جديد حداد

 
 
 
 
 
 

عن تاركوفسكي الغائب..!!

 
 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

قبل أكثر من عشرين عاماً.. رحل وتركنا في هذا التيه السينمائي المشحون بفذلكات التكنولوجيا السينمائية الطاغية.. رحل لنصبح فارغين من كل هذا الكم المعرفي والفلسفي الذي كرس حياته كلها لتجسيده على الشاشة.. تاركوفسكي، الفنان العملاق الذي قدم من خلال أفلامه، تحفاً فنية سينمائية وقصائد وفلسفة ورحل.. رحل بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان. فنان استثنائي، قل أن يجود بمثله هذا الزمن الذي نعيشه.. ودائماً ما نشعر بهذا الفقد لدى الحديث عن هذا الفنان الأسطورة..!!

بالرغم من كل هذه السنين منذ رحيله.. مازال العالم يحتفي بمنجزاته.. يحتفي بسينماه المختلفة.. بفكره وأحلامه من خلال أفلامه.. فها هو مهرجان دمشق هذا العام يخصص برنامجاً وتظاهرة لأفلامه.. وكذلك فعل مهرجان مراكش الذي مازالت فعالياته مستمرة..!!

في لقاء صحفي لهذا العبقري عشية وفاته.. يقول عندما يتحدث عن التفاؤل والأمل: (مناقشة التفاؤل والتشاؤم أمر فيه بلاهة. إنها مفاهيم فارغة من المعنى, إن من يحتمون بالتفاؤل إنما يفعلون ذلك لأسباب سياسية أو إيديولوجية, لأنهم لا يبغون البوح بما يفكرون فيه. كما يقول المثل الروسي: المتشائم هو متفائل عليم. إن موقف المتفائل موقف خبيث فكريا, موقف مسرحي يخلو من الصدق. في المقابل, الأمل صفة من صفات الإنسان, وهو ميزة البشر التي يولدون بها. إننا لا نفقد الأمل في مواجهة الواقع لأن الأمل غير عقلاني, يفرض نفسه ضد كل منطق. يقول "ترتوليان" عن حق: "إنني أعتقد لأنه من العبث أن نعتقد". ويتأكد الأمل لدينا حتى في مواجهة أكثر مجتمعاتنا الحالية بؤسا, ببساطة لأن البشاعة, مثلها مثل الجمال, تثير لدى من يؤمن أحاسيس تؤكد الأمل وتدعمه).

فكيف لنا أن نعيش كل هذه السنوات، من غير أن يكون هذا الاستثنائي بيننا؟! إنه يتحدث بفلسفة لا يضاهيها الا الإحساس بالفقد.. فها نحن نعيش يومنا دون التحلي بالأمل أو بالتفاؤل.. ونحن نراه يتحدث عنهما، وهو ينتظر الموت.. كيف لنا أن نواصل هذا العيش هكذا؟! أحلامنا ليس لها معنى.. فارغة من التفاؤل والأمل.. فليس لنا إلا أن نعيش هذا الفقد لفنان مثله.

فعندما يتحدث عن أحلامه، يسترسل في فلسفته الحياتية... (أعرف الكثير عن أحلامي, وهي تكتسب عندي أهمية قصوى, لكني لا أميل للكشف عنها: أريد أن أقول لك إن أحلامي مقسمة إلى قسمين: هناك الأحلام الاشراقية التي أتلقاها من عالم الماوراء, من عالم الغيب, وهناك الأحلام العادية التي تأتي من علاقاتي بالواقع. الأحلام الاشراقية أو التنبؤية تأتيني أثناء النوم عندما تنفصل روحي عن عالم الوديان وتصعد إلى قمم الجبال. ما أن ينفصل الإنسان عن الوديان, يبدأ رويدا رويدا في الاستيقاظ. وفي اللحظة التي يصحو فيها, تكون روحه نقية طاهرة وتكون الصور محملة بالمعنى, إن الصور التي نعود بها من العالم العلوي هي التي تحررنا, المشكلة أنها تختلط سريعا مع صور الوديان ويصبح عسيرا علينا أن نجد المعنى, الشيء الأكيد هو أن الزمن, في العالم العلوي, قابل للانعكاس, الأمر الذي يثبت لي أن الزمان والمكان لا يوجدان إلا من خلال تجسدهما المادي. الزمن ليس موضوعيا.

هكذا تحدث تاركوفسكي.....!!

 

أخبار الخليج في

23.11.2008

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)