جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

إنقاذ ما يمكن إنقاذه ( 2 )

 
 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

بعد حديثنا الطويل عن الرقابة ومواجهتها لفيلم (إنقاذ ما يمكن إنقاذه)، نأتي لنناقش سعيد مرزوق وفيلمه نقاشاً فنياً، بعيداً عن كل ما هو خارج هذا الإطار، مع ملاحظتنا بان غالبية المقالات التي نشرت عن الفيلم، لم تتخذ أسلوب النقد الفني، بل اهتمت بما يطرحه الفيلم من فكرة وموضوع، بينهم من هاجم وبينهم من دافع عن الفيلم ومخرجه.

فالفيلم بشكل عام، اتصف بالمباشرة في الطرح السياسي والفكري، كما انه جاء مشحوناً بالحوار الكثيف، مما أضعف من لغة الصورة السينمائية. فالفيلم يعلن منذ أول مشاهده، وبشكل مباشر، عن مضمونه واتجاهه السياسي، هذا إضافة إلى الشكل السينمائي التقليدي، حيث لم يقدم السيناريو أي جديد، لا علي مستوى اللغة والتعبير السينمائي ولا حتى علي مستوى المضمون.

لقد اعتمد سعيد مرزوق علي نفس الأسلوب الذي قدمه من قبل في فيلمه (المذنبون). أي انه في فيلمه (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) قدم أيضا ما يشبه الريبورتاج المصور، وذلك باستعراضه لما يراه هو من سلوكيات وأخلاقيات صاحبت مرحلة الانفتاح، والتي شاهدناها في أفلام مصرية كثيرة، علماً بان مرزوق هنا قدمها بشكل أكثر جرأة، محاولاً إلباس الفيلم ثوباً سياسياً فضفاضاً ليميزه عن تلك الأفلام.

احتوى الفيلم علي مشاهد لم تمثل أية إضافة ضرورية لمضمون الفيلم، بل وساهمت أيضا في ضعف السيناريو والتمطيط فيه.. مثل مشهد (الفلاش باك) الذي يصور الباشا وهو يطبب المتظاهرين في قصره.. كذلك مشهد حلقات الذكر التي اشترك فيها حسين فهمي وميرفت أمين.. أيضا هناك مشهد الحب التخيلي بينهما، الذي جاء على الأرجح كضرورة إنتاجية تجارية في المقام الأول، هذا بالرغم من انه نفذ بشكل متقن وبارع، محملاً بإيحاء جنسي مثير غير مبتذل.. هذا إضافة إلى مشهد (الفلاش باك) الذي يظهر شخصيات الفيلم أيام زمان وهم في القارب، فقد كان مطولاً لدرجة الملل، بالرغم من الجهد الفني المبذول من المخرج في تنفيذه، حيث جعل مرزوق الكاميرا تدور حول القارب لتكشف عما بداخله من وراء الملايات.. أما مشهد القبض على مسببي الفساد، فقد احتوى على الكثير من المبالغة في الأداء وحشره بمواقف وحوار كوميدي، مما أضعف المشهد وجرده من إيحاءاته الأساسية الجادة، مع ملاحظة إن سعيد مرزوق استخدم شخصية سمير غانم الهزلية في محاولة منه إضفاء طابع كوميدي ترفيهي اعتقد بأنه مرغوب من المتفرج.

عندما أراد سعيد مرزوق كتابة هذا الفيلم، حاول تلافي الانتقادات التي وجهت لفيلمه (المذنبون) وهي عدم توضيح أسباب الفساد وكيفية مواجهته.. لذلك نراه في فيلمه التالي يدين الفساد ويحذر من الآثار التي ستترتب عليه، بل ويدعو في النهاية إلى مواجهته. إلا أن هذا قد أضر كثيراً بالفيلم ولم يفده، باعتبار إن الفن بشكل عام ليس مطلوباً منه تقديم حلول، وإنما التنبيه إلى السلبيات والمشكلات.

لذلك جاءت نهاية الفيلم مباشرة، عندما سيطرت السلطة الأمنية على مجريات الأمور وألقت القبض على شلة المنحرفين. لقد أراد سعيد مرزوق أن يطرح الحلول لكل تلك الانحرافات، ولكنه لم يوفق في ذلك فنياً، فلو انه اتخذ من التحليل الفكري السياسي والاجتماعي عوناً في محاربته لمسببي الفساد، لاستطاع الابتعاد عن تلك النهاية المباشرة والتقليدية التي شاهدناها كثيراً في أفلام الانفتاح وما قبلها.

وبالرغم من كل هذه السلبيات، إلا أن هناك عناصر سينمائية أخرى استفاد منها سعيد مرزوق في فيلمه هذا ووفق في استخدامها.. فقد كان للمونتاج دور كبير في إضفاء نوع من التشويق والحركة على الفيلم.. كذلك التصوير حيث كانت حركة الكاميرا متميزة بل ومبهرة في أحيان كثيرة، وتمتاز بالحيوية والخفة والتلقائية، وذلك أثناء حركتها في المطار وتجوالها في القصر وانسيابها بين زوايا مركز الشرطة ودهاليز المحافظة، فقد كشفت بشكل خاطف وموح، عن بعض مشاكل المواطنين مع الروتين وانتشار الواسطة. كما أن مرزوق قد وفق إلى حد كبير في جعله من مشهد الاغتصاب الأخير دعوة للمواطنين بالمشاركة في التخلص من الفساد، وذلك بتجسيد هذا المشهد من خلال مكبر الصوت. فليس من الطبيعي أن يقف أي مواطن مكتوف الأيدي أمام موقف مثير كهذا، تمثل في صرخات الاستجداء والنجدة التي تطلقها ميرفت أمين من خلال مكبر الصوت. كما إن هذا قد فات على الدين وصفوا الفيلم بأنه يدعو إلى الثورة والإرهاب، بتدخل المواطنين بالعصي في النهاية.

يبقى أن نقول بان سعيد مرزوق بفيلمه هذا قد نجح في تقديم فيلم تجاري جاد، استطاع من خلاله الجمع بين الكوميديا والرقص والحشيش، إضافة إلى النقد الاجتماعي. في محاولة منه لتقديم توابل السينما التجارية، وإعطاء صفة جماهيرية للفيلم وضمان نجاحه تجارياً.

 

أخبار الخليج في

08.05.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)