جديد حداد

 
 
 
 

رؤية..

في الجنة الآن

Paradise Now

( 2 ـ 2 )

 
 
 
 

مجلة

هنا البحرين

 
 
 
 
 
 

بالأمس كان الفيلم الفلسطيني "يد إلهية".. قد أثار هذا الفرح في نفوس العرب من جراء شهرته في كل بقاع الأرض.. وهو الفيلم الذي استبعد عن جوائز الأوسكار بحجة أن فلسطين ليست دولة معترف بها في الأمم المتحدة. واليوم يأتي فيلم فلسطيني آخر ليفعل أكثر من ذلك.. "الجنة الآن" فيلماً استثنائياً بحق.. فيلم يستحق كل هذه الحفاوة والتقدير اللذان حضي بهما.

فشخصيتي الفيلم الرئيسيتين.. "خالد" و"سعيد"، صديقان يجمعهما الفقر والهموم المشتركة، وهما يعملان في ورشة لتصليح السيارات.. لا يقدمهما الفيلم منتميان لأي فصيل سياسي، ولا هم ينتمون للتيار الديني.. إنهما يقدمان نفسيهما فداء لفلسطين، الأول عن قناعة تامة بما يفعله، والثاني هرباً من ذنب ارتكبه والده العميل للإسرائيليين، بعد تصفيته من قبل المقاومة. الاثنان يقدمان صورة حقيقية للإنسان الفلسطيني البسيط، الذي يعاني من أزمات كثيرة سببها تلك التربية الاجتماعية والأخلاقية والدينية المستمدة من التقاليد والعادات الراسخة في الوجدان العربي.. يحاولان أيضاً كسر الحصار المفروض حولهما، أولاً من المجتمع الفلسطيني، وثانياً من الاحتلال الإسرائيلي.

تشاركهما هذه الهموم صديقتهما الفتاة الفلسطينية الثرية "سهى"، والتي استفتح بها الفيلم مشاهده الأولى، نراها قد أنهت هجرتها بالخارج وجاءت من المغرب بعد سنوات عدة هناك.. هي فتاة مثقفة مستقلة الفكر تعيش وحدها وفخورة أيضاً بحمل شرف والدها وشقيقها المناضلين وتاريخهم المشرف.. تحمل وجهة نظر تحاول أن توصلها لمن يهمها أمرهم.. إلي من حولها خاصة سعيد.

نحن في "الجنة الآن"، أمام سيناريو نفسي يتحدث عن المشاعر والأحاسيس بعيداً عن السياسة. فالفيلم ـ بفكرته هذه ـ يقدم لنا حكاية فلسطينية، بعيداً عن نمطية الأبطال الذين قضوا حياتهم في معسكرات التدريب، وبعيداً عن القصف والقتل والدمار والجثث المتناثرة.. ليقدم لنا دراما الحياة الواقعية وسط القهر والضيم والفقر الذي يعاني منه أبطال الفيلم.. واقع مليء بكل تناقضات الحياة البسيطة.. الموت والحياة.. الحزن والفرح.. الهدوء والصخب.. في مشاهد فلسفية وعبثية مأخوذة من الواقع. هنا الموت لم يعد قدراً مكتوباً، وإنما قراراً يتخذه الفلسطيني في مواجهة المحتل ومواجهة هذا الواقع الصعب. هنا نلاحظ ذلك الطرح السينمائي الهادئ، لقضية نفسية واجتماعية خطيرة.

هاني أبو أسعد ـ المخرج ـ قدم صورة معبرة وجميلة، متناغمة والسرد الدرامي، لا يشوبها أية شائبة.. من خلال إضاءة موفقة إلى حد كبير تخدم الحدث وتضيف إليه، ومن دون مؤثرات موسيقية حتى، لدرجة انسجام تلك الصورة مع السرد لخدمة القضية المطروحة. كذلك الأداء التمثيلي، الذي كان ينتمي لمدرسة التلقائية البسيطة.. ليس فيه مبالغة، وليس فيه عبقرية.. فنحن نتابع أداء بسيطاً يتناسب وهذا الأسلوب السردي البسيط.

في "الجنة الآن".. نحن أمام فيلم هام يناقش قضية خطيرة وجريئة.. ويثير حواراً جدلياً ووجهة نظر حول الاستشهادي الفلسطيني.. هذا الذي يحلم بالجنة هرباً من واقع صعب وظروف مجحفة في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وليس تقديساً لفكرة أيديولوجية منسوخة.

 

هنا البحرين في

07.06.2006

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)