جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

أفلام فلسطينية - 1

(يد إلهية)

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

نرى بأن الأفلام الفلسطينية، في السنوات الأخيرة، قد فاجأت جمهورها، بقدرات ورؤية خلاقة لسينما تعبر عن واقعها بشكل ملحوظ. ونرى أيضاً، بأن الفلسطينيين قد فاقوا التصورات ووصلوا إلى معاقل هوليوود، بفيلمي (يد إلهية) لإيليا سليمان، و(الجنة الآن) لهاني أبو أسعد.. هذان الفيلمان حصلاً على تقدير مشرف حقاً..!!

وها هو إيليا سليمان، مرة أخرى، بفيلمه الجديد (الزمن المتبقي)، الذي شارك ضمن مسابقة مهرجان كان السينمائي.. قد أثار اهتمام السينمائيين والنقاد على السواء.. وكان سليمان، قبل ذلك قد حضي فيلمه الأسبق (يد إلهية) على نفس الحفاوة والترحيب، بل إنه حصل على جائزة لجنة التحكيم الكبرى وجائزة النقاد العالميين في مهرجان كان عام 2003.

فيلم (يد إلهية)، فيلم لم تعتاد عليه العين العربية فيما سبق من أفلام على مدى تاريخ السينما العربية بأكمله. فالفيلم، الذي توقع له الكثيرين أن يحكي قصة الكفاح والنضال الذي عانى ويعاني منها الشعب الفلسطيني في مواجهة الهجمة الإسرائيلية الشرسة.. إلا أن ذلك لم يتحقق بالشكل التقليدي الذي عودتنا عليه مجمل الأفلام العربية، فالمتفرج العربي هنا، وحتى الغربي، قد أصيب بدهشة من تلك الصور الحية التي عرضها سليمان بجرأة وحكمة. صور تسجل للحياة اليومية بدون أية رتوش أو مداراة.

رجل يرتدي زي سنتا كلوز (بابا نويل)، فيما تنتأ من صدره سكين، يلاحقه زمرة من المراهقين، وهو يحاول صعود تلة. رجل برجوازي، يبدو عليه الضجر والإرهاق، يسوق سيارته عبر طرقات الناصرة وهو يشتم ويلعن همساً فيما يلوّح للمارة مرحباً. الجيران يقذفون أكياس القمامة في بيوت بعضهم البعض. الجيران يثقبون كرات القدم التي تضل طريقها وتقع في بيوتهم. امرأة مشعة، مفعمة بالنشاط والثقة بالنفس، تعبر بخطي واسعة حاجز التفتيش القائم علي الطريق بين القدس ورام الله، تصعق الجنود المتوترين، وعلي نحو غامض تتسبب في انهيار برج الحراسة. بطل الفيلم يرمي، من غير قصد، نواة المشمش من نافذة سيارته فتفضي إلى انفجار دبابة إسرائيلية. مرضي في مستشفي، ورغم أن أمراضهم خطيرة إلا أنهم يغادرون أسرتهم ليدخنوا السجائر. رجل ينتظر الباص الذي لا يأتي أبداً.

هذه فقط بعض المشاهد التي تسجل للحياة اليومية في فلسطين، والتي قدمها سليمان بشيء من الكوميديا السوداء، دون التعليق وقليل القليل من الحوار، إن لم نقل قدمها بصمت قاتل. هذه المشاهد تقول الكثير مجتمعة.. لكنها منفردة تبدو في أغلبها كوميدية تثير الضحك والحسرة في نفس الوقت.

يعتمد سليمان على المتفرج في تركيب تلك المشاهد، والخروج بنتيجة مذهلة، فهو هنا يجعله يفكر فيما يحدث.. هذا التفكير الذي سيقوده قطعاً إلى التساؤل عن المعنى. فنحن نرى شخصيات الفيلم وهي تتحرك في إيقاع محسوب بدقة، مع توظيف رائع للصوت خارج الكادر، وابتعاد عن الثرثرة الحوارية المملة، واختيار الصمت المعبر كأسلوب فني جميل.

الفيلم يقوم أساساً على أسلوب الصور الموجزة العبثية واللقطات ذات الزاوية المنفرجة التي تعطيك ذلك الإحساس بالمرارة، في مشاهد تنسجم تماماً مع التجربة الفلسطينية وعالم العنف المحيط بها، مشاهد تثير الكثير من الأسئلة المصيرية المريرة التي تتصل بقضية الشرق الأوسط واحتمالات السلام.

 

أخبار الخليج في

15.02.2010

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)