جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

نهر الخوف

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

فيلم (نهر الخوف ـ 1988)، للمخرج محمد أبوسيف، والذي قدم أول أفلامه عام 1986، وهو بعنوان (التفاحة والجمجمة)، وكان ـ في تقديرنا ـ تجربة سينمائية فاشلة، لكونه احتوى على الكثير من السلبيات والثغرات إن كان من ناحية رسم وتكوين الشخصيات، أو من ناحية افتعال المواقف والأحداث الدرامية، هذا إضافة إلى إخفاق المخرج في إدارة ممثليه وقلة الخبرة الفنية لديه.

يتناول فيلم (نهر الخوف)، والذي تكررت فكرته وأحداثه وقدمت في المسرح والسينما أكثر من مرة، فكرة انعزال مجموعة من الأفراد في مكان واحد. وهي فكرة قدمت في مسرحية (سكة السلامة)، وفي أفلام البناية، الطائرة المفقودة، بين السماء والأرض، البداية، كما أن المخرج نفسه قد طرحها في فيلمه الأول (التفاحة والجمجمة).

ففي فيلم (نهر الخوف) يعزل المخرج ـ وكاتب السيناريو أيضاً ـ مجموعة من الأفراد في أوتوبيس نهري يتورط شابان في اختطافه بدافع الخوف من تهمة باطلة، وهي اختطاف فتاة واغتصابها. هذا مما يجعل الشابان يضطران إلى الاستيلاء على الأوتوبيس واحتجاز من فيه كرهائن حتى يتم تبرئتهما من جريمة الاغتصاب.

والفيلم، بفكرته هذه، يقدم لنا نماذج وشخصيات اجتماعية مختلفة ومتباينة، ويتابع مشاعرها وأحاسيسها تجاه الخوف. فهناك الأم (عبلة كامل) التي تخاف على ولديها، وتتصرف بشكل هستيري من جراء الخوف المسيطر. وهناك العجوز التي عاشت أفراح الدنيا وأحزانها، ولم يتبق شيء تترقبه أو تخاف منه، لذا نراها لا تتفاعل مع ما يحدث حولها. وهناك الممرضة (نورا) الفتاة القوية والمتماسكة في مواجهة الخوف والإرهاب. بالمقابل هناك الممرضة اللعوب التي وجدت الفرصة المواتية لممارسة غوايتها. إضافة إلى سكرتير المحامي (عثمان عبد المنعم) الذي ـ رغم خوفه ـ يعلق على أي فعل ببنود قانونية تزيد من روع وخوف الخاطفين. كل هؤلاء يقعون في البداية تحت ضغط وتصرف الخاطف عبد الرحمن (محمود عبد العزيز) وزميله عادل (أحمد راتب)، واللذان بدورهما خائفان من نتيجة تورطهما في موقف كهذا. فالمتفرج يعرف بأنهما بريئان من تهمة الاغتصاب منذ بداية الفيلم، ويتابع تحولاتهما من مجرد شابين عاديين ومسالمين إلى شابين منحرفين، حيث يتحول عبد الرحمن من إنسان مسالم إلى متهم ثم إلى إرهابي.

الفيلم يتأرجح ما بين الميلودراما والكوميديا المصحوبة بالإثارة والتشويق. فما أن تتأزم الحالة النفسية للشخصيات، حتى تأتي السخرية والنكتة للتخفيف من حدة الميلودراما. كما أن الفيلم ينتهي بضحكة جماعية مشتركة بين عبد الرحمن وزميلة وبين ركاب الأتوبيس المحتجزين. وهي ضحكة تجسد بصدق مدى الألفة والصداقة التي تكونت بين الخاطفين والمخطوفين من خلال تجربتهما الصعبة على سطح الأتوبيس. أما المخرج فيبرر هذه الضحكة، بقوله: (...مشكلة بطل الفيلم أنه مرعوب مما يمكن أن يلاقيه في قسم الشرطة من تنكيل وإهانات لا حد لها، فالمواطن في قسم الشرطة متهم حتى تثبت براءته وليس العكس، وعندما تثبت براءته يفرح بالبراءة وينسى الإهانات. وهذا هو سبب الضحكة الهستيرية التي أطلقها عبد الرحمن...).

يعتبر فيلم (نهر الخوف) نقلة فنية كبيرة للمخرج أبوسيف، بالمقارنة مع فيلمه الأول. ففيلمه الثاني احتوى على فكرة جيدة ـ وإن كانت مكررة ـ وسيناريو أكثر نضجاً وتفهماً لماهية ومفهوم السينما بشكل عام، بالرغم من وجود بعض الإخفاق في رسم بعض الشخصيات (شخصية الممرضة اللعوب التي اختفت فجأة وبدون أي مبرر)، وتصنع وافتعال في سرد بعض المواقف الدرامية. هذا إضافة إلى أن الحوار قد احتوى على جمل إنشائية مباشرة عن الخوف والعنف والاغتصاب والمرض والجفاف، لدرجة التطرق لمشكلة الغلاف الجوي وتسرب الأزون منه. كما كان تدخل الصعايدة في الأحداث فيه بعض المبالغة وافتعال للدراما، حيث لم يوظف هذا إلا للإطالة من الفيلم على ما يبدو.

وبالرغم من وجود كل هذه السلبيات التي احتواها السيناريو، إلا أن المخرج استطاع أن يوظف حركة الكاميرا وزواياها لصالح أحداث الفيلم بشكل جيد، حيث أعطى كادرات جمالية قوية ومتقنة في كثير من المشاهد، وخصوصاً بوجود مدير تصوير متميز كالفنان طارق التلمساني.

وختاماً، لابد من الإشارة إلى ما قدمه الفنان محمود عبدالعزيز من إبداع، فهو بخبرته وطاقاته الأدائية الممتازة، استطاع أن يحمل الفيلم على عاتقه، ويؤدي دوراً صعباً ومركباً لشخصية عبد الرحمن، مثبتاً مقدرة فائقة وفريدة في الجمع بين الأداء الميلودرامي والكوميدي بشكل بسيط وتلقائي غير مفتعل.

 

أخبار الخليج في

28.10.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)