إصدارات حداد

 
 
 
 

مفهوم الطريق في السينما

محمود الغيطاني - مصر

 

الإصدار الرابع

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

في تعريف واسع وفضفاض لمفهوم «سينما الطريق» يمكننا الحديث عن أفلام تتناول «الطريق» من خلال معان كثيرة، منها النفسي والمعنوي، الروحي والفلسفي، الميتافيزيقي والعلمي، كما يمكن الحديث عن البحث عن الذات، عن الآخر، عن عالم خيالي، افتراضي.

هذا هو مفهوم «سينما الطريق» الذي ذهب إليه الناقد السينمائي البحريني حسن حداد في كتابه «سينما الثمانينيات.. طريق مفتون بالواقع» رؤية في مفهوم سينما الطريق، وهو الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في سلسلة آفاق السينما.

يُشير المؤلف إلى أنه اختار مناقشة هذا المفهوم في أفلام الثمانينيات المصرية التي أسست لتيار سينمائي مهم في تاريخ هذه السينما، وهو تيار «السينما المصرية الجديدة»، هذا التيار الذي قدم فرسانا أنجزوا تجاربا وأفلاما مغايرة لم تعهدها السينما من قبل، تجارب متمردة على ما هو سائد، استطاع صانعوها التصدي للتيار التقليدي المسيطر آنذاك، ومن ثم الثورة عليه، وكان أبرز هؤلاء الفرسان من وجهة نظر المؤلف محمد خان، وخيري بشارة، وعاطف الطيب، وداود عبد السيد، مع قلة أثروا الثورة على التقليد وصنع السينما التي يعشقونها.

يؤكد المؤلف أنه وجد في أفلام السينما المصرية الجديدة إشارات لسينما ذاتية وحميمية، تعكس قضايا مجتمعية حساسة، وهي قضايا- كما يرى- تهم المواطن الفرد، لكنها نابعة من تفاصيل مجتمعية لصيقة بالواقع؛ ولذا فهو يرى أنها أفلام تنتمي إلى مفهوم «سينما الطريق» الواسع، باعتبارها تدعو إلى الثورة، والتحرر من قيود المجتمع، كما تدعو إلى التغيير للهجرة والتحول من وضع معيشي إلى آخر، كما تدعو إلى نقد الكائن والبحث عن أسلوب آخر للحياة ليتناسب مع الظروف الاجتماعية والنفسية التي طرأت على المجتمع.

يتناول الكتاب العديد من الأفلام السينمائية المهمة في فترة الثمانينيات لبعض المخرجين، والتي كان أهمها أفلام مثل «طائر على الطريق» للمخرج محمد خان 1981م، و»نصف أرنب» 1982م للمخرج محمد خان، و»العوامة 70» 1982م للمخرج خيري بشارة، و»سواق الأتوبيس» 1982م للمخرج عاطف الطيب، و»الصعاليك» 1984م للمخرج داود عبد السيد، و»خرج ولم يعد» 1984م لمحمد خان، و»للحب قصة أخيرة» 1984م للمخرج رأفت الميهي، و»مشوار عمر» 1985م لمحمد خان، و»أحلام هند وكاميليا» 1988م لمحمد خان، و»البحث عن سيد مرزوق» 1990م للمخرج داود عبد السيد، و»الهروب» 1990 للمخرج عاطف الطيب، و»فارس المدينة» 1991م لمحمد خان، و»سارق الفرح» 1994م للمخرج داود عبد السيد، و»إشارة مرور» 1995 للمخرج خيري بشارة، و»يا دنيا يا غرامي» 1995م للمخرج مجدي أحمد علي، و»ليلة ساخنة»1995م للمخرج عاطف الطيب، وغيرها من الأفلام المهمة التي عبرت عن مفهوم سينما الطريق كما ذهب إليه الناقد في مقدمة كتابه.

يهتم الناقد حسن حداد من خلال كتابه بعد تناوله العديد من الأفلام التي وضحت مفهوم سينما الطريق، أن يسوق لنا حوارا طويلا دار بينه وبين المخرجين محمد خان، وخيري بشارة، وداود عبد السيد، وهو الحوار الذي كان عبارة عن جلسة مفتوحة يتشاركون جميعا بإدلاء تصوراتهم عن السينما، وتوضيح رؤيتهم لها، ولعل السؤال المهم الذي أطلقه حسن حداد منذ البداية كان من الأهمية بمكان؛ ما جعل هؤلاء المخرجين ينطلقون في حديثهم عن سينما المؤلف، ومفهومهم لها، حينما قال: «في تصوري أن السينما المصرية الجديدة التي نحتفي بها هذه الأيام، هي سينما مخرج».

هنا انطلق محمد خان مؤكدا: «هي سينما مخرج، وحتى إن لم تكن كذلك من ناحية الأسلوب والمعالجة، فهي أيضا سينما مخرج، بمعنى أن المخرج هو الذي يختار موضوعه ويبحث عن منتج ويختار الممثلين، وهو الذي يربط كافة العناصر ببعضها، وهي حتى بهذا الشكل السطحي، سينما مخرج.

لكن ما قاله خيري بشارة، وداود عبد السيد كان له أهميته الخاصة جدا حينما أكد خيري بشارة: «من وجهة نظري، هناك نوعين من المخرجين: مخرج عاشق للسينما، لكنه أساسا مخرج محترف، أي أنه يعمل ضمن شروط العملية الإنتاجية السائدة، وضمن نظام النجوم، وبإمكاننا أن نصف السينما التي يقدمها بأنها سينما لذيذة أو مسلية، إذا لم نقل تجارية، إنما في النهاية هي سينما ممتعة للجمهور، وهذا هو أقصى ما يمكن أن يعطيه هذا المخرج، أما إذا كان المخرج يبدأ مشواره وهو رافض للسينما التي يعشقها، يحلم بشيء أكثر من مجرد سينما، بمعنى أنه يقرر أن يربط السينما بوطن أو بشعب أو بثقافة وحضارة، وباختصار يقرر أن يربطها بهم محدد.. يصبح لديه همّ يريد أن يصبغه السينما التي يقدمها، هذا إضافة إلى كونه عاشق للسينما. فمن الطبيعي أن يبدأ هذا المخرج صراعه ونضاله من أجل تأكيد المخرج «سوبر ستار»، وسوبر ستار هنا ليس معناه بأنه سيحتل أو سيرث نجومية الممثل، بل إنه يعمل على تحقيق همه وأفكاره، ويقدم ما يعشقه كمخرج سينما، وهذان النوعان من المخرجين في تصوريـ سيتواجدان دائما ولن تتخلص منهما صناعة السينما، وكلا النوعين أعتبرهما عاشقين للسينما، وإنما يختلف عاشق من عاشق.. مثل أي عشق بين اثنين.

هنا يقاطعه داود عبد السيد بوجهة نظر تكاد تكون مدهشة للبعض فيقول: اسمح لي لو قاطعتك.. حيث يجوز أيضا ألا تكون عاشقا للسينما، أنا مثلا لا أعتبر نفسي عاشق للسينما، إنما أعتبر السينما هما، وليس عشقا. هناك فرق، بمعنى أنك أحيانا تُمارس شيئا مدفوعا ومهموما به، هذا مع الفرق بيني وبين عشاق السينما. فقط أردت أن أوضح وجهة نظري هذه.

يستمر الحوار طويلا من خلال الكتاب ليوضح فيه المخرجون وجهات نظرهم في صناعة السينما، وكيف يرونها، وهو من الكتب النقدية المهمة التي تؤسس لمفهوم سينما الطريق في صناعة السينما العربية التي لم تألف مثل هذا المفهوم من قبل.

 

الصباح الجديد العراقية في 

30 سبتمبر 2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)