جديد حداد

 
 
 
 

يعقوبيان.. العمارة والفيلم

( 2 ـ 2 )

 
 
 

جريدة الوطن

 
 
 
 
 
 

مروان حامد.. في باكورة أعماله السينمائية الطويلة "عمارة يعقوبيان".. أثبت بأنه مخرج متمكن من أدواته الفنية، وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره، حيث نجح في خلق ذلك التناسق والانسجام بين الأحداث والشخصيات المتفاوتة درامياً.. وبين أجواء اجتماعية متباينة ومتناقضة وإضفاء تلك اللمسة السينمائية المؤثرة.. كما نجح في إدارة طاقم الممثلين من نجوم كبار وصغار.. وإكسابهم أسلوباً منسجماً مع ما يقوله الفيلم، بالرغم من اختلاف رؤاهم الأدائية. 

مروان حامد.. بعد تجربتين للفيلم القصير لقصتين قصيرتين من قصص يوسف إدريس.. يقدم نفسه في مجال الفيلم الروائي الطويل مع الرواية الأشهر للروائي علاء الأسواني.. فهو هنا لم يتجه لتنفيذ سيناريو مكتوب خصيصاً للسينما. ليتضح لنا بأن مخرجنا الشاب، باهتمامه بالاعتماد على الأدب في مشواره السينمائي، يحاول طرح مضامين جديدة ورؤى سينمائية مغايرة، إلا أنه لا ينوي الخروج على السينما السائدة ويعمل في نطاقها وتحسين مستواها.. تأثره بالمخرج شريف عرفة كان واضحاً، في تنفيذ الكثير من المشاهد، من خلال استخدامه لحركة الكاميرا وحجم العدسات والمزج الآلي.. وهذا بالطبع لا يمنع من أنه فنان أثبت مقدرته على الإمساك بجوهر الموضوع المطروح.. وليدخل في تحدي من نوع خاص.. وهو تحويل عمل أدبي إلى عمل سينمائي.. معتمداً على قدرات كاتب متميز كوحيد حامد.. وقدراته هو أيضاً في إضفاء الحسي السينمائي، للخروج من التصوير الحرفي للرواية.. ذلك الحس الذي افتقده السيناريو إلى حد ما.. فقد شاهدنا كيف أن مخرجاً لا يملك تجربة سينمائية كبيرة.. مخرج شاب ولكنه يملك طموحاً هائلاً، ساعده لكي ينجح في تقديم مشاهد سينمائية تثير الدهشة.. كمشهد التحقيق والتعذيب والاغتصاب.. الذي جاء مكثفاً ومؤثراً ويوحي بالبساطة والصدق في نفس الوقت.. كذلك مشهد مظاهرات الطلاب في الجامعة بذلك الإيقاع القوي من خلال مونتاج لاهث يوحي بالتوتر والغضب.. أيضاً نجح مروان حامد في كسب الرهان في تقديم تلك المشاهد الخاصة بالشذوذ الجنسي.. وكان بالطبع حذراً عندما جعل المتفرج يقبل ويناقش ما رفضه السينمائيون تماماً طيلة مشوار السينما المصرية عموماً.. ولكن تأثره بالسينما السائدة، قد جعله يقدم مشاهد كان من الممكن الاستغناء عنها، مثل مشهد الفلاش باك التي صاحبت مشهد اغتيال الضابط.. فقد جاءت محشورة ولا تفيد المشهد، بل أضرت به كثيرا، عندما بدت وكأنها توضيح لما هو واضح.. وتفسير يشكك في قدرة المتفرج وذكائه.

عادل إمام في هذا الفيلم، يقدم خلاصة خبرته الطويلة في طبيعة الأداء الذكي.. فهو دون جدال قدم شخصية درامية مركبة، تعد من أهم ما قدمه في السينما، وأكثر أدواره عمقاً وتأثيراً.. ذكرتني بدوره في فيلم محمد خان "الحريف".. هنا في شخصية "زكي الدسوفي".. قد أعطي الكثير لتكوين الشخصية وأضاف لها أبعاداً نفسية واجتماعية وحتى جنسية، ساهمت في خلق ذلك التوازن الذكي من خلال تعبيرات الوجه وحركات الجسد ونبرة الصوت المتغيرة حسب طبيعة المشهد الدرامي.

نور الشريف، في شخصية "عزام"، يصل إلى مستوى مذهل من الأداء، يؤكد من خلاله بأنه قادر على إعطاء كل شخصية من روحه وأداءه الشيء الكثير.. من خلال الكثير من قدراته المتألقة في فهم الشخصية.

خالد الصاوي.. كان مفاجأة الفيلم بحق.. فقبوله بقيامه بدور الصحفي الشاذ بعد رفض الكثير من النجوم للدور، يعد جرأة فنية تحسب لصالحه.. ولعب الدور ببراعة نثير الدهشة.. حيث أنه قهم أبعاد الشخصية وعبر عنها ببساطة وعفوية من خلال حركات يده ونظراته الحارة ونبرات صوته الداخلية العميقة.. لقد سجل الصاوي اسمه في قائمة الممثلين الكبار عندما قدم هذه الشخصية، فهي بالطبع نقطة فاصلة في مسيرته الفنية.

هند صبري.. تذهلنا بهذه التلقائية التي تقدمها وتتطور من خلالها من دور إلى دور.. لتؤكد بأنها من أبرز نجوم جيلها قدرة على الأداء القوي والبسيط في نفس الوقت.

محمد إمام.. في دور أول له، يبرز لنا إمكانياته وقدرته على التوصيل الصحيح لكل ما تحمله الشخصية من تناقضات.. ويؤكد بأنه سيكون له مكان بارز ليقف في صفوف نجوم المستقبل القريب.

الأدوار الثانوية في فيلم "عمارة يعقوبيان" كثيرة.. وهي تؤكد إمكانيات لمؤديها لم تظهر في الكثير من الأفلام.. هناك المتألقة يسرا في دور جديد عليها كمغنية، صحيح الدور صغير عليها.. إلا أنها جسدته وأعطت فيه.. أما إسعاد يونس، فكانت مفاجأة في دور ثانوي نجحت في تقديم قدرات أدائية أخاذة لم يتعود عليها المتفرج العربي.. أحمد بدير وأحمد راتب، قدما في دوريهما الثانويان، أداء يؤكد على خبراتهما في إعطاء الشخصية ما تستحقه، بل أضافا لمفهوم الدور الثانوي كثيراً.

في الحقيقة.. الفيلم يزخر بالعديد من الشخصيات الثانوية، وكان من أدوها على قدر كبير من التمكن وتحمل المسئولية في توصيلها إلى المتفرج بالشكل الصحيح.. نذكر منهم خالد صالح، سمية الخشاب، باسم سمرة، يوسف داود. 

"عمارة يعقوبيان".. الذي شكل حدثاً فنياً متفرداً.. يعد فيلماً هاماً باعتباره ظاهرة سينمائية استثنائية في الكثير من تفاصيله التي ذكرناها سابقاً.. وهو كفيلم، سيظل طويلاً في ذاكرة المتفرج والسينما على السواء.

 

الوطن البحرينية في

30.07.2006

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)