جديد حداد

 
 
 
 

آل بتشينو: أرقٌ على أرقٍ

الوسط ـ حسن حداد

 
 
 

جريدة الوسط

 
 
 
 
 
 

خلال مشاهدة مشحونة بالإثارة والترقب.. يبرز العملاق آل بتشينو في دور متميز ومؤثر آخر.. فخبرة هذا الممثل تعطيه الأحقية لأن يقوم بهذا الدور المليء بالقلق والتحولات النفسيةالكثيرة والمتناقضة.. حيث نجح كعادته بأن يسخر كل طاقاته الأدائية، وخصوصاً عضلات وجهه لخدمة الدور، وجعلنا نعيش معه كمتفرجين، هذا الأرق الذي عاشه طوال الفيلم. 

(أرق INSOMNIA) دراما اجتماعية تتناول عمق الهموم الإنسانية، ويحكي عن ذلك المحقق الشهير في لوس أنجليس ويل دورمر (آل بتشينو)، والذي يتم إرساله مع صديقه المحقق هاب الكهارت (مارتين دونوفان) إلى منطقة ألاسكا من أجل التحقيق في جريمة قتل بشعة لفتاة مراهقة، لتشهد هذه المدينة الصغيرة تقلبات عنيفة بعد اكتشاف الجريمة، فالمدينة لم تعرف مثل هذه الجرائم من قبل.

يلاحظ المحقق الشهير دورمر، بخبرته الطويلة، أن الفتاة قد تعرضت لضرب مبرح بآلة حادة، وأن المجرم نفذ الجريمة البشعة بدم بارد وقسوة شديدة. كما تقوده بعض الأدلة نحو الكاتب الروائي المحلي والتر فينش (روبن ويليامز)، الذي يعيش حياة مغلفة بالغموض، إذ كانت تربطه بالضحية علاقة غامضة. ومع ذلك فقد كان للمحقق دورمر بعض الأسرار والمفاتيح التي يكشف عنها بالتدريج. إلا أنه يجبر بواسطة المتهم الرئيسي والتر على الدخول في لعبة القط والفأر، بعد مقتل زميله في العمل، وهناك وبمساعدة المحققه المحلية إيلي (هيلاري سوانك) يبدأ في لعبة نفسية خطيرة أصبحت تهدد حياته بالخطر والموت. فيصاب بذلك الأرق الذي يجبره على التفكير ـ في لحظة من لحظات الضعف ـ بالتخلي عن تاريخ حافل بالإنجازات على صعيد عمله كمحقق.

مقتل صديقه في العمل، وعلى يده هو، يعد تحولاً هاماً في مسار الأحداث بالنسبة لشخصية هذا المحقق، حيث نتعرف على جوانب مخفية من هذه الشخصية. المحقق الشهير الذي جاء إلى هنا، مخلفاً وراءه إرثاً زاخراً بالإيجابيات والسلبيات.. لدرجة أن الوساوس والشكوك من نتائج أفعاله كل هذه السنين، تبدأ في الظهور من جديد، جينما يحكي لموظفة الفندق عن إحداها. كذلك نراه عندما يوجه المحققه المحلية، بأن اسمها سيكتب على التقرير، وعليها التحري جيداً والتأكد من كل شيء، حتى ولو أن هذا لن يكون في صالحه. هذا بالرغم من أنه قد بدأ يخفي الحقيقة في مقتل صديقه، عندما يستبدل الرصاصة والمسدس أداة الجريمة. ثم إصراره على عدم ترك المجرم يفر هارباً بجرمه، حتى ولو استدعى ذلك نهايته.

كذلك تلك الحالة النفسية التي يعيشها في غرفته بالفندق.. تكون أشبه بالكوابيس، نجح المخرج في استخدامه للمؤثرات الصوتية المضخمة واللقطات السريعة للحظات عاشتها الشخصية، لدرجة أنه لا يعرف كيف سيواجه تلك الأحداث المتشابكة التي تظهر في طريقه.

ثم تأتي النهاية التي أكدت مصداقية هذه الشخصية، عندما يطلب المحقق من مساعدته الإحتفاظ بالرصاصة الحقيقة، لتكون عوناً لها لإظهار الحقيقة كاملة، حتى ولو أدى ذلك إلى تورطه كقاتل. 

(أرق INSOMNIA) لمخرجه كريستوفر نولان، لا يختلف كثيراً عن فيلمه السابق (تذكار  Memento)، ولكنه إعادة لفيلم نرويجي شهير يحمل نفس الاسم إنتاج عام 1997. ثم أن نولان هذه المرة لم يكتب سيناريو الفيلم، بل استعان بالكاتب هيلاري سيتز، لأمركة الفيلم الأوروبي.. حيث ينجح في صياغة سيناريو ذكي، ويتناول شخصيات مرسومة بعناية، وعلاقات معقدة ومتشابكة فيما بينها تتميز بنقلات مفاجأة يتخللها الغموض من مشهد إلى آخر، ويقدم مبررات منطقية لتلك التأثيرات السلبية والإيجابية لأحداث الفيلم على مجتمع المدينة الصغيرة التي تقع في قلب ألاسكا والتي تتسم بالهدوء. حيث كان اختيار منطقة ألاسكا لمواقع التصوير موفقاً.. باعتبار أن الشمس لا تغيب في الصيف.. مما جعل هذا تبريراً قوياً لبطل الفيلم الذي يعاني من مشكلات قديمة في النوم، ليس لفقدانه الظلام فحسب، وإنما لقلقه من تطور أحداث درامية يتورط فيها كقاتل. فالأحداث تدور معظمها في حجرات مغلقة مظلمة وموحشة، حتى عندما تخرج الكاميرا للخارج، نراها في مشهد مخيف تهرب عن أشعة الشمس، عندما يحبس البطل تحت الماء في لحظات تحبس الأنفاس. كما ينجح مدير التصوير في تجسيد مشاهد رائعة لأنهار الجليد المتعرج، من وجهة نظر الطائرة، في إعطاء إحساس بالوحشة لدى المتفرج. 

يحقق أل بتشينو، صاحب الإحدى وستون عاماً، خطوة جريئة مع المخرج نولان، عندما ينقلان لنا هذا الإحساس بالأرق الحقيقي: الحيرة، ضعف الرؤية، القلق. على نحو مذهل. إلا أن الخطوة الأكثر جرأة بالنسبة لنولان، هو اختياره للممثل روبن وليامز في دور استثنائي. بعد ظهوره المتأخر عن بداية الفيلم بنصف ساعة، ليشكل انطلاقة متجددة للأحداث.

صحيح بأن (أرق INSOMNIA) ليس بقوة (تذكار  Memento)، إلا أنه يعطي نولان الفرصة مرة أخرى لإثبات نجاحه في التخلص من سلبيات سينما هوليود التقليدية. 

بطاقة الفيلم:

إنتاج عام 2002 ـ تاريخ العرض الأول: 24 مايو 2002 ـ النّوع: دراما - التقدير: R ـ زمن العرض: 118 دقيقة ــ بطولة: آل باتشينو، روبن ويليامز، هيلاري سوانك، مارتين دونوفان، نيكي كات ـ تأليف: هيلاري سيتز ـ إنتاج: إدوارد ماكدونيل، أندرو كوسوفي، برودريك جونسون، بول جونجر ويت ـ توزيع: ورنر برذرز ـ إخراج: كريستوفر نولان

 

الوسط البحرينية في

02.02.2003

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)