جديد حداد

 
 
 
 
 

المرأة كمخرجة للفيلم الروائي المصري ( 9 )

التليفزيون: حضور آخر

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

من الملاحظ أن ظهور المرأة كمخرجة في السينما قد تأخر عن ظهورها في التليفزيون، وذلك لأن المنتجين السينمائيين يخشون ويشكون في قدرة المرأة بتحمل أعباء مشروع سينمائي كبير، لذلك كانت فرص العمل للمرأة قليلة أو منعدمة. فلولا أن نادية حمزة ونادية سالم قد قامتا بإنتاج أفلامهما، لما برزتا على الساحة السينمائية. ولا حماس واصف فايز ـ المنتج الجاد ـ للفكرة التي قدمتها له المخرجة إيناس الدغيدي، لما ظهرت هذه الفكرة ـ في هذه الفترة على الأقل ـ إلى النور. غير أن فكرة المنتجين عن المرأة كمخرجة بدأت تتغير إلى الأفضل في الآونة الأخيرة.

أما التليفزيون ـ بصفته قطاع عام ـ فقد أعطى الفرصة للمرأة في كافة المجالات الفنية من السيناريو والمونتاج والديكور إلى الإخراج. وبرزت مخرجات مثل إنعام محمد علي، وعلوية زكي، وعلية ياسين. ولم يقتصر عمل هؤلاء على إخراج المسلسلات فقط، بل قدمت علوية زكي فيلم (رجل اسمه عباس)، وقدمت إنعام محمد علي فيلم (آسفة أرفض الطلاق).

ولأهمية فيلم إنعام محمد علي وجرأة الفكرة التي طرحها، سنأخذه مثالاً لأفلام المخرجات في التليفزيون ـ علماً بأن موضوعنا يختص أساساً بمخرجات السينما ـ ولذلك سيكون تناول هذا الفيلم ومخرجته استثناء لا بد منه.

إنعام محمد علي: الدعوة لمجتمع متحضر

تعتبر إنعام محمد علي من المخرجات البارزات في التليفزيون المصري، وأعمالها تشهد لها بالجودة والقدرة على تلمس الواقع الاجتماعي للأسرة والمجتمع. لقد قدمت مسلسلات تليفزيونية هامة مثل (حتى لا يختنق الحب، هي والمستحيل، دعوة للحب، حصاد العمر). وقدمت سهرات أبرزها (أم مثالية). وجميعها تهتم بقضية المرأة ودورها في قيام الأسرة الناجحة.

تقول المخرجة: (...صحيح أن معظم مسلسلاتي تعالج قضية المرأة، ولكنني لست متحيزة للمرأة، لأنني لا أدافع عن المرأة فقط بل أدافع عن المجتمع كله، أنا متحيزة لمجتمع متحضر يدفع عنه تهمة التمييز بين الرجل والمرأة، تلك التهمة التي مازالت قائمة في مصر والوطن العربي)# مجلة سيدتي 11/03/1985.

بعد كل هذا قدمت أول تجاربها الفيلمية لأفلام التليفزيون تحت اسم (آسفة أرفض الطلاق) إنتاج عام 1985، قصة كتبتها حُسن شاه، سيناريو وحوار نادية رشاد. وقد أثار الفيلم ردود فعل قوية ومؤيدة للفكرة الجريئة التي طرحها.

يقدم لنا الفيلم شخصية الزوجة الهادئة الطيبة منى (ميرفت أمين) التي تفرغ وقتها لزوجها وتربية ابنتها الوحيدة، وتسعى بإخلاص لراحتهما، وتعتبر حياتها مع زوجها عصام (حسني فهمي) كل ما في مجتمعها. ولكن زوجها يفاجئها في العيد العاشر لزواجهما، بأنه يريد الانفصال عنها وبهدوء. تشعر الزوجة في هذه اللحظة بأن كل شيء قد انتهى، وكل أحلامها وكبرياؤها والإنجازات التي حققتها على مدى عشر سنوات تحطمت بكلمات قليلة تفوه بها زوجها. عندها لا تملك إلا أن ترفض هذا الطلاق، بكل قوة لديها استمدتها من سنوات السعادة التي قضتها معه، ترفضه بدون الحاجة لمعرفة الأسباب التي جعلته يتخذ هذا القرار المفاجئ. وبعدما أفاقت من الصدمة، لم تجد معها سوى والديها وصديقتها هناء (نادية رشاد) أستاذة القانون التي أثارها الموقف التي تقف فيه صديقتها. وبدأ الجدل في هذا الموضوع يثير اهتمامها، وهي التي لا تنشغل بمثل هذا الجدل لا في البيت ولا في الجامعة، وبرز أمامها تساؤل وحيد: هل من حق الزوج أن يطلق زوجته بدون استشارتها ؟ مع العلم إن القوانين التشريعية والوضعية تكفل للزوج هذا الحق.. فتنصح أستاذة القانون صديقتها باللجوء إلى القضاء لاستعادة زوجها، وتقرر في نفس الوقت الترافع عنها، بعد أن تركت عملها في الجامعة بدافع عشقها للعدالة، وتبنيها لقضية صديقتها كمثال للتعسف في استخدام الحق الذي يصل إلى القتل، فالأسرة كان حي أيضاً.

وبعد أن يثار هذا الموضوع أمام الرأي العام، وفي وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، بعد كل ذلك لا تنجح أستاذة القانون في إقناع المحكمة بعدالة قضيتها. لكنها تنجح في مبتغاها وهو عودة الزوج لزوجته. وفعلاً يعود الزوج معتذراً ليقول لزوجته أنه سيعوضها عن كل شيء ضاع، ولكن الفيلم ينتهي بهذه العبارة على لسان الزوجة (إللي ضاع ما يتعوضش .. إللي ضاع إحساسي بالأمان).

برغم قوة الفكرة التي اعتمد عليها الفيلم في نجاحه، إلا أن السيناريو قد أخفق في بعض الأحيان. فقد اتصف الفيلم بالمشاهد الطويلة والحوار المسترسل والرتابة المملة، خصوصاً قبل معرفة الزوجة بقرار زوجها. وقد حاولت المخرجة تجنب ذلك بالمونتاج السريع في اللقطات، لتعكس التعبيرات التي تنعكس على وجوه الشخصيات.

لم يقنعنا الفيلم بموقف الزوج من اتخاذ قرار خطير كهذا، ويترك زوجته الشابة والجميلة والثرية والتي تحبه في نفس الوقت وتتفانى في خدمته لمجرد امرأة أخرى كانت حبه الأول. وحتى لو كان هذا التصرف نزوة طارئة، فالنزوة لا يمكنها أن تأتي من فراغ، بل لها أسباب ومقدمات تتعلق بتفاصيل حياة الأسرة.

لم يستفد الفيلم من لغة الصورة في الاهتمام بالتصوير الخارجي، فأغلب مشاهده صورت في أماكن مغلقة ـ كعادة التصوير في مسلسلات التليفزيون ـ ما عدا لقطات قصيرة جداً في النادي والسيارة. واهتم الفيلم باللقطات المقربة بشكل ملفت، باعتباره ينتمي للتليفزيون. ولقد ساهم في نجاح تجربة إنعام محمد علي وتقديم رؤيتها السينمائية الأولى، وجود موضوع جديد وجريء ذو فكرة ومعالجة فنية جيدة.

وتظل النهاية المفتوحة وغير التقليدية، من أهم ما وصل إليه الفيلم من نتائج إيجابية، حيث لم يبين للمتفرج هل عادت الزوجة لزوجها أم إنها رفضت العودة إليه مثلما رفضت رغبته في الطلاق سابقاً. إنه هنا يدق جرس الإنذار في وقت ألغي فيه قانون الأحوال الشخصية، الذي صدر في عام 1979، وفي غيبة من البرلمان الذي رفض من المحكمة الدستورية العليا، ويتجدد الحوار مرة أخرى حول علاقات الرجل بالمرأة في المجتمع المصري.

 

أخبار الخليج في

12.11.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)