جديد حداد

 
 
 
 

غياب السيناريست محسن زايد: 

رحيل مفاجيء وسؤال لا يموت

الوسط ـ حسن حداد

 
 
 

جريدة الوسط

 
 
 
 
 
 

الخبر:

السابع والعشرين من يناير الماضي، موعد رحيل السيناريست محسن زايد عن عمر ناهز الثامنة والخمسين عاما، في منزله بالإسكندرية. وقد شيع الجثمان في اليوم التالي بعد صلاة الظهر بمسجد مصطفي محمود، وأقيم العزاء في اليوم الذي بعده بمسجد الحامدية الشاذلية. يذكر أن الراحل بدأ مشواره الفني مع التليفزيون عام ‏1969، من خلال التمثيلية التليفزيونية "الدبابة" كمؤلف وكاتب سيناريو

التعليق:

خبر تناقلته وكالات الأنباء، ولكنه كان إعلان صارخ لنهاية فنان يصعب أن يجود الوسط الفني بمثله.. فنان تغمره السعادة، وهو يحتفل ببداية حياة جديدة مع زوجته سوسن بدر.. مات زايد محفوفاً بهواء الإسكندرية بعد دقائق قليلة على خروجه من المسرح الذي كان يقدم مسرحية "الملك لير" التي تشارك في بطولتها سوسن بدر. 

زايد خريج المعهد العالي للسينما قسم الإخراج عام 1966، بل وقام بالتدريس في قسم السيناريو لمدة عامين وتتلمذ على يديه عدد كبير من كتاب السيناريو المتميزين، هذا إضافة إلى قيامه بتجربة الإخراج، وهذا شيء ربما لا يعرفه الكثيرون، وقدم عملين كمخرج الأول فيلم تلفزيوني بعنوان (فرح زهران)، والأخر فيلم عرائس للأطفال عام 1980 بعنوان (السندباد الأخضر). وقبل أن يتجه إلى كتابة السيناريو كان محسن زايد معروفاً في الأوساط الأدبية والثقافية، باعتباره واحداً من أهم كتاب القصة القصيرة في جيل الستينات. وقد نشر عدداً كبيراً من القصص في الصحافة. إلا أن المخرج الراحل صلاح أبو سيف لعب دوراً كبيراً في تحوله إلى الكتابة السينمائية، بعد أن شاهد له أول أعماله التليفزيونية وهي سهرة (الدبابة). ولا ينكر محسن زايد فضل أستاذه بمعهد السينما المخرج حلمي حليم، حيث قال في أحد أحاديثه الصحفية بأن هذا المخرج كان يشتري له الكتب الدراسية لعدم قدرته على ثمنها.

زايد من عائلة فنية تضم العديد من نجوم الفن مثل آمال زايد وجمالات زايد ومعالي زايد وشقيقه المنتج مطيع زايد، وهي عائلة التقت كلها وعاشت مع حركة السينما المصرية. كما اكتسب محسن زايد هذا التكوين الثقافي لكونه واحداً من جيل نذر نفسه للعطاء التنويري وللفعل الثقافي، ذلك الجيل الذي وجد ضالته في الثقافة الجماهيرية في سنوات الطموح الكبير خلال الستينات.

زايد قليل الأعمال التليفزيونية والسينمائية وعاشق لها، فهو يقول بشأن السينما بأنها "الكتاب الذي سيعيش بعدي". وعن آخر أعماله للسينما وهو (المواطن مصري) المأخوذ عن رواية "الحرب في بر مصر" للكاتب يوسف القعيد، قال محسن زايد: لقد جذبتني الرواية من أول وهلة وأصابتني بلحظة الجنون المقدس فتمنيت أن تصل لكل الناس بمن فيهم الذين لا يقرأون وتقدمت بها للرقابة أربع مرات وفي كل مرة يتم رفضها حتى وافق عليها الرقيب حمدي سرور، وقد كتبت السيناريو في أقل فترة زمنية ممكنة، ولم تستغرق سوى أربعة أشهر. وحينما قرأها عمر الشريف تحققت له لحظة الجنون المقدس فألغى كل مواعيده وارتباطاته ولم يتحدث في الأجر وبدأ تصوير الفيلم مباشرة. 

وهو يرى بأن السيناريو أدب مرئي وكان يقول: "بأن كتابة الأدب أسهل ألف مرة من كتابة السيناريو، لأن الأول يكتب بلغة أقل توجب القدرة على القراءة، بينما في السيناريو أكتب لكل الفئات المتعلم ونصف المتعلم والأمي. وفي السيناريو أكتب ثلاث لغات لغة الحوار ولغة السيناريو ولغة الصورة، وكتابة السيناريو فيها قدر كبير من المعاناة والإبداع والتعقيد وتحتاج إلى عقلية مركبة تمسك بخيوط كثيرة في وقت واحد".

ومن الملاحظ بأن غالبية أعمال محسن زايد مأخوذة من أدب نجيب محفوظ، وربما تكون تلك العلاقة الحميمية التي تربطه بهذا الأديب الكبير، كانت سبباً لقربه من روايات وقصص محفوظ، خصوصاً بأنه كان أحد أفراد شلة "الحرافيش". ولكنه بالرغم من هذه العلاقة الجميلة بين الاثنين، إلا أنه يختلف مع نجيب محفوظ في مواقفه السياسية، وبالذات في موقفه من كامب ديفيد، بل ويرفض الصهاينة حتى ولو تصالحوا مع العالم أجمع، لتبدأ المقاطعة لنجيب على موقفه هذا. ولكنه معجب كثيراً بروايات صاحب نوبل، إذ يقول: "إنها مدروسة بعناية شديدة والفكرة فيها واضحة بالإضافة لصدق التناول في العمل نفسه يجعلني كسيناريست أجد سهولة في التصدي لها".

تعامل زايد مع أدب محفوظ، بدأ منذ مدة طويلة، فقدم له أعمال كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال: أيوب وقلب الليل والسيرة العاشورية والثلاثية وحديث الصباح والمساء. ومسلسل آخر لم يعرض بعنوان "الجريمة". ولكن العمل الذي كان أحد أحلام محسن زايد هو الثلاثية الشهيرة، حيث تمنى طويلاً أن تخرج إلى النور، واستغرق في كتابتها عامين كاملين، ورغم ذلك لم تخرج إلى النور بعد كتابتها مباشرة، حيث قدر لها أن ترى النور بعد حصول محفوظ على جائزة نوبل وتغيير موقفه من السلام، وانتهاء مقاطعته.

أما بالنسبة لآخر أعماله (حديث الصباح والمساء), والمأخوذة أيضاً عن رواية لنجيب محفوظ، فكانت هناك مفاجآت أعلن عنها محسن زايد في أكثر من مكان.. فهو يقول بأن دور ليلى علوي في الرواية لم يتعد سطرين ونصف السطر فقط، ولكنه قام باستخراج 67 شخصية وتحويلها إلى 130 شخصية، ومنها شخصيات مرت عليها الرواية مرور الكرام، ومن أجل ذلك قام بقراءة الرواية أكثر من 20 مرة، حتى يضع على الشاشة كتاباً مفتوحاً يجذب المتفرج. وقد كان محسن زايد مستاءً جداً من المخرج بسبب حذفه لبعض المشاهد والشخصيات وتغيير بعضها، دون الرجوع إليه. كما أنه استنكر عدم مناقشة المخرج والممثلين والرجوع له فيما يخص الشخصيات التي سيؤدونها، باعتبار أن هذا العمل ذو طابع فلسفي عميق، يحتاج من الكل التركيز والحذر. 

في الفترة الأخيرة، كان زايد يتألق نشاطاً، وكانت الحالة النفسية السعيدة التي يعيشها مع عروسه قد زادته حيوية، فبدأ يكتب في مشاريع كثيرة في وقت واحد.. فكان هناك مشروع فيلم  (المطران الثائر) الذي يتناول فيه حياة مطران القدس إيلاريون كابوتشي، المطران الذي طرد من إسرائيل بسبب مواقفه المؤيدة للانتفاضة الفلسطينية والمعادي لإسرائيل. حيث كان رئيساً لدير المخلص في لبنان ثم مطراناً للقدس, حتى قبضت عليه الشرطة الإسرائيلية وقامت بتعذيبه ونفيه, ثم نقل إلي الفاتيكان. وكان زايد قد بدأ بالفعل في كتابة هذا السيناريو منذ سنوات ولكنه توقف أكثر من مرة لظروف إنتاجية ورشح لبطولته في السابق كل من عمر الشريف في البداية ثم نور الشريف وليلى علوي. وستنتجه مدينة الإنتاج الإعلامي. وتساهم في إنتاجه ثلاث دول عربية وهي مصر ولبنان وسوريا من خلال وزارات الإعلام, ويعد الفيلم وثيقة تاريخية لإدانة إسرائيل من خلال المجازر التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني, وذلك من خلال حياة المطران الثائر كابوتشي. كان زايد ينتظر قدوم المطران كابوتشي خلال أيام إلى القاهرة ليعقد معه بعض الجلسات يحكي له خلالها المطران بعض مواقفه ليتعرف عليه زايد عن قرب.

وكان زايد قد انتهى منذ فترة من كتابة فيلم يتناول السيرة الذاتية للشاعر أحمد فؤاد نجم تحت عنوان (الفاجومي). ومن المنتظر أن يبدأ تصوير الفيلم، الذي سيقوم ببطولته أحمد زكي وسيخرجه علي بدرخان، في مارس المقبل.

رحل السيناريست زايد عنا وهو في قمة عطائه الفني والحياتي.. كعادة المبدعين الكبار الذين مروا على هذه الحياة ليتركو أسئلة كثيرة، إيماناً بأن السؤال لا يموت أبداً. 

 

أبرز أعماله

في السينما:

حمام الملاطيلي ـ السقامات ـ إسكندرية ليه ـ قهوة المواردي ـ أيوب ـ القضية 80 ـ قلب الليل ـ المواطن مصري.

في التليفزيون:

ليلة القبض على فاطمة ـ عيلة الدوغري ـ لسه بحلم بيوم ـ اللص والكلاب ـ قلب بلا دموع ـ قلب الليل ـ الحاوي ـ العطش ـ السيرة العاشورية (الحرافيش) ـ بنات أفكاري ـ حديث الصباح والمساء.

 

الوسط البحرينية في

02.02.2003

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)