 
 
 

الحديث عن السينما الأمريكية.. يعنى الحديث عن السينما في كامل تألقها. فهذه السينما، بكل ما تحمله من أفكار وتقنية وابتكارات، مهما اختلفنا حولها، هي من دون منازع، الأولى في العالم.. هذا بالرغم من أن كل سينمات العالم، حاولت مجاراتها في أكثر من مرحلة، إلا أن التفوق كان حليفاً  للسينما الأميركية.

 

لماذا السينما الأمريكية؟ وما أسباب انتشارها في العالم؟

أسئلة تراود الكثيرون.. ويمكن أن يجيب عليها الغالبية، كل بوجهة نظره. ولكننا هنا، سنقوم بمناقشة لبعض أهم العناصر الفنية والمحطات التي جعلت من هذه السينما (الأمريكية)، هي السائدة في العالم.

ولكي نكون أكثر دقة في طرح قضية هامة مثل هذه، علينا أولاً القيام برصد موجز وسريع يتناول نشوء السينما الأمريكية، كيف بدأت وتطورت واستمرت إلى هذا اليوم. ونحن بهذا لن نقدم تاريخاً شاملاً لهذه السينما، وإنما سنتحدث عن محطات هامة كونت ما يسمى بـ (السينما الأمريكية).

بالرغم من أن السينما قد بدأت في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والنمسا وأمريكا، في نفس الفترة تقريباً (بين عامي 1895 ـ 1900). بل ربما جاءت السينما الأمريكية فيما بعد، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تكون أمريكا هي السباقة في مجال فني وشعبي كالسينما. فقد اهتم الأمريكان كثيراً بصالات العرض السينمائي، معتقدين بشكل حازم أنها العنصر الأساسي لازدهار هذا الجانب الترفيهي والثقافي المهم للناس.

ففي الوقت الذي كانت فيه فرنسا تملك مائتي إلى ثلاثمائة صالة عرض في عام 1909، ولا يملك العالم بأسره سوى ألفين إلى ثلاثة آلاف صالة، كان عدد صالات العرض في أمريكا في نفس الفترة قد تجاوز عددها في العالم بأسره. ففي غضون ثلاث سنوات فقط، ارتفع عدد صالات العرض في أمريكا بشكل خرافي، من عشر صالات فقط إلى عشرة آلاف صالة.

هذا الارتفاع المذهل في عدد صالات العرض، جاء نتيجة لأسباب عديدة ومدروسة، أهمها ثمن تذكرة الدخول البسيط وهو خمس سنتات (نيكل واحد فقط)، ولهذا سميت هذه الصالات بـ (منتديات النيكل). مما خلق رواد السينما في تلك الفترة، فكانوا في مجملهم من المهاجرين الذين بدئوا يتدافعون بشكل هائل إلى أمريكا، بمعدل مليون نسمة سنوياً، ونجاح ذلك أدى باتجاه بناء المزيد من صالات العرض.

إن انتشار صالات العرض بهذا الشكل، قد ساهم بشكل واضح في زيادة الإنتاج السينمائي، وذلك لتلبية حاجة المستهلك (المتفرج)، ودخول الرأسمال الأمريكي هذا المجال بدون أي توجس أو خوف. باعتبار أن إنتاج فيلم واحد بتكلفة مائتي دولار فقط، قادر على جني أرباح تساوي عشرة أضعاف هذا المبلغ.

 

هوليوود والحرب:

جاءت الحرب العالمية الأولى عام 1914، لتكون لصالح السينما الأمريكية، تلك السنوات التي شهدت انحساراً واضحاً للسينما الأوروبية. فبينما كانت أوروبا مشغولة بالحرب وأعبائها، كانت أمريكا تصنع تاريخها السينمائي. حيث بدأت استوديوهات هوليوود في إنتاج الكثير من الأفلام التي حظيت بنجاحات متكررة، إن كان في أمريكا أو في بقية دول العالم. إلى أن قام الأمريكي ديفيد جريفيت، بتقديم فيلمه الرائد (مولد أمة).

إن فيلم (مولد أمة) الذي أخرجه جريفيت عام 1915، يعتبر بحق انطلاقة السينما الأمريكية التجارية الحقيقية، وتألق صناعتها، هذا الفيلم الذي أثار ضجة صاخبة، بسبب الاتجاه العنصري والعرقي الذي يتبناه موضوع الفيلم، فقد حدثت ردود فعل دموية لدى المتفرج راح ضحيتها الكثيرون، مما جعل إيراداته تتزايد يوماً بعد يوم. لدرجة أن هذا الفيلم الذي لم يتكلف إنتاجه سوى سبعمائة دولار، قد فاقت مداخيله التصور، بعد أن شاهده ما يقارب المائة مليون نسمة في أمريكا وحدها. وبهذا فقد أحدث هذا الفيلم ثورة في السينما الأمريكية من الناحية التجارية، خالقاً لهوليوود فرصة الشروع فيما بعد بإنتاج أفلام أكثر أهمية وترفاُ.. حيث فتحت الأبواب أمام الإنتاجات الضخمة والأجور الخيالية.

كانت السنوات العشر التي تبعت الحرب العالمية الأولى، بالنسبة للسينما الأمريكية سنوات رخاء وازدهار، وليست كذلك بالنسبة للسينما الأوروبية، لأسباب موضوعية أهمها حذف الأفلام الأجنبية من برامج عروض عشرين ألف صالة في الولايات المتحدة، هذا إضافة إلى أن الأفلام الأمريكية قد سيطرت في بقية أنحاء العالم على 60% إلى 90% من برامج العروض، كما وخصص مائتا مليون دولار سنوياً لإنتاج سينمائي تجاوز الـ 800 فيلم، مما أدى طرح مليار ونصف من الدولارات للاستثمار إلى تحويل السينما إلى مشروع يشبه، بهذه الرساميل المخصصة له، أكبر الصناعات الأمريكية، كصناعة السيارات والفولاذ والبترول والسجائر. وسيطرت بعض الشركات الكبرى على الإنتاج والاستثمار والتوزيع العالمي أمثال: بارامونت، ولوي، وفوكس، ومترو، ويونيفيرسال، وربطتها علاقات قوية بالشركات المالية الكبرى في حي وول ستريت. هذه الشركات التي لم تعد تعتمد على المخرجين، بعد إخفاقات جريفيت في أفلامه الأخرى، ما بعد (مولد أمة)، بل على النجوم السينمائيين، فأصبح المنتجون هم أسياد الفيلم منذ ذلك الوقت، إذ سيطروا على الصلاحيات السينمائية كافة: كانتخاب موضوعات الأفلام، والنجوم، والتقنيين، وتنمية فكرة النص والموضوع، إلى غيره من العناصر السينمائية.

مع نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، ظهر نظام النجوم في هوليوود، الذي استحوذ على نتاج هوليوود فيما بعد، بينما بقى المنتج في الظل. وبذلك احتل النجم واجهة هوليوود، وصار نظام النجوم أساس سيطرة هوليوود العالمية. هنا بدأت هوليوود تستقطب الكثير من السينمائيين في أوروبا والعالم، من فرنسا وألمانيا، والنمسا، والسويد، وغيرها من بلدان العالم، الذين عرفوا بأن العمل في هوليوود سيعطيهم الشهرة التي يريدون.

 

بعد أن نطقت السينما:

ومع اكتشاف السينما الناطقة عام 1929، بدا التردد الأمريكي والخوف واضحاً لدى المنتجين، من حرمان هوليوود من تواجدها الخارجي، هذا التردد الذي كان اقتصاديا في الأساس وليس تقنياً. فاتجهت هوليوود لإنتاج الأفلام الغنائية والاستعراضية، التي أخذت نصيباً من النجاح، في محاولة يائسة لتجاوز هذه الأزمة، إلا أن أرقام الإنتاج بدأت في التناقص. فبعد أن كانت السينما الأمريكية تنتج ما يقارب الألف فيلم في العام الواحد، بدأ الرقم يتناقص إلى النصف بعد ظهور السينما الناطقة.

هذا النقص في الأفلام الأمريكية، قابله نشاط إنتاجي في الدول الأوروبية التي احتكرت فيها أمريكا صالات العرض أيام السينما الصامتة. حيث بدأت جماهير تلك الدول تطالب بأفلام تتكلم لغتها. وقد نجحت هوليوود في تجاوز هذا الإشكال من خلال دبلجة الأفلام باللغات الأخرى، وإيجاد حلول أخرى، حيث لم يكن من الصعب على صناع الفيلم الأمريكي، إيجاد حلول لأية أزمة تعترض طريق تدفق ثرواتهم على مدى تاريخ هذه السينما العتيق، لهذا نحن ما نزال نعيش في زمن السينما الأمريكية.

 

هنا، في مقالنا هذا.. سنعرض لثلاثة أفلام أنتجتها هوليوود العام الماضي، تمثل السينما الأمريكية أفضل تمثيل، حيث الجودة والعمق اللذان صاحبا هذه الأفلام، وجعلتا منها الثلاثة، أبرز ما شاهدناه قادماً من أمريكا..!! 

# # # # # # # # 
 

MICHAEL CLAYTON (2007)

مايكل كلايتون 

تاريخ العرض الأول: 5 أكتوبر 2007 ـ النّوع: دراما/ إثارة - التقدير: R ـ زمن العرض: 120 دقيقة ــ بطولة: جورج كلوني، توم ويكنسون، تيلدا سوينتون، سيدني بولاك، باميلا غري ـ إنتاج: جورج كلوني، ستيفين سودنبيرغ، أنتوني مينغيلا ـ توزيع: أفلام وورنر بروز ـ شباك التذاكر الأمريكي: $39,254,140 ـ إخراج: توني غيلوري

# # # # # # # # 

شهرة الممثل جورج كلوني ونجوميته قد اكتسحت جميع الأوساط الفنية والشعبية.. وجعلت من الغالبية ينتظرون جديده بفارغ الصبر.. فأفلامه في السنوات الأخيرة كان لها حضوراً بارزاً في ذاكرة هذا الجمهور العريض.. هذا إضافة إلى شخصية كلوني الجذابة، فهو يعد من أبرز النجوم والشخصيات التي تختارها مجلات المنوعات الأمريكية والعالمية ليكون عنواناً للوسامة والجاذبية.. وقد حصل في استفتاء أكبر المجلات الأمريكية على لقب أكثر الرجال جاذبية في العالم للعام 2006.

لهذا كله.. ليس غريباً أن يكون اسم الشخصية التي يؤديها في فيلمه الجديد عنواناً للفيلم.. (مايكل كليتون).. حيث أن كلوني قد حمل العبء الأكبر في نجاح هذا الفيلم، وبدا كبطل شعبي يصارع قوى الشر والفساد المتفشي من حوله.. ونجح في تحويله من مجرد فيلم إثارة جيد إلى واحد من أفضل أفلام هذا العام، بسبب أدائه المتميز والصادق.. وهذا ما جعل الفيلم يحوز على تقدير نقدي كبير في أغلب المهرجانات والمحافل السينمائية التي عرض فيها.

مايكل كليتون، محام في منتصف الأربعينات من العمر، يحاول أن يتأقلم مع وضع صعب، ويسيطر عليه إحساس بالخوف من عنف المدينة.. فهو غارق في مشاكل مالية ومتاعب عائلية، إضافة إلى عمله لصالح إحدى شركات المحاماة الكبرى التي تستخدم طرقاً ملتوية لخدمة زبائنها.. ومايكل كليتون يعرف ذلك تماماً، إلا أنه لا يملك الخيار في التمرد وإبداء قناعاته كمحام وكإنسان.. حيث اضطراره للعمل لتسديد ديونه وحل مشاكله المتراكمة والتي تتمثل في دينه لعصابة بمبلغ كبير نتيجة لصفقة تجارية خاسرة في مطعم.. هذا إضافة إلى مشكلته مع زوجته وطلاقه منها بعد أن أنجبا ابنه الوحيد.

ومع متابعتنا لأحداث الفيلم، نستشف بأن شخصية كليتون في داخلها إنسان نظيف وواع، إلا أنه يضطر للتعامل مع عالم يسوده الفساد.. عالم القضاء الأمريكي المليء بالألاعيب والتحايل على القانون.. وأن عليه في نفس الوقت أن يتعامل مع مشكلة أعز أصدقائه بحكمة وعقلانية.. بل أن المشكلة التي يعيشها صديقه هذا، تجعله في مرحلة اختيار بين ماضيه وحاضره.. إي الذهاب نحو التغيير الكبير في حياته وشخصيته.. فصديقه هذا يصاب بانهيار عصبي أثناء اشتغاله على إصلاح ملف قضائي لشركة كبيرة منتجة لمبيد حشري، والمتهمة بتجربة تتسبب في إصابة البشر بالسرطان، وقد لجأت إلى شركة المحاماة للتخلص من هذه التهمة، والاستمرار في بيع المبيد.

يكتشف كليتون بأن ما قيل عن صديقه المحامي إنما هو افتراء لإخفاء الحقيقة.. وهي أن على العكس مما قيل، فقد استعاد صوابه وضميره، عندما اكتشف الجريمة البشعة التي تمارسها الشركة على الناس، فبدأ يجمع الوثائق ضدها، بدلاُ من أن يجمع أدلة براءتها كما تقضي مهنته.

هنا تبرز الشخصية الثانية التي تؤثر في هذا التغيير الكبير الذي يحدث لشخصية كليتون.. ألا وهي رئيسة الأمناء في شركة المبيدات، والتي تريد إنقاذ الشركة بأية طريقة، ومهما كان الثمن.. وهي بالتالي تمثل جانب هام من هذا الفساد المتفشي في المجتمع.. حيث جشعها في الاحتفاظ بمنصبها بإنقاذ شركتها لا يقف عند حدود.. ليصل إلى تدبير قتل صديق كليتون، وشروعها في محاولة قتل كليتون نفسه..!! 

مايكل كليتون: خوف.. متاهة وانكسار..!!

يبدأ فيلم (مايكل كليتون) بمشهد استهلالي جميل وقوي جداً.. وهو مشهد محاولة قتل مايكل كليتون، بتفجير سيارته.. هذا المشهد يمثل نقطة التحول الرئيسية في الفيلم، بل في تكوين الشخصية الرئيسية أيضاً.. لذا نرى بأن صانع الفيلم قد استهل به فيمله، كتأكيد على دلالة درامية مهمة لا يكتشفها المتفرج إلا في النهاية.. كما أن صياغة هذا المشهد قد جاءت على نحو مغاير وشاعري، ليكون تأثيره كبيراً على بقية الأحداث التي سبقته وتبعته..!!

طريق ريفي/ نهار خارجي:

مايكل كليتون يقود سيارته خارجاً من زحمة المدينة متجهاً ناحية الريف حيث الصفاء والراحة النفسية، وفجأة يوقف السيارة ويخرج منها لمشاهدة منظر جميل في عمق الكادر لثلاثة أحصنة في وضع حميمي مبهر، كان قد لمحها في لحظة شاعرية، ثم يقترب منها شيئاً فشيئاً ليربت على ظهر أحدها.. وفجأة يعلو المشهد انفجار السيارة.. ليبدو لنا مايكل كليتون في حال ذهول من هذا الحدث الجلل..!!

لاحظنا كيف أن مخرج الفيلم قد اهتم كثيراً بتكوينات هذا المشهد بالذات، من خلال حجم الكادر وتكويناته، وتلك الشفافية التي أضفاها على روح المكان.. وكل هذا ليشعرنا بأهمية مشهد قصير في التأثير على بقية أحداث الفيلم.. نكتشف فيما بعد بأنه مأخوذ من مستقبل الفيلم، بعد عودة لأحداث أربعة أيام سابقة، من خلال فلاش باك طويل.. حتى الوصول إلى نفس المشهد الاستهلالي.. ومن ثم متابعته لما يحدث بعده.

صحيح بأن الصدفة هي التي صنعت هذا المشهد، وأن الصدفة هي التي أنقذت حياة مايكل كليتون، أثناء قيادته لسيارته في طريق ريفي خارج المدينة، وصحيح بأن الصدفة هي التي جعلت مايكل كليتون يوقف سيارته ويسعى للتفرج عن قرب على ثلاثة أحصنة رائعة الجمال، رآها في أحد كتب ابنه، وهي صدفة أخرى.. إلا أن جميع هذه الصدف كان القصد منها التأكيد على ضرورة البحث عن دلالة درامية تؤكد خطورة الأحداث الجسام التي يعيشها مايكل كليتون.

كاتب السيناريو الشاب توني جيلوري قد نجح من خلال هذا المشهد الاستهلالي أن يضع المتفرج في حالة من الهلع والترقب حتى ينكشف الأمر.. وهو أسلوب تعودناه من جيلوري، من خلال كتابته لسيناريو أربعة أفلام سابقة (ثلاثية بورن، براهين على وجود حياة)، وهي أفلام صنعت له شهرة جيدة في الأوساط السينمائية، شجعته لكي يقوم بإخراج أحدث سيناريوهاته (مايكل كليتون).. هذا الفيلم الذي سيفتح له آفاقاً جديدة، بعد ترشحه للعديد من الجوائز وأهمها الأوسكار.

جورج كلوني يقدم في هذا الفيلم واحداً من أقوى وأجمل أدواره، حيث التمكن في التعامل مع مشاعر وأحاسيس متقلبة.. الضعف.. الخوف.. المتاهة.. الانكسار، وتجسيد حي وصادق لمعاناة الشخصية في صراعها مع الفساد.. لكن الأهم من ذلك كله، بروز دور الكتابة والإخراج في شد انتباه المتفرج لقضية الفيلم المشوقة والتي تناولت عالم القضاء وسياسته وإدانة المؤسسة القضائية بشكل غير مباشر.. ليشكل هذا الفيلم إضافة جديدة لكاتب السيناريو توني جيلوري، من خلال تألقه وحضوره اللافت في الإخراج، مما جعل أربعة من كبار مخرجي أمريكا، مساندته في أولى تجاربه الإخراجية.. وهم سيدني بولاك وجورج كلوني كممثلين ومنتجين، وأنتوني منغيلا وستيفين سودنبرغ كمنتجين.

# # # # # # # #

 

IN THE VALLEY OF ELAH (2007)

في وادي إيلاه 

تاريخ العرض الأول: 14 سبتمبر 2007 ـ النّوع: دراما/ إثارة - التقدير: R ـ زمن العرض: 121 دقيقة ــ بطولة: تومي لي جونز، تشارليز ثيرون، جيسون باتريك، سوزان سارندون ـ إنتاج: إيميليو دييز باروسو، إريك فيغ ـ توزيع: أفلام ورنر إندبيتدنت ـ شباك التذاكر الأمريكي: $6,777,589 ـ إخراج: بول هاجيس 

# # # # # # # # 

من يشاهد فيلم (في وادي إيلاه)، لابد أنه سيتعاطف كثيراً مع بطله، ويخرج من الصالة وهو في حالة حزينة لما آل إليه الوضع بالنسبة للبطل المتحمس لحب وطنه، إلى أن أصبح يستنجد ويعلن بأن أمريكا أمة منكوبة، وفي حالة خطر.. بالفعل هذه هي المقولة التي يصل إليها الفيلم.. يقولها بشكل هادئ وحزين، دون صخب أو مباشرة..!! حيث يقدم لنا المخرج بول هاجيس إدانة للحكومة الأمريكية.. وشجب لقرارها بقيامها بالحرب على العراق..!!

كما يعلن المخرج الكندي هاجيس بأنه فكر في تصوير الفيلم بعد مشاهدته للقطات فيديو على الإنترنت حول الحرب على العراق، تلك التي تصور عددا من القتلى في صفوف المدنيين في مشاهد تهز المشاعر. لذا فقد قرر الغوص في هذا الموضوع بسبب غياب التقارير حول هذه الحرب في وسائل الإعلام الرسمية، ويؤكد المخرج الحائز على ثلاث أوسكارات في 2005 عن فيلمه (كراش)، خلافاً للحرب في فيتنام، فأن وسائل الإعلام تطبق تعليمات الحكومة في عدم نشر صور القتلى في هذه الحرب الجديدة. وهو بذلك قد قدم رسالة من خلال فيلمه تطرح أسئلة صعبة ليتمكن الجميع من مناقشتها وإيجاد أجوبة لها.

يتناول الفيلم قصة الرجل العجوز هانك ديرفيلد (توم لي جونز)، المحارب القديم في فيتنام، والشرطي السابق، والذي يصدم باختفاء ابنه مايك، بعد عودته من حرب العراق، إثر مكالمة من ثكنة الجيش تخبره باختفاء أو هروب الابن وتطلب منه إخبارهم عن مكان وجوده.. هنا تبدأ رحلة العجوز في البحث عن ابنه ومعرفة مصيره، تاركاً وراءه الأم المكلومة جوان (سوزان ساراندون).. وحتى بعد معرفته بمقتله محترقاً، إلا أنه يقرر الاستمرار في معرفة السر وراء هذه الجريمة.. ومن خلال بحثه هذا ، لا يجد من يقف معه إلا محققة الشرطة الشابة إيميلي (تشارليز ثيرون).. حيث يواجه سلسلة طويلة من التقاعس تارة والتواطؤ تارة أخرى، في الكشف عن ملابسات الحادث وكشف الحقائق المفزعة التي تفسر أسرار الجريمة البشعة.. جريمة تعرض لها الابن ومثل بجثته ببشاعة مفزعة، وبالرغم من ادعاء الجيش بأن الشاب قتل على يد عصابات تجار المخدرات المكسيك، إلا أن إصرار الأب على الدفاع عن سمعة ولده يفضي إلى كشف الحقيقة المرة، وهي أنه قتل على يد أقرب الناس إليه، وبتصفيته أراد القتلة إخفاء إحدى بشاعات الحرب الأخلاقية والنفسية.. إضافة إلى الآثار الجانبية التي أحدثتها الإدارة الأمريكية على المجتمع بأكمله. 

في وادي إيلاه: حزن.. هدوء وإدانة..!!

عرفنا حكاية فيلم (في وادي إيلاه)، ولكن ما علاقة هذه الحكاية بعنوان الفيلم..؟!.. وهي القصة التي رواها العجوز لابن المحققة الصغير، يخبره فيها عن هزيمة العملاق الطاغية على يد جندي ضعيف.. قصة وردت في العهد القديم عن الشاب داود الذي صارع العملاق حوليات في وادي إيلاه، حين خلع درعه وتخلى عن خوفه ليواجه هذا العملاق المدجج بالسلاح، ويصرعه بضربه بحجر بين عينيه، ليتهادى على إثرها صريعاً.. نلاحظ بأن ملامح العجوز وهو يروي القصة لا تنم عن فرح بانتصار داود، بل أنها تعبر عن الأسى الذي يعانيه في مواجهة كان من الممكن تجنبها، حيث تلك المعاناة التي تعرض لها وابنه بعد عودته من الحرب ليواجه مصيراً مروعاً، يجسده الفيلم وكأنه جحيم حقيقي.

عموماً.. فالفيلم يقول بأن العملاق حوليات هو (الولايات المتحدة الأمريكية)، بكل آلاتها العسكرية والسياسية، أما داود فنحده يتجسد أولاً في المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، وثانياً، في رجل عجوز يحاول معرفة السر وراء اختفاء ابنه ومقتله، ليكتشف من خلال رحلة طويلة مليئة بالألم والمعاناة، بأن الإدارة الأمريكية لم تفشل فقط في حربها على العراق، بل إنها قد تركت المجتمع الأمريكي بأكمله يعاني من جروح وآثار نفسية ستدوم طويلاً.

في فيلمه (في وادي إيلاه)، نجح الكاتب والمخرج بول هاجيس في الاقتراب من بعض النتائج والآثار التي خلفتها الحرب في العراق على جيل الشباب الأمريكي، وتحدث بهدوء عن تلك التغييرات التي دمرت شخصية المحارب النفسية والأخلاقية.. وتكمن قوة الفيلم في ذلك السرد الدرامي ومتابعة تحولات الشخصية الرئيسية النفسية، فبعد أن كانت شخصية البطل تتسم بنزعة وطنية متحمسة، فهو مثل الملايين من الأمريكيين، يعارضون الحرب لكنهم يؤيدون الوطن في مثل هذه المواقف، إلا أن حقيقة ما صنعته هذه الحرب يغير من موقف الرجل العجوز ورؤيته إلى النقيض.. حيث يتبدى ذلك في أحد المشاهد الأولى، عندما يتوقف عند صارية للعلم الأمريكي ويقوم بتعديل العلم المقلوب، معلناً بأن الراية المقلوبة تعني الاستغاثة وطلب النجدة.. بالمقابل يصر هذا الرجل في المشهد الأخير من الفيلم على رفع العلم الذي تركه له ابنه على الصارية وهو مقلوب وممزق، معلناً بأن كل شيء أصبح مقلوباً، وأن التمزق هو ما صنعته الإدارة الأمريكية في العالم من صراع وحروب، امتدت آثارها على المجتمع والفرد الأمريكي..!!

في (في وادي إيلاه) نحن أمام فيلم مؤثر وصادق، يتألق فيه الممثل توم لي جونز في دور مهم، يستحق عنه الترشيح الذي حصل عليه في أوسكار هذا العام.. هذا إضافة إلى أداء سوزان ساراندون المذهل في التعبير عن اللوعة والفقد إثر مقتل ابنها.. أما تشارليز ثيرون فقد نجحت في تقديم أداء جيد بعيداً عن تأثير جمالها الأخاذ. 

# # # # # # # # 

 

CHARLIE WILSON'S WAR (2007)

حرب تشارلي ويلسون 

تاريخ العرض الأول: 21 ديسمبر 2007 ـ النّوع: كوميدي/ دراما/ سيرة - التقدير: R ـ زمن العرض: 97 دقيقة ــ بطولة: توم هانكس، جوليا روبرتس، فيليب سايمور هوفمان، أمي آدمز ـ إنتاج: سيليا كوستاس، ريان كافاناو، جيف سكول ـ توزيع: أفلام يونيفيرسال ـ شباك التذاكر الأمريكي:  $34,506,180ـ إخراج: مايك نيكولز

# # # # # # # # 

أثناء مشاهدتي لفيلم توم هانكس الأخير (حرب تشارلي ويلسون)، كانت التساؤلات تلوح في داخلي.. هل يعقل أن يكون مصير أمة في يد شخص واحد..؟! وهل صحيح بأن طرد الجنود السوفيت من أرض أفغانستان كان على يد شخص واحد..؟!

بالفعل.. بل إن الفيلم مع نهاية أخر مشاهده.. يؤكد بأن حرب تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفيتي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، جاء تحقيقاً لرغبة شخصية لعضو الكونغرس الأمريكي تشارلي ويلسون بالارتباط بثرية حسناء من تكساس.. وإن كافة الأسلحة والعتاد الحربي الذي أرسلته أمريكا إلى المجاهدين الأفغان ومكنهم من الانتصار على العدو المحتل، كان وراءه جهود ودوافع شخصية.

هذا ما يقوله الفيلم.. بل ويؤكده بالحقائق والأحداث.. ويقول بأن حكاية الفيلم حقيقية ومأخوذة من كتاب للسيناتور الأمريكي تشارلي ويلسون.. إذن ليس هناك شكوك في حقيقة الموضوع.. إنها الحقيقة..!!

والحقيقة بحذافيرها كما يرويها الفيلم، تدور حول هذا السيناتور الأمريكي العابث والجاري وراء شهواته الجنسية والحسية، حيث يظهره الفيلم في أولى مشاهده، وهو يتناول المخدرات.. وغارق في ملذاته وسط حسناوات عاريات في الحمام.. ولا يتواني الفيلم من تقديم الإيجابي والسلبي في شخصية هذا السناتور الذي يحمل الفيلم اسمه.. فهو إضافة إلى ما تقدم، داعم مهم للإجهاض، ومناهض للشيوعية، وأنصاره غالبيتهم من السود، وله خيارات سياسية ليبرالية.. ولكنه في خضم ذلك كله، سيكتشف ومن خلال برنامج تلفزيوني ذلك الصراع الدائر بين الأفغان والسوفيت.. نشاهده لا يبالي في البداية، إلا أن غرامه واشتهائه لتلك الثرية الحسناء (جوليا روبرتس) التي تضع شروطاً قاسية للحصول على ودها، يدفعه من الانتصار لقضيتها، وهي جمع المال لمساعدة نساء الأفغان الواقعات تحت سيطرة الرجعية، ليجد نفسه متورطاً في هذا الأمر تدريجياً.. ويشارك الاثنان العميل السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية (فيليب سايمور هوفمان)..!!

في البداية نشاهد تشارلي يتحرك في الكونغرس لتوفير 5 ملايين دولار، إلا أن المبلغ يتزايد بالتدريج، ويدخل في هذه العملية أكثر من متورط.. شخصيات وحتى دول.. لتصبح المعركة دولية، فكلما اقترب الثلاثة من ساحة المعركة، احتاجوا لداعمين أكبر ودعم أقوى.. فتدخل باكستان وإسرائيل والسعودية ومصر الصراع بشكل خفي طبعاً.. فإسرائيل قادرة على إرسال صواريخ روسية، والسعودية بأموالها، وباكستان بجهاز استخباراتها وعلاقاتها..!! 

حرب تشارلي ويلسون لم تنتهي هنا..!!

يبدأ فيلم (حرب تشارلي ويلسون) في سرده لبعض الحقائق بشكل ساخر، مجسداً ذلك التناقض الكوميدي الذي يؤدي لمأساة حقيقية.. فالسيناريو طريف في سرده الدرامي المحبوك بعناية.. مستعرضاً شخصية تشارلي بكل تناقضاتها الإيجابية والسلبية.. والمخرج المخضرم مايك نيكولز يعجبه هذا السيناريو، فنراه يترك نفسه له ولطرافته ولقدرات الممثلين في صنع دراما تهاجم الأخلاقيات والسياسات الأمريكية.. ويحاول المخرج بذلك أن يصنع فيلماً كلاسيكياً، على طريقة هوليوود المعروفة.. فنظام النجوم يدعمه (هانكس وروبرتس وسايمور)، والبطولة الفردية موجودة في شخصية تشارلي، أما النهاية السعيدة فتتجسد في انتصار المجاهدين الأفغان على احتلال السوفيت.. هذا عدا أساليب السياسة وما يدور خلفها من ألاعيب ومهادنات، كلها تدل على أننا نشاهد فيلماً تقليدياً، نجح المخرج في جمع كل هذه العناصر، ولكنه لم ينجح في أن يصنع فيلماً مهماً واستثنائياً، هذا لأنه اعتمد على سيناريو تقليدي لا يقدم أي مفاجآت تذكر.. فالكل يعرف ماذا سيحصل للأفغان، حيث تدور أحداث هذا الفيلم.

تكمن قوة السيناريو ورسالته (الذي كتبه إيرون سوركين)، في الخلاصة الدرامية التي أعلنها في نهاية الفيلم.. عندما قال بأن الحرب لم تنتهي هنا، أي مع نهاية الصراع المسلح.. إنما هي تبدأ هناك حيث الحياة الصعبة التي يعانيها الإنسان الأفغاني، في ظل سيطرة المجاهدين على مجريات الأمور هناك.. وأن الامتناع عن بناء مدرسة لتوعية هذا الإنسان وتحسين وضعه، سيكلف الولايات المتحدة الأمريكية الكثير.. الكثير من الإرهاب والإرهاب المضاد.. وأن عدم الاستماع لنصيحة تشارلي ويلسون، كان بمثابة التأسيس لهجمات سبتمبر، التي كانت قدر أمريكا المحتوم.

ومع تقديم هذه النصيحة المهمة.. ينتهي الفيلم الذي بذل فيه الممثل توم هانكس مجهوداً مضاعفاً لينتشل الفيلم من الفشل التجاري.. فنراه يقدم الكثير من قدراته لتجسيد شخصية تشارلي ويلسون، بكل تناقضاتها.. وينجح في ذلك أيضاً، ولو أنه قدم أدواراً أكثر قوة في سابق أفلامه.. جوليا روبرتس لم يكن أداؤها إضافة فنية لتاريخها.. ولكن الموهوب فيليب سايمور هوفمان، هو الذي استحق الثناء أكثر، في دور متميز.. بل إنه يسرق أنظار المتلقي من الآخرين ساعة ظهوره على الشاشة.. دوره هذا جدير بأن يرشح عنه لأوسكار أفضل ممثل مساعد.. التي خطفها منه الأسباني خافير فاردام عن دوره في فيلم (لا وطن للمسنين)..!! 

حسن حداد في

أكتوبر 2008

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004