جديد حداد

 
 
 
 

رؤية..

حرِّيف خان

 
 
 
 

مجلة

هنا البحرين

 
 
 
 
 
 

لشخصيات محمد خان السينمائية عشق لا يضاهى من جانبي.. شخصياته تبهرني.. تذهلني.. فهي شخصيات يندر تواجدها في أفلامنا العربية.. شخصيات تعطيني الإحساس بالأمان والطمئنينة، بأن هناك بالفعل شخصيات سينمائية حقيقية.. تعيش بيننا ونتعامل معها كل يوم.. هذا نادر حدوثه بالنسبة للسينما المصرية.. هذا لأن مخرجنا المبدع محمد خان.. يصب كل تركيزه على إختيار هذه الشخصيات أكثر من الإهتمام بالحدث والقصة.

فهو في فيلم (الحريف)، يصل إلى مرحلة متقدمة جداً في بحثه عن أطر جديدة لمحتوى أفلامه، حيث ينجح في كسر إحدى دعامات السينما التقليدية في مصر .. إنها الحدوتة. في (الحريف) يعلن ثورته على الحدوتة ويتحرر من قيودها. هنا تتضح أكثر محاكاته لشخصياته والغوص في أعماقها ونقل أحاسيسها واضطراباتها، جاعلاً من التفاصيل الصغيرة والكثيرة المحيطة بالشخصيات، أسلوباً جديداً وخلاقاً لإضفاء أبعاد إنسانية عميقة وصادقة عليها.

(الحريف) عبارة عن سيمفونية حزينة عن العالم السفلي للمدينة، ينزل به خان إلى قاع مدينة القاهرة.. إلى حواريها وأزقتها الضيقة، ليكشف عن الإنسان المصري المسحوق، والذي يعاني من الفقر والكثير من الإحباطات النفسية والاجتماعية، نتيجة مقاومته لطوفان المدينة الكبيرة.

فنحن في هذا الفيلم أمام فارس آخر من فرسان محمد خان، يشبه إلى حد ما فارسه في (طائر على الطريق). ففارس (عادل إمام) هنا إنسان بسيط وفقير يعيش حجرة حقيرة فوق سطح إحدى البنايات الشاهقة، يعمل في ورشة لصنع الأحذية، إضافة إلى أنه يحترف لعبة الكرة الشراب، والتي يمارسها في الشوارع والساحات العامة.

تكمن مأساة فارس في أنه يعي ويدرك تماماً لكل ما يدور حوله، ولكنه لا يستطيع التوائم مع محيطه. يحمل في داخله طاقة رهيبة من التمرد على كل ما يحيط به من فشل وإحباطات.. متمرد على سيطرة صاحب ورشة الأحذية.. ومتمرد على زوجته رغم حاجته إليها والى ابنه.. ومتمرد على زميلته في العمل سعاد (زيزي مصطفى) التي تسعى بإيحاءاتها المغرية لمشاركته الفراش.. كما نراه يتمرد أيضاً على متعهد مبارياته المعلم رزق (عبد الله فرغلي) عند شعوره بأنه يستغله ويستغفله، وبالتالي يتمرد على لعبته ومصدر عيشه، هذا بالرغم من أن الملعب هو الشيء الوحيد الذي يشعره بقيمته في هذا المجتمع.. أما خارج الملعب فالفشل والإحباط يلاحقانه في كل مكان، في علاقته بابنه وفي علاقته الإنسانية بوالده الذي لا يستطيع التواؤم معه، علاقته بالناس بشكل عام تقوم على الرفض من جانبه، فهو يعيش في وسط كم هائل من الشخصيات المحبطة، ومن الطبيعي أن تنعكس عليه إحباطاتها هذه.

إن محمد خان في فيلم (الحريف) يقدم تجربة سينمائية هامة وجريئة تعتبر من أكثر التجارب تطرفاً في السينما المصرية، وهو بالطبع تطرفاً إيجابياً يدعو ويحرض للخروج على ما هو سائد ومستهلك من أنماط وشخصيات تقليدية.

 

هنا البحرين في

11.08.2004

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)