جديد حداد

 
 
 
 
 

حسن حداد، بعد إصدار كتابه الأول

حاوره أحمد عبدالرحمن

 
 
 
 
 
 
 
 
 

عدم وجود سينما في البحرين ليس مبرراً لعدم وجود مهرجان سينمائي فيها.

 

أتمنى أن تزدهر دورات المهرجان القادمة، وتثمر أفلاماً بحرينية وخليجية.

 
 
 
 
 
 
 
 

4   نحن هنا للحديث عن كتابك "ثنائية القهر والتمرد في أفلام المخرج عاطف الطيب".. هلا حدثتنا أولاً عن بداية اهتمامك بالسينما والكتابة السينمائية؟ 

في البدء كان الاهتمام بالثقافة والفكر بشكل عام.. لكنني شعرت بأنني أميل لهذا الفن الجميل والمتطور بشكل دائم .. ألا وهو الفن السابع. كنت أقرأ كل ما يقع تحت نظري من كتب ودراسات عن السينما، بل وبدأت أجمع كل المقالات والدراسات التي تنشر في الصحافة العربية، وكان هذا نواة للأرشيف الشخصي الذي بدأت العمل به في عام 1982، وهو عبارة عن أرشيف عام يشمل الثقافة والفكر والسياسة والاقتصاد وكل شيء مهم يقع نظري عليه، لدرجة أن وصلت عدد الملفات التي احتوت هذا الأرشيف إلى خمسمائة ملف كبير. وبالطبع كان الاهتمام الأكبر في هذا الأرشيف للسينما. وعندما فكرت في الكتابة للسينما، كان أخي قاسم هو العين الناقدة والمعينة لي في تجربة جديدة وهامة كهذه، حيث كان حريصاً أن يكون هذا التوجه مني مبني على أسس سليمة، وأخذ يؤسس فيّ مفاهيم الكتابة النقدية وأًصولها. كان أخي قاسم شديداً في موضوع مهم كهذا، وكان يخشى أن يكون هذا الاهتمام مني بالسينما والكتابة فيها مجرد نزوة فقط، ولكنه عندما شعر بمدى تعلقي بهذا الجانب، أخذ على عاتقه مسؤولية تكويني النقدي. وكان أول مقال نشر لي في جريدة "أخبار الخليج" عن فيلم (الغول) الذي أثار ضجة رقابية حين عرضه في ذلك الوقت.

في المرحلة الثانية، كان للصديق أمين صالح الدور المهم في توجيهي نقدياً في مجال السينما، والذي كان متابعاً دقيقاً لكل ما أكتبه، هذا إضافة إلى الاستفادة المباشرة من ثقافته السينمائية التي يملكها وفرها لي بالطبع، بحكم قربي منه كصديق قبل أي شيء. ومن ثم بدأت كتاباتي تنشر بشكل متقطع في الصحافة المحلية ومن ثم الخليجية.  

4   هل هذا هو كتابك الأول؟ وما هو ترتيبه في  مجال الكتابة السينمائية في البحرين؟ 

نعم .. هو كتابي الأول، ولكنه ليس الأول في مجال الكتابة السينمائية في البحرين، فقد سبقني أمين صالح بكتابه "السينما التدميرية" الذي صدر منذ سنوات. أما بالنسبة لكتابي هذا، فقد كان حبيس الدرج منذ عام 1995، وذلك لأسباب مادية، وجاءت الفرصة المواتية في أن يكون هذا الكتاب من ضمن مطبوعات مهرجان السينما العربية الأول الذي أقيم في البحرين مؤخراً، حيث كانت الفكرة من الصديق بسام الذوادي، عندما كان المهرجان مجرد فكرة، وكان من حيثيات هذه الفكرة أن يكون هناك مطبوعات خاصة بالمهرجان تمثل أربع كتب نقدية في السينما العربية، وكان اسمي من الأسماء المرشحة، مع ثلاثة من خيرة النقاد السينمائيين العرب، وهم المصري سمير فريد، وكتابه "مخرجون واتجاهات في السينما العربية"، والمصري علي أبوشادي، وكتابه "اتجاهات السينما المصرية"، واللبناني محمد رضا، وكتابه "هوليود والعرب". وكان مدير المهرجان بسام الذوادي حريصاً جداً أن يكون هناك كتاب يمثل البحرين من ضمن هذه الكتب الأربعة. 

4        لماذا اخترت عاطف الطيب لتخصص كتابك الأول له؟ 

في البد.. يمكن القول بأن المخرج عاطف الطيب كان فارساً من بين أهم فرسان السينما المصرية الجديدة .. فارس أخذ على عاتقه ـ مع قلة من رفاقه ـ تحرير السينما المصرية من قوالب التقاليد البالية، والخروج بها إلى آفاق فنية رحبة. وكان فيلمه "سواق الأتوبيس" بمثابة البشارة الأولى لوجود فن قادر على محاربة الاستهلاك في السينما المصرية، وبالتالي اعتباره الانطلاقة الجماهيرية الحقيقية التي أعلنت للجميع عن وجود سينما مغايرة، عرَّفت بالسينما المصرية الجديدة، هذه السينما التي قامت على أكتاف سينمائيين مغامرين، أمثال محمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم، إضافة إلى عاطف الطيب.

وأريد التأكيد على أن دراستي لتجربة عاطف الطيب، بدأت بها قبل رحيله بعدة شهور، وذلك لإحساسي بأهمية هذا الفنان المبدع في مسيرة السينما المصرية، لذلك كان رحيله صدمة لي مثلما كان صدمة لكل فنان ومهتم بالسينما. كانت الفكرة ساعتها عمل دراسة تحليلية فقط عن تجربة المخرج عاطف الطيب، مثل بقية الدراسات التي قمت بها عن أبرز مخرجي جيله من الشباب، إلا أنني بعد أن انتهيت من الدراسة في ديسمبر من عام 1995، وجدت إن هذا المخرج المتميز يستحق أكثر من ذلك، خصوصاً بأنه لم يدرس دراسة وافية. لذا كان علي أن أجمع كل المقالات التي كتبتها عن بعض أفلامه، والتي نشرت في الصحافة منفصلة، ومن ثم الكتابة عن أفلامه الأخرى التي لم يسبق أن كتبت عنها. وقد كانت هذه الدراسة والملاحظات النقدية - بالطبع - نتيجة مشاهدات مكثفة لجميع أفلام المخرج. 

4        لماذا "ثنائية القهر  والتمرد"؟ كعنوان رئيسي للكتاب؟ 

(القهر/ التمرد).. هي الثنائية الرئيسية التي لاحظتها في أفلام المخرج عاطف الطيب، فقد كانت أغلب القضايا التي طرحها هذا المخرج من خلال أفلامه تدور في فلك هذه الثنائية. تلك الثنائية التي تشكل محورين رئيسيين.. (قهر السلطة والقانون والمجتمع / التمرد والرفض من الفرد تجاه السلطة والمجتمع) . كان عاطف الطيب حريصاً على أن يقدم أفلاماً تسعى دائماً إلى الصدق الفني وتتطرق إلى مشاكل الواقع ، وتهتم بالمواضيع التي تعبر عن الإنسان البسيط .. الإنسان المحاط بظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية معيشية صعبة غير آمنة . وما أراده عاطف الطيب ، قد وجده عند كتاب السيناريو الأكثر بروزاً في الوسط السينمائي ( وحيد حامد ـ بشير الديك ـ أسامة أنور عكاشة ـ مصطفى محرم) ، وهم كتاب اشتركوا مع عاطف الطيب في طرح نفس الهموم والمشاكل التي تهم المواطن البسيط وتعالج قضاياه الحياتية اليومية . في المقابل يبرز الجزء الآخر من الثنائية (الرفض والتمرد) في نهايات أفلام الطيب ، باعتبارها النتيجة الحتمية للقهر ، ويتبين ذلك في الكثير من المشاهد الختامية في أفلامه، مثل (سواق الأتوبيس، الحب فوق هضبة الهرم، ملف في الآداب، البريء، كتيبة الإعدام، الهروب) ، وجميعها أفلام تؤكد على رفض الظلم السياسي والاجتماعي. 

4        ما أهم خمسة أفلام للمخرج حسب رأيك؟ ولماذا؟ 

من وجهة نظري.. أهم أفلام المخرج عاطف الطيب حسب ترتيبها الزمني هي (سواق الأتوبيس، ملف في الآداب، البريء، الهروب، ليلة ساخنة). 

4   باعتبارك مهتماً بالسينما .. في رأيك ما هي الأسباب الحقيقية التي تمنع من إقامة صناعة سينمائية في البحرين؟ 

لا يمكننا بالطبع الحديث عن صناعة سينمائية في البحرين، فهذا مبالغ فيه بعض الشيء، على الأقل في الوقت الحاضر. فصناعة سينمائية يعني أن يكون هناك عجلة إنتاج مستمرة، وهذا غير موجود حتى في دول عربية أخرى مثل سوريا ولبنان وتونس والعراق. وبالتالي يمكننا التطرق لتجارب أو أفلام سينمائية مستقبلية في البحرين. أما بالنسبة للأسباب التي قد تعوق وجود أفلام سينمائية بحرينية، فهي من وجهة نظري، محصورة أساساً في الجوانب الإنتاجية والمعملية، فإذا قلنا تجاوزاً بأننا نمتلك العنصر أو الكادر الفني والتقني البشري، فنحن لا نملك الممول والمنتج المغامر الذي يمكنه الدخول في مشاريع فنية سينمائية. وهذا لا ينطبق فقط على مستوى البحرين، بل على مستوى الخليج العربي بشكل عام. وبصراحة هذا أمر غير مفهوم ومبرر للقطاع الخاص في هذه الدول. صحيح بأن القطاع الخاص الخليجي بدأ في الاستثمار الفني  والثقافي في السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يقترب تماماً للسينما. أما الآن، فأمامنا تجربة هامة في مجال مساهمة القطاع الخاص في المشاريع السينمائية، وهي مهرجان السينما العربية الأول، الذي نظمه نادي البحرين للسينما بالتعاون مع وزارة شئون مجلس الوزراء والإعلام، وشركات القطاع الخاص في البحرين والخليج العربي. وهي بالطبع تجربة ناجحة وهامة في هذا المجال. 

4        هل يمكن أن يكون قسم  السينما بالتليفزيون البديل في هذا المجال؟ 

بالطبع لا.. فقسم السينما في التليفزيون يمكنه فقط المساهمة في وجود تجارب وأفلام سينمائية، لكنه لا يمكن أن يكون البديل عن إنتاج القطاع الخاص. إلا أنه لا يمكننا أن نغفل هذا الدور الذي يمكن أن يقوم به هذا القسم في خلق أسس صحيحة لما يمكن أن نسميه سينما بحرينية. 

4   كيف تتصور مستقبل صناعة السينما في الخليج بعد المهرجان الأول للسينما العربية؟ 

مما لا شك فيه بأن مهرجان السينما العربية سيكون له تأثير إيجابي وهام بالنسبة لمجمل المشاريع السينمائية المستقبلية، سواء على مستوى الإنتاج السينمائي أو المشاريع السينمائية من مهرجانات وندوات ودورات ثقافية سينمائية. فالثمار التي جناها هذا المهرجان كثيرة، بالرغم من كل الآراء المعارضة لإقامة هذا المهرجان على أرض البحرين. فعدم وجود سينما في البحرين، ليس مبرراً لعدم وجود مهرجان سينمائي فيها. والأمثلة كثيرة في هذا المجال، أولها تجربة كان الشهيرة ومهرجانها الأشهر. فعند إقامة أول دورة لمهرجان كان السينمائي الدولي في الخمسينات، لم يكن هناك سينما في هذه الدولة المستقلة، بل أن هذا المهرجان هو الذي سعى لتوفير الجو الثقافي السينمائي وجلب المنتجين السينمائيين من الخارج للتصوير فيها، وتشغيل الكادر السينمائي الفني والتقني فيها، ومن ثم خلق أسس صحيحة لسينما محلية. وهذا بالضبط ما نتمناه بالنسبة للبحرين. 

4   كونك رئيساً للمركز الصحفي للمهرجان، ما هو المرجو من المهرجان في دعم الثقافة السينمائية في البحرين؟ 

بصفتي مشارك في هذا المهرجان، وقبل ذلك مهتماً بالسينما، فقد كنت أعيش حالة من الفخر والزهو بهذا الإنجاز الكبير الذي تحقق بأيادي بحرينية تطوعية، همها الأساسي هو رفع اسم البحرين عالياً في المحافل والمهرجانات السينمائية. كما أنني أزداد فخراً وأنا أسمع فنانين سينمائيين كبار أمثال المخرج العالمي مصطفى العقاد وهو يشيد بهذا المهرجان وبتنظيمه ويقول عنه بأنه ولد عملاقاً. لذا أتمنى أن تزدهر دورات هذا المهرجان القادمة، وتثمر تجارب وأفلام بحرينية وخليجية، جنباً إلى جنب مع الأفلام العربية. بل أن يكون من ضمن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان فيلماً بحرينياً أو خليجياً. كما أتمنى أن تتجسد ثمار المهرجان الأول على حيز التنفيذ، تلك الثمار التي يمكن تلخيصها في التالي:

·       التعاون السينمائي المشترك بين الدول العربية عموماً والخليجية بشكل خاص.

·       إشهار جمعية السينما لدول الخليج العربية.

·  الاتفاق مع منتج سعودي وتونسي على تصوير أول فيلم سعودي (سنين الرحمة) في البحرين، وبالتالي تشغيل القوى البشرية الفنية المحلية.

·       الاتفاق مع الفنان داود حسين على إنتاج فيلم إماراتي كويتي بحريني مشترك.

·  توقيع اتفاقية التآخي بين مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وبين مهرجان السينما العربية، بحيث يتم تبادل الخبرات بين المهرجانين وابتعاث الطلبة لدراسة السينما في المعهد العالي للسينما بالقاهرة.

·  الاتفاق مع المنتجين اليابانيين على إقامة أسابيع سينمائية يابانية وجلب السينمائيين اليابانيين لتقديم محاضرات في السينما للمختصين والمهتمين بالسينما في البحرين.

·  تقدم مجموعة من المخرجين العرب لتقديم العون لتدريس الطلبة السينما وأساليبها خلال الفترة القادمة.

·  كما أن هناك عرض من المنتج والمخرج الكندي إيزادور مسلم لتصوير فيلمه القادم (الدم الخارج) في البحرين، وهو من بطولة النجم عمر الشريف.

وكل هذه العروض والاتفاقات تمثل ثمار هذا المهرجان، والتي من المؤمل أن تخلق ذلك الجو الثقافي السينمائي الذي سيكون حتماً نواة لوجود أفلاماً سينمائية بحرينية وخليجية، ستكون بالطبع عنصراً هاماً في نجاح الدورات القادمة من مهرجان السينما العربية. 

4        هل لديك مشاريع لإصدار كتب سينمائية أخرى؟ 

المشاريع والأفكار كثيرة، لكن تنفيذها هو الذي يأخذ وقتاً، وهذا بالطبع ناتج إما لأسباب مادية أو لإنشغالات أخرى. ولكن إصدار الكتاب الأول لي، سيكون بالطبع حافزاً للاستمرارية في تجسيد هذه الأفكار التي يمكن أن أقول عنها بأنها حاضرة في الذهن، على أقل تقدير. 

 

جريدة أخبار الخليج في

26 أبريل 2000

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004