جديد حداد

 
 
 
 

عن أفلام.. تحلم بمستقبل سينمائي (2 ـ 2)

هناك محاولات قليلة هامة جداً استمتعنا بها

 
 
 

جريدة الوطن

 
 
 
 
 
 

في حلقتنا الثانية، نواصل حديثنا عن الأفلام المشاركة في مسابقة أفلام من الإمارات.. وكان الحديث قد وصل بنا عند الصورة السينمائية.. في حلقتنا هذه، نتحدث عن الفكرة والسيناريو، وعنصر المونتاج الذي يعد عنصراً هاماً في إعطاء الفيلم إيقاعه.

الفكرة والسيناريو:

كما أسلفنا في الحلقة الماضية، لابد أن تكون الفكرة مركزة ولافتة في الفيلم القصير بالذات.. وفي نفس الوقت لابد أن تطرح فكراً مختلفاً عما تعودناه في الفيلم الطويل وفي الدراما التليفزيونية التقليدية، إلا أن غالبية الأفلام هنا ينقصها الفكر أساساً، وبالتالي نجدها تتوه في عوالم الغيب والنسيان.. إذن الفكر أولاً قبل الفن.. فلابد أن يطرح الفيلم فكراً مصاحباً للرمز وبعيداً عن المباشرة.. فالمباشرة في الفن هي مقتل الإبداع.. أينما وجدت المباشرة يختفي الإبداع، فالاثنان لا يلتقيان على الإطلاق.. هذا وإلا سيكون مصير الفيلم الإهمال والنسيان.

هذا إضافة إلى أن بعض الأفلام لم تنجح في تركيز الفكرة واختزالها قدر الإمكان، ومن ثم الهروب بها من ذلك التطويل الممل. بل أن هناك أفلاماً حاولت التطرق لأكثر من فكرة، وعدة مواضيع في آن واحد.. وهو الأمر الذي ساهم في تشتت تركيز المتفرج.. وإخفاق الفيلم بالتالي في توصيل فكرة معينة واحدة له.. كما أن الفيلم القصير بشكل عام يحتاج أن تكون فكرته جديدة مبتكرة وغير تقليدية، ليكون تأثيره قوياً وينجح في شد الانتباه، وحتى إن كانت هذه الفكرة مكررة، فلابد أن تكون المعالجة جديدة ومغايرة عما هو سائد.. وهنا يأتي دور السيناريو في صياغة الفكرة بشكل غير مباشر ولماح.

المونتاج:

كما نعرف بأن للمونتاج دور كبير في نجاح أي عمل سينمائي، باعتباره يعطي للفيلم تفرداً لابد منه عن بقية الفنون البصرية الأخرى كالمسرح والفن التشكيلي.. هنا يبدأ الحديث عن إيقاع الفيلم ونجاحه في شد انتباه المتفرج.. وإعطائه جرعات من الصور المتلاحقة والمؤثرة.

من جهتنا.. لاحظنا بأن الغالبية ممن يشتغلون في الصورة المتحركة عندنا، لا يدركون أهمية المونتاج في نجاح أي فيلم.. شاهدنا في الكثير من الأفلام تلك الصورة الميتة الثابتة، التي تصيب المتفرج بالملل والنفور من العمل.. ولاحظنا كيف أن مشاهد كثيرة تعتمد تلك اللقطات الطويلة المملة التي تتابع حركة الممثل أينما ذهب، وكأننا أمام خشبة مسرح وليس كادراً سينمائياً.. وإن حدث وكان المونتاج سريعاً.. نكتشف بأن هناك عدم فهم واضح في استخدامه، لدرجة أن يجعل المتفرج يلهث وراء الحدث دون أي مبرر منطقي.. فلا بد من صانع هذه الصورة أن يعطي للفيلم إيقاعاً متناسباً والحدث الدرامي المتناول وذلك باستخدامه للمونتاج بشكل متناغم ومؤثر.

الموسيقى:

هذا العنصر الفني لابد أن يكون له دوراً رئيسياً في الحدث.. بل لابد أن يكون دور معبر ومشارك، وليس فقط خلفية للحدث.. وعلينا كمتفرجين أن نلاحظ ذلك الذوبان من جانب الموسيقى في الفيلم لدرجة عدم الشعور بها.. وبالتالي تكون عوناً في توصيل صورة نظيفة لا ترهق العين والحواس الأخرى.. ما شاهدناه من أفلام، اعتمدت غالباً على موسيقى مختارة من أعمال سابقة، وهذا ليس عيباً في حد ذاته، إنما على صانع الفيلم أن يكون دقيقاً في اختياره هذا.. شعرنا فعلاً بانزعاج المتفرج من موسيقى الكثير من الأفلام، وخصوصاً تلك المعروفة من المتفرج.. شاهدنا مثلاً فيلماً إنسانياً اجتماعيا بموسيقى رعب، موسيقى لا تمت للفكرة والحدث بصلة.. لذا فإن الانتباه للموسيقى التصويرية يعد أمراً ضرورياً.. إن للموسيقى دوراً هاماً في الارتفاع بمستوى الفيلم أو النيل منه.. لذا أدعو من يصنع الصورة المتحركة عندنا، بالاهتمام بها إذا أرادوا أن يحافظوا على مستوى الفيلم وجاذبيته.

الأداء التمثيلي:

هنا أحب أن أنوه بأن العنصر البشري في الفيلم، إن كان يمثل في الفيلم الروائي أو يعلق في التسجيلي، لابد له أن يدرك ذلك الفرق بين الأداء المسرحي والأداء السينمائي.. فالمتفرج هنا لابد أن يشعر بتلك الحميمية التي يمكن أن تنشأ بينه وبين شخصيات الفيلم الذي أمامه.. فأقرب شيء على الشاشة للمتفرج هو العنصر البشري.. لذلك على الممثل أن يحاول توصيل فكرة الفيلم بشكل تلقائي سلس، وليس بشكل فج وقسري، مستعيناً بكل وسائله لتجسيد ذلك.. لاحظنا بأن الأداء التمثيلي في كثير من الأفلام قد جاء مبالغاً وغير مقبول لدرجة الإحساس بالتعب.. التمثيل أساس هام جداً في تعاطف المتفرج مع شخصيات الفيلم.. لابد من إعطاء فرصة أكبر للتمرين الأدائي قبل التصوير.

كل هذه عوامل مساعدة للصورة التي تخيلها المخرج.. عوامل تحافظ على إيقاع سينمائي متناسق يزيد من شد انتباه المتفرج وتحافظ على متابعته.. وإذا نجح المخرج في الحفاظ على ذلك التناغم فيما بين هذه العناصر الرئيسية في أي فيلم سينمائي.. تكون مهمته أسهل بكثير.. لتقتصر فقط على إضفاء رؤيته الفكرية والفنية لفيلمه. 

ختاماً.. لابد من الإشارة إلى أن هناك محاولات قليلة هامة جداً، شاهدناها واستمتعنا بها ضمن هذا التجمع السينمائي الجميل، أبرزها حسب الترتيب الأبجدي (الجساسية ـ القرم ـ أسرار سارة ـ أشياء ـ أفكار انتحارية ـ تحت الشمس ـ حياة تخشبية ـ خوف ـ سراب ـ سماء صغيرة ـ نساء بلا ظل ـ هبوب)، استطاعت هذه الأفلام أن تقول الكثير عن السينما والصورة.. ولكن الأهم هو الاستمرارية والعمل على صنع تراث تراكمي للصورة السينمائية في المنطقة بشكل عام.. فالسينما تاريخ.. السينما هي الحلم بالواقع.

 

الوطن البحرينية في

05.04.2006

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)