جديد حداد

 
 
 
 
 
 

في الرواية والفيلم..

جدل لن ينتهي.. ( 3 )

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

أهم المشكلات التي تعترض المخرج في تعامله مع الرواية، كما حددها الناقد أمين صالح، هي: قبل كل شيء أن يكون أمينا لأي شيء بالضبط: للفكرة، للمضمون، للشخوص، للإصلاح، للحوار، للأمكنة، للأزمنة؟ كيف يمكن تحقيق المصداقية أو الموثوقية بشأن التفاصيل الدقيقة في عمل تاريخي مثلا؟

الأمانة الحرفية غير ممكنة لاستحالة أن يكون الفيلم ترجمة بصرية دقيقة، وبسبب صعوبة إيجاد مرادفات بصرية لكل ما هو لفظي في النص الأدبي. وحتى الزعم بأن الفيلم أمين لروح أو جوهر النص هو أمر مشكوك فيه لأنها عملية ترتبط بقراءة النص وتأويله الذي يختلف من شخص إلى آخر.

هناك أفلام التزمت بالنص الأدبي إلى حد كبير، وكمثال: فإن المخرج جون هيوستون في تحويله لرواية داشيل هاميت «الصقر المالطي» قد التزم بالحبكة والحوار سطراً سطراُ تقريبا. ومايك نيكولز مع مسرحية إدوارد ألبي «من يخاف فرجينيا وولف» أضاف تسع كلمات إلى النص الأصلي. والمخرج البرتغالي مانويل دي اوليفيرا اخرج «الحب الملعون» عن رواية شهيرة كتبها كاميلوا كاستيللو برانكو في القرن التاسع عشر.. وعلى مدى أربع ساعات ونصف الساعة نقل اوليفيرا كل صفحة من الكتاب إلى الشاشة ولم يسبق في تاريخ السينما أن صور عمل أدبي بمثل هذه الأمانة والدقة.. لكن وفقا لرأي النقاد فإن هذا الفيلم الذي يبدأ كعمل أدبي ينتهي بأن يكون سينما نقية خالصة. إذ هو ليس توضيحا للرواية بل بحثا في طبيعة السرد، في التوتر المستمر بين الصوت والصورة، بين السرد خارج الشاشة والأحداث التي تدور على الشاشة.

إذن ليس ثمة مبادئ أو قواعد ترشد السينمائي عند إعداده لنص أدبي، وليست هناك شروط محددة تحكم علاقة السينمائي بالمصدر الأصلي. لكن يجب التوكيد على أن فكرة الإعداد نموذج مثالي للتقارب أو التفاعل بين الفنون وفق مفهوم النقد الحديث بشأن التناص. 

لقد ساهمت السينما إلى حد كبير في رواج الأعمال الأدبية الكلاسيكية والمعاصرة عند جمهور من المتفرجين لم يقرأ الرواية، أو لم تكن لديهم فكرة عنها، وبذلك كانت السينما الوسيط السهل في توسيع نطاق جمهور الأدب.

هذا، إضافة إلى أن الرواية الجديدة قد تأثرت بتقنيات السينما، من خلال الإيقاع السريع، الانتقالات المفاجئة، الاعتماد على الأحداث لا الأفكار، الحبكة الواضحة المباشرة بل أن بعض كتاب القصص البوليسية يكتبون ببناء وبأسلوب السيناريو. 

إذن لابد، في ختام حديثنا، التأكيد على أن العلاقة بين السينما والأدب علاقة وثيقة ومتشابكة، وأن النقاش حول هذه العلاقة، هو مسألة خلافية لم تحسم بعد، وربما لأنها ليست للحسم، بل ستظل كذلك مع كل تحويل لعمل أدبي إلى الشاشة.

 

أخبار الخليج في

24.08.2008

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)