جديد حداد

 
 
 
 

نشوء الصورة السينمائية

 (1)

إعداد: حسن حداد

 
 
 

جريدة الوطن

 
 
 
 
 
 

من السهل أن تحدد بداية تاريخ السينما بيوم الثامن والعشرين من شهر ديسمبر(كانون الأول) سنة ٥٩٨١- ليلة سبت قارسة البرودة تلك التي قدم فيها الأخوان لوميير- من أبناء مدينة ليون- العرض السينمائي الأول لجهازهما المعروف بالسينماتوغراف أمام جمهور بمقابل مادي، في ٤١ شارع كابوسين بباريس. حيث كانا قد استأجرا لهذا الغرض الطابق الأرضي أسفل ''جراند كافيه''، هذا المقهى المتألق بزخارفه الجصية البيضاء والمذهبة. وكان هذا الطابق الأرضي قد استخدم من قبل ديوانا أو قاعة استقبال باسم ''الصالون الهندي''، غير أنه لم يكن يلاقي إقبالا كبيرا، مما سهل على الأخوين لوميير استئجاره وتجهيزه بمائة مقعد من مقاعد المقاهي وتقديم عرضهما، الذي كان في حدود عشرين دقيقة مقابل فرنك من كل مشاهد.

مفيد لا شك، أن يكون لدينا مثل هذا التاريخ لنحتفل به أو نحيي ذكراه، ولكنه تاريخ مضلل، فالسينما ليست اختراعا بقدر ما هي حالة تطور معقد. إن السينما تنطوي على عنصر جمالي وتقني واقتصادي بالإضافة إلى عنصر الجمهور، وهذه العناصر الأربعة سوف تحدد دائما الصورة التي تظهر على الشاشة في أي زمان ومكان. والعناصر، الجمالي والتقني والاقتصادي والجمهور، التي أنتجت في عام ٥٩٨١ الصورة المتحركة كما نعرفها الآن، والتي شكلت السنوات الأولى من عمر هذا الوسيط الفني، كان لها أصول قديمة.. قبل الأخوين لوميير والصالون الهندي بكثير.

منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر كان الجمهور الأوروبي (ومن ثم الأمريكي) قد بدأ يتعرف خبرات المشاهدة البصرية على نحو مضطرد. وكانت معرفة رجل الشارع بالرسم والتصوير قد ازدادت ثراء بحلول الطباعة الرخيصة. فبظهور أول جريدة أسبوعية مصورة كلها في إنجلترا عام ٢٤٨١، ''ذي إلوستراتيد لندن نيوز''، صار الناس أقدر على معرفة العالم من حولهم من خلال الصور. لقد ازدهرت وسائل التسلية البصرية، التي كانت تزداد إتقانا يوما بعد يوم، وازدهارا واضحا خلال القرن السابق على ظهور الصورة المتحركة السينمائية. خيال الظل، والذي غزا الغرب قادما من الشرق مرات عديدة مجهضة أو منقوصة فيما مضى، صار موضة في سبعينيات القرن الثامن عشر، حين أحضر شخص يدعى أمبرويز أو أمبروجيو عرضه إلى لندن، وفي الثمانينات عندما نظم جوته مسرحاً لخيال الظل في تريفورت وافتتح دومينيك سيرافين في باريس سنة ٤٨٧١، ما صار فيما بعد أشهر عروض خيال الظل الفرنسية.

ولقد كان لسيرافين، الذي واصل مسرحه الازدهار حتى عام ٠٧٨١- بعد سبعين عاما من موته- عدداً لا يحصى من المقلدين والمنافسين، وعلى امتداد القرن كان عارضو خيال الظل الجائلين يجوبون معظم أرجاء أوروبا بمسرحياتهم. كما بدأ هنري ريفيير، في رادولف ساليس شات نوار ٧٨٨١، سلسلة مسرحيات وملاحم خيال ظل استمرت لما بعد عرض الأخوين لوميير بعام. بل جرت بعض محاولات الإحياء الفني لهذا الشكل في القرن العشرين، جاءت ذروتها في اتحاد خيال الظل والسينما في أفلام السلويت للوت رينيجر.

لقد أنتج المزاج العقلاني للربع الأخير من القرن الثامن عشر نزوعا إلى العروض المرئية بجميع أنواعها، والتي شاع منها جماهيريا على نحو غير عادي الصور الزيتية ذات المحتوى الدرامي. ففنان مثل بنيامين ويست، على سبيل المثال، كانت لوحاته تقدم دائما بصفتها عرضا جماهيريا تقريبا. وشهدت ثمانينات القرن الثامن عشر محاولتين مهمتين لإضافة خواص مشهدية إلى الطبيعة الساكنة ثنائية الأبعاد للتصوير الزيتي. فقد قدم مصور بورتويه في أدنبره، هو روبرت باركر، فكرة إحاطة المتفرج بصورة زيتية أسطوانية عملاقة وإسقاط ضوء عليها لتعزيز الإيهام بالواقع الحقيقي. وسرعان ما انتشر ولع جنوني في جميع العواصم الأوروبية بهذه ''البانورامات'' كما سمي اختراع باركر الذي سجلت براءته في عام ٧٨٧١. وهكذا واصلت البانوراما الازدهار حتى ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر، بل وحتى وقت قريب، حيث تم في موسكو سنة ٠٦٩١ إعادة إنشاء بانوراما قديمة عمرها خمسون عاما تصور معركة بورودينو. وقبل باركر بسنوات، وتحديدا سنة ١٨٧١ في لندن، قام المصور ومصمم المناظر الألزاسي فيليب دي لوثر بورغ بافتتاح ''الأيدوفيوزيكن'' (Eidophusikon)، وهي وسيلة تسلية بصرية يتم فيها تكوين صورة زيتية، على غرار المناظر المسرحية، من عناصر ذات ثلاثة أبعاد، تعزز مؤثرات ضوئية بسيطة رومانسية، ثم جرى تنفيذ أفكار دي لوثر بورغ على يد لويس- جاك ماندي داجير (٩٨٧١- ١٥٨١) الذي افتتح مع كلود- ماري باوتون أول ديوراما (Diorama) له في باريس في يوليو ٢٢٨١، والثانية في ريجانس بارك بلندن في سبتمبر/أيلول ٣٢٨١. وكانت الديوراما تقوم على إضاءة صورة بها أجزاء شبه شفافة من الخلف بطريقة شديدة التعقيد بمجموعة من المصابيح والغوالق لإحداث تأثير بتغيير الإضاءة وتبدل المشاهد. وقد انعكست شعبية الديوراما في إنتاج أجهزة مصغرة منها على هيئة صندوق الدنيا للاستعمال المنزلي. فالقرن التاسع عشر أظهر ميلا كبيرا لدى الناس إلى صندوق الدنيا بجميع أنواعه، وكما سنرى فإن أولى أفلام الصور المتحركة عرضت من خلال جهاز صندوق الدنيا.

 

الوطن البحرينية في

21.12.2005

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)