جديد حداد

 
 
 
 

السينما والحرب

 
 
 

جريدة الوطن

 
 
 
 
 
 

 في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعبان اللبناني والفلسطيني إزاء الهجمة الإسرائيلية الشرسة.. والحرب غير المتكافئة التي تدمر بها إسرائيل كل ما بناه الإنسان اللبناني وبدأت آثار الحرب الأهلية تزول شيئاً فشيئاً.. في ظل هكذا ظروف.. كان لابد لنا من الحديث عن السينما والحرب.. باعتبار أن موضوع الحرب، له الكثير من التداعيات في السينما.. ولاشك بأن السينما والصورة المتحركة بشكل عام، كان لها دورها الفعال في التأثير على مجريات الحروب منذ اكتشاف الفن السابع.

وهي بالطبع مناسبة للحديث أو الإشارة لمدى قدرة هذا الفن الخلاق في التأثير على الرأي العام وكسب الشعبية المساندة لهذه الحرب.. وإن كانت حرباً ظالمة. فأفلام هوليوود الضخمة مثلاً، والتي أنتجت عن الحرب كثيرة، ومتعددة في مستوياتها واتجاهاتها.. وهي أكبر دليل على أهمية موضوع الحرب في السينما.

من هذا المنطلق، كانت السينما دوماً عنصراً مهما وسلاحاً فعالاً لكافة الحروب. خذ على سبيل المثال، ذلك الاهتمام المنقطع النظير الذي أولاه كل من هتلر وموسيليني للحرب، إبان الحرب العالمية الثانية.. عندما سُخرت كافة الإمكانيات الفنية والمادية لكي تصبح السينما سلاحاً آخراً.. يدعم الحرب العسكرية.

وأي راصد للأفلام التي عُرضت بعد أي حرب وفي أي بلد، سيجد بأنها قد سجلت الكثير من الحقائق والمجاهيل، التي كانت خافية عن هذه الحروب.

أفلام الحرب في هوليوود مثلاً، كانت تتغنى في الغالب ببطولات وأمجاد الجيش الأمريكي. حيث كان فيلم الحرب سلاحاً أيديولوجياً في ماكينة الدعاية، التي صورت بطولات الجندي الأمريكي وتضحياته دفاعاً عن العالم الحر وقيم الديمقراطية. وفيلم (أطول يوم في التاريخ) مثلاً، للأمريكي (داريل زانوك)، يعتبر أحد أبرز الأفلام التي كرست لبطولات الجندي الأمريكي الذي لا يقهر في الحرب العالمية الثانية.

لم تقدم هوليوود عبر أفلام الحرب، قراءة موضوعية للوقائع التاريخية، بل قدمت أفلاماً استفادت من تلك الوقائع والأحداث لكي تسرد حكايات عن المعارك الحربية، وتتوصل من خلال عنصري الميلودراما والاستعراض إلى فبركة بضاعة هوليوودية يمكن ترويجها بسهولة في أنحاء العالم. ولم تقدم تلك الأفلام تجربة الحرب والرعب الحقيقي الذي يكتنفها، بل قدمت ديكوراً من صنع هوليوود، ولم يكن الدم الذي يجري في أفلامها سوى صبغة حمراء استبدلت بها هوليوود لون الموت الفظيع، ودمار الحرب ودوي الألم الطويل في خنادق القتال وجرح الحرب الذي يدمي في تاريخ الإنسانية.

ومع تجارب نادرة للسينما الأمريكية المضادة، يقف ذلك الفيلم الخالد (القيامة الآن)، الذي قدمه العملاق كوبولا وصرف عليه كل ما يملك، متناولاً فيه حرب فيتنام، من وجهة نظر مختلفة، ورؤية متشائمة عن ماهية الحرب وتأثيراتها النفسية على الجندي الأمريكي، كما تناول ذلك الدمار الذي تخلفه الحرب في أي مكان.. هذا الفيلم أصبح أسطورة من أساطير أفلام الحرب الأمريكية.

هوليود هي السباقة دوماً على صنع المستحيل، فكل الحروب التي خاضتها أمريكا، كانت لها أفلامها الخاصة.. كانت هناك أفلام حربية لكل مرحلة.. منذ الحرب العالمية الثاني، إلى حرب الخليج الثانية. وهي في الأول والأخير، أفلام تؤكد على تميز الجندي الأمريكي محملاً بعتاده المتطور تكنولوجيا، في دحر العدو. حتى الحرب التي تخوضها أمريكا وحلفائها الآن ضد العراق، والتي سميت بـ (حرب الحرية)، سيكون لها أفلامها الخاصة أيضاً، أفلام لن تخلو بالطبع من سرد المعجزات البطولية الخيالية للجندي الأمريكي.

السينما العربية والحرب

فيما يخص السينما العربية، في تعاطيها مع الحرب.. نرى بأن هذه السينما لم تستثمر إمكانيات هذا الفن بشكل يليق بتلك الحروب التي واجهها العرب.. باستثناء بعض الجهود الفردية على الصعيد التسجيلي الوثائقي.. أما الفيلم الروائي الطويل، فكان بعيداً عن الأهداف الحقيقية لتلك الحروب..!!

هناك بالطبع محاولات نادرة على المستوى العربي (اللبناني، الفلسطيني، السوري)، إلا أن النصيب الأكبر من هذه الأفلام كان للسينما المصرية.. باعتبارها السينما الأم.

ولنأخذ مثالاً واضحاً للأفلام التي تناولت حرب أكتوبر.. فعلى مدار ربع قرن، لم تنتج السينما المصرية سوى تسعة أفلام روائية عن حرب أكتوبر. هذا عدا العديد من الأفلام التي ورد ذكر حرب أكتوبر بها وروداً عابراً، ومن هذه الأفلام: أبناء الصمت، الرصاصة لا تزال في جيبي، العمر لحظة، الوفاء العظيم، حتى آخر العمر، بدور، وأخيراً حكايات الغريب. ولم تسلم معظم هذه الأفلام من السمات التقليدية في السينما المصرية؛ فعلى الرغم من كونها أفلاماً ذات طابع عسكري على ما يبدو ظاهرياً، فإنها تدخل بشكل قسري أحياناً حدوتة رومانسية تقوم دعامتها الأساسية على علاقة عاطفية بين البطل والبطلة.

في الواقع، إن السينما المصرية لم تشهد فيلماً عسكرياً بالمعنى السينمائي يعالج هذه الفترة، سوى فيلمين اثنين فقط هما: "أبناء الصمت"، و"أغنية على الممر" الذي تناول حرب 67.

ويعتبر فيلم "أبناء الصمت"، من إخراج الشاب (حينئذ) محمد راضي، من أهم الأفلام التي تناولت حرب الاستنزاف، كما يؤكد بأن نصر أكتوبر لم يأت من فراغ. هذا إضافة إلى أنه يتلمس أسباب هزيمة حزيران من خلال وعي كامل بالظروف النفسية والاجتماعية والسياسية. ويقدم الفيلم بطولات الجندي المصري إبان حرب 1973 وما قبلها من حرب الاستنزاف بدءا من معركة (رأس العش) وحتى لحظة العبور العظيم وتحطيم خط بارليف المنيع ورفع العلم المصري على ضفة القناة الشرقية.

أما "أغنية على الممر" فهو العمل الأول لجماعة السينما الجديدة التي تكونت بعد هزيمة حزيران.. الفيلم من إخراج علي عبد الخالق، ويتابع في أحداثه أربعة جنود وشاويش، في السابع من حزيران، يدافعون عن ممر عسكري ويقاومون دبابات العدو الزاحفة. وهم بلا مؤن ولا ذخيرة كافية وبلا اتصال مع القيادة. الخط العام للفيلم يحاول تقديم واقعة من حرب حزيران، تحكي عن صمود أولئك الرجال في وجه العدوان الإسرائيلي. وتناول هذه الحادثة من قبل فنان سينمائي، تعتبر خطوة جريئة ومهمة تلعب دوراً دعائياً يساعد على رفع معنويات الجنود العرب خلف خط النار.

السينما التسجيلية الوثائقية المصرية، كانت أصدق في تناولها للحرب، ليس لأنها سينما الحقيقة، وإنما جاء ذلك من حجم الصدق الفني الذي يحمله صانعوها. ففيلم مثل (جيوش الشمس) للمبدع شادي عبد السلام، وفيلم مثل (صائد الدبابات) للمخرج خيري بشارة، وفيلم مثل (جريدة الصباح) للراحل عاطف الطيب، لهي أفلام سجلت بواقعية تأثير هذه الحرب على النفس البشرية، اجتماعيا ونفسياً. 

 

الوطن البحرينية في

26.07.2006

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)